يؤكد كتاب »المدنية والإسلام«، لمؤلفه محمد فريد وجدي والصادر عن هيئة قصور الثقافة (سلسلة ذاكرة الكتابة) -2009م، على أنه يجدر على المسلمين (في الشرق)استكمال وتهذيب المدنية التي قد تبدو ناقصة، بمعنى أن تكون ناقصة في مفهوم الدين.ولا رفضها، وذلك لأنها نتيجة جهود ضخمة، وهذا الدور هو مناط بالمسلمين الآن، استكمالا لدور أجدادهم، بكل ما صنعه الأجداد، حيث كانت علومهم حلقة من حلقات العلم الإنساني.
ويلفت مؤلف هذا الكتاب، المفكر الإسلامي الراحل محمد فريد وجدي، إلى أنه لاحظ، خلال النصف الأول من القرن العشرين، تلك الهجمة الشرسة على الإسلام، فما كان منه إلا أن كتب ردا عليها في كتابه «تطبيق الديانة الإسلامية على نواميس المدنية»، باللغة الفرنسية.والذي ترجمه بعنوان «المدنية والإسلام»، متوخيا فيه، كما في غيره من الكتابات والأبحاث التي قدمها، عرض الإسلام كما انزل، وتصفيته مما شابه من أفكار الأعداء والحاقدين، بصورة يقبلها العقل، مستشهدا بآراء كبار الفقهاء والعلماء، وبالآيات القرآنية، ومركزا، منذ ذلك الوقت، على تناول القضايا الحياتية الملحة، مثل قضية المرأة في الإسلام، وترجمة معاني القرآن، وغيرها.
ويشير المؤلف إلى أن الفكرة التي ينطلق منها في مسألة الدين والمدنية (موضوع الكتاب)، تتمثل في أن الإسلام أساس حقيقي للتقدم، قائلا: «إن كل ترق يحصل في العالم الإنساني ليس هو إلا تقربا إلى الإسلام»، وينطلق من هذا الأساس إلى طرح تساؤل محوري، مفاده: هل يمكن أن تتفق المدنية والإسلام؟ وهل تطبيق المدنية ينافي الدين؟
حيث يجيب وجدي على ذلك بان الإسلام فتح باب الارتقاء الروحي ووسع مداه، كما فتح باب الارتقاء المادي، فلم يحرم علما نافعا، ولم يضع للعلوم حدودا». وقد قسم وبوب وجدي أفكاره في هذا الكتاب، تحت عناوين رئيسية، دون استخدام الفصول أو الأقسام، وعلى رأسها: مقدمات: «الإنسان»، شارحا انه هو ذلك الجسم المادي الذي يتناوبه النمو، ويقوى لما يدركه الضعف والهرم.
ويتابع الكاتب في توصيف التاريخ الإنساني ككائن يتقدم ويتحضر، بعد أن كان عاريا على الأرض، وحيدا في الغابات بين الحيوانات، حتى أصبح ما أصبح عليه الآن من تقدم، ويرى وجدي في ذلك دليلا على أن الإنسان يملك طاقات هائلة، إذ إنه عاش على الأرض يصارع ويكافح، حتى كانت الحروب وغيرها، ولا يغفل الكاتب في هذا السياق الحديث عن العامل النفسي في رقي الإنسان، وهو العامل الذي حفظ الإنسان من الخضوع لمؤثرات محددة، وهو نفسه العامل الذي دفعه إلى تأليف علوم الأخلاق والبحث في الإلهيات وعلوم الحكمة (الفلسفة).
ويتوقف وجدي في مناقشاته مع عنوان خاص هو «الدين والعلم»، حيث يشير إلى ما كان من منابذه بين رجال الدين ورجال العلم في أمم كثيرة، عارضا في هذا الصدد للعديد من الآراء.ويخلص بعدها إلى أنه من المستحيل أن تزول غريزة التدين، فللدين ضرورته لرقي الفرد والمجتمع.
وينتقل المؤلف لشرح جوهرية المفاهيم والقيم الإسلامية، مبينا انه دين قائم على ركائز الخير والحق والعدل، ويرنو دوما إلى التطور المديني الإنساني والارتقاء العلمي، كونه يؤمن بحقيقة إن الإنسان حر بطبعه، خاصة وأنه جاء في وقت كانت فيه الدنيا بأسرها خاضعة للفرس أو الروم.حيث أن الأولى كانت تزعزعها القلاقل، والثانية كانت على جانب من عظمة مدنيتها، وبنيت عظمتهما على دعائم حرية النفس، وحرية العقل، وحرية العلم.وجاء الإسلام فبان معه أن الثلاثة بعض من قواعد الإسلام، وهو ما كان حقيقة سر انتشاره في الدولتين وغيرهما.
ويبرهن المؤلف وجدي على تلك الأسس، موضحا انه في حرية النفس، جاء الإسلام بأساس المساواة، وفى حرية العقل كذلك، مشددا على أن الدين والعقل هما في صيغة تكاملية وموحدة، وأيضا حرية العلم، وغيرها.
ويتطرق المؤلف إلى مجموعة القواعد الثانوية عن الأسس السابقة، مفسرا أنها هي «الواجبات الشخصية»، وقد أعطى الإسلام أربعة أمور لتهذيب النفس: تطهيرها من دنس الأوهام، وتهذيبها بالمعلومات الصحيحة، تعويدها على مكارم السجايا، تصحيح العقيدة.
وأما «المطالب الجسمية»، فتجيء بعد صحة العقل (المشار إليها سلفا)، لأن الإسلام لا يبيح أن يتهاون المسلم بأمر صحته، وليعلم المسلم أن للجسم مطالب، كالغذاء المعتدل دون إفراط، بل الاعتدال في الشهوات الجسمية كلها.
وتأتي بعدها «الواجبات العائلية»، مثل إصلاح حال الأسرة أدبيا، بإعطاء الزوجة حقها، وإعطاء الصغار الرعاية الواجبة.ومن ثم الواجب العائلي الثاني، وهو إصلاح حال الأسرة ماديا .كما يعد «مقام العمل» في الإسلام، من دعائم المدنية، وكذا فإن الإسلام لا يغفل جانب وقت الترويح عن النفس.
ويفرد الكاتب بحثا موسعا في مؤلفه، للحديث عن أهمية الواجبات الاجتماعية في الإسلام حيث أن المجتمع المتمدن، هو اجتماعي جماعي متعاون ومتكامل، وتنقسم إلى واجبات المسلمين في ما بينهم، معتمدين في ذلك على دلالات آيات كريمة، وجملة أحاديث شريفة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
الكتاب: المدنية والإسلام
تأليف: محمد فريد وجدي
الناشر: هيئة قصور الثقافة ، سلسلة ذاكرة الكتابة2009
الصفحات: 168صفحة
القطع: الكبير
ساحة النقاش