«الجسر» هو كتاب عن حياة باراك اوباما وعن قصة صعوده، كما يقول عنوانه بوضوح.
ويبدأ فيه الصحافي الأميركي الشهير الذي سبق له وكتب سيرة حياة محمد علي كلاي ونال عليها عدة جوائز من سنوات الطفولة التي انتقل فيها الطفل باراك بين عدة بلدان، خاصة في كنف جدّيه بعد عودة والده إلى مسقط رأسه في كينيا بإفريقيا وغياب والدته في مسار حياتها بعيدا عنه.
إن المؤلف يعود في هذا الكتاب إلى الحديث عن «المعارك» التي خاضها باراك أوباما، ومن أوّلها تلك المتعلقة بالمطالبة بحقوق الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية «مثله». ولكن كان «دائما للرئيس الأميركي الحالي مفهوما خاصا». ذلك على أساس أن النضال «بالنسبة لأوباما، من أجل تحرير السود لا يخص التجربة الإفريقية- الأميركية فحسب، ولكنه يحدد مصير التجربة الأميركية نفسها»، كما نقرأ.
وقد اختار المؤلف عنوان هذا الكتاب «الجسر» على خلفية ذكرى صدام بين رجال الشرطة والمتظاهرين في بلدة سيلما بولاية «الاباما» يوم 7 مارس-آذار 1965، واستخدمت فيها قوات الأمن الهراوات والقنابل المسيلة للدموع ضد المطالبين بالحقوق المدنية. كان ذلك بالقرب من جسر «ادموند بتيوس» في يوم تدشينه. كانت تلك إحدى أكبر صدامات المطالبة بالحقوق المدنية للسود عنفا. وكان عمر باراك اوباما آنذاك 4 سنوات.
وأمام الفرضية الشائعة القائلة أن هناك «معضلة أميركية» تتمثل في «المشكلة السوداء والديمقراطية الحديثة» يقدّم المؤلف أطروحته بأكثر من 650 صفحة ويشير فيها أن ذلك الطفل المولود «في هونولولو» من أميركية من كنساس وأب من كينيا بإفريقيا سوف يستطيع فيما بعد أن يصنع أمّة «عبر جسر ادموند بيتوس». ورغم أن باراك اوباما كان صغيرا جدا آنذاك فإنه لم يفقد أبدا حماسه بعد ذلك «الأحد الدامي».
وعندما وصل اوباما إلى خوض المعركة الانتخابية في عام 2007، كانت جميع استطلاعات الرأي تدل على أن هيلاري كلينتون تسيطر على الناخبين الديمقراطيين، بما في ذلك ذوي الأصول الإفريقية منهم. لكن اوباما «عرف كيف يقدّم نفسه كممثل لحركة المطالبين بالحقوق المدنية». ذلك عبر مباركة القس «اوتيس موس» ذي الشهرة الكبيرة. يقول المؤلف: «بتعبير آخر لقد صعد اوباما إلى المنصّة مدعوما برسالة مباركة من قبل أحد الآباء الروحيين لحركة الحقوق المدنية».
وانطلاقا من ذلك الموقف يبحث دافيد رومنيك في سيرة حياة اوباما وتفاصيلها الدقيقة بمختلف مراحلها. ويعتمد بذلك على العديد من المقابلات التي أجراها مع شخصيات قريبة من اوباما، كأفراد أسرته، ومع شخصيات بعيدة مثل «كولن باول»، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، والمؤرخ «جيل لوبور» و«مارك سالتير» المقرّب من جون مكين، المرشح الجمهوري الذي واجه اوباما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وأيضا لقاءات مع اوباما نفسه.
إن مؤلف هذا الكتاب يدعو قارئه عامة، والقارئ الأميركي بصورة خاصة، إلى تفحّص «سيرة حياة باراك اوباما وقصّة صعوده»، وكأنه «ارث مشترك» لعموم أميركا. لكن من الواضح أن المؤلف يحمل الكثير من التعاطف حيال باراك اوباما، لكن هذا لم يمنعه من أن يرسم له صورة فيها قدر كبير من الصراحة والوضوح وروح النقد أحيانا.
ولكن إلى جانب التأكيد على العديد من الصفات التي ليس أقلّها الاستقامة. وينقل المؤلف عن الجمهوري «بيل برادي» قوله أثناء مواجهة اوباما في اللينوا بالقول: «أنت اشتراكي بأموال الجميع، بما في ذلك مالك الخاص».
ومن الصفات الهامة التي يؤكد عليها مؤلف «الجسر» تأكيده أن اوباما بعيد تماما عن المشاعر العنصرية، ذلك أنه عاش عزلة في هاواي بدون أب وبدون وجود مجموعة سوداء حوله. وإذا كان قد تبنّى قضية السود وحقوقهم المدنية فقد كان ذلك عبر القراءة والمطالعة ثم بواسطة زواجه من السيدة ميشيل».
وينقل المؤلف في هذا السياق تأكيد مقرّبين منه أنه لم يدرك معنى مشاعر أن يكون المرء أسودا سوى في مرحلة من شبابه. هذا القول فيه «شيئا من المبالغة »،كما يقول المؤلف ثم يضيف مباشرة: «لكن ليس كثيرا». بكل الحالات يؤكّد أن المسألة العنصرية لم تكن أكثر من تفصيل صغير «لا يُذكر» في سيرة حياة باراك اوباما.
إن «الجسر» هو في أحد وجوهه، وإلى جانب قصة حياة اوباما وصعوده» تأريخ لأميركا التي تتغيّر». ذلك انطلاقا من «جسر» بلدة سيلما في الاباما يوم 7 مارس عام 1965 وحتى انطلاق حملة اوباما من «كنيسة براون» في البلدة نفسها يوم 4 مارس-آذار 2007. كان خصومه يومذاك، من جمهوريين وديمقراطيين، لا يريدون سوى شيئا واحدا هو إنهاء الرجل».
أما الملامح الأساسية للصورة التي يرسمها دافيد رومنيك لاوباما في هذا الكتاب فتقدّمه كرجل «عملي، براغماتي» ينتمي إلى تيار «وسط اليسار» و«سياسي بارع» يمثّل التنوع في أميركا. ولا ينسى المؤلف التأكيد على الدول الذي لعبته السيدة ميشيل اوباما زوجته.
ويشير أنها «أخذت الحديث» مع الصحافة أثناء الحملة الانتخابية بمقدار زوجها تقريبا. وقد استطاعت المحافظة عل شعبيتها عندما انخفضت شعبية زوجها، بعد تولّيه الرئاسة، كما تدل استطلاعات الرأي.
يقول المؤلف: «أعتقد أنها مفتاح أشياء ... إنها النموذج الذي يبدو وأنه كان يبحث عنه».
لم يكن اوباما عنصريا أبدا لكنه جعل من الحقوق المدنية للسود ولغيرهم قضية حياته. ويوم تنصيبه رسميا كرئيس كتب ل«جون لويس» أحد رموز مظاهرات مارس 1965 في سيلما جملة تقول: «هذا من فضلك جون، باراك اوباما».
الكتاب: الجسر، سيرة حياة باراك اوباما وصعوده
تأليف: دافيد رومنيك
الناشر: كنوبف نيويورك 2010
الصفحات: 672 صفحة
القطع: المتوسط
ساحة النقاش