authentication required

هناك جملة شهيرة للروائي الفرنسي «اندريه جيد» تقول «أيتها الأسرة إني أكرهك»، ذلك على خلفية نظره للأسرة ك«مؤسسة للقمع» بمعنى ما.


ومن هذه الجملة بالتحديد استوحى المحامي والكاتب الفرنسي ايمانويل بييرا، المختص بمسائل الملكية الفكرية، عنوان كتابه الأخير، مع استخدامه لكلمة «الأسرة» بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد، ذلك كتعبير عن «جشع الأسر». ويقصد بالتحديد الأسر «وريثة المؤلفين»، كما جاء في العنوان الفرعي للكتاب.إن المؤلف المحامي يقدّم في هذا الكتاب توصيفا لسلوكيات ورثة الكتاب الكبير فيما يتعلق بالملكية الفكرية للمبدعين بعد رحيلهم ولحقّ الانتفاع بمخطوطاتهم «غير المنشورة».ولا يتردد في القول أن الأمر ينتهي في أغلب الأحيان باللجوء إلى المحاكم من أجل تصفية خلافات تتعلق بأموال الملكية الفكرية الموروثة من مبدعين ومفكرين كانوا قد شغلوا العالم بما قدّموه أو حتى ساهموا في تغيير مجرى التاريخ. ومن الزاوية القانونية يغدو أقرباء الكتّاب الكبار هم ورثتهم الشرعيون.

والإرث الذي يتركه الفنانون والكتّاب والفلاسفة تعود مسائل تسييره وإدارته لهؤلاء الورثة. لكن هؤلاء ينظرون في أحيان كثيرة لهذا الإرث على أنه «سلعة».

وهؤلاء الورثة، والأسر الوريثة، بمفردها أو بتشكيل نوع من «العشيرة» التي يستفيد أفرادها ب«نصيب» من الإرث، هم الذين يرسم المؤلف صورتهم.وما يؤكد عليه أن همّهم الأكبر في جميع الحالات تقريبا، والاستثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها، هو اقتسام الموارد دون النظر إلى ما كان يريده المبدع-المنتج من عمله، بل لا يترددون غالبا في إعاقة البحث إذا أراد البعض القيام فيه.

إن «الحكايات» التي يرويها المؤلف عن الحالات التي يدرسها تتسم كلها، كما يعبّر، بكونها شبيهة بالروايات البوليسية الزاخرة ب«الطعنات في الظهر» و«المثول أمام المحاكم» و«النهش المتبادل من أجل المال».

هذا مع الإشارة إلى أن ظاهرة اللجوء إلى المحاكم «تعاظمت» في العقود الأخيرة قياسا للفترات السابقة. وبكل الحالات عندما «يرحل الرجل العظيم» يغدو الوريث هو بالوقت نفسه «الرقيب والمسؤول عن تسيير آلة جلب الأموال».

إن المؤلف يستعرض في الجزء الأكبر من الكتاب ما حلّ بإرث عدد كبير من المبدعين وما عرفه ورثته من إشكاليات ونزاعات فيما بينهم ومع الآخرين هكذا مثلا تدور اليوم «حرب» حقيقية بين ورثة مخترعي شخصية «استيريكس» الشهيرة في فرنسا وبين ناشري سلاسلها الطويلة.

وفي حالة «تانتان» لا يتردد ورثة مبدع هذه الشخصية «هيرجيه» بتقديم شكوى للمحاكم ضد كل من يتصرّف ب«حقوق الملكية الفكرية» الموروثة.

وإذا كان انطوان دو سانت اكزوبيري قد عاش طيلة حياته في حالة ضنك مالي كبير، فإن روايته الشهيرة «الأمير الصغير» تدرّ اليوم أموالا طائلة.

ذلك أنه أحد أكثر الكتب رواجا حتى الآن في العالم إلى جانب «الإنجيل»، كما يشير المؤلف. وهناك بعد المؤلف «فئتان» تتعارضان.

الأولى يمثّلها أحفاد الكاتب الكبير، والثانية ممثلة بخوسيه مارتينيز فروكتيوزو، السكرتير الخاص لكوتسويلو، أرملة سانت اكزوبيري.

أحفاد الكاتب رفعوا دعوى للقضاء ضد السكرتير الخاص لزوجته الذي يتهمونه بنشر «رسائل حب الكاتب لكونسويلو».

ويشير الكاتب أن أكثر ما يثير الصدمة في هذا الموضوع هناك المفارقة بين الخطاب عن الطبيعة الإنسانية العميقة في كتابات سانت اكزوبيري وبين أجواء المنافسات والحقد بين القائمين على إدارة إرثه الفكري.

ومن الأمثلة التي يتعرّض لها المؤلف إرث «جيمس جويس» حيث أن الجميع ينتظرون عام 2012 حيث «ستصبح الحقوق الفكرية لمؤلف اوليس ملكية عامة»، الأمر الذي يعني أن حفيده «ستيفن» الذي يستغل «سلطته الأخلاقية» كوريث للكاتب الكبير كي يفرض «هيمنة» ويمنع القيام بأي عمل لا يوافق عليه بشكل «تعسفي» ودون أية حجج مقنعة، وحيث:

«قرر أنه لا يمكن المساس بأعمال جدّه بدونه. ووصل به الأمر إلى محاولة منع معرض في المكتبة الوطنية بمئات الذكرى المئوية الثانية لولادة جويس».

وكانت «ماريا كوداما» طالبة عند جورج لويس بورخيس، ثم أصبحت مساعدته وهو الضرير وانتهى الأمر بزواجها منه قبل ثلاثة أشهر من وفاته عام 1986 وحيث أعلنها «وريثته بشكل كامل».

وإذا كانت قد ساهمت كثيرا في نشر أدب زوجها في مختلف أنحاء العالم فإنها ظهرت في غاية «التشدد» حيال كل من «يمس» هذا العمل. وهكذا دخلت في صراعات مع ناشريه وأوقفت نشر سلسلة «بلياد» الفرنسية الشهيرة لأعماله بعد المجلّد الثاني.

ولا يبدو أن الحرب ستتوقف.
ويرى المؤلف أنه من المدهش أن لا يترك الفيلسوف ميشيل فوكو أي «أثر مكتوب» حول إرثه الفكري عندما عرف أنه مصاب بمرض قاتل. وهناك جدل كبير حول هذا الإٍرث خاصة أنه نُقل عن الفيلسوف قوله أن «لا نشر لأعماله بعد وفاته».

ويصل المؤلف في المحصلة إلى القول أن أولئك «الكبار» لم يفكروا أبدا أن ورثتهم سوف «يتقاتلون» بعد موتهم «من أجل حفنة من المال». والكل يعرف أن نشر «أعمال غير منشورة» لمبدعين كبار بشكل اليوم «صناعة رائجة ورابحة جدا».

الكتاب: جشع الأسر، ورثة المؤلفين

تأليف: ايمانويل بييرا

الناشر: هويبيك باريس 2010

الصفحات: 300 صفحة

القطع : المتوسط

المصدر: جريدة البيان
  • Currently 150/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
50 تصويتات / 525 مشاهدة
نشرت فى 9 يونيو 2010 بواسطة books

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

67,966