الموضوع الرئيسي لكتاب «عالم مجزأ» الذي يقدمه «سيرج سور»، الأستاذ في جامعة السوربون هو «العلاقات الدولية في فجر القرن الحادي والعشرين»، كما يدل عنوانه الفرعي.

وتتم دراسة هذه العلاقات الدولية من خلال عشرة فصول - محاور يتعرّض كل منها لموضوع محدد بحيث جاءت تحمل العناوين التالية: وهم الحكومة العالمية، وتشنجات القوّة، المعتقدات والقيم، مخاطر كونية، تهديدات كونية، توترات ونزاعات، تأرجحات اقتصادية، مجالات ومناطق، دول في حالة حركة وأخيرا الورشة الأوروبية.نقطة الانطلاق في تحليلات هذا الكتاب تأكيد المؤلف أنه، وعلى عكس ما يمكن، أن يوحي به الخطاب العالمي السائد اليوم، ليس هناك ما يسمح بالقول ان نوعا من الحكومة الدولية هو الذي يقوم بتسيير أمور العالم. بل على العكس يرى أن قوى الانكفاء على الذات والاحتماء وراء جدار الخصوصيات والهويات القومية تتعزز واقعها وبالتالي هناك أرجحية لميول التباعد بالقياس إلى «ديناميات» التوحيد.

لكن بالمقابل يتم التأكيد أن ملامح عالم متعدد الأقطاب ترتسم في الأفق الحالي. هذا مع التمييز بين «تعددية الأقطاب» و«تعددية الأطراف» التي تفترض البحث عن أغلبية تمتلك قناعات مشتركة وتسمح بالتجمّع حول زعامة دولة أو مجموعة دول أو رأي عام. أما تعددية الأقطاب فإنها تعبّر بالأحرى عن نوع من الانقسام ومن توازن القوى. هذه القوى يمكن أن تمثلها دولة أو مجموعة دول.

والأقطاب التي يراها المؤلف في عالم اليوم تتمثل في الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. وضبط إيقاع تسيير أمور العالم يمر بالضرورة، حسب رأيه، من خلال الاتفاق بين هؤلاء الأقطاب الرئيسيين.

تتم الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة لا تقبل بسهولة فكرة «أوروبا» كقوة قائمة بذاتها. وكانت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، قد وجّهت انتقادها القوي والصريح لنظام يدعو إلى توازن مستحيل، هذا فضلا عن أنه كان قد قاد إلى حروب انطلقت من أوروبا ثم أصبحت كونية. وأضافت رايس أنه لا بد من وجود زعيم، زعيم واحد.

ويكرّس المؤلف عددا من صفحات هذا الكتاب للحديث عن «خصوصيات» الاتحاد الأوروبي ذي البنية «الرخوة»، الأمر الذي أدى إلى تعاظم دور الدول الأعضاء. كما تتم الإشارة في هذا الإطار إلى واقع وجود نوع من «المحاور» داخل الاتحاد الأوروبي. هناك أولا المحور الفرنسي - الألماني الذي «تراخت أواصره» في الفترة الأخيرة كون أن لألمانيا شركاء آخرين.

وهناك نوع من «ائتلاف» بلدان أوروبا الشمالية، وآخر يخص الأعضاء الجدد، أي بلدان أوروبا الوسطى والشرقية (الشيوعية سابقا). هذه الدول الأخيرة تتميز خاصة بتقاربها مع الرؤية الأطلسية (الأميركية) فيما يخص العلاقات الدولية.

وفي المحصلة يميّز المؤلف اتجاهين أساسيين في الاتحاد الأوروبي حاليا. الاتجاه الأول يقوّي من مسيرة التوحيد الأوروبي على قاعدة تبنّي «اليورو» كعملة أوروبية. والاتجاه الثاني يعمل في الاتجاه المعاكس حيث يُباعد، إلى حد ما، بين الدول الأعضاء بعد عمليتي توسيع إطار الاتحاد الأخيرتين، أي في عام 2004 وعام 2007.

ولا يتردد المؤلف في القول ان دول أوروبا الشرقية والوسطى لم تندمج تماما مع «الفكرة الأوروبية» التي تتضمن حكما نسيان نزاعات الماضي تماما. والتأكيد على مسألة السلام مع الذات و«السلام مع الجيران».

المثال على هذا النسيان للماضي يجده المؤلف بوضوح بين ألمانيا وفرنسا اللتين تجاوزتا قرنا من النزاعات والحروب كي تدخلا في منطق التعاون والتقارب بحيث انهما تمثلان معا الآن ما يسمّى ب«محرك الاتحاد الأوروبي».

ويرى المؤلف أنه على الدول المعنية مواجهة تحديات ثلاثة. تحدّي الديمقراطية وتحدي اقتصاد السوق وتحدي الاندماج الأوروبي. وبهذا المعنى يرى أنه كان هناك نوع من العجالة في ضمّها إلى الاتحاد الأوروبي لأسباب سياسية وليس لأسباب موضوعية.

ويخلص المؤلف إلى القول انه إذا كانت التعددية القطبية أمرا جيدا ومطلوبا على صعيد العلاقات الدولية فإنها أمر سيئ وسلبي إذا جرى تطبيقها داخل الاتحاد الأوروبي. وعلى أساس «الاستقطاب» وليس «التوحيد».

هذا لا يمنع تأكيد قناعته أن الاتحاد الأوروبي هو نوع من التوجه الفدرالي بالمعنى العريض للكلمة لكنه لن يصبح أبدا «دولة اتحادية، فدرالية»، ذلك أن بناءه قام انطلاقا من تقنيات القانون الدولي نفسه.

ورغم النواقص العديدة التي يحددها المؤلف في البناء الأوروبي المشترك بصيغته القائمة اليوم، فإنه يجده نموذجا هاما. هذا خاصة إذا جرت مقارنته مع بقية مناطق العالم.

لكن المستقبل مفتوح لاحتمالات كثيرة، والعالم يصبو إلى قيام نوع من الحكومة الدولية. البعض يرى صورتها الجنينية في قمة العشرين، لكن المؤلف يُبدي عدم قناعته بأنها يمكن أن تكون الحل.

بكل الحالات إنها تشير إلى وجود النوايا والتطلع والوعي. وهنا يتم التذكير بحالة «الصفاء» التي عرفتها سنوات الثلاثينات السابقة والتي انتهت بقيام الحرب العالمية الثانية.

وما يجده المؤلف مصدر اطمئنان، إلى حد ما، هو واقع أنه ليست هناك اليوم دولة تريد تحقيق أهدافها عن طريق الحرب. ويرى في هذا تبدّلا كبيرا يرجع إلى التحول الذي أسس له ميثاق الأمم المتحدة (لكن الحالة الإسرائيلية تقول شيئا آخر).

الكتاب: العالم المجزأ

تأليف: سيرج سور

الناشر: مركز التوثيق الفرنسي باريس 2010

الصفحات: 176 صفحة

القطع : المتوسط

المصدر: جريدة البيان
  • Currently 165/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
55 تصويتات / 383 مشاهدة
نشرت فى 8 يونيو 2010 بواسطة books

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

67,572