شكل مرض نقص المناعة المكتسب «الايدز» أحد أكثر الأوبئة فتكا منذ نهايات القرن العشرين، خاصة بالنسبة للقارة الإفريقية السوداء. والصحفي والكاتب الجنوب إفريقي «جوني ستينبرغ» كرّس كتابا لما فعله «الايدز» من تخريب في هذه القارة تحت عنوان: «وباء من ثلاثة حروف» أي فيروس HIV.



إن المؤلف يقدّم صورة للآثار «أو لغياب الآثار» التي تركتها حملات مكافحة المرض القاتل عبر توزيع مجموعة الأدوية المعروفة بمضادات الفيروسات. ويركّز في بحثه على المناطق الريفية الفقيرة من بلاده جنوب إفريقيا.إن إفريقيا هي أكثر مناطق العالم معاناة من مرض نقص المناعة المكتسب حيث يعيش حوالي 40 مليون نسمة من الأشخاص المصابين بالفيروس، كما تشير الإحصائيات المقدّمة، أي ما يعادل ثلثي المصابين على الصعيد العالمي منذ الكشف عن الوباء حتى اليوم. لكن مع ذلك، يؤكد المؤلف أنه من النادر تماما طرح الأسئلة الخاصة بالمرض مع الغياب شبه الكامل لعمليات اللجوء إلى اختبار الكشف عن وجوده بصورة طوعية من قبل المعنيين.

لكن المشكلة الكبرى ليست في الكشف عن الإصابة بالفيروس، ولكن، كما يشرح المؤلف، هو أنه في حالة تأكد الإصابة فإن الأطباء لا يملكون الكثير مما يمكن أن يقدموا للمصابين.

لذلك ليس هناك حملات حقيقية لحثّ المواطنين على إجراء الاختبارات، خاصة في الفترات السابقة. مع الإشارة إلى أن الأمر قد تحسّن قليلا في السياق الحالي حيث هناك حوالي ثلاثة ملايين من الأفارقة المصابين بالفيروس يحظون بالعلاج المعروف للحدّ من نشاط «الفيروس».

وهؤلاء يشكلون في الواقع حوالي ثلث الذين هم بحاجة لتلقّي العلاج.ويرى المؤلف أن هذا «ليس كافيا» بالطبع، لكن نسبة الأفارقة الذين يحصلون على العلاج المضاد للايدز ليست أكبر من نسبة أولئك الذين يتلقون العلاج ضد مختلف الأوبئة الأخرى المزمنة المنتشرة في القارة.

وفي مقدمتها الملاريا.ولا يتردد المؤلف في القول ان «القمع» الاجتماعي الذي يواجه كل ما يتعلّق بمرض نقص المناعة المكتسب، يمثل أحد الأخطار التي تزيد من تفاقم الآثار السلبية للمرض. هذا «القمع» هو الذي يمنع طرح السؤال على «الشريك» إذا كان مصابا بالفيروس أو لا، أو أنه قام على الأقل باختبار الكشف عن الإصابة به.

وهذا «القمع» هو الذي يمنع من يشكّون ب«احتمال إصابتهم بالفيروس» من إجراء الاختبار. هذا ولو كانت إمكانية المعالجة الدوائية قد أصبحت أكبر اليوم، وحتى في إفريقيا التي تتلقى مساعدات ضخمة من المنظمات الدولية المعنية.

ومن خلال البحث في آليات التعامل «الاجتماعي» مع مرض نقص المناعة المكتسب، كشفا ومعالجة، في المناطق الريفية بجنوب إفريقيا يبحث المؤلف عن الأسباب العميقة التي تؤدي إلى قدر كبير من «التبذير» في الحياة الإنسانية. ويجد جذور هذه الأسباب في التاريخ والمكانة الاجتماعية والمفاهيم الخاصة بالرجولة والحداثة والعامل العنصري.

هذه الأمور كلها وغيرها تدفع الكثير من سكان الأرياف المعنية إلى عدم القيام بأي جهد أو مسعى للخوض بكل ما يتعلق بمرض «الايدز». وهذا كل ما يتم تلخيصه بالسؤال التالي: ماذا سيقول الجيران؟

وفي سياق الواقع الذي تعرفه جنوب إفريقيا، أي البلاد الأكثر تطورا وثراء في القارة السوداء والأكثر ديمقراطية أيضا، يحدد المؤلف القول ان السلطات الرسمية والناخبين الذين يحددون طبيعة الحكومة المسؤولة عن تسيير أمور البلاد، يتحمّلون جميعا المسؤولية، إلى هذه الدرجة أو تلك، في «السماح» لفيروس «الايدز» بالانتشار الكبير بين أوساط السكان بعيدا عن أية «حماية».

تجدر الإشارة إلى أن المؤلف يستعرض حالة «الايدز» في أرياف جنوب إفريقيا ويعرض أفكاره من خلال عدد من الحالات، وخاصة حالة «سيزوي ماغادالا».

ويشير إلى أن هذا «اسم مستعار». لماذا؟ بسبب «القمع الاجتماعي» والمدعو هو ابن احدى القرى في منطقة «الكاب المغربي» بجنوب إفريقيا. وكان «ذكيا» إلى درجة أنه عرف مبكرا أن مرض «الايدز» معناه الموت المحتوم. بل ويعرف أن الأدوية «المضادة للفيروسات» يمكن أن تساهم في إنقاذ المصاب من براثن الموت لفترة على الأقل.

ويعرف أنه في حالة كشف الاختبار أن الشخص المعني «يحمل الفيروس» فإنه يمكنه الحصول على الأدوية مجانا قبل حدوث المرض. لكن مع ذلك كله يرفض تماما إجراء الاختبار الخاص بالكشف عن الإصابة بفيروس الايدز.

إن المؤلف يحاول عبر شخصية «سيزوي» الكشف عن أسباب التناقض في التعامل مع المرض القاتل، والذي يمثل حالة عامة لدى الأشخاص المعرّضين للإصابة.

تتم الإشارة هنا إلى أن شخصا من أصل كل خمسة أشخاص من المصابين بالفيروس في نيويورك ولندن أو غيرهما من المدن الكبرى، لا يعرف إصابته بالفيروس قبل ظهور أعراض المرض. التردد أمام الاختبار أكثر بكثير في إفريقيا وحيث يموت ربع المصابين منذ السنة الأولى لإعلان المرض.

وكتاب عن قصة إفريقيا عامة مع مرض الايدز، هذا المرض الذي ارتبط بأذهان الأفارقة ب«الشر»، والإصابة فيه تمثل بدورها «شرا»، ارتبط مع الموت الرهيب بعد أن يتحول المصابون فيه إلى مجرد «هياكل عظمية».

والمشكلة هي أن عدد المصابين في ازدياد مستمر. والمشكلة أيضا هي أنه لا يمكن استخدام المنطق من أجل التنبؤ بسلوكيات البشر أمام الخطر. وهذا ما يذكرنا به المؤلف من خلال تأمله الإنساني بحالة صديقه «سيزوي».

الكتاب: وباء من ثلاثة حروف

تأليف: جوني ستينبرغ

الناشر: فينتاج لندن 2009

الصفحات: 240 صفحة

القطع: المتوسط

المصدر: جريدة البيان
  • Currently 125/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
41 تصويتات / 534 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,303