جميع البشر يضحكون، أو على الأقل مارسوا الضحك ذات يوم في حياتهم. لكن ما هي آلية الضحك؟ ولماذا يضحك البعض أكثر من غيرهم؟ الكاتب والمحلل النفساني الفرنسي دانييل سيبوني، أحد تلامذة جاك لاكان، يكرّس كتابه الأخير للحديث عن «معاني الضحك».
إن المؤلف يحاول تفسير ظاهرة الضحك ودلالاتها بالاعتماد على نظريات فيلسوف مثل برغسون عندما تحدث عن «الضحك المرتبط بموقف» ومحلل نفساني مثل سيغموند فرويد و«الضحك كفعل مضاد للكبت» وشاعر مثل شارل بودلير و«الضحك الشائع». ومن خلال هذا كله يعطي المؤلف للضحك بعدا ومدى رمزيين.ويعتبره كوسيلة لتحديد العلاقة مع الآخر ومع الذات إنه يبحث في هذا كله عبر مجموعة كبيرة من الأمثلة الشهيرة لبشر حاولوا دفع الآخرين نحو الضحك كوودي آلن، المخرج السينمائي الأميركي الشهير، أو غي ديفوس، أحد أشهر الفنانين الساخرين في القرن العشرين بفرنسا، وهو يؤرخ ل«معنى الضحك» منذ الأزمنة القديمة حتى الفترة الراهنة.
تتم الإشارة إلى أن برغسون وفرويد كانا قد درسا ظاهرة الضحك سابقا وما تستدعيه من «تشغيل بعض عضلات الوجه». لكن المؤلف يرافق قارئه إلى المسرح ل«حضور» عدد من «الوصلات» التي تقدّمها الفنانة الساخرة «آن رومانوف» وتجعل الجمهور في حالة ضحك لا تنقطع. كذلك يشرح «معاني الضحك» ضمن سياقها التاريخي وارتباطها بمجموعة معينة من البشر كاليهود أو بشخصيات شهيرة مثل جوزيف ستالين. وفي كل الحالات يرى أن للضحك علاقة بين هوية صاحبه وعلاقته مع الآخرين.
هكذا يُحكى أن «ستالين كان يترأس ذات يوم اجتماعا للحزب الشيوعي السوفييتي فتوقف فجأة عن الحديث عندما عطس أحدهم، وسأل: «من فعل ذلك؟ فخيّم صمت الموتى. قام ستالين بإعدام الصف الأول. لكن لا إجابة دائما عندما كرر السؤال: من فعل ذلك؟. فدفع الذين كانوا في الصف الثاني حياتهم، وكرر ستالين السؤال، فقام رجل من أحد الصفوف وقال: «أنا فعلت ذلك». فقال ستالين: «سلمت صحّتك، أيها الرفيق».
إذا كانت هذا الدعابة أثارت ضحكتكم، فإن دانييل سيبوني يرى تفسير ذلك بوجود علاقة كامنة وراء «الضحك» بين «الغريزة والعقل» و«الروح والمادة» و«القاعدة والاستثناء» و«النظام وحدود هذا النظام» و«التعبير عن المواقف وكبتها».
هكذا مثلا يرى أن رؤية الأطفال لمنظر ما قد تثير ضحكهم، لكن إذا حصلت الرؤية بوجود الأهل فإنها تثير لديهم «القلق والشعور بالضيق». بهذا المعنى يمكن للضحك أن يكون وسيلة ل«نجاة الإنسان لفترة قصيرة من هويته وأن يعبٍّر بحرية وخفة أكثر «من المعتاد». إن الضحك «يخلق شيئا من الفراغ فيما هو ممتلئ وشيئا من اللعب في قلب النظام وشيئا من القطيعة فيما يتكرر باستمرار».
وإذا كان المؤلف يؤكد على ظاهرة «الضحك» كنوع من التواصل مع الآخرين، فإنه يتحدث بالمقابل عن أولئك الذين «لا يعرفون موهبة الضحك». ويحدد الذين يحسنون «القطيعة» وليس «الوصل» مع الآخرين بعدة فئات في مقدمتها «الجامدين عقائديا» و«الإرهابيين» و«الثوريين» و«المأخوذين بكل أنواع الرؤية الواحدة».
إن هؤلاء جميعا، كما يتم توصيفهم، يعيشون حالة من الرضى الكامل عما هم عليه ويلتصقون إلى حد الالتحام بأفكارهم وبالسلطات التي يرون أنها تجسّد تلك الأفكار. لكن هناك أيضا الذين يعيشون حالات من الحنين إلى ماضي مضى وانقضى والعشّاق الذين «انكسرت حكاياتهم» والعشّاق الذين لا يرون في الدنيا سوى من يعشقون وغيرهم ممن يغلقون كل المخارج، كل «مخارج النجاة الممكنة».
وهؤلاء كالسابقين لا يعرفون أيضا «نعمة الضحك» حيث انهم يمثّلون «الجدية الأبدية» ويحتمون داخل «قلعتهم الداخلية» بحيث يبقون «أسيادا مطلقين لإمبراطورية خاوية».
حيال هؤلاء جميعا يحاول المؤلف أن يفتح ثغرة في الجدار السميك ويوجّه لهم الحكاية التالية بقصد أن ينتزع ضحكة منهم. تقول الحكاية ان جدّة يهودية اصطحبت حفيدها الى شاطئ البحر. وفجأة اختطفته موجة عالية. فما كان من الجدة سوى أن نظرت إلى السماء وقالت: «أعيدي لي حفيدي فهذا كل ما لدي في العالم».
وفجأة أيضا اقتربت موجة عالية أخرى وردت الطفل سليما معافى. فرفعت الجدة نظرها نحو السماء. وقالت: «لكنه كان يلبس قبّعة». وفي المحصلة يرى المؤلف أن الضحك يفترض بالضرورة قبول فكرة أن الإنسان يحاول باستمرار أن «يخترع» مجالا بين «الغريزة والقانون» و«الاستثناء والقاعدة».
والضحك يساعده على ذلك. ثم إن الضحك «يقرّبنا» من الآخرين. ومن الأمثلة التي يقدمها دانييل كوهن بنديت، أحد رموز حركة الخضر في فرنسا وأوروبا، الذي «يضحك أكثر من الآخرين». ويكسب بذلك الكثير من أصوات الناخبين.
الكتاب: معاني الضحك
تأليف: دانييل سيبوني
الناشر: اوديل جاكوب باريس 2010
الصفحات: 236 صفحة
القطع: المتوسط
ساحة النقاش