«دومينيك» المقصود في عنوان هذا الكتاب هو «ريمون دومينيك» مدرّب ومعلّم الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم. وهو شخصية إشكالية تثير الكثير من الأسئلة، وأكثر منها من الاعتراضات.
وهو أيضاً موضوع العديد من الكتب التي شهدتها رفوف المكتبة الفرنسية خلال الأشهر الأخيرة السابقة، ومن بينها هذا الكتاب «دومينيك، قصص سرية لعملية تضليل» الذي نال شهرة كبيرة تعود جزئياً إلى كون أن ريمون دومينيك، حاول منعه قبل صدوره.
إن أسئلة عديدة يطرحها المؤلف في البداية من نوع: من هو ريمون دومينيك؟ هل هو عبقرية غير مفهومة أم مضلل حقيقي؟ إن الإجابة التي يقدمها المؤلف عن هذه الأسئلة يميل فيها بالأحرى إلى تقديم ريمون دومينيك على أنه «شكّاك» و«يحسب كل شيء» و«جشع للربح» و«تنقصه الكفاءة»، وجملة أخرى من المرادفات التي تذهب في الاتجاه نفسه.
ولكن بعيداً عن «خلاصات» الآراء التي يعرضها المؤلف، فإنه يرسم كذلك صورة لريمون دومينيك الذي يترأس الفريق الفرنسي الوطني لكرة القدم ويختار لاعبيه لخوض المباريات الدولية منذ ست سنوات.
وقد استطاع الفريق الفرنسي التأهل «تحت قيادته» إلى خوض مباريات كأس العالم التي ستجري في جنوب إفريقيا خلال شهر يونيو المقبل. إنه تأهيل «دون جدارة»، كما يصفه المؤلف، ضد الفريق الايرلندي، وكان هدف الفوز هو ب«يد» كابتن الفريق الفرنسي تييري هنري، وليس بقدمه.
ويشير برونو غودار إلى أن دومينيك قد أثار دائماً منذ أن كان لاعبا خلال سنوات السبعينات المنصرمة وحتى بروزه على مقدمة مسرح كرة القدم الفرنسي الكثير من التساؤلات والاعتراضات، وقد كان الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم على وشك الحصول على كأس العالم عام 2006، لكنه واجه فشلا كبيرا في الدوري الأوروبي عام 2008.
بل لم يتردد جمهور محبي كرة القدم من الفرنسيين، وهو جمهور عريض، في تحميله مسؤولية ذلك الفشل وأنه دفع بفريق كان يحظى بالاحترام نحو الحضيض.
انتظر الجميع بعد الفشل على الصعيد الأوروبي عام 2008 أن يتم استبدال ريمون دومينيك بآخر. بل وجرى نشر العديد من المقالات التي كانت تذهب في مثل هذا الاتجاه. لكن دومينيك كان واثقا من نفسه وببقائه على رأس الفريق الوطني الفرنسي.
ويصفه المؤلف هنا أنه «استراتيجي بارع» في المناورة إذ يعرف كيف «يعدّل ويبدّل» من شخصيته للبقاء على قمة كرة القدم الفرنسية.ومما يكتبه المؤلف هو أنه في هذا الصيف سيشهد العالم مباريات كرة القدم في جنوب إفريقيا وأن هناك 60 مليوناً من الفرنسيين سوف يتطلّعون إلى فريقهم الوطني، ولكن لن يغيب عن نظرهم مدربه «الذي يمقته الأغلبية منهم».
ولهذا السبب يغدو من المهم الغوص أكثر وأعمق في معرفة شخصيته «المعقّدة» وهو الذي يريد أن تتركز كل الأضواء على شخصه، وليس الأضواء فقط، ولكن النقد أيضا، إذ يرى أن «الانتصار دون التعرّض للخطر لا يستحق المجد».
ومن الواضح أن مؤلف هذا الكتاب يميل إلى تقديم المعلومات والشهادات عن ريمون دومينيك، كما هي، ودون الاهتمام كثيراً بمسألة الأسلوب. ولكن الهدف واحد في النهاية وهو إبراز تناقضات الشخصية التي يكتب عنها.
مع ذلك ليس من الصعب على القارئ أن يكتشف الموقف «المتشدد» في الحديث عن ريمون دومينيك، والذي يصل أحيانا إلى حد «التهكّم». وهذا ما يبدو بشكل واضح في الفصل الذي يكرّسه المؤلف كاملا ل«مزاعم» ريمون دومينيك أنه عمل لفترة كممثل في حقل المسرح والسينما.
وإذا كان برونو غودار يقرّ بذلك فإنه يقدّمه بهيئة ممثل «ذي أسنان طويلة»، لكنه كان على قناعة بالفوز ب«جائزة الاوسكار».تبقى الشهادات التي يقدمها لاعبو الفريق الوطني الفرنسي، خاصة الذين لم يعودوا من أبطال الملاعب وبالتالي ازداد هامش قدرتهم على التعبير، هي ذات أهمية كبيرة. ولعل من أكثر الشهادات وضوحا تلك التي يقدمها اللاعب السابق «روبرت بيريس» الذي يصف دومينيك أنه «مدرب يصعب التعامل معه».
وحول هذه النقطة، تلتقي إلى هذه الدرجة أو تلك، جميع الشهادات التي يتضمنها الكتاب، بما في ذلك تلك التي توصل إليها المؤلف عبر الاستقصاء لدى زين الدين زيدان وليليان تورام وآخرين لم يريدوا الإفصاح عن هويتهم. ورغم قسوة المؤلف أحيانا مع مدرب الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم، فإنه يبتعد تماما عن دخول في «خصوصيات» دومينيك ولا يهتم إلا بما هو «قابل للمشاهدة» و«قابل للحساب».
ويوجد من هذا «الكثير» على حد قوله. ويتهمه أنه: «سرق الفريق الفرنسي من مشجعيه، وقتل الدجاجة التي تبيض ذهبا للمعلنين، وحطّم أحلام الأطفال».
كذلك تمثل علاقة دومينيك مع المال أحد جوانب اهتمام المؤلف. لكن يبقى
الخط الناظم لما يحتويه هذا الكتاب هو لجوء دومينيك إلى «التضليل» و«الخداع»، مثل القول إنه بنى شهرته على أساس أنه كان «لاعبا قويا يكسر أقدام الآخرين». وحقيقة هذه الشهرة تعود إلى مباراة جرت عام 1970 بين فريقه «ليون» وفريق مدينة «نيس».
ولكن لاعبا آخر هو الذي «حطّم ساق» لاعب من نيس وليس دومينيك. لكنه لم يكشف عن ذلك. ومثل تغنّي دومينيك بماضيه كممثّل، والحقيقة هي أقل من هذا بكثير.
ومثل طمس حقيقة «فضل» إيمي جاكيه، المدرّب السابق للفريق الوطني الفرنسي عليه. ومثل محاولة دومينيك بيع بطاقات «في السوق السوداء» عام 1994 في الولايات المتحدة دون أن يكون قد دفع ثمنها. ومثل اتصاله الهاتفي عام 2005 مع تييري هنري لإخباره أنه كان وراء عودة زين الدين زيدان إلى الفريق الوطني»، و«لم يكن ذلك صحيحا».
الكتاب: دومينيك، قصص سرية لعملية تضليل
تأليف: برونو غودار
الناشر: ج. سي. غاوزفيش باريس 2010
الصفحات: 256 صفحة
القطع: المتوسط
ساحة النقاش