يتناول كتاب «كوسوفا- تجليات ثقافية ما بين الشرق والغرب»، لمؤلفه الباحث السوري محمد.م الارناؤوط، والصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون-بيروت2009، الواقع الثقافي والفكري والاجتماعي والتاريخي لدولة كوسوفا.
حيث يناقش هذا الموضوع من خلال مجموعة دراسات ومقالات تكشف عن التاريخ الثقافي والأدبي لكوسوفا، ويتعرف معها القارئ على أقدم وقفية في اللغة العربية، وعلى عدد من المخطوطات العربية فيها، إضافة الجانب الثقافي الذي أنتجته الطرق الصوفية فيها، وأيضا على الأدب الألباني الذي كان يكتب بالحروف العربية خلال عدة قرون مضت. ويستعرض الارناؤوط في محاور بحثه نتاج شاعرين كوسوفيين كتبا باللغة العربية، هما الشيخ محمد الطاهر والشيخ عمر لطفي، منتقلا إلى تقديم شروح وافية وموسعة عن الاستشراف الكوسوفي، وعن عميد المستشرقين الكوسوفيين لدكتور حسن كشلي.
ويفتش الكاتب عبر منهج تعمقه المعرفي، في معالم تراثية عربية لمعت بعد انتقال كوسوفا من الحكم العثماني إلى الحكم الصربي، ومن ثم الفيدرالية اليوغوسلافية، إبان الحكم الشيوعي، وصولا إلى مرحلة الاستقلال وإقرار الدستور الجديد عام 2008، فاعتماد الألبانية والصربية لغتين رسميتين في البلاد.
ويفرد الارناؤوط مساحات وعناوين دراسة خاصة للعمارة ونشأتها في كوسوفا، وتحديدا أبنية الجوامع ذات القيمة التاريخية، والتي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 600 عام، إذ استوحت وطبقت تصاميمها على مئات المساجد التي بنيت لاحقا في أوروبا.
ويشير الباحث في هذا الشأن إلى أن العثمانيين عمدوا إلى إنشاء أول جامع في «بريشتينا »، عرف شعبيا باسم جامع «الحجًر»، نظرا لصلابة الحجر الذي بني منه، مبينا أن نهضة بناء المساجد في كوسوفا تميزت في خاصية تجديدها في أشكالها الهندسية، وتزينها بالرسوم والكتابات العربية الرائعة.
لا يغفل المؤلف توضيح مدى ومنحى تأثر أدباء وشعراء كوسوفا بالأوضاع العربية، فيطلعنا على ماهية حضورها في كتاباتهم، وخصوصا بالنسبة للقضية الفلسطينية، والثورة الجزائرية في مرحلة سابقة، ويلفت الارناؤوط في هذه المحطة إلى أن الشاعر الألباني عموما، لم يكتب عن الثورة الجزائرية كفرد يدعو إلى التضامن مع شعب ما، بل كان يعبر في ما يكتبه عن قضية تعيش في الذاكرة الألبانية دوما(القضايا العربية: فلسطين نموذجا).
ويشير الكاتب إلى كتاب ألباني له قيمة كبيرة، فتحت عنوان الأدب العربي المترجم في كوسوفا:من امرئ القيس إلى ابراهيم نصرالله، يناقش الارناؤوط كتابا عن الأدب العربي، ألفه الكاتب الألباني الدكتور فتحي مهدي، الأستاذ في قسم الاستشراف في جامعة بريشتينا.
موضحا أنه يعطينا فكرة كافية ونوعية عن الاستشراف الكوسوفي، وعن المستشرق مهدي وإسهامه في التعريف بالأدب العربي، خاصة وأن مواضيع كتابه تحوي نتاجاً غنياً لكتاب عرب كبار، مثل صلاح عبد الصبور ومالك حداد ود. نجاح العطار وعادل أبو شنب، إلى جانب دراسة مهمة فيه عن ألف ليلة وليلة، وعدد من أعمال شعراء ومفكرين ونقاد عرب.
وقبل أن يعنى الكاتب بتسليط الضوء على جانب الترجمة الكوسوفية الأولى للقرآن الكريم، نجده يحرص على فرز وتخصيص صفحات مشعبة وكثيرة، يوثق فيها مستوى الإغناء الكبير الذي اشتملت عليه مشاريع الرصد الفكري الدقيق من قبل الكوسوفيين للنتاج الفكري والأدبي العربي القديم والحديث و المعاصر.
وفي الفصل الأخير من كتابه بعنوان «الترجمة الكوسوفية الأولى للقرآن الكريمٍ» يذكر الارناؤوط أن الإسلام لم ينتشر في البلقان بشكل فعلي، إلا بعد الفتح العثماني للمنطقة، في القرن الرابع عشر ميلادي، حيث أصبح يعد دين الغالبية في البوسنة وألبانيا، فعرفت هذه البلاد ثقافة إسلامية طالت مجالات التعليم والتأليف والفنون، واعتمد نظام التعليم مبادئ اللغة العربية.
كما تعددت ترجمات القرآن الكريم إلى اللغة الألبانية ، واللافت في هذا المجال الترجمة التي أنجزها احد أبناء الصرب المسيحيين عام 1895م، ومن ثم توالت الترجمات المختلفة للقرآن الكريم بعده، على الرغم من تحفظ واستنكار العلماء المسلمين في البوسنة، والذين كانوا يروا أن القرآن الكريم، لا بد أن يبقى كما هو في العربية.
الكتاب: كوسوفا.. تجليات ثقافية مابين الشرق والغرب
تأليف: محمد الأرناؤوط
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون 2009
الصفحات: 166 صفحة
القطع: الكبير
المصدر: بيار شلهوب/ جريدة البيان
نشرت فى 25 مايو 2010
بواسطة books
عدد زيارات الموقع
68,304
ساحة النقاش