الصحافي العلمي الفرنسي فانسان تارديو معروف باهتمامه بالطبيعة وما تحتويه من أصناف النبات والحيوان. وإذا كان قد قدّم العديد من المقالات والدارسات حول هذا كله فإنه يكرس كتابا كاملا لما يسميه «صمت النحل الغريب»، كما يقول العنوان، وهو يعتبر هذا العمل كـ «تحقيق» عن الظاهرة المقلقة المتعلقة بـ «تدهور» حالة النحل على الصعيد العالمي كله.
وهو يبدأ بالقول انه من الصعب تصوّر عالم لا نحل فيه. فذلك لا يعني أن العسل سوف يختفي من وجبات طعام البشر. ولكن أشياء كثيرة أخرى سوف تختفي أيضاً، وليس أقلّها عصير البرتقال وعصير التفاح. هذا ما يقوله لنا فانسان تارديو الذي أمضى عامين كاملين يجول أنحاء فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، حيث قابل عشرات العلماء الباحثين وبحث في تفاصيل التفاصيل لما يزيد على 200 كتاب علمي، هذا كله فضلا عن لقائه بمحترفي صناعة «العسل» من مربي النحل كمهنة لهم.ويصف المؤلف في هذا الكتاب المشهد «المحزن» الذي يبعثه في النفس منظر خلايا النحل الفارغة أو الكمّ الكبير من النحلات الميتة على الأرض أو خاصة «الصمت الغريب» الذي خلّفه فإن أفواج النحل التي كانت تزرع الحقول والأرياف جيئة وذهابا بحركة لا تهدأ.
«النحلات العاملات» فقدن العزم وتناقص عددهن، الأمر الذي أثبتته دراسات عديدة بعد أن كان مجرّد إشاعة قبل عشر سنوات فقط. كما كان يسود الاعتقاد أن النحلات ينتمين بالأحرى إلى «الخلود» بعيدا عن أي احتمال للزوال، كما هو الحال السائد اليوم.
ويشير المؤلف إلى أن عام 2009 عرف خلال فصل الشتاء وحده «هلاك» حوالي «مليون مستوطنة» للنحل في الولايات المتحدة الأميركية. وهذا الأمر لم يكن كارثة على المربين فقط وليس على صعيد إنتاج العسل فحسب ولكن على مواسم العديد من الفاكهة.
ذلك أن النحل يلعب دورا أساسيا في نقل غبار الطلع إلى عدد كبير من أنواع النباتات وفي مقدمتها أشجار اللوز والتفاح والمشمش.
وفي الحالة الأميركية يبدو الأثر السلبي لعملية غياب نقل غبار الطلع والتلقيح على صعيد أشجار اللوز التي تمثل ولاية كاليفورنيا المنتج الأول لثمارها في العالم. تتم الإشارة في هذا السياق إلى أن السلطات الأميركية قامت بتعبئة جميع الأخصائيين وكل من لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعالم النحل لمواجهة الموقف. وكان من بين المشاركين مسؤولو مؤسسة «هاغن-داز» لإنتاج المثلجات التي ستفقد الكثير من طعمها وتنوعها إذا غاب عدد من أصناف الفواكه بسبب «صمت النحل».
لقد قام مؤلف هذا الكتاب بالاستماع إلى الجميع وسجّل رواياتهم عن أسباب ظاهرة «انحطاط» النحل. وهم يقدمون رؤية مخيفة عن التدمير الذي تمارسه مبيدات الحشرات الأكثر فأكثر فعالية على النحل. ومن الروايات «المثيرة» قصة عنكبوت صغيرة اختارت لتغذيتها خلايا النحل وما تحتويه بحيث أن كل خلية تكون هدفا لها مصيرها هو الزوال الأكيد.
لكن العوامل الأكثر فتكا تتمثل في «الفطريات المجهرية» و«الجراثيم» و«الفيروسات»، وهذه العوامل كلها تجتمع ضد «الحشرة الصغيرة الطيارة» وربما المفضلة أكثر من كل الحشرات لدى البشر. بالمقابل لا تستطيع النحلات أن تفعل شيئا أمام تخريب الحقول والبراري وتحويلها في حالات كثيرة إلى أماكن سكنية.
ويشير المؤلف بأكثر من مناسبة إلى أن عالم النحل، و«غشائيات الأجنحة» عموما، لا يزال مجهولا إلى حد كبير، ولا تزال البحوث الجدية حول هذا الموضوع قليلة و«لا تلقى الاهتمام». ولم تتم حتى الآن دراسات وافية عن «الأثر الكيميائي» للمبيدات وغيرها.
ويشير أيضا إلى أنه يمكن لخلية النحل كلها أن يكون لها رد فعل على المؤثرات الخارجية وكأنها «جسد واحد». وبالتالي قد «تنهار» كلها دفعة واحدة إذا «هزمتها» هذه المؤثرات مهما اختلفت طبيعتها. ويقول المؤلف في هذا السياق انه من العبث غير المفيد البحث عن «مذنب» واحد، ذلك أن البشر عموما هم المذنبون. لقد «خرّبوا» الطبيعة إلى درجة «أسكتوا» معها النحل.
وتبقى المشكلة الأكبر هي في تعميم استخدام مبيدات الحشرات. نقرأ «لقد دلّت دراسات عديدة على أن مبيدات الحشرات تشوّش توجه حاملات غبار الطلع ـ النحلات ـ وقدرتها على التغذية». ويرى المؤلف أن الرد يتمثل في سلسلة من الحلول التي تحسّن «محيط النحل»، لكنها حلول تتطلب «إرادة سياسية» حقيقية.
لكن إذا كان المؤلف يؤكد على وجود ظاهرة «تدهور» حالة النحل في العالم، فإنه يركز على القول اننا لا نزال بعيدين جدا عن الوصول إلى «زوال» النحل بشكل كامل. ويكتب في النهاية «إذا كان مصير النحل هو الزوال، على عكس ما تقول أسطورة شائعة، فإن بقاءنا كبشر لن يكون مهددا. لكن بالمقابل سوف يخسر غذاؤنا الكثير من نوعيته الغذاء وبالتالي سوف تخسر الصحّة».
الكتاب: صمت النحل الغريب
تأليف: فانسان تارديو
الناشر: بيلان باريس 2009
الصفحات: 350 صفحة
القطع: المتوسط
ساحة النقاش