يشكل موضوع أسلحة الدمار الشامل أحد المسائل المطروحة للنقاش على الصعيد العالمي.
وإذا كانت «الأسلحة النووية» تحظى اليوم بالقسم الأكبر من هذه النقاشات فإن هذا لا يمنع واقع الاهتمام الحقيقي بسلاحين آخرين ينضويان تحت هذا العنوان وهما الأسلحة الكيميائية والأسلحة الجرثومية «البيولوجية». والباحث الأميركي جريجوري د. كوبلنتز جعل من هذه الأخيرة أحد مواضيع اهتمامه الرئيسية وقد كرّس لها كتابه الأخير تحت عنوان «الأسلحة الحية».
الفكرة الأساسية التي ينطلق منها المؤلف تتمثل في القول إن انتشار الأسلحة البيولوجية وإمكانية وصولها إلى يد مجموعات إرهابية يمكن أن يشكل أحد أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين إلحاحا. ذلك على أساس «سهولة» استخدامها وإمكانية الوصول إلى امتلاكها بواسطة مختبرات «متواضعة» بالقياس إلى السلاح النووي. ويحدد المؤلف القول إن السيطرة شبه الكاملة التي تتمتع فيها الولايات المتحدة عالميا على صعيد الأسلحة التقليدية «النظامية»، قد تكون ـ أي السيطرة ـ سببا في دفع بعض الدول الأقل قوة وبعض المجموعات الإرهابية للبحث عن امتلاك السلاح البيولوجي في منظور إيجاد نوع من «التوازن» في إطار ما يسمى ب«الحرب غير المتكافئة».
هذا خاصة أن التقدم العلمي في الميدان الطبي ـ الصحي تعمم إلى درجة كبيرة بحيث أن أعدادا كبيرة من العاملين في هذا الحقل أصبحوا يتواجدون في جميع مناطق العالم. بهذا المعنى زادت كثيرا إمكانيات الوصول إلى السلاح الجرثومي.
ويعتمد المؤلف في تحليلاته على نظريات الأمن العالمي والعلاقات الدولية. وتحظى العلاقات بين المظهرين، المدني والعسكري، للأسلحة الجرثومية بالاهتمام في هذا السياق، خاصة أن البعض يرون فيها عنصرا هاما في إستراتيجيتهم ل«ردع» الأعداء.
وتتم في أحد فصول الكتاب دراسة ما يسميه المؤلف «تطلعات المجموعات الإرهابية لامتلاك السلاح الجرثومي والعقبات التي تواجهها للتوصّل إلى ذلك». ويرى أن هذا السلاح سوف يبقى مصدر تهديد للأمن الدولي طالما لم يتم تطوير آليات الدفاع ضدها بحيث تستطيع الحكومات «الكشف الأكيد» عن نشاطاتها وشرط أن يتواكب هذا مع «تعزيز» المعايير الدولية الخاصة بحظر امتلاك السلاح الجرثومي وبالطبع باستخدامه.
ويشير المؤلف إلى أن الأسلحة الجرثومية هي الأقل فهما من قبل الجمهور العريض وحتى على صعيد الرسميين من بقية أسلحة الدمار الشامل الأخرى. وهكذا هناك جهل كبير بحقيقة ما تشكله من تهديد، وجهل بما تتطلبه «الحرب الجرثومية» من إجراءات وقائية. ثم إن الأسلحة الجرثومية كانت إحدى أدوات «الردع» أثناء الحرب الباردة إلى جانب الأسلحة النووية التي جرى استخدامها للمرة الأولى من قبل الأميركيين في مطلع شهر أغسطس من عام 1945 ضد مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين.
لكن بالمقابل لم يتم حتى الآن استخدام الأسلحة الجرثومية على أرض المعارك بينما جرى تطويرها باستمرار في إطار من السرية الكاملة. وفي عام 1969 تخلّت الولايات المتحدة عن الأسلحة البيولوجية في برامجها الحربية ثمّ في عام 1972 غدت هذه الأسلحة موضوع أول معاهدة دولية لمنعها بشكل صارم وحاسم وكلي. وإذا كانت قد أصبحت واقعيا بعيدة عن أولويات الدول الكبرى، فإنها مع ذلك لم تختف تماما من الوجود مع توقيع الاتفاقية الدولية بمنعها.
تتم الإشارة هنا إلى أن الثورة التي عرفها ميدان التكنولوجيات الحيوية كان لها أثرها على الأمن الدولي. ذلك أن الاهتمام عاد من جديد خلال سنوات الثمانينات المنصرمة كما ظهر من البرامج السوفييتية والعراقية.
وهذه الأسلحة، كما هو معروف، تتشكّل على عكس الأسلحة النووية والأسلحة الكيميائية من عناصر حيّة. وهذه السمة هي في صميم تحديات عديدة على مستوى الأمن. فتنوع العناصر الحيّة «الجرثومية» تعطي هامشا واسعا لمن يفكّر باستخدامها كسلاح هجومي. والعدد الكبير لهذه العناصر يجعل بالمقابل مهمة المدافعين شديدة الصعوبة.
وفي نفس النهج من التحليل يؤكد المؤلف أن دراسة الأسلحة الجرثومية تدلّ على وجود عدد من المفارقات والمعضلات في التعامل معها. إنها تثير الكثير من الخوف بمواجهة «احتمال» انتشار الأمراض، هذا رغم أنه لم يتم استخدامها حتى الآن أبدا. لكن مع أنها كانت أول أسلحة الدمار الشامل التي جرى منعها بمعاهدة دولية فإن انتشارها ازداد مع ذلك بعد منعها.
التسمية التي يطلقونها على الأسلحة الجرثومية هي «قنبلة الفقراء النووية»، ولكنها لا تؤمن نفس القدر من «الوقاية» التي تؤمنها الأسلحة النووية. ويبدو بوضوح أن أحد أهداف هذا الكتاب يتمثل في شرح المبادئ الأساسية لمثل هذه المفارقات «الظاهرية». هذا إلى جانب تقديم شرح مسهب للتحديات التي تطرحها هذه الأسلحة على الأمن الدولي.
وما يؤكده المؤلف في المحصّلة هو أنه من الصعب الوقوف على أرض صلبة «فيما يتعلق بالنضال ضد الأسلحة الجرثومية» بسبب ما تكتنفه من أسرار. فمثلا من الصعب جدا التمييز بين مصنع للمواد الصيدلانية أو لإنتاج الجراثيم. ومن الصعب أيضا التمييز إذا كان الهدف هو إنتاج لقاح أو «سلاح» جرثومي.
الكتاب: الأسلحة الحية الأسلحة الجرثومية والأمن الدولي
تأليف: جريجوري د. كوبلينتز
الناشر: جامعة كورنيل 2009
الصفحات: 255 صفحة
القطع: المتوسط
ساحة النقاش