للقيم دور كبير في تحريك السلوك وتوجيهه وتبريره وتركيز جهد التغيير على القيم يوفر الجهد في متابعة السلوكات الكثيرة التي لا تنتهي والمشاريع التي تعتمد القيم في المعالجة تتميز بمايلي :

1.أنها لا تواجه خلافا كبيرا لدى المستهدفين لأن النفوس تتفق على القيم وتحترمها غالبا

2.تغيير القيمة كفيل بتغيير كثير من السلوكات والقدرات وليس العكس .

3.تتبع السلوك يهدر الجهد ويحقق نتائج مبتورة .

4.القيم مرتبطة بالوجدان وهذا ما يجعل السلوك المحمي بالقيمة سلوكا عميق الجذور لارتباطه بالإرادة من حيث كونه محبوبا وبالعقل من حيث كونه ذا قيمة ومبررا .

*العوامل المؤثرة في غرس وتنمية القيم:

العوامل الذاتية:

ويُقصد بها: العوامل المنطلقة من ذات النشء تجاه القيمة المراد غرسها أو تنميتها فيه، وبالتالي فإن التعرف على هذه العوامل يسهل عملية الغرس أو الإرساء أو الإنماء للقيم. إن القيم تتأثر بالأمور التالية:

1/ معرفة النشء لمصدر القيمة:

إن التعرف على مصدر القيمة هو بوابة الدخول إلى نفس النشء، فإذا أدرك النشء المسلم أن مصدر القيمة هو كتاب الله الكريم أو السنة المطهرة، فإنه يشعر بقدسية القيمة كونها تمثل معتقده، وبالتالي يبادر إلى تمثل القيمة وتطبيقها في سلوكياته المختلفة دون تردد. وربما تنطبق الصورة أيضاً إذا كانت القيمة مصدرها أعراف المجتمع المحيط به، فتراه يبادر بتمثُّل تلك القيمة من واقع ثقته بهذا المصدر. مصداق ذلك قول الحبيب e: ” ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء”. [البخاري: 1358، مسلم:2658]. ولا يختلف الحال إذا كانت القيمة مصدرها حاجته الشخصية أو أحلامه وأمانيه، فإنه يبادر إلى تمثله بها سعياً لتحقيق تلك الأحلام أو الأماني.

2/ فهم النشء لمفهوم ومدلول القيمة:

يشعر النشء في سن مبكرة باندفاعه لحب أو بُغْض بعض الأشياء دون أن يجد لذلك الدافع أي تفسير، ولكنه مع ازدياد نموه وتعلمه يبدأ بالبحث عن مفهوم ذلك الدافع وربما يرسم له معنى خاصاً في ذهنه. وفي العادة لا يندفع النشء نحو شيء مجهول إلا بدافع الفضول، وهذا الفضول تحركه قيمة حب التعلم؛ إذ أنها قيمة فطرية موجودة في نفس كل إنسان منذ طفولته،لذا فهو لا يعي مفهوم القيمة في بداية الأمر إلا أنه يجد نفسه مندفعاً خلف فضوله لتعلم الجديد. ومع تقدمه في السن يبدأ يتضح له المفهوم شيئاً فشيئاً؛ فمثلاً: في السنوات الثلاث الأولى من حياته نجده لا يهتم بنظافته الشخصية ولا يستخدم أي أداة للحفاظ على هذه النظافة، ثم يتطور سلوكه بعد سنِّ الرابعة ويظهر له اتجاه جديد يؤكد رغبته بتطبيق النظافة في مختلف شؤون حياته لاسيما إذا عُوِّد على ذلك مبكراً، وقد يفعل ذلك بدافع جلب اهتمام الآخرين أو مدحهم أو ربما المكافأة على هذا السلوك. وعندما يصبح في سن المدرسة تجده يبدأ في تعلم مفهوم النظافة بشكل علمي أدق، فتزداد هذه القيمة وضوحاً في ذهنه مما يُعمِّق هذا الاتجاه حتى يتحول إلى قناعة، وبالتالي تظهر له سلوكات أفضل تجاه الحفاظ على نظافته الشخصية، وهكذا مع تقدمه في السن والتعليم وتكرار السلوك تزداد القناعة رسوخاً فتتحول إلى قيمة.

3/ قناعة النشء بحاجته إلى القيمة:

من مثال النظافة السابق نجد أن سلوك النشء المعبر عن حبه للنظافة يزداد وضوحاً مع تقدمه في السن والتعليم؛ وذلك بسبب زيادة إدراكه لمفهوم النظافة، مما يجعله يُميِّز مقدار حاجته إلى هذه القيمة في حياته اليومية، وبقدر هذه الحاجة يتحدد اندفاعه نحو تطبيقها في سلوكاته اليومية.

كما أن ذكاء النشء في مرحلة الطفولة المبكرة ينمو بصورة سريعة، لذا كان الاهتمام بالنشء في هذه المرحلة أمراً هاماً لتنمية ذكائه وبنائه(2). ونمو الذكاء هذا يساعد في تحديد النشء لحاجته من القيم الخيرة.

4/ قناعة النشء بمكاسب تطبيق القيمة وخسائر فقدانها:

كما ذكرنا سابقاً،فإن النشء ينزع في البداية إلى ممارسة سلوك معين بدافع الحصول على مكاسب معينة؛ كجلب اهتمام الآخرين أو مدحهم أو ربما المكافأة على هذا السلوك، وفي حالة العكس سيفقد كل هذه المميزات. ولكون النفس البشرية مجبولة على حب الخير والثناء فإن النشء يحرص على أن لا تفوته هذه المميزات دون استثمار وذلك لتعزيز جانب حب الخير (النفعية) لديه. ومع تقدمه في الإدراك وفهمه لمعنى القيمة وقناعته بمكاسب تطبيقها سيسعى لتمثلها في سلوكه بمنطلق ذاتي لإشباع حاجاته الذاتية، أو ربما لتحقيق ذاته، وستتحول هذه القيمة عندئذٍ إلى سمة من سمات شخصيته.

العوامل البيئية:

ويُقصد بها: تلك العوامل المتعلقة بمكونات البيئة المختلفة، التي تحيط بالنشء وتؤثر سلباً أو إيجاباً في غرس أو إرساء أو تنمية القيمة..

1/ العامل الديني:

إن غرس القيم وتنميتها على تعاليم الدين في مجتمع محافظ أسهل بكثير من مجتمع متحلل،أو أنه لا يَتَبَنَّى تعاليم تأخذ طابع التقديس لدى النشئ. فالتقديس دافع قوي لتفهم التعاليم ومن ثم تطبيقها واعتناقها. ولذا فإن الأمم التي قاتلت أعداءها وفق عقيدة معينة غالباً ما يحالفها النصر، والأمثلة على ذلك كثير؛ فالإسلام مَلأَ مشارق الأرض ومغاربها عندما كانت قيم النصر تَمْلأ نفوس جنوده، وفي العصر الحديث أفشل الشعبين الفيتنامي والأفغاني – بقيم النصر- جحافل القوى العظمى في العالم (الأمريكية والسوفياتية) من أن تحتل بلاده.وبالجملة فإن النشء الذي نشأ في جو التعاليم الدينية داخل الأسرة يكون سلوكه في الغالب أقرب للصواب من النشء الذي لم ينشأ في نفس الجو؛

2/ العامل الثقافي:

“ترتبط الثقافة بالحضارة ارتباطاً وثيقاً؛ لأن ثقافة كل أمة هي أساس حضارتها، فهي فكرها وحركتها وأسلوب حياتها”.(3)

إن الإنسان يتأثر ضرورةً بالحضارة والثقافة التي نشأ فيها، وينعكس ذلك كله على طبيعته وسلوكه،أي بمعنى آخر على القيم التي اكتسبها في خضم هذه الثقافة.

إن النشء الذي يعيش في ربوع الثقافة الإسلامية المنتشرة في وطنه، ومنطقته،ومدينته،وأسرته،يعيش ضمن دوائر متضافرة المقومات والأهداف،مما يجعل تأثيرها أكثر تركيزاً في قناعات النشء، ولذا ترتفع نسبة فرص تأثره بالقيم الإسلامية بشكل أكبر ممن فقد إحدى هذه الدوائر.كما أن مستوى التعليم الذي تعرض له النشء أثناء مسيرته التعليمية والتعلُّمية يُؤثر على منطلقاته القيمية، فالتاريخ الذي درسه، والعلوم الدينية، والطبيعية، واللغوية، توفر له مجْتَمِعةً النماذج والقصص والمواقف التي تعزز مخزون القيم لديه. وهذا ما يبرر أهمية دور المدرسة في تَشَكُّل القيم لدى الناشئين.

3/العامل الاجتماعي:

إن من واجب المجتمع المدني بكل مؤسساته الحكومية والأهلية؛ كالأسرة، والمدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام، أن يقدم القدوات التي يرى فيها النشء الأنموذج النبيل لتطبيق القيم. يوجد في التاريخ نماذج مشرقة على رأسها سيد الخلق e ثم صحابته ثم التابعين ثم الأمثل فالأمثل، ولكن مسؤولية المجتمع تزداد أهمية في توفير الأنموذج الحي الذي يعايشه النشء؛ كالأب، أو المعلم، أو إمام الحي، أو الطبيب، أو الحاكم، أو… إلخ؛ ليرى فيها النشء التطبيق العملي والعصري لتمثل القيم في المعاملة والآداب واحترام القوانين.قد لا يكون للنشء خيار في جغرافية المكان الذي يعيش فيه؛ من حيث المسكن أو المدينة أو الدولة، ولا من حيث الاستقرار السياسي و مستوى الأمن القومي المحيط به، ولكن من حقه على المجتمع أن يختار له القيم النبيلة التي تجعله عضواً نافعاً في تحضر المجتمع وَرُقِيِّه.

4/العامل الاقتصادي:

لاشك أن العامل الاقتصادي له تأثير قوي في تشكل أنواع معينة من القيم لدى النشء، فالحالة المادية للأسرة، والحي،والمدرسة، والمدينة، والدولة التي يقطنها النشء تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكل القيم لديه؛ فالمستوى المعيشي، والمستوى الصحي، والمستوى العمراني، ومستوى الإنفاق على التعليم، ومستوى الخدمات التي تقدمها مؤسسات المجتمع بشكل عام، كلها قنوات تصب في إرواء معين القيم أو نضوبه. وهذا لا يعني أن الدول الفقيرة معدومة من القيم، ولكن تتركز فيها قيم نوعية تتناسب مع الحالة الاقتصادية التي تعيشها، فتظهر قيم إيجابية؛ كالكفاح، والمثابرة،في حين تظهر في المقابل قيم أخرى سلبية؛ كالحسد، وحب الذات. ولذا يجب أن تتنبه مؤسسات المجتمع المدني -الغني والفقير -إلى تأثير العامل الاقتصادي، وتحرص بالتالي على إحلال التوازن السلوكي في المجتمع من خلال اختيار منظومة القيم المتناسبة مع هذا التأثير.

 

أ/ميرفت المقطري

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 284 مشاهدة
نشرت فى 30 نوفمبر 2019 بواسطة biariqk

بيارق كويتية المقداد الجهراء

biariqk
بيارق كويتية برنامج وطني وفريق عمل كويتي يعمل على تعزيز مفهوم الهوية الكويتية والأمن الفكري لحماية شبابنا من متغيرات العصر خاصة التطرف ونبذ العنف والسعي نحو التنمية المستدامة لكويت 2035 م »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

36,577