أحاديث مع مظفر  النواب <!--

لطيف الحبيب

 نشرهذا الحوار في مجلة المدى العراقية الصادرة في دمشق في عددها العاشر بتاريخ 1- 7 – 1995

 

(ماأظن أرضا رويت بالدم

والشمس كأرض بلادي

وما أظن حزنا كحزن الناس فيها

ولكنها بلادي, لا أبكي من القلب

ولا أضحك من القلب ولا اموت من القلب ألا فيها.)<!--

ايمان المثقف العراقي بحرية الانسان واستقلاليته كلفه الكثير من العذابات والمآسي, والبعض حياتهم, وريت جثثهم في وسع مقابر هذا العالم ,بموته منح الاخر حرية الحياة . غصت دواوين العلم والمعرفة بابداعات وخبرات المثقف العراقي وانتشرت كتبه وتناثرت بحوثه على صفحات المجلات والصحف في كل عواصم العالم .تضمر بمرور السنين ذاكرتنا ويضعف المروي والمنقول عن المبدع العراقي ,حاولت ان اسجل وقائع من  سيرته ونشأته . هذه الحوارات شهادة على حقبة تاريخية من الزمن العراقي وما اجترحته نخبتنا المثقفة من ابداعات ثقافية خارج بيئتها العراقية كي لا تختل سلسلة تاريخ الابداع العراقي منذ ابداعها الحروف والكتابة مرورا بحرائق الكتب ولحد هذه اللحظة .

سيرة حياة

مظفر النواب " مالئ الدنيا وشاغلها " الشاعر الرسام المثقف الوطني المستقل, نصير الفقراء وصديق المظلومين. الإنسان المشبع بالحنين والوفاء والعاطفة الصادقة. الشاعر الذي يحمل تراث أمة أنجبت المتنبي ,انه شاعر استثنائي كبير سيكون له شأن كبير ودور مهم في الواقع الثقافي للامة العربية , وهو قادر بحكم مؤهلاته المتعددة  وشعبيته أن يتحول إلى رمز قومي بارز للعرب أذا سلم من الاغتيال .

<!--ولد في بغداد في جانب الكرخ عام 1934 لعائلة غنية وثرية جدا.

<!--أنهى كلية الآداب في بغداد وعين مدرسا في قضاء المسيب جنوب  بغداد , فصل من التدريس لأسباب سياسية .

<!--1956 كتب قصيدته الشهيرة [ الريل وحمد ] وهي أول قصائده التي نشرت في مجلة المثقف .

<!--1958 عمل مفتشا في وزارة التربية .

<!--1963 اضطر النواب للهرب من العراق إلى إيران بعد اشتداد الصراع السياسي في العراق, بعد فترة سلمته السلطات الإيرانية إلى سلطات العراق. حكم عليه بالإعدام, وبعد تدخل أهله وأقاربه خفف الحكم الى المؤبد, سجن في سجن ( نقرة السلمان ) ,السيئ الصيت في الصحراء على الحدود السعودية . نقل إلى سجن الحلة . في هذا السجن خطط لعملية الهروب الكبرى التي أحدثت ضجة في البلاد, حفر نفق تحت الأرض عبر الأسوار المزدوجة للسجن ,ويمتد إلى خارج السجن مسافة طويلة, لينتهي في ساحة احدي الكراجات خارج السجن ,وبواسطة سكاكين المطبخ لا غير عام1967.

<!--1968صدرعفوا عاما عن السجناء السياسيين.

 عين مدرسا في حي المنصور في بغداد ,بعد فترة غادر إلى بيروت ,ثم سافر إلى القاهرة ومنها إلى اريتريا, بقي هناك عدة اشهر في معايشة واقعية مع ثوار اريتري .سافر إلى ظفار وساحل عمان ,أينما توجد الثورة في الوطن العربي .

<!--1973ـ 1974 دخل العراق سرا إلى شمال العراق .

<!--1976 سافر إلى اليونان وبقي فيها أربع سنوات .

سافر إلى فرنسا لهدف الدراسة, انتسب إلى جامعة < فانسان> وسجل رسالته لنيل الماجستير في موضوع القوى الخفية للإنسان ( بارا سايكولجي), لدي الأستاذ فرانسوا شاتليه .أثناء إقامته في فرنسا طبع ديوانه [المساورة أمام الباب الثاني] وديوانه [ وتريات ليلية ].

<!--1979حصلت الثورة في إيران ,سافر إلى إيران ومنها إلى الهند الصينية   وبانكوك  حيث المعابد البوذية والتقاليد الشعبية .

<!--1983 زار الجزائر وأقام فيها أمسيات شعرية حظيت باهتمام الشعب الجزائري, استقر في ليبيا, سافر إلى بلدان أمريكا اللاتينية بناء على دعوة.

<!--1989 سافر إلى السودان بناء على دعوة . <!--

بدعوة من نادي الرافدين  الثقافي العراقي ودار ثقافات العالم زار الشاعر مظفر النواب   برلين  بتاريخ 21 ـ 1 ـ 1995,,أحيا فيها العديد من الاماسي العامة والخاصة .  اعتاد مدير دار ثقافات العالم على حضور جمهور بسيط في الاماسي ,التي يقيمها الشعراء العرب ,ولم يصدق ما رآه من حضور غفير من جميع أنحاء ألمانيا . أمتلات القاعة , وافترش الناس الأرض وقوفا وجلوسا, وضاقت ممرات الدار المؤدية للقاعة, حتى أقفلت الباب الرئيسية بوجه الحضور, مما اضطر المسئول في دار ثقافات العالم  إلى اعتلاء خشبة المسرح عدة مرات, راجيا الواقفين ,إخلاء القاعة لأسباب أمنية  طبقا للواح القانون وقال:" إني لم أر مثل هذا الحضور لا لشاعر ألماني ولا لشاعر عربي , عليه سوف تقيم الدار أمسية ثانية للشاعر مظفر النواب ,وتحجز له القاعة نفسها"  .

رافقنا مظفر بين محطات توقفه وزياراته. نزوره أينما سكن في برلين  وأينما حل , نتجاذب أطراف الحديث معه بود بين التعليق الساخر  والجدية الحازمة , التقيناه في برلين الغربية في سكن احد الأصدقاء في "صوفيا شارلوته بلاتس" ,إلا إن رأسه كانت تعج بالمواعيد , لقاء مع إذاعة "الدويتشه فله " وأخر مع مراسل صحفي  لإجراء لقاء معه, لصالح الصحافة الجزائرية والمغربية . اصطحبنا معه لتلبية دعوة من صاحب مطعم لبناني للقاء المواطنين العرب,  "أينما حللت , صحابي معي " ابتدأ الحديث مظفر , كانت أمسية جميلة , تألق مظفر شاعرا ومغنيا من القلب , رغم كل تعبه , عذبا يتبادل الغناء والمواويل  والابوذيات مع الشاعر رياض النعماني, ثم ينتقل الغناء إلى الطرف اللبناني,تتصاعد نشوة الشاعر بالأصوات الأنثوية الفيروزية , فتصل ذروتها  حينها فقط ,تري قبل أن تسمع هيبة صوته عميقا حنينا من قرارة روحه " أبيتنا ونلعب بيه شله غرض بينا  الناس"  يطوح بأبيات هذه القصيدة  الغنائية ,متمايل نشوان بحب هذا الجمهور له  . التقيناه مرة أخرى في برلين الشرقية  في الدار الثقافية لوسط برلين في شارع روزنتال, تحدثنا  استمتعنا بأحاديثه وبعض ذكرياته ,, وكنا أيضا نحتفي به ونسهر معه في  برلين الغربية  "نوي كولن شارع  دونوا " , غرفة واسعة يطل بابها على الشارع  كتب على جدران الغرفة الأبيض الخارجي بلون ازرق Mini Pizza السعر  1,50 مارك  , كوة يطل منها " ابوسعد " بين  الحين والأخر, ليقدم لزبائنه بيتسة حارة , فسحة توزعت عليها كراسي بلاستك  وطاولات , على الجدران البيضاء  علقت لوحات  لفنان عراقي  اسمه "  ايدن ", في الداخل على الجهة اليسرى من مدخل الغرفة ,  كوة أخرى لأبي سعد يسقي منها رواده بيرة , كونياك , عرق بأسماء آلهة اليونان ,ويطعمهم صحون من الباقلاء , واللبلبي  , الكباب , التشريب  , علقت ورقة  كتب عليها " نادي الرافدين  الثقافي  العراقي يرحب بكم ", بين الحين والأخر يأتي  صوت  زهور حسين , حسين نعمة  , سعدون جابر , وفي أواخر الليل  تأخذنا المقامات البغدادية إلى شواطئ دجلة . يجلس مظفر حين يأتي إلى النادي في زاويته المفضلة هادئا, مرحبا مبتسما لكل الناس يستمع إلى هذا وذاك, يجيب على أسئلتنا بصبر جميل.

في برلين الغربية كانت هذه الأحاديث .

  * كيف بدأت علاقتك بالرسم وكيف تطورت هذه العلاقة؟؟ 

كانت تخطيطات بدائية أولية , حينما كنا صغارا  نقص قصاصات الورق ,نبعثرها هنا وهناك في أرجاء البيت , وكثير ماتعرضنا إلى غضب الكبار , توجد في البيت لوحات كثيرة وتماثيل , كانت تؤثر علينا ونحن صغار , إضافة إلى" تشابيه كربلاء " فيأتي اللون حينما ارسم مختلطا بروائح تلك الفترة , مختلط بماء الورد , أحس ماء الورد في اللون ,له علاقة بلون رايته وأنا صغير في " تشابيه كربلاء " , في ذهني يرتبط اللون دائما بالعطر , بالصوت  , والأهازيج .   بعد ذلك في مرحلة المتوسطة في مرسم  ثانوية الكرخ ,جاء أستاذ إلى المرسم اعتنى بنا  وعلمنا بعض تقنيات الرسم  , كيف نكبر الصور , بعد  ذلك تركت الرسم .

 في كلية الآداب في عام 1951,  عادت مجموعة من الأساتذة ,الذين درسوا في الخارج  سموهم " الرواد" منهم ,  عطا صبري , حافظ ألدروبي , جواد سليم   , عين حافظ ألدروبي  على ملاك كلية الآداب  رغم عدم وجود مادة أو درس رسم  , كان العميد حينذاك عبد العزيز الدوري  , التقينا بحافظ ألدروبي  , اتفقنا مجموعة من الطلبة بلغ عددنا  حوالي  ( 40 ) على تكوين مرسم  إلا انه لا يوجد مكان ,كان في حديقة الكلية مبنى عبارة عن مرافق صحية  , حملنا الفؤوس  والمساحي والقزمات  وحولنا  هذا المكان إلى فسحة منبسطة , أزلنا طابع المرافق الصحية وأثارها , ثم ذهبنا إلى العميد  وطلبنا منه الموافقة على فتح مرسم , رد علينا بعدم وجود المكان  , فقلنا "بلا يوجد مكان", قدم معنا  إلى المكان  , استغرب ودهش ,كيف استطعنا تحول هذه المرافق إلى صالة , أخذه الحماس , ولأنه عاد توا من انكلترا , صرف لنا مبلغا ,لتعمير المكان بزجاج وشبابيك  إضافة  إلى تبليط الأرض وتدفئة المكان  , ثم استورد لنا من انكلترا ألوانا, كان عبد العزيز الدوري يشعر أن كلية الآداب هي بيته  الذي يعتني به , ويحاول أن يخلق الجو الأكاديمي . بدأنا العمل, كان لحافظ ألدروبي دور كبير في تطوير الشيء الذي امتلكه ولم اكتشفه بعد, ساعدني على اكتشافه, اكتشاف موهبة الرسم هو الذي سألني:  كيف ارسم الأشكال وأنا أقف مقابل الشمس ؟؟ ان الشمس تعطي  الأزهار لونا أكثر رونقا  وتألقا , وليس مثل الذي يقف مع الشمس حيث تبدوا ألوان الأزهار اقل إشراقا   . كان يرسم لوحة كبيرة , وكنت اعمل في لوحة صغيرة متواضعة , وجلا متخوفا والدروبي يدور علينا كعادته يلاحظ عملنا ,  كنت أقوم ببعض ضربات الفرشاة على لوحتي , أمسكني من يدي وقال:   يكفي , أي ضربة فرشاة أخرى سوف تثقل اللوحة وتسقطها أرضا   . كان التعبير غريبا علي لم افهمه حينذاك, بعدها فهمت قصده, اخذ لوحتي الصغيرة ثم جاء بلوحته الكبيرة الرهيبة المليئة بالزهور  والغصون , التفت إلى جمع الطلاب قائلا:    هذه اللوحة الصغيرة  أحسن بكثير من لوحتي , في لوحتي عمل وتقنية فنية  , ولكن هذه اللوحة الصغيرة فيها  " روحية "    .هذا كان بداية تحسسي بما أقوم به , فعلا استطاع حافظ ألدروبي أن يحسسني بموهبتي , بدأت ارسم  حيث أصبحنا أصدقاء نزوره إلى بيته نتناول طعام الغداء سوية , من مجموع  (50) طالبا ظل معه خمسة طلاب من بينهم ضياء العزاوي , حين جاء موعد المعرض السنوي للكلية وهو معرض ضخم يحتوي على ألف لوحة تقريبا فيه جوائز وأوسمة , لجنة التحكيم تألفت من  جواد سليم , فائق حسن , عطا صبري , إسماعيل الشيخلي .حافظ ألدروبي لم يسمح له  لأننا كنا طلابه  , خرج عطا بعد أكثر من ساعتين من المداولات واخبرني" ان الجائزة الأولى فازت بها لوحتك الصغيرة هذه" ثم قال :  سوف أخبرك شيئا لكن لا تقول لأستاذك    قلت : ما هو؟  همس لي قائلا:  لوحتك أحسن من لوحة أستاذك   قلت له: لقد اخبرني بنفسه.

حافظ ألدروبي كانت عنده روحية عالية , رومانتيكي , يفهم اللون بشكل راق , له حس باللون غريب جدا  , واعتقد لحد الآن يحتفظ في بيته بلوحة أو لوحتين من لوحاتي .. بقيت ارسم واشتركت في معارض عديدة ثم شكلنا" جماعة الانطباعيين"

*هل تكونت البدايات الشعرية في هذه الفترة أيضا ؟ 

البداية الشعرية هي أقدم , في زمن الابتدائية  كانت لي  خربشات  وكان المعلمون يصححون كتاباتنا البدائية الشعرية  , كانت المدارس وعملية التعليم  لها شكل أخر حيث كان للمعلم إمكانية التفرغ  لطالب أو طالبين ,  كنت خجولا جدا انطوائيا  إضافة إلى إن اهلى كانوا يمنعون علينا الخروج ,في زمن الكلية  وارتباطي بالحزب الشيوعي خرجت إلى الحياة الاجتماعية , بسبب الأعياد  والأهازيج و " السبايات " أخذت إذني إيقاعا شعريا .كونت إذنا موسيقية , ففي البيت هناك أكثر من واحد يعزف على آلة موسيقية , الخال يعزف  كمنجة  , الوالد  عود , الوالدة تعرف بيانو , مثلا كان والدي يطلب مني ان اقرأ الأناشيد المدرسية  وهو يرافقني على العود , لذلك اكتب الآن بلا عروض ( ادوزن ) بلا عروض  , الميزان الشعري لايحتمل الغلط عندي . أحس بالغلط حين يحدث , أعود أحاكمه عروضيا , اكتب منذ الصغر والكتابة لها علاقة بأجواء الطفولة ,  اكتب الشعر في الصحيفة الجدارية المدرسية , إلى أن دخلت الكلية فكنا نقيم أمسيات بنادي الكلية في قبو تحت الأرض  .  أول أمسية ألقيت فيها قصيدة كتبتها عن فراش الكلية اسمه " مروكي " شخصية غريبة جدا , حضر هذه الأمسية  " بدر " كان فرحا جدا بالقصيدة  , جلس معي وتحدث  . قال هذه  القصيدة تبشر بكتابات جديدة   , ولم أكن اعرفه , عرفت بعد ذلك انه بدر السياب.  واصلت الكتابة إلا ان اغلبها فقد نتيجة أوضاع العراق.

 هل كانت كتاباتك الأولى بالفصحى ؟

بالفصحى والعامية , لكن العامية كانت عامية بغداد , روحية بغداد  ,روحية  لها علاقة بالسبايات, بالأعياد, بالأهازيج , إلي فترة 1956 كانت دورة ضباط احتياط , ساقونا إلي مدينة السعدية , ديالى ,الدورة فيها كثير من الشخصيات التي لها دور في الحركة الأدبية والفنية في العراق مثل صلاح خالص , يوسف العاني , وكذلك بعض قادة حزب البعث علي صالح السعدي  , الخشالي , في تلك الفترة دعينا من قبل احد طلاب الدورة , طبيب في احد الأعياد إلى العمارة  كان معي صلاح - الذي اعدم -, يوسف العاني , إبراهيم كبة , أقام لنا والده سهرة على نهر الكحلاء حضرها اشهر مغني الهور " كرير , جوسيم , سيد فالح " لأول مرة التقي بغناء من النوع .

*ولأول مرة تسمع هذا الغناء ؟؟؟

لأول مرة اسمع هذا الغناء , وهو غير الذي يغنى بالإذاعة , كان كل شيء ساحرا وآسرا أدى إلى التصاقي  بعامية منطقة العمارة   , كل شيء كان منتشيا بطبيعة الغناء , لأول مرة اسمع  "المحمداوي " من جوسيم ,

" كرير" شخصية آسرة  , اسود أسنانه ذهب , يشرب قنينة  عرق حتى يبدأ الغناء ,وله مجموعة من الدفوف  , يبدأ يغني " وينحط " حتى يصل صوته عمق الهور , ينقل لك الهور وأنت هنا , صوته أشبه بصوت  ( بول روبسن) عميق جدا, " جويسم " صوته رقيق جدا ناعم  يطوح بالمحمداوي  هو وسيد فالح,   ومن أصواتهم وغنائهم أحسست بالغنى الموجود في عالم الهور  وأبعاده والحزن  الذي فيه  والشجن والمعاناة  والفرح أيضا , كانت عندي رغبة شديدة ان أشاهد هذا العالم  , بدأ عندي نوع من النفرة من شعر عامية المدن , لان شعر عامية المدن شعر ساخر ناقد ليس فيه كثير من الصور , صادف في تلك الفترة تعرفي على صديق من تلك المنطقة " عبد الرحمان شمسي" كان يلقب بلبل الجامعة وهو من قبيلة الشموس التي تقطن في العمارة اهوار ألعماره , يملك صوتا جميلا هائلا ,كان يغني في حفلات الجامعة , طلبت منه ان نذهب إلى هناك سوية حيث أهله , سحرني العالم الموجود و القصب والطيور واللهجة الجنوبية بتنوعها .

في هذه اللحظة  أعلمنا حسين الموسوي  ان الوقت تأخر على موعد سلمى الخضراء الجيوسي  ومراسل إذاعة الدويتشه فله , قطعنا الحديث , نهض مظفر لبس حذائه واضعا طاقيته الملونة و تلفيعته , هبط السلم مسرعا, حاولت اللحاق به إلا انه وصل المقهى, اعتذرت الجيوسي عن الحضور ,أسمعنا مراسل إذاعة الدويتشة فله مقابلة مظفر التي بثت من الإذاعة , تركنا الحديث إلى وقت غير محدد .

في وسط برلين الشرقية في دارها الثقافي , مبنى عتيق سلم ملتوي اتفقنا إن نلتقي , إضافة إلى المعارض الدائمة في هذه الدار تقام اليوم أمسية موسيقية , جلسنا في انتظار النواب  جاء مظفر مع رياض النعماني, بادرته قائلا :

* يقال إن قصيدتك التحريضية أصبحت مستساغة من قبل الملوك والحكام العرب, حتى ذهب البعض أنها جزء من أساليب الحكومات لامتصاص نقمة الجماهير, إضافة إلى أنها تذكر بالحكام العرب, مثلما يذكر هجاء المتنبي بكافور ؟؟

بعض هجاء المتنبي سياسي ودقيق , تشخيص حاد معين عن حالة معينة  فيها قبحها  وفيها جماليته هو, وحين يتحدث عن حالته  فهو اعتزازه بنفسه ,فيه نوع من الجمالية لوصفه لنفسه كبريائه وشموخه و بالمقابل صورة الحاكم  سواء كان سيف الدولة أو كافور الإخشيدي , إما في قصائدي ليس عندي مديح لأحد , الشخصيات التي أتحدث عنها  وعن عالمها , هي شخصيات لها بطولاتها  وعالمها وجماليتها , شخصيات فقيرة ناضلت واستشهدت مربوطة بعالم كامل حولها محيطها, سواء "خالد اكر ", "سليمان خاطر" بيلسان , ليس هناك مديح لشخصية معينة  حاكمة أو سلطة , يكون المديح حين تتكسب وبالتالي الصور الأخرى التي تأتي لبعض الحكام هي تعرية  وليس هجاء , هناك فرق بين الهجاء والتعرية,  تعري وضع بكامله , شخص أو صورة عامة  ,  الفضح والتعرية  ضرورية لأي بناء جديد , بدون تخريب جيد لا يكون بناء جيد, لابد أن تجتث السيئ لا تبقي له اثر من اجل البناء الجديد , لأاعتقد إن الحكام يرتاحون إلى الصور في قصائدي إطلاقا , أو من قبيل استساغة المجرم لجريمته أحيانا , الحاكم حينما يسمع هذه الأوصاف له ويرددها  هو استساغة لجريمته , وهو أيضا فضح , والقاتل حين يستسيغ عمله كقاتل , وتتحدث عن هذا  تكون قد فضحت درجة خطيرة جدا من الانحطاط  الحاصل , ولا اعتقد أنهم يرتاحون , إنهم يستاؤون جدا . { احد وزراء خارجية الدول العربية مر في ليبيا وتعرف على, كان معجب بالوتريات, وكان في طريقه إلى السعودية, ولما رجع من السعودية مارا في ليبيا, طلبني تلفونيا, كان قد قابل الملك خالد فقال:

( انتبه من السعوديين!) , حال دخولي على الملك وسلامي عليه , قال لي "هناك شاعر عراقي ينشر ويهتك أعراضنا ".إنهم لايرتاحون لشعري " , واعتقد هذا جزء من هجوم شامل على كل ما اكتبه, وهذه النزعة موجودة , ربما بدافع إني خارج المصطلح الشعري  الذي يحكون به أيضا .

 * ربما حتى المصطلح السياسي ؟

سياسي أيضا توجد جبهة عريضة قسم منها سياسي , وقسم يحاول ان يطبق مصطلح الحداثة الذي في ذهنه على الكل , لذلك هناك تشابه بين شعراء الحداثة عجيب , ( استثني الجيدين منهم )  مثل المغنين الجدد أصوات تتشابه كل من غنى نغمين أصبح مغنيا , جانب من هذا الهجوم يأخذ طابع الحسد , وللأسف الشديد جانب من الهجوم طائفي , وهذه الطائفية تلعب دورا مقيت  عند بعض الأوساط  حتى سياسيا إضافة إلى النشر والإعلام يأخذ شكلا طائفيا جوهره العميق  اقتصادي سياسي , كثير من الصحف تتحاشى النشر بدوافع طائفية .

* يشير  الدكتور محمد حسين الاعرجي في كتابه"   مقالات  في الشعر العربي المعاصر " إلى البذاءة في شعر النواب  أين تكمن البذاءة ؟؟  هل تكمن في مفردة   أولاد القحبة مثلا ؟

ليس هناك لونا وسخا , موجودة ألوان احمر ابيض اسود , يعتمد أين  يستعمل اللون في اللوحة , إذا استعملت اللون خطأ تصبح اللوحة سيئة  ويصبح اللون وسخا , وإذا استعملت اللون بشكل سليم يصبح اللون جيدا وفي مكانه , وهذا حسب فهمك ودرايتك  في الألوان, لذلك عند الاعرجي هذا الإطلاق .. كل مفردة بذيئة يعتبرها بذيئة , ليس عندي مثل هذه الفهم ! كيف توظف هذه الصيغة وهذه الكلمة ولأي سبب وبأي بعد ؟؟  هل تخدم بناء معماريا صورة فنية وجمالية أم لا ؟؟  حتى الصورة القبيحة فيها جمالية  أيضا. اعتبر مثل هذه الإحكام نوعا من التخلف, قياسا غير دقيقا وليس فيه دراية فنية عالية, انه نوع من التبسيط وفيه أيضا تسطيح, بعد ذلك من أين تأتي البذاءة ؟؟ تأتي من قبح الصورة , حينما تتحدث العين عن أجمل لأشياء ولكن بشكل قبيح هذه بذاءة , وهذا أيضا عدم كفاءة ودراية الشاعر أو النحات أو الرسام , حين يعجب احد بموضوع معين ويحاول رسمه ولكنه لا يعرف الرسم  تخرج اللوحة تعيسة , يسيء بها للموضوع الذي رسمه , أين جاءت هذه المفردات بكم قصيدة ؟؟ اللغة عندي , لغة مفرداتها مفردة كل ما في قاموس لغة الحياة اليومية واغناء لهذا القاموس , استعمل المفردة مثل ما استعمل الألوان. أين أجد بناء الصورة ! أين أجد التناقض في هيكل القصيدة العام وفي بنائها! .

* ويذكر الاعرجي أيضا في كتابه  "وللناقد أن يلاحظ على طائفة من قصائد مظفر إن نسيجها اقرب إلى التركيب العامي منه إلى الفصيح!

اعتقد هذا ليس خطأ, لماذا الترفع عن الحياة اليومية لماذا الترفع عن العامية ؟  جانب من التخلف في الحياة الأدبية والفنية هو الخوف من اغناء الفصحى , طيلة التاريخ اغنيت الفصحى بمفردات من العامية , خذ مثلا الشعر العباسي , ان استعمال أي  مفردة أو صيغة او صورة من الحياة اليومية هذا اغناء أكثر مما يكون اتهام . يمكن أن يكون هذا الرجل يعيش بين كتب التاريخ  ويظل بينها لايفا رقها , مثل كثير من الماركسيين يعيشون بين أمهات الكتب الماركسية ولا يريدون قراءة شيء جديدا , وهذه يقتل الماركسية , وما يقوله الاعرجي يقتل الذهن .

   *يضرب مثلا من التراكيب العامية "ملك من يجلس في زاوية يرضع ربعيه"

هذه الصورة ليست عامية وإنما مأخوذة من الحياة اليومية, وحتى لو كان فيها عامية, ماذا يعني؟

تدخل الشاعر رياض النعماني بعد صمت  وانتباه شديد هذا التركيب الذي قاله أبو عادل إطلاقا ليس عامي لكنه يتحدد بمكونات التركيب , الاستفادة من  الصفات والدلالات, حينما تخلق المشاعر , وتأثر على الناس تقترب من الروح تداعب الأوتار العميقة في النفس,( ت س اليوت )الذي يعتبر من اعقد شعراء القرن العشرين دعوته واضحة  " الشاعر الحقيقي الشاعر  الذكي الشاعر الحساس هو الذي يصغي إلى شفاه الناس ويلتقط منها الكلمات العامية , لان كلمات الناس العامية بالضبط نبع لا ينفد  وموسيقى هائلة لا تنتهي " .

*استعمال التراث والتقاليد الشعبية الدينية وتأثير الشعبي على الفصيح كما في "لكن الناموس تجمع في خيط الفردوس كنذر في رجلي "!

التراث الذي ليس فيه أصداء تراث مندثر ليس فيه حياة , اللفظة  التي لاتحدث أصداء وليس فيها إيحاءات, لفظة لا حياة فيها خاملة , فكانت تستعمل صورة النذر ضمن الايحائيات والتداعيات  النذر الشيعي اوغيره فالنذر عام .

  *هل ترابطت صورة النذر مع وجودك في أجواء ومناخات شيعية إيران؟؟

أبدا لم يكن في تفكيري أي شكل طائفي.

رياض النعماني : أي توظيف جمالي يوسع من أبعاد اللغة  يعطيها دلالات جديدة , هذه المفردة الجديدة تجد لها مكان في المجال اللغوي  هو اغناء لأبعاد اللغة وطاقة اللغة , أحينا يجري الحديث عن تفجير وتجديد اللغة, كيف يتم ذلك أذا جملة تمتلك كل حرارة القلب والحلم البشري واليومي للناس, أذا هذه الكلمة لا تغني اللغة ماذا تغني إذا؟ , كيف يتم فهم اللغة والأبعاد المعرفية للشاعر والمبدع ؟ من أين نأتي بكلمات القديمة,هل ناتي بقواميسنا القديمة , الكلمات الميتة والباردة  الخاملة؟ هل يعني هذا توسيع اللغة  واغناء طاقاتها , بينما كلمة نابضة  وحية وعلى لسان  الناس  وفي قلوب نتغازل بها , نهمس بها نرتجف بها هذه هي الكلمة .

مظفر النواب : اللوحات الكلاسيكية استعملت الألوان ,أما اللوحات المعاصرة  استعملت اللون والفحم والخشب والقطع المعدنية  في لوحة واحدة , انه عالم يريد ان يعبر عنه بكل ما متوفر , سابقا هذه الأشكال كانت  محرمة , أما ألان فهو موضوع عادي , نستخدم مواد عديدة لخلق هذا اللون , المهم كيف يتم تكوين عالم اللوحة وجماليته , في اللغة والشعر تستعمل كل شيء  ؟ إيحاء , مفردة , لون , تركيب جملة , في الفصحى والعامية , هذه أدوات  تكوين , لماذا يسمح باستعمال كل شيء عدا العامية ؟ اعتبارها نجسة ؟ إنها لغة الناس ماؤها جاري أكثر من الفصحى بينهم , تسري وتمس أعمق مشاعرهم لأنها مستعملة يوميا القاموس حفظها  وتوارثها الناس ,  جميلة لها أبعادها وعندها بناؤها , نحن لا نريد أن تقف عند حدود معينة جامدة و يجب أن تتطور, أن تكون نهرا وليس بركة , الفرق إن البركة أسنة , أين تسير العامية , تسير بين الناس , المجرى هو الناس  بعاميتهم بوضعهم , يجب أن تقترب الفصحى إلى هذه الحالة حتى نعطي بعد جمالي للفصحى , يجب استعمال كل المواد المتاحة والمتوفرة في يدك  حتى يتكون عالمها الحقيقي  , الفن العالمي يستعمل كل المواد  من اجل خلق لون وكون .

حسين الموسوي : اعتقد ان عدم تطويع العامية هو عدم دراية  الشاعر وضعف قدرته, للأسف إن كثيرا من شعرائنا ينظرون إلى العامية  وكأنها من كوكب أخر ,  وكأنها لم تكن جذوره الأولى منذ ولادته وصباه  حتى أيامه هذه .

مظفر النواب: تستطيع القول إن 90% من الشعراء يطربون للعامية لكن لا يأخذ منها الجديد وهو شيء عجيب ّ!

رياض النعماني : هناك أدباء وشعراء كبار  يتعاملون مع العامية بهذه الطريقة  ويتضايقون منها , ثم يفتعلون نوع من التعالي على هذه اللغة , وهو مرض لايوجد ألا عند الوسط الثقافي , لذلك مثل هذا الوسط  الذي يحمل هذه الروحية  لأاعتقد له علاقة  بالثقافة .

حسين الموسوي : توجد صور غنائية في أشعار الحاج زاير  ومظفر النواب  لا قدرة للفصحى أن تبنيها " يلي جرة  سمه بعينك خاف افززه من اكلك , انا احبك"  نقطة انتهت ,هذه صورة متكاملة في الفصحى تحتاج إلى جمل عدة للوصول إلى جماليتها ومعناها, تلاحم العامية بذات الإنسان من ولادته والنشوء الذي يأتي بالتدريج يكّون اللوحة  والصورة الشعرية , الرسام لا يمكن أن يكون رساما من لاشيء , بالتأكيد هناك بعض الأشياء المحيطة به أثرت علية من الماء إلى الدم , النساء إلى أن يخرج لوحة نهائية , وهولاء الشعراء هم نتاج هذا المجتمع , واعتقد عدم اهتمامهم وانتباه للشعر العامي منذ البداية  خلق هذه الموقف .

مظفر النواب:  الكلام ضد العامية يسود في لغة التنظير, أما في لغة الحقيقة فهي أخرى, بدليل انه يطرب للعامية, اللهجة المصرية حينما تغني أم كلثوم, والعامية اللبنانية حين تغني فيروز. يطرب للعامية للصور الموجود فيها , ولكن حين يتحدث عن العامية  يتحدث بلغة الإدانة ,وهذه ازدواجية عجيبة .

  *يقول الاعرجي في كتابه "ومرد اهتمام النواب ـ فضلا عما ذكرته من اهتمام الشعراء عموما ـ هوانه بدا حياته الأدبية شاعرا شعبيا لم يبلغ مستواه شاعر شعبي أخر معاصر له ؟؟

هذه النبرة فيها جوانب عديدة , منها عديد من الشعراء يقولون أني شاعر عامية وليس فصيح , وهذه محاولة  لطمس كل شعر الفصحى لأني لست ضمن المصطلح الذي يتحدثون فيه , أني شكل أخر , ثم لهذا الشعر إنصات  كامل من جماهير واسعة  , هذا يخيفهم , واني استغرب ان أخاف شاعر له نبرة غير نبرتي , على العكس انه يغني الأدب العربي , أما هولاء مازالوا أسرى المصطلح السائد , أني كتبت بالفصحى قبل العامية منذ الابتدائية  وألان اكتب بالفصحى والعامية  . علي الوردي له رأي في النحو العربي, " الذي دفع الشعر العربي أن يتخلف كثيرا هو رجعية النحو ".

حسين الموسوي :كثير ما يؤكد  بعض الناس أن  يظل مظفر النواب  شاعرا شعبيا أفضل من الفصيح  ,باعتقادي إن هذا ليس صحيحا لان الشاعر شاعر أساسا بأي لغة  أو لهجة تكتب , حينما تكتب قصيدة ما بالألمانية أو الهندية , أو العربية بأية لغة أو لهجة كانت , مثلها  بالعامية العراقية, يعتمد على قدرة القصيدة   والشاعرية المتوفرة فيها ,وليس على الوسيلة المنقولة  بها , كلوحة ما كاملة للرائي لها مع عدم التفكير  بالمواد التي استخدمت فيها .هذه الأشياء, أو هذا الاصطفاف بكليته, يخلق باعتقادي لدى عدد غير قليل من شعراء الفصحى نوع من التخوف, تخوف مبرر أحيانا, خوف من الدخول في متاهات الصورة, الصورة التي دخل متاهاتها مظفر مجازفة أم هكذا! هي بحد ذاتها إبداعا  فليس من السهل أن توفق بين لهجة المدينة - بغداد مثلا-  واللهجات العامية الأخرى خاصة في لهجات الجنوب المتنوعة و"الحسجة" والفرات , دخول هذه التفاصيل والخروج منها بمفردة جميلة  تفي بالغرض , هذه الخصوصية والتفرد في لون ما جعل شعراء الفصحى ـ لا اعني كلهم ـ يخشون مجازفة الدخول في معادلة الإبداع دون تردد , إي الدخول في لون أخر ومتميز,حتى ما هو نقدا لاذعا في شعر مظفر , ما هو إلا نقدا أكثر وضوحا وتأثيرا للأوضاع  السيئة التي تعيشها المنطقة العربية <<  حكامها ومحكوميها>>  واعتقد أيضا إن مظفر  كون له نبرة ولون  خاصين .

 

* قليل ما تحتفي المعارضة العراقية بك ؟؟؟

اعتقد انه شعور متبادل , متبادل لأسباب , إني حزين لهذه المعارضة  وليس شماتة , محزن وضعها , القتال الدائر بين الطلباني ومسعود , احد أركان المعارضة الأساسية مشغول في المذابح , إضافة إلى المهاترات في صحف المعارضة , هذه المعارضة غير محسودة على وضعها , لو كان وضعها المؤلم مقصور عليها لهانت , ولكنه مصير شعب .

 

* رغم عدم قناعاتك في المعارضة , لماذا لانتشر في صحف المعارضة ؟؟

قضية النشر لست ميالا للنشر بشكل عام سوى معارضة أو غير معارضة ماعدا بعض الفترات, حين يطلب صديق نشر قصيدة, بعد ذلك إن صحف المعارضة غير واسعة الانتشار, محدودة ولكنه بالأساس عزوف عام أكثر من كونه يخص المعارضة.

 

*سجلت كل أحزان وبطولات  الشعب العراقي  وخلدتها في قصائد مازالت محفورة في ذاكرة الناس , وأيضا أفراحه على قلتها , أين وقفت من  الحرب ومحارقها ؟؟  هل كتبت عن هذا الحرب الكارثة ؟؟ هل كتبت لشعب العراق ؟؟

 

كل القصائد فيها ذكر للعراق , الحرب لي رأي فيها , كتبت بعض القصائد  لكني لم أقرئها  وقليل من الناس يعرف بها  ومسجلة,للتاريخ أيضا, على كاسيت لكن فيها تردد , كتبت وبتردد انه من المضحك حين يقول إنسان ليس لي علاقة بالمآسي والآلام التي يمر بها العراق , كل بقائي خارج العراق هو موقف, رغم كل المغازلات , هو موقف عملي أهم من أي موقف كتابي , تتعرض فيه إلى قضايا عريضة وطويلة , وضع هذه الحرب فيه ملابسات , الملابسات متأتية من ان  صحيح هناك الدكتاتورية والسلطة في جانب  ولكن الذي كان يقصف هو العراق  , لم تقصف الدكتاتورية , كانت تقصف منشآت  الشعب العراقي , بيوت الشعب العراقي , الناس الجسور , الذكريات هذا الذي قصف في العراق, والحديث عن هذا يحتاج إلى وقت , وفي ذهني الكتابة عن هذه الفترة عدا القصائد الصغار التي كتبتها , الكتابة عمل كبير يجب القيام به  ولكن بعد الإلمام  بكل الملابسات والأبعاد , لحد الآن هناك أللغاز في هذه الحرب التي دارت , أللغاز لا نعرفها  وتتكشف بعض الشيء يوما بعد يوم , وفي الشعر بعض الأحيان تكتب قصائد سريعة مع الحدث حينما تريد إن تواجه و تجابه مثل البرقيات , لكن كشعر وبناء يحتاج إلى وقت حتى تكون ألممت بأبعاد طويلة وعريض فيها مسؤولية اكبر , أثناء المقاومة  عندك مسؤولية المقاومة , أما هنا عندك مسؤولية فهم ما دار ,أو إن الشعر يلقي على الأقل أضواء كاشفة ما سيلي هذه الحدث . الحرب الأخيرة فيها ملابسات  تحتاج إلى وقت .

 

*اغلب الأدباء والشعراء في الخارج الذين حددهم فاضل الربيعي (400) كاتب وشاعر وفنان  وصحفي لم يستوعبوا كارثة النظام والعذابات  التي يمر بها الشعب العراقي أو أنهم في حالة ذهول واندهاش مما يحدث !! لم تكتب رواية أو قصة أو قصيدة تحلل هذه الكارثة أو تشير بشكل صادق إلى كارثة الحرب ؟؟

اعتقد إن مستوى الإحداث , لاحظ الإحداث تسير بسرعة , نحن أمام وضع فيه التغيرات  مذهلة بسرعتها , والحقائق تتكشف يوما بعد يوم مذهلة أيضا , لذلك نحتاج إلى وقت , وقت يتم فيه اختمار  العمل , لا يكفي أن تقول شعرا أو حماسة , يجب أن يختمر الشيء حتى يقال , انا لا استطيع لوم احد لماذا لم يكتب , ثم اغلب القصائد هي صغيرة مقاومة تأخذ أهميتها أثناء الحدث , بعد الحدث تهبط قيمتها , الأناشيد والقصائد أيام النازية لعبت دورها لان الناس ينتمون إلى جبهة مقاومة للنازية , ولكن بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد تذكر هذه الأناشيد والقصائد إلا كذكريات .  اللوحات فيها هذا الجانب أيضا , كتب عن الحرب ولكن ليس بذلك الإلمام الواسع , العمل المختمر الكافي بالتعبير عن غنى الأحداث  وتسارعها وتشابكها . , يتعرض العراق إلى مؤامرة صمت خطيرة , أثناء حرب الخليج كتب احد الصحفيين الكويتيين  [ ليس الخطأ في السلطة في العراق ,  وإنما الخطأ هناك شعب اسمه الشعب العراقي , يجب ان ينتهي ]  ويظهر هناك استمرار من اجل انجاز هذه التفكير من اجل طمس العراق أو تفتيته . إحدى المسائل التي تذكر العراقيين بالعراق  جماليات ارض العراق جماليات الوطن و جماليات  البيئة , التراث العراقي الذي هو اقرب للعامية  اللغة المشحونة اليومية التي نسمعها من الطفولة , من المهد إلى أن نكبر , دعونا الأدباء الموجدين في دمشق  للمشاركة في العمل وتأسس شيء نواة شيء لتقديم عمل يعيد العراق للذاكرة حتى لا ينسى ,عبر جماليات العراق وذكريات العراق و أزقة العراق, شارع أبو نؤاس , والرشيد.

*العمل المسرحي الذي كت

المصدر: لطيف الحبيب نشرهذا الحوار في مجلة المدى العراقية الصادرة في دمشق في عددها العاشر بتاريخ 1- 7 – 1995
  • Currently 44/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 886 مشاهدة
نشرت فى 21 مايو 2011 بواسطة berlin

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

7,557