التفكير والعلم
ومضات تنموية
د. عبداللطيف العزعزي
كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان بأمور كثيرة منها نعمة «العقل»، الذي ميزه به بدرجة كبيرة عن بقية المخلوقات، فبالرغم من أن للحيوانات عقلاً تفكر به إلا أن تفكيرها يبقى في مستوى بسيط ومحدود، بعيداً عن العمليات العقلية المعقدة التي يقوم بها عقل الإنسان. فالعمليات العقلية تشير إلى الخبرات الداخلية الذاتية التي لا يمكن ملاحظتها مباشرة وتشمل الأحاسيس، الإدراكات، الذكريات، الأفكار، المعتقدات، الأحلام، المشاعر والدوافع. فالنملة خاطبت قومها وحذرتهم فقالت كما جاء في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(النمل:18). والهدهد برر غيابه عن اجتماع سيدنا سليمان عليه السلام بأنه علم أمراً لا يعلمه سليمان عليه السلام، وهذه المعلومة تطلبت منه السفر بعيداً، فقال تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)(النمل:22)
والعصفورة اشتكت للنبي عليه الصلاة والسلام أن أحد أصحابه أخذ صغيرها، والجمل اشتكى ظلم صاحبه في جعله يعمل أكثر مما يطيق، ولا يطعمه جيداً. كل ذلك وفق نظام عقلي محدود، ولكن الإنسان نظامه مختلف بعمليات عقلية معقدة يصعب كثير منها على العلماء فهمها أو تفسير كيفية حدوثها، إحداها عملية «الترميز» التي تحدث للمعلومات التي تلقاها الإنسان
جعل الله سبحانه وتعالى لكل شيء سبباً وعلة لوجوده وخلقه، فلا يدور شيء أو يتحرك أو يسكن إلا لسبب نعلمه أو نجهله، وما على الإنسان إلا التفكر والتأمل والتدبر لإدراك ما يمكن إدراكه لتتجلى له الحقائق الكونية والمنطقية، فإن لم يجد فعليه أن يسأل أهل العلم والدراية. فذلك الأعرابي عندما سئل: كيف تستدل على وجود الله؟ فقال بفطرة سليمة وقلب حاضر واعٍ: «البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرضٍ ذات فجاج، وبحار ذات أمواج أفلا يدل ذلك على الحكيم الخبير
وفي الطرف الآخر نرى كيف أن بعضهم غيب البصيرة عن قلبه وهذى بما ليس فيه عقل، وأنكر ما تثبته حقيقة وجود الأشياء. مهما بلغ عقل الإنسان من العلم والقدرة إلا أنه يبقى قاصراً تسيطر عليه الأهواء والشهوات ووساوس الشيطان، فهو يعمل وفق ما تُدخِل عليه قنوات الإدراك (الحواس الخمس) من معطيات ومعلومات، وما يكُمن في القلب من أهواء ومشاعر وأمنيات، ولذا يحتاج الإنسان من وقت لآخر إلى التذكير والموعظة والنصح والتوجيه ممن يثق بهم، أو يتعلم مما حدث للآخرين، ومما يحدث في الطبيعة. والإنسان الواعي صاحب اللب يتعلم مما حوله ويدرك بعقله السليم ما هو على حق وما هو على باطل، ما هو صواب وما هو خطأ. فهو محاسب على أفعاله وتصرفاته المبنية على فكره وعقله المخطط والمدبر، فلو ذهب العقل خرج الإنسان عن التكليف والمحاسبة، ولذا فدوره عظيم في الحكم على الأمور وتقييمها وتحليلها، وكلما اهتم به وغُذي بالعلم ارتفعت درجة الإنسان ومكانته. فاللهم اجعلنا ممن يزدادون علماً ومعرفة وحكمة