أبوالحسن البصري غواص في بحر الفقه والأصول والتفسير
جمع الإمام الماوردي بين التفقه في علوم الدين والتبحر في فنون السياسية، ففي علوم الفقه كان من أعلام المذهب الشافعي، وفي فنون السياسة كان رجل دولة ومقربا من خلفاء الدولة العباسية، وفوق هذا وذاك كان مثالا للقاضي العادل، الذي لا يخشى في الحق لومة لائم، ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن الإمام الماوردي هو قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي، يعد من مجددي القرن الخامس الهجري، وقد عاش في الفترة ما بين عامي 364 : 450 هـ، وعرف بأنه من رواد الفلسفة السياسية في الإسلام
فكر
وأشار إلى أن الماوردي كان يرى في الفكر الإسلامي فلسفة سياسية لها طابعها ومميزاتها، وإلى جانب ذلك كان واحدا من الأعلام في الفقه والأصول والتفسير، كما كان من رجال السياسة البارزين في الدولة العباسية وخصوصا في مرحلتها المتأخرة، وقد نشأ الماوردي بالبصرة، وتعلم الحديث من جماعة من العلماء منهم الحسن بن علي الجبلي صاحب أبي خليفة الجمحي ومحمد بن عدي المنقري، ومحمد بن معلى، وجعفر بن محمد بن الفضل، كما تفقه على يد أبي القاسم الصمري بالبصرة، ورحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، ودرس بالبصرة وبغداد سنين، وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير، وأصول الفقه والأدب
ويضيف، تولى المواردي القضاء في “أستوا” القريبة من نيسابور، ولقب بأقضى القضاة عام 429هـ، وتألق نجمه عند عودته إلى بغداد وقيامه بالتدريس، ولكن نجمه السياسي برز عندما عمل سفيرا بين رجالات الدولة في بغداد وبني بويه في الفترة بين عامي 381 و 422هـ، لحل الخلافات الناشبة بين أقطار الدولة العباسية، واشتهر الماوردي بكثرة التأليف وغزارة الإنتاج، ولكن لم يصل إلينا من مؤلفاته إلا القليل ونظرا لتنوع كتاباته في مجالات مختلفة عرف بـ “صاحب التصانيف”، ويمكن تصنيف مؤلفاته في مجموعات دينية ولغوية وأدبية وسياسية واجتماعية، ومن أبرزها: أدب الدنيا والدين، أعلام النبوة، الحاوي الكبير، الإقناع وهو مختصر لكتاب الحاوي الكبير،ومن أشهر كتبه في مجال السياسة قوانين الوزارة وسياسة الملك، نصيحة الملوك، تسهيل النظر وتعجيل الظفر، الأحكام السلطانية الذي يُعد من أشهر كتب الماوردي وأعظمها أثرًا
فروع الفقه
وأوضح أن القاضي شمس الدين يشهد للمواردي في كتابه “الحاوي” بالتبحر في فروع وعلوم الفقه، وقد ولي المواردي قضاء بلاد كثيرة، وله تفسير للقرآن سماه “النكت، ولم يظهر المواردي شيئا من تصانيفه في حياته، وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته، قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، ولم أُظْهِرها لأني لم أجد نية خالصة، فإذا عاينت الموت، ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها، فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب، وألقها في دجلة وإن بسطت يدي، فاعلم أنها قبلت. فقال الرجل: فلما احتضر، وضعت يدي في يده، فبسطها، فأظهرت كتبه
ويقول: لم تجمع مؤلفات الماوردي جمعا شاملا، ولايزال البعض منها مخطوطا، وفي مقدمتها كتاب “الاحكام السلطانية” الذي تنبه إليه المستشرقون منذ القرن التاسع عشر، وترجم إلى الفرنسية عام 1900، ولكنه لم ينل حظه تماما من الدراسة والبحث، والواقع أن الماوردي الفقيه أشهر من الماوردي عالم السياسة في العالم العربي مع أن له في المجالين مكانة مرموقة
واجبات
ويؤكد أن الماوردي سبق الكثير من النظريات السياسية الحديثة حيث حاول أن يحدد الواجبات الدينية والدنيوية وهي واجبات مهمة وخطيرة، وشدد على ضرورة أن يحرص المسؤول على مباشرة هذه الواجبات بنفسه لأن التفويض والتوكيل غير مأمونين، وليس من المستبعد أن يغش المفوض أو يخون
ويعرض الدكتور أحمد محمود كريمة بعض ما قاله بعض العلماء والمؤرخين عن المواردي منها قول أبي الفضل بن خيرون: كان رجلا عظيم القدر، متقدما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن، بينه وبين القاضي أبي الطيب في الوفاة أحد عشر يوما، وقال أبو عمرو بن الصلاح: هو متهم بالاعتزال وكنت أتأول له، وأعتذر عنه، حتى وجدته يختار في بعض الأوقات أقوالهم، وكان لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة، بل يتكتم، ولكنه لا يوافقهم في خلق القرآن، ويوافقهم في القدر وكان لا يرى صحة الرواية بالإجازة