مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل

حبيب الأطفال "محمد صلى الله عليه وسلم"

د. ليلى عبد الرشيد عطار

إن المطلع على سيرة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يجد أن الطفل المسلم قد حظي باهتمامه الشديد من جميع الجوانب،ولم يتجاهله رغم مشاغله الكثيرة،وأعماله العظيمة،بل أن تعامله مع الأطفال يؤكد على فهمه العميق لنفسياتهم وطبائعهم وشخصياتهم وما فيها من فروق فردية،وحاجات نفسية،ودوافع فطرية،وبناءً على ذلك فقد وجههم صلى الله عليه وسلم بطريقته الحكيمة،وأسلوبه التربوي المناسب،وهذا ما سبق به نظريات رجال التربية الغربيين قديماً وحديثاً

إن كتب السيرة تفيض بالأمثلة الرائعة على تعامله الرحيم للطفل في كل جانب من جوانب الحياة..وهذه بعض الأمثلة أسوقها للإقتداء بها في تربيتنا وتعليمنا وتوجيهنا،وتعاملنا مع الطفل

تعليمهم الآداب الاجتماعية
- فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس الأطفال أدب السلام من خلال فعله،فكان إذا مر عليهم وهم يلعبون سلم عليهم ومسح رؤوسهم،وكان يوجه أنس رضي الله عنه بقوله: يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك

 كذلك وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أدب الطعام،فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحيفة،فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام ..سم الله تعالى،وكل بيمينك ،وكل مما يليك،فمازالت طعمتي بعد

 كما ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطفل على الحفاظ على حقه والتمسك به ضمن حدود الأدب والاحترام للكبار، (فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه،وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ،فقال للغلام:أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟فقال الغلام:لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحد فتله ) _أي وضعه_ رسول الله صلى الله عليه وسلم،واحترم حقه ولم يعنفه على ذلك ،بل في موقف آخر يوجه الطفل إلى حسن الأدب مع أبيه وذلك أنه رأى رجلاً معه غلام،فقال:من هذا؟قال: أبي،قال:لا تمش أمامه ولا تستسب له_ أي لا تفعل فعلاً يتعرض فيه لأن يسبك أبوك زاجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح _ ولا تجلس قبله ولا تدعه باسمه

غرس الأخلاق الفاضلة
كذلك أهتم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بتثبيت الأخلاقيات الفاضلة في الأطفال منذ نعومة أظفارهم حتى يشبوا عليها وتصبح جزءا أصيلاً من شخصياتهم

- فهذا عبد الله بن عامر يقول: ( دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا،فقالت:تعال أعطيك،فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم:ما أردت أن تعطيه؟قالت: أردت أن أعطيه تمراً.فقال لها:أما أنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبه" .. وبهذا الموقف يثبت صلى الله عليه وسلم خلق الصدق في نفس الطفل من خلال تربية أمه له

 وهذا موقف آخر يؤصل في الطفل خلق الأمانة بطريقة عملية ،فعن عبد الله بن بشر الصحابي رضي الله عنه قال:  بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلت منه قبل أن أبلغه أياه فلما جئت به أخذ بأذني ،وقال:يا غُدر

 وهذا موقف ثالث لغرس خلق حفظ الأسرار من خلال تعامله صلى الله عليه وسلم مع أنس رضي الله عنه الذي قال فيه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمتي،قلت:يقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى صبيان يلعبون،قال:فجئت أنظر إلى لعبهم،قال:فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على الصبيان يلعبون،قال:فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى حاجة له،فذهبت فيها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيء (ظل) حتى أتيته واحتبست عن أمي عن الإتيان الذي كنت آتيها فيه،فلما أتيتها،قالت: ما حبسك؟قلت:بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له،قالت: وما هي؟قلت:هو سر لرسول الله صلى الله عليه وسلم،قالت:فأحفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره،قال ثابت:قال لي أنس:لو حدثت به أحداً من الناس أو لو كنت محدثاً به لحدثتك به يا ثابت ) وهذا يدل على أنه توفى ولم يحدث بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم

إشباع حاجته للحب واللعب
ولم يكتف رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الطفل على ذلك،بل تعداه إلى مداعبته والمزاح معه

 فهذا أنس رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً،وكان لي أخ يقال له أبو عمير_وهو فطيم_ كان إذا جاءنا قال:يا عمير ما فعل النُغير ،النغر (وهو طائر صغير كالعصفور) كان يلعب به ،وربما حضرت الصلاة،وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينفخ ،ثم نقوم خلفه فيصلي بنا

 وقد أدرك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حاجة الطفل إلى الحب والحنان والاهتمام،فغمر بهما الحسن والحسين،فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت أذناي هاتان ،وبصر عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيديه جميعاً بكفي الحسن والحسين،وقدماه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ارقه،قال: فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:افتح فاك ثم قبله،ثم قال: اللهم أحبه فإني أحببته

 وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقالوا:أتقبلون صبيانكم؟فقال:نعم،قالوا:لكنا والله ما نقبل،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة

 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوزع الحب على الأطفال من خلال المداعبة واللعب معهم،فيصف عبد الله وعبيد الله وكثير بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول:من سبق إلي فله كذا كذا،قال:فيسبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم

 ولا يقتصر على ذلك عليه الصلاة والسلام إنما كان يمشي على أربع وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما

 لقد بلغت رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحبه للطفل ،ورغبته في إشباع حاجته النفسية إلى الصبر عليه في الصلاة،فعن عبد الله بن شداد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر،فلما قضى صلاته،قالوا:قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر،فقال:إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته

الوصية بتربية الإناث والعدل بين الأبناء
ولم يقتصر اهتمامه صلى الله عليه وسلم على الذكور وإنما أوصى بحسن تربية الإناث بقوله: (من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة )،وهذا موقف عملي لرجل كان عنده صلى الله عليه وسلم فأجلس ولده على فخده وجاءت بنت له فأجلسها بين يديه،فقال صلى الله عليه وسلم:"ألا سويت بينهم؟".وهذا العدل في معاملة الذكور والإناث يمثل قمة التعامل بين الأنباء ،ونفقده في أيامنا الحاضرة في معظم الأسر

الوصية باليتيم
كذلك أوصى رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم برعاية اليتيم وحسن تربيته فقال: خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ،وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه،أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين_ يشير بأصبعيه_

حبيب الأطفال
إن ما سبق غيض من فيض من سيرة حبيب الأطفال محمد صلى الله عليه وسلم،ولو أردنا الإطالة لكلفنا هذا مجلدات ومجلدات للشرح والاستفاضة في حسن تعامله مع الأطفال،ويكفيه صلى الله عليه وسلم أنه ملك قلوب الأطفال في زمانه حتى أنهم كانوا يقتلوا من يؤذيه صلى الله عليه وسلم،فهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يصف ما حدث وهو في قلب معركة بدر فيقول: وقف غلام على يميني يسألني:يا عم دلني على أبي جهل،فيقول له:ومالك يا بني من أبي جهل،فيقول له:والله إن رأيته لن أفلته،لقد كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.ثم غلام على يساري فسألني مثل الأول،ثم تحتدم المعركة،ويشتد بأسها،فيلتفت عبد الرحمن بن عوف إلى الغلامين ويقول لهما: ذاك الذي تبغيان،ذلك أبو جهل،فينطلقان مسرعين بسيوفهما الصغيرة،كل منهما يريد أن ينال شرف السبق في طعن عدو الله ورسوله،فيضربانه ضربة قوية،فيسقط أبو جهل على الأرض ،فيتسابقان إلى زف البشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،ويقول كل واحد منهما:أنا الذي قتلته يارسول الله ! فيقول لهما:أرياني سيوفكما،فيرى آثار الدماء،فيقول لهما: كلاكما قتله


============================
أستاذ مساعد تربية إسلامية بكلية التربية للبنات بجدة

د. ليلى عبد الرشيد عطار

 

 


المصدر: موقع المربي
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

609,432

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه