مصرنا الحبيبة

الماضي والحاضر والمستقبل

الأمانة والعدل

أساس الاستقرار والتقدم   

يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النساء: “إِن اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ الناسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِن اللّهَ نِعِما يَعِظُكُم بِهِ إِن اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً . يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللّهِ وَالرسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحْسنُ تَأْوِيلاً” .

الأمانات: جمع أمانة وهي كل ما يؤتمن الإنسان عليه، والمعنى أن الله تعالى يأمركم  أيها المؤمنون  بأن تؤدوا ما أؤتمنتم عليه من الحقوق سواء أكانت هذه الحقوق لله تعالى أم للعباد، وسواء أكانت فعلية أم قولية أم اعتقادية .

وقد أسند سبحانه الأمر إليه مع تأكيده، اهتماما بالمأمور به، وحضا للناس على أداء ما يؤتمنون عليه من علم ومال وودائع وأسرار، وغير ذلك مما يقع في دائرة الائتمان وتنبغي المحافظة عليه .

ومعنى أداء الأمانة إلى أهلها توصيلها إلى أصحابها كما هي من غير بخس أو تطفيف أو تحريف أو غير ذلك، ما يتنافى مع أدائها بالطريقة التي ترضي الله تعالى .

ومن الآيات القرآنية التي نوهت بشأن الأمانة وأمرت بأدائها وحفظها قوله تعالى: “إِنا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ” .

وأما الأحاديث النبوية فمنها ما يروى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم” . . وما روي عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك” .

والأمانة التي حضنا عليها القرآن مطلوبة في كل شيء، وهي أبرز ما تكون في المعاملات المالية، ولذلك كان من أهم القيم والمبادئ التي تقوم عليها المعاملات المالية الإسلامية قيمة الأمانة  . . فبالأمانة تشيع الثقة بين المتعاملين ، وبالأمانة تأتي المكاسب والأرباح الحلال، وبالأمانة تستقر المعاملات ولا تحدث الخسائر والكوارث الاقتصادية .

يقول د . حسين شحاتة  أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر: لو سادت قيمة الأمانة في المعاملات المالية في أمريكا وأوروبا وغيرها من الدول الكبرى لما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألحقت الضرر البالغ بالعالم كله . . ولو سادت قيمة الأمانة بين المسلمين الآن لما دخل علية القوم من الرؤساء والوزراء وكبار المسؤولين السجون .

لا إيمان بلا أمانة

ويضيف: إن كل تعاليم وأحكام الإسلام تصب في خانة الأمانة . . فالدين الحق أمانة عند المسلم فلا يجوز له أن يخون دينه، ولذلك يقول الحق سبحانه: “يا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرسُولَ وَتَخُونُواْ أَمانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ . وَاعْلَمُواْ أَنمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَن اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ” . . ولأهمية الأمانة في ترسيخ أصول العقيدة وتثبيت الإيمان يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه “لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له” .

وجوارح الإنسان أمانة وهو مطالب بألا يستخدمها إلا في طاعة الله وفي كل خير . . والمال الذي تحت أيدينا أمانة فلا ينبغي أن يستغله الإنسان في معصية الله ولا يكتسبه من غير وجوهه الشرعية . . والأبناء أمانة فيجب على المسلم أن يحسن تربيتهم وتعليمهم وتوجيههم . . وشريعة الله أمانة والمسلم مطالب في كل الأحوال بالوقوف عند حدودها وعدم الخروج على أحكامها . . ولذلك فإن علماء الأمة مطالبون بالأمانة في نقل الأحكام الشرعية للناس .

وعن الظواهر السلبية التي شاعت في بلاد المسلمين الآن وتكشف عن تلاشي قيمة الأمانة في حياتهم يقول د.حسين شحاتة: من أبرز هذه الظواهر الغش التجاري.. فالغش الآن أصبح في كل شيء، في المكيال والميزان رغم الوعيد الإلهي الوارد في قوله سبحانه: “ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون” . . وهناك الاحتكار الذي شاع في حياتنا التجارية والصناعية وألحق الضرر بالفقراء والأغنياء على السواء، رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر منه، ويقول في الحديث الصحيح “من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ منه الله” .

أيضا هناك الرشوة التي انتشرت في بلادنا العربية والإسلامية، والتي تعد أبشع صور خيانة الأمانة . . وهناك أيضا استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية . . كل هذه الظواهر السلبية التي شاعت في حياتنا الآن هي بسبب غياب الأمانة .

إيصال الحقوق إلى أصحابها

وينتقل الحق سبحانه من الحض على قيمة الأمانة إلى الحض على قيمة أخرى عظيمة فيقول: “وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ الناسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ” وفي هذه الآية الكريمة أمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها إثر الأمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذممهم .

وقوله “حَكَمْتُم” من الحكم ومعناه الفصل بين المتنازعين وإظهار الحق لصاحبه، وقوله “بِالْعَدْلِ” أي بالحق الذي أوجبه الله عليكم .

والمعنى: وكما أمركم الله تعالى بأداء الأمانات إلى أهلها، فإنه يأمركم أيضا إذا حكمتم بين الناس أن تجعلوا حكمكم قائما على الحق والعدل، فإن الله تعالى ما أقام ملكه إلا عليهما، ولأن الأحكام إذا صاحبها الجور والظلم أدت إلى شقاء الأفراد والجماعات .

وقد ورد العديد من الآيات القرآنية التي تأمر المسلمين بإقامة العدل ودفع الظلم منها قوله سبحانه: “إِن اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” وقوله سبحانه “وَلاَ يَجْرِمَنكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتقْوَى”، أما حديث السنة النبوية عن وجوب إقامة العدل ودفع الظلم فهو حديث مستفيض ومتنوع .

وقوله تعالى: “إِن اللّهَ نِعِما يَعِظُكُم بِهِ” أن الله تعالى قد أمركم يا معشر المؤمنين بأداء الأمانة، وبالحكم بالعدل ولنعماهما شيئاً جليلاً يذكركم به ويدعوكم إليه .

وعد  . . ووعيد

وقوله تعالى: “إِن اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً”، وعد للطائعين ووعيد للعاصين . . أي أن الله تعالى كان سميعا لأقوالكم في الأحكام وفي غيرها “بصيرا” بكل أحوالكم وتصرفاتكم وسيجازيكم بما تفعلونه من خير أو شر .

وبعد أن أمر الله سبحانه بأداء الأمانة وبالحكم بالعدل عقب ذلك بأمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وولاة أمورهم فقال تعالى: “يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ” .

وطاعة الله وطاعة رسوله متلازمتان . . قال تعالى: “منْ يُطِعِ الرسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ” ومعنى طاعتهما التزام أوامرهما، واجتناب نواهيهما .

والمراد بأولي الأمر  على أرجح أقوال المفسرين  الحكام، وطاعتهم إنما تكون في غير معصية الله، فإذا أمروا بما يتنافى مع تعاليم الدين فلا سمع لهم على الأمة ولا طاعة .

وفي قوله عز وجل: “فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللّهِ وَالرسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر”، بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا ما حدث بينهم اختلاف في أمر من الأمور الدينية . . والمراد بالتنازع هنا: الاختلاف والجدل مأخوذ من النزع بمعنى الجذب .

وقوله: “إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ”، أي إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حق الإيمان فارجعوا فيما تنازعتم فيه من أمور دينية إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

 

المصدر: مجلة الصائم
belovedegypt

مصرنا الحبيبة @AmanySh_M

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1352 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

595,956

عن الموقع

الموقع ملتقى ثقافي يهتم بالثقافة والمعرفة في كافة مجالات التنمية المجتمعية ويهتم بأن تظل مصرنا الحبيبة بلدآ يحتذى به في القوة والصمود وأن تشرق عليها دائمآ شمس الثقافة والمعرفة والتقدم والرقي

وليعلو صوتها قوياّ ليسمعه القاصي والداني قائلة

إنما أنا مصر باقية

مصرالحضارة والعراقة

مصرالكنانة  

 مصر كنانة الله في أرضه