|
ابن النفيس . . مكتشف الدورة الدموية |
يعد صاحب الفضل الأول في اكتشاف وفهم الدورة الدموية وتشريح القلب والأوعية الدموية، إنه العالم الإسلامي ابن النفيس الذي يقول عنه د . أحمد فؤاد باشا في “موسوعة أعلام الفكر الإسلامي”، “هو علاء الدين بن أبي الحزم القرشي الملقب بابن النفيس، أستاذ الطب بالديار المصرية ومن أكبر أطباء العرب المسلمين، وأحد أعلام القرن السابع الهجرى” .
ولد بدمشق حوالي سنة 607ه- 1210م وترعرع في ربوع القرشية، وكانت حاضرة مهمة من حواضر العالم الإسلامي ، حيث نبغ فيها علماء في علوم النحو والصرف، والفقه والحديث كذلك كان ابن النفيس سباقاً إلى القول بأن القلب يرتوي من خلال الشريان التاجي المحيط به، وكان الاعتقاد قبل هذا أن القلب يأخذ غذاءه من الدم الذي في تجاويفه . وإلى ابن النفيس يعود الفضل في اكتشاف ما أسماه تجاويف أو منافذ محسوسة فيما بين الأوردة والشرايين، وهي التي عرفت فيما بعد باسم الشعيرات الدموية . أما الاكتشاف الأكبر لابن النفيس فهو وصفه للدورة الدموية الصغرى التي تنقل الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين ثم إلى القلب .
قدرات ذهنية هائلة
ويذكر الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام”: أنه عندما رغب ابن النفيس في دراسة والاشتغال بصناعة الطب واجهته صعوبة ومعارضة شديدة من الأهل، لأن دراسة الطب كانت شيئاً جديداً على مجتمعه في تلك الأيام التي كانت مجالس العلم فيها للفقه والحديث، ولكنه أصر على دراسة الطب حتى وصل إلى أعلى المراكز المتقدمة فيه. حيث درس الطب في “البيمارستان النوري” الكبير في دمشق، وكانت دمشق في تلك الفترة تحت حكم الأيوبيين الذين كانوا يهتمون بالطب، وكانت تضم مكتبة عظيمة تحوي نفائس الكتب، ثم انتقل إلى القاهرة التي كانت أبرز حواضر العلم في الدولة الإسلامية في ذلك الوقت . والتحق بالبيمارستان الناصري وفي القاهرة اختير رئيساً لقسم طب العيون في البيمارستان الناصري، ثم أصبح رئيساً لأطباء البيمارستان المنصوري وهو أعلى منصب طبي في مصر في ذلك الوقت، وقد ظل يمارس الطب باقتدار وحظي بثقة الحكام المتعاقبين، ووهب حياته للطب ولم يتزوج .
ويقول الكاتب طاهر عبد المجيد في كتاب (الفلسفة الإسلامية): “لم تقتصر شهرة ابن النفيس على الطب فقط، بل كان يعد من كبار علماء اللغة والفلسفة، والفقه والحديث، حيث درس الفقه الشافعي وكتب في الفلسفة، واعتمد على العقل في تفسير نصوص القرآن الكريم والحديث كما درس المنطق والأدب” .
تميز ابن النفيس بقدرات ذهنية وعلمية هائلة، كان يملي كتبه من الذاكرة من دون حاجة إلى النقل من المراجع وكان سريع البديهة قوي الملاحظة، وتروى عنه في هذا الشأن حكايات كثيرة، وكان متبحراً في العلوم والمعارف .
وقد ألف في الأدب والفلسفة: “فاضل بن ناطق”، وفي التاريخ “الرسالة الكاملية في السيرة النبوية”، وفي علم الحديث: “مختصر علم الحديث”، وفي الفقه “التنبيه إلى طرق الشافعية”، وفي النحو “طريق الفصاحة” .
ويضيف د . أحمد فؤاد باشا في “موسوعة أعلام الفكر الإسلامي” أما في الطب فقد ترك “تفاسير العلل وأسباب الأمراض”، و”الشامل في الطب”، و”المهذب في الكحل”، و”المختار في الأغذية”
شرح تشريح القانون
كان ابن النفيس لاحقاً لابن سينا، وقد ألف كتابه “شرح تشريح القانون” مفصلاً القول في آرائه التي عقب بها على الآراء التشريحية لابن سينا في كتابه الأشهر “القانون” وقد ظل هذا الكتاب مجهولاً للعامة حتى اكتشف الطبيب المصري محيي الدين التطاوي نسخة نادرة من مخطوطته في مكتبة برلين (1921م) وحقق هذه المخطوطة ونال عنها درجة الدكتوراه في رسالة بعنوان “ابن النفيس المكتشف الحقيقي للدورة الدموية) وقد واصل عدد من كبار الأطباء المهتمين بتاريخ الطب العربي الاهتمام بجهود ابن النفيس وفكره حتى أمكن لنا أن نصل الآن إلى قيمته العلمية العظيمة، ومع هذا تبقى للرأي الذي يحتفظ بالفضل للأوروبيين في الكشوفات التي سبق إليها ابن النفيس وجاهته، إذ إن ابن النفيس اكتشف ما اكتشفه وسجله من دون أن يتصل اكتشافه بمدرسة علمية مستمرة تتبنى فكره إلى أن نقل الأوروبيون آراءه وطوروها ودافعوا عنها ونسبوها إلى أنفسهم في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي أي بعد خمسمئة سنة من كشوف ابن النفيس .
وأخيراً يوضح د . أحمد فؤاد باشا في كتاب “التراث العلمي للحضارة الإسلامية” أن ابن النفيس قد أقام في القاهرة، وأغدق على بناء داره الأنيقة الكثير حيث فرش أرضها بالرخام، وكان له مجلس في داره هذه يحضره أمراء القاهرة وأطباؤها وطلاب العلم لتبادل العلم والأحاديث حتى بلغ الثمانين من عمره فمرض مرضاً شديداً، وحاول الأطباء علاجه بالخمر، فرفض قائلاً: “لا ألقى الله تعالى وفي جوفي شيء من الخمر” . وتوفي في عهد السلطان قلاوون سنة 687ه- 1288م، وقد أوصى بكل ثروته للمستشفى المنصوري، وكان من أملاكه دار فاخرة ومكتبة خاصة عدت بمثابة أعظم مكتبة علمية في ذلك العصر .