علماء الإسلام يطرحون:
البدائل الشرعية للمعونات الأجنبية
التمويل الأجنبي لبعض الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية المصرية, وما صاحبه من ردود فعل غاضبة علي المستوي الغربي جراء إصرار الجانب المصري علي الكشف عن حقيقة تلك المصادر كان من أبرز القضايا التي جذبت انتباه الرأي العام واستفزت مشاعر المصريين
لاسيما بعد أن تردد في الأوساط السياسية الحديث عن المعونات التي تقدمها أمريكا لمصر سنويا, وأخذت واشنطن تلوح بتلك المساعدات, ما بين التقليص والتقييد
وبرغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر جراء ثورة25 يناير, والتي يمكن أن تشير للوهلة الأولي إلي حاجة الجانب المصري للمساعدات الأجنبية أكثر من أي عام مضي ولو ببعض الشروط أو التنازلات, انطلقت دعوات شعبية رافضة تلك المعونات, وفي الوقت نفسه أكد علماء الدين وخبراء الاقتصاد رفضهم أي تنازلات أو شروط لقبول أي معونة أجنبية, مشيرين إلي أن سيادة مصر فوق كل اعتبار, وأن مصر التي ضحت بخيرة شبابها ـ شهداء ومصابين ـ في ثورة يناير, من أجل التصدي لظلم وقهر داخلي, مستعدة لبذل المزيد والمزيد, للتحرر من المتربصين بها من الخارج
وفي هذا الصدد تعالت الأصوات المطالبة بالاستغناء عن المعونة الأجنبية, استنادا إلي أن من لا يملك قوته لا يملك حريته, فضلا عن تأكيد بعض المحللين أن تلك المعونات ليست حبا لشعب مصر ولكنها مشروطة ويجب التخلص منها, حيث إنها تضر بالجوانب المعنوية والسيادية للشعب المصري
والسؤال الآن
كيف تستطيع مصر في الظروف الحالية أن تستغني عن المعونات والمساعدات الأجنبية ؟ وما هي الخسائر المتوقعة؟ هذا ما سوف نناقشه في هذا التحقيق
في البداية يوضح الدكتور محمد ربيع ثابت أستاذ الاقتصاد والمالية بالجامعة العمالية بأسيوط أن المعونة الأمريكية, والمعونات الدولية عموما, لا تمنح مجانا, بل لخدمة أغراض الدولة المانحة, وقد تكون الأغراض سياسية أو اقتصادية, والمعونة ليست نقدا بالضرورة, بل قد لا يمثل الجانب النقدي فيها إلا جزءا يسيرا, والدول المانحة تضع شروطا للصرف, وقد تحدد مجالات للصرف فيها, وتختلف قوة الشروط وضعفها تبعا لقوة وضعف الدولة الممنوحة لها
وقد تتوافق المصالح وتتطابق, فلا مشكلة, ولكن تنبع المشكلة إذا تعارضت المصالح, أو اختلفت وجهات النظر حول الشروط الموضوعة ومدي تحقيقها للمصلحة المنشودة, والسؤال هل ترفض الدولة أم لا؟
تفاوض ومساومة
ويعود د. ربيع ثابت ليؤكد أنه في مجال العلاقات الدولية ليس هناك أبيض وأسود, بمعني إما تقبل أو ترفض, بل يوجد جميع الأطياف والألوان, وهذه طبيعة العلاقات الدولية, وبذلك إذا تعارضت المصالح, فلابد من السعي لإيجاد الحلول المناسبة, للتوفيق, أو تعديل الشروط لتكون مناسبة, ولتحقيق المصلحة
وفي حالة المعونة الأمريكية لمصر, لا شك أن المعونة تخدم أغراضا أمريكية صرفة, ولكن ليس من العقل أن نرفض يدا امتدت إلينا للمساعدة, سواء من أمريكا أو من غيرها, ولكن علينا أن نتفاوض مع الدولة المانحة, ونوضح ونناقش, ونبدي الآراء, وذلك لتحقيق أكبر فائدة ممكنة
شرطان لقبول المعونة
أما عن الرؤية الشرعية فيوضح الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمعي البحوث الإسلامية بمصر وفقهاء الشريعة بأمريكا أن المعونات والمساعدات الأجنبية يمكن أن تأخذ جانب الإباحة ما لم تقترن بأحد أمرين
الأول: أن يطلب من مصر أمر من الأمور التي تنتقص من قيمتها أو تجعلها مسلوبة الإرادة في قرارات دولية, بمعني أن يكون القصد من المعونات أن تؤيد الحكومة المصرية الاتجاهات الأجنبية والسياسة العالمية فهذا مرفوض لأن الله عز وجل قال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
أما الأمر الثاني فهو ألا تمس هذه المعونات شيئا من شخصية مصر الدولية, بما ينتقص من قيمة وقامة الدولة المصرية.فإذا خلت المساعدات من هذين الشرطين فلا مانع شرعا من الاستمرار في قبولها.أما إذا قيدت إرادة مصر السياسية فأصبح مطلوبا منها أن تدور في فلك السياسة الأجنبية ـ ومعلوم للجميع وللعالم كله الأخطاء التي تقع فيها السياسة الأمريكية العالمية وقهرها لبعض الشعوب المسلمة, فيكون ذلك محرما وليس مكروها فقط من الناحية الشرعية, لأن الدوران في فلك تلك السياسة معناه إعانة الظالم علي ظلمه
الكشف والشفافية
أما الدكتور شوقي دنيا أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر فيلفت إلي أنه يجب أولا قبل تقرير الاستغناء عن المعونات الأمريكية الكشف عن القيمة الحقيقية للمعونات ومصادر الإنفاق والشروط الملازمة للمعونة, وهل هي حيوية ومؤثرة, أي أساسية, أم أنها من المصادر الترفيهية التي يمكن الاستغناء عنها, أو الاستعاضة عنها بأخري.. وفي ذلك علينا أن نرجع لأهل الاختصاص وليس الاقتصاد فقط, فالعبرة ليست بقيمة المعونة أو المبلغ الذي نحصل عليه من الخارج( مليارين أو ثلاثة مليارات مثلا), بل العبرة بالإضافة إلي ذلك بالأشياء العينية كالسلاح والقمح وغيرهما
ومثل هذه الأمور يجب دراستها بعناية من قبل أهل الاختصاص فقط, قبل التفكير في مقاطعة المعونات بالكلية.. وفي كل الأحوال فإن علينا أن ندير القضية بكياسة وحكمة مع الدول المانحة لتلك المساعدات.. وعلينا كذلك المساومة والتفاوض علي المعونة بما يحقق لنا المصلحة, فقبول المعونة لا يعني التوقيع علي بياض لمصلحة الدول المانحة, وعلينا ان نتبع سياسة التدرج في رفض المعونات بقدر توفيرنا البديل, كأن نجد أسواقا بديلة أو مصادر وموارد إضافية لرفعة ونهضة الاقتصاد, إلي أن نصبح في غني تام عن هذه المساعدات وحينئذ يمكننا بكل جرأة رفض كل المعونات الأجنبية
خسائر إيقاف المعونات
الدكتور حسين شحاتة خبير المعاملات الشرعية أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر يوضح أنه سيكون في قرار الإلغاء وعدم قبول المعونات والمساعدات الأمريكية بعض الخسائر لمصر من أهمها
زيادة العجز في ميزانية الدولة بمقدار هذه المعونات والمساعدات وتقدر بنـحو20 مليار جنيه مصري, وانسحاب بعض الاستثمارات الأمريكية من مصر, وتحريض المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي علي عدم مساعدة مصر ماليا واقتصاديا وانكماش التجارة الخارجية بين مصر وأمريكا, وهذا سوف يؤثر علي الصادرات المصرية وعلي الميزان التجاري, تجميد معظم مشروعات التعاون الاقتصادي بين مصر وأمريكا وهذا ربما يسبب بطالة أو يزيد من حدتها, تجميد معظم مشروعات التعاون العسكري وغيرها بين مصر وأمريكا, مزيد من الدعم للكيان الصهيوني حيث سوف تحول هذه الإعانات إليه للضغط علي مصر, وضع مصر في قائمة الدولة التي تأوي الإرهاب وتدعمه, تهديد مصر بضربات عسكرية لأنها ترعي الإرهاب كما حدث مع العراق وأفغانستان
بدائل مقترحة
ويؤكد د.حسين شحاتة أن هناك العديد من البدائل الموضوعية التي تساعد في التخفيف من حدة هذه الخسائر منها
أولا: استبدال المعونات والمساعدات الأمريكية بغيرها من الدولة العربية الغنية في إطار مقررات جامعة الدولة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي, ويكون خير العرب للعرب, وتطبيق قول الله تبارك وتعالي: وتعاونوا علي البر والتقوي
ثانيا: تنوع التجارة الخارجية والشروع في إبرام اتفاقيات جديدة مع دول شرق آسيا وأوروبا, وتعتبر الشراكة الأوربية الجديدة نموذجا يمكن دعمه
ثالثا: تشجيع الاستثمارات العربية إلي مصر مع زيادة الحوافز لـــها وفي هذا حماية لأموال العرب والمسلمين وتقوية روابط التعاون الصادق بين الأشقاء العرب المسلمين, وتحفيز المصريين بالخارج لاستثمار أموالهم في مصر
رابعا: التصدي للفساد المالي بكل صوره وأشكاله, وكذلك ضبط وترشيد الانفاق الحكومي وحصـره في مجال الضروريات والحاجيات وتجنب الإنفاق في الكماليات, واسترداد أموال مصر المنهوبة
خامسا: إعادة النظر في المشروعات العربية المشتركة مثل الهيئة العربية للتصنيع, فأموال العرب يجب أن تكون للعرب, ولقد آن الآوان لإقامة مشروعات استراتيجية كبيرة ذات فروع في جميع الأقطار العربية والإسلامية
سادسا: تفعيل التعاون والتضامن والتكافل بين الدولة العربية والإسلامية, وتطبيق القاعدة الشرعية: يسعي بذمتهم أدناهم
سابعا: تطبيق نظم المشاركة في المشروعات الاستثمارية الممولة من الدولة الأجنبية بدلا من القروض بفائدة
ثامنا: ترشيد الاستيراد وحصره في مجال الضروريات والحاجيات
البديل الإسلامي
ويضيف د.حسين شحاتة أن البديل الإسلامي للمعونات الأمريكية والأجنبية لمصر يقوم علي عدة أسس
أولها: العمل والإنتاج والاعتماد علي الذات, وهذه دعوة لكل مصري يريد المحافظة علي كرامته وعزته وحريته, وذلك مع الاقتصاد في النفقات علي مستوي الفرد والبيت والوحدة و المنظمة والدولة, وترتيب أولويات الإنتاج والاستهلاك والاستثمار حسب الأولويات الإسلامية:الضروريات فالحاجيات, وتوفير ما يوجه إلي التحسينات وهذا يغني عن المعونة
والمصالحة مع الله وخشيته فهي أساس الرزق الكثير, وصدق الله العظيم القائل:( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماءوالأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون), والاستغفار والتوبة فهما أساس البركة في القليل وصدق الله القائل: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا
بالعمل وليس الشعارات
من جانبه يقول الدكتور محمد أبو زيد الفقي عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بطنطا سابقا, إننا إذا أمعنا النظر فسنجد أن الشعب المصري لا يستفيد من هذه المساعدات, ومن ثم فإنه يجب علينا أن نضع استراتيجية واضحة للتخلص منها, فالتخلي عن المعونة يكون بالعمل وليس بالشعارات والعواطف الجياشة, فالشعارات وحدها لن تغني مصر عن امريكا أو غير أمريكا, لكن يجب الالتفات إلي مواردنا وثرواتنا الطبيعية والبشرية غير المستثمرة, فالاهتمام بذلك صار أمرا حتميا الآن, بصرف النظر عن رغبة التخلص من المعونات, لاسيما في ظل الظروف التي تمر بها البلاد جراء الاعتصامات والاحتجاجات المتواصلة منذ ثورة25 يناير, والتي تحتم علينا الاتجاه للعمل والإنتاج, بالإضافة إلي تطوير الزراعة واستصلاح الصحاري الشاسعة والدخول في معترك الصناعة فيما يصلح في بلادنا
وأشار الفقي إلي أن من المقترحات التي تساعد علي الاستغناء عن المساعدات الخارجية
ـ ضم الصناديق الخاصة للمالية وميزانية الدولة ووضع الحد الأقصي للأجور موضع التنفيذ, وهذا وحده كفيل بتوفير عشرات المليارات من الدولارات
ـ تنشيط التجارة العربية وإعطاؤها الأولوية دائما
ـ زيادة ساعات العمل ساعة واحدة يوميا, وتوجيهها لزيادة الإنتاج ودعم الاقتصاد
ـ استيراد اقطان من الخارج وتشغيل مصانع المحلة بكامل طاقتها
ـ نشر ثقافة شعبية وتخصيص حملة إعلامية ودعوية عن السجائر واضرارها وخطورتها والإجماع علي فتوي بتحريمها, مما يحد تدريجيا من استهلاك السجائر والأدخنة والمواد الخام المستخدمة فيها وأضرارها علي الصحة والبيئة والاقتصاد
ـ تشجيع المطاعم الشرقية والمحلية والحد من المطاعم الأجنبية في مصر, والتي تخرج اكثر من60 مليارا من أموال الشعب المصري إلي الخارج, مع اشتراط استثمار هذه الأموال في مصر أو عدم الموافقة علي مشروعات أجنبية في بلادنا
ـ استخراج الرخام من سيناء الشمالية, فسيناء بها كنوز من الرخام سعر المتر الواحد منها يصل إلي12 ألف جنيه
ـ وضع استراتيجية محددة الملامح للاستغناء التدريجي عن المعونات العسكرية, فذلك أمر يصعب تحقيقه فجأة دفعة واحدة, ولكن يمكن أن نضع له نواة نجني ثمارها في المستقبل القريب, وذلك بتشغيل المصانع الحربية في صناعة وصيانة الأسلحة وقطع الغيار الخاصة بها, أو أجزاء بسيطة من السلاح كمرحلة أولي, فلسنا في حاجة إلي أن تنتج مصانعنا الحربية السخانات والبوتاجازات,فهذا شأن غيرها من المصانع..أما بالنسبة للخبرة فيمكن تدريب كوادر من أبنائنا في بلاد أخري صديقة, وعلينا أن نبدأ بتصنيع الممكن ونتدرب علي صناعة باقي أنواع الأسلحة