مصر إلى أين؟
بعد الأحداث الدامية في مصر، في هذا البلد العربي الكبير، والذي يعول عليه الجميع الوقوف شامخاً ، بعد مخاض عسير، وصراع مرير مع الحياة ، الآن الجميع يسأل : مصر إلى أين ذاهبة ، حيث التراشق بالاتهامات يسبق الرشق بالنار.. فبعد سنين عجاف أصبح الباب مفتوحاً ، والشارع مشرعاً ، والميادين تنشرح لكل من يريد أن يصرخ ويقول آه.. والجيش المصري العتيد الذي قيلت في مواقفه خلال الأحداث قصائد عصماء ، من اليسار إلى اليمين والوسط، أصبح بقدرة قادر اليوم مستهدفاً من شارع يشتم ويلقي بالسباب والألفاظ البذيئة التي لا تليق بالثوار والثورة ، وصار دم الجندي المصري، كما كان دم الشرطي مستباحاً، أما الجيش والذي كان الراعي والساعي إلى حفظ مكتسبات الثورة ، يضع اليوم المتاريس ، ويقول للصارخين “ كفاية.. ولا أحد يريد أن يوقف إراقة الوقت ، والانتباه إلى بناء مصر، ولا أحد ينكر ذاته، ويتخلى عن الأنا ، ويقول للآخرين تفضلوا هذه بلدكم كما هي بلدنا ، فلنعمل معاً كتفاً بكتف ، ونكتفي بما قدم من جهود ثورية ، ونبدأ في بناء دولة عصرية يتفاعل فيها الجميع على حماية مكتسبات الوطن وإعادة الرغيف إلى أهله ، وفتح المدارس والجامعات ليبدأ الدارسون تعلم معنى الحرية ومعنى الديمقراطية ، بثقافة لا تحتمل الشتائم ، وقيم لا تتقبل المواجهات الدامية.. إلى حتى الآن الذين نظروا، والذين أبدعوا في صناعة الغد المبهر بعد رحيل مبارك يقفون صامتين أمام المشهد ، ويرون بأم أعينهم الدم المصري يسيل والدموع المصرية تغسل الشوارع ، والحسرة تقبض على قلوب الثكالى ، وهؤلاء الجهابذة لم ينبسوا ببنت شفة ، وكأنهم يتلذذون باستمرار الوضع على حاله ، أم أنهم يتربصون وينتظرون الفرص السانحة للانقضاض على اللقمة بعد أن تنضج ، هؤلاء المنظرون ومخترعو المصطلحات الضخمة فرحون جداً بالفوضى الخلاقة لأنهم أشبه بالكائنات الرديئة تفضل العيش في براثن المناطق الداكنة ، هؤلاء هم الذين ينتظرون ماذا ستسفر عنه الحالة المصرية ، ولا يهمهم غير الفوز بجنة المناصب العالية. ولكن، ومع كل ذلك، فإننا نؤمن بأن في مصر شرفاء من منبت أرض النيل العظيم - هؤلاء قد يصمتون الآن ، لكن صمتهم لن يطول لأنهم يستجمعون عناصر قوتهم ، يقولون كلمتهم ، كلمة الحق في مصر، وفي مستقبل مصر، وليقولوا الكلمة الفصل بحق الذين انتظروا كثيراً ، ولا يتمنون أبداً أن يتمخض الجبل ويلد فأراً. نريد لأسد مصر، الإنسان المصري الشريف أن يخرج عن صمته، ويقول : يكفينا حروب الكلام ، ونريد لمصر أن تعيش في سلام ووئام وانسجام ، نريد لمصر أن تخرج من دائرة أصحاب المصالح الضيقة ، وتدلف باحة الصلح الوطنية. نريد مجد مصر وقامتها وموقعها الريادي في قيادة السلام والاطمئنان والأمان في منطقة بحاجة إلى التنمية ، وليست بحاجة إلى تصريحات وتخريجات أضخم من أصحابها بمئات المرات. والله يحفظ مصر وأهلها
الكاتب والروائي : علي أبو الريش