فوائد وأسرار العبادات
الأسلام يكفل حياة كريمة ومستقرة للأيتام
شدد التشريع الإسلامي على أهمية رعاية الأيتام وإحاطتهم بالمودة والرحمة التي فقدوها وأقر لهم من الحقوق ما يكفل لهم حياة كريمة ومستقرة، تعود على المجتمع بالأمن والاستقرار وتساهم في بناء مجتمع سليم خالٍ من الحقد والكراهية، وتسوده روح المحبة والمودة، واهتم الإسلام بشأن اليتيم، وحث الشارع الحكيم على وجوب توفير الرعاية له، والعناية به وتعويضه ولو جزءاً يسيراً من المحبة والحنان بعد فقد الأب.
يشير الدكتور عادل عبد العزيز - الأستاذ بجامعة الأزهر - إلى أن القرآن الكريم يوضح أن في اليتم فقد الإيواء فيقول سبحانه في سورة الضحي: (ألم يجدك يتيما فآوى) والإيواء بمفهومه الواسع يشتمل على جميع الجوانب الحسية والمعنوية لهذا فإن اليتيم عرضة للانحراف لكنه في الوقت نفسه قابل للإصلاح ويفهم ذلك من النص الكريم على مخالطتهم والحرص على إصلاحهم فيقول تعالى في سورة البقرة: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) وطبيعي أن يكون اليتيم عرضة للقهر، لذا حرص القرآن الكريم على أن ينبه إلى ذلك فيقول تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر).
وطأة اليتيم
يربط القرآن بين عبادة الله والإحسان إلى اليتامى فيقول سبحانه في سورة النساء: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامى)، ومهما نحاول أن نخفف من وطأة اليتم ومرارته بالكلمات والأمثال، فإن اليتيم يظل مهيض الجناح، كسير القلب، حزين النفس ويحتاج إلى كثير من العطف والرعاية والتوجيه حتى يعوض ما فقد من حنان الأبوين ويتمتع بشخصية طبيعية متوازنة متحررة من العقد النفسية والسلبيات وإذا لم يحظ اليتيم بمثل هذه الرعاية فإنه يصبح عنصراً فاسداً وخطيراً في المجتمع، ويلجأ إلى الانحراف. ولذلك اهتم الإسلام بأمر اليتيم، وأولاه عناية خاصة ودعا إلى الإحسان إليه ورعايته وكفالته والقرآن الكريم ينص صراحة على أن الذي يدع اليتيم، هو مكذب بالدين فيقول سبحانه وتعالى في سورة الماعون: (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم). وإذا كان القرآن الكريم قد جعل على رأس البر الإيمان بالله فإنه جعل من البر أن تأتي المال على حبه اليتامى، فيقول سبحانه في سورة البقرة: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه ذوي القربي واليتامى).
الإنفاق
وجعل القرآن الكريم الإنفاق على اليتامى في الترتيب بعد الإنفاق على الوالدين والأقربين فيقول سبحانه في سورة البقرة: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى) ويحذر القرآن الكريم الذين يأكلون مال اليتيم فيقول تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا).
ويقول الدكتور مبروك عطية - الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر - إن الكفالة في الإسلام تعني الرعاية وأن يقوم كافل بكل ما يلزم اليتيم من مأكل ومشرب وكساء ودواء وتربية وتعليم وكل ما من شأنه إصلاح حياته حتى لا يحتاج إلى شيء.
وعلى كل من يكفل اليتيم أن يفعل معه مثلما يفعل مع ابنه وليس بالضرورة أن يكون الكافل غنياً ولديه أموال لكنه من الممكن أن يكفله بالقيام بأعماله وقضاء حوائجه.
واقتداء بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جعل لكافل اليتيم مكانة عظيمة تكافئ تلك المسؤولية الجسيمة التي حملها على عاتقه حيث يقول: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين - مشيراً بإصبعيه السبابة والوسطى»، بل ويعقد مقارنة بين الخير والشر ميزانها كفالة اليتيم والإحسان إليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: خير بيت بيت يكرم فيه يتيم وشر بيت بيت يهان فيه يتيم».
وحث الإسلام على الاهتمام بهذه الفئة من أبناء الأمة من اليتامى فأمر الله عز وجل في القرآن الكريم بالإحسان إلى اليتيم وبتخصيص نسبة معينة لهم من أموال المسلمين العامة والخاصة على حد سواء، من الغنائم والزكاة والصدقات والتبرعات وما إليها. ولقد ورد ذكر اليتيم أو الأيتام على صيغة المفرد والمثنى والجمع في القرآن في ثلاث وعشرين آية، واليتيم هو الطفل الصغير الضعيف الذي لم يبلغ سن الرشد أو القدرة على الكسب والعمل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد حلم».
حق اليتيم
ونظراً لما يتركه اليتم من أثر نفسي واجتماعي في حق اليتيم يجعله يشعر بالضعف والمسكنة حفظ الإسلام له حقه ورفع من شأنه، وأمر برعايته وحفظه، وهذا توجيه إلهي لحق اليتيم كيلا يشعر بالنقص والدونية عن غيره من أفراد المجتمع، فينعكس أثر ذلك على أخلاقه وسلوكه. وعن أهمية الرعاية النفسية في البناء النفسي لليتيم يقول الدكتور عبد الحليم منسي - أستاذ علم النفس التعليمي بجامعة الإسكندرية إن اليتيم بحاجة إلى معاملة عادية معتدلة، خالية من العطف المبالغ فيه والشفقة الزائدة، التي يمكن أن تكرس في نفسه الإحساس بالغربة والاختلاف، وكذلك الشعور بالعجز والنقص، والذي من شأنه أن يهزم معنوياته وطموحاته واستعداده لقبول الحياة والتعامل معها، إذ يجب أن نتعامل معه كما نتعامل مع أبنائنا لأنه بحاجة إلى أب وإلى أم، وكل ما يحتاج إليه هو الإحساس بالأسرة والارتباط العائلي.