مصر العزيزة.. لا تجزعي
عندما تتحرك مصر يتداعى لها سائر الجسد بالسهر والقلق لأن مصر تصر دوماً على أن تكون في القلب وفي العمق وفي أحشاء الجغرافيا وثنايا وطوايا التاريخ ووجيب الذاكرة وسويداء الحلم. عندما تتحرك مصر نضع أيدينا على قلوبنا، ونقول يارب احفظ هذا البلد من القفز على الحبال ومن تسلق الجبال ومن عظيم الأهوال ومن سوء الأحوال وارجع أهله يارب إلى أحسن حال وطيب الفال ولا تدعهم فريسة للطامعين في سلطة ولا للاهثين صوب تحقيق مآرب هي غير طموحات هذا الشعب العظيم الذي قدم لأمته من التضحيات ما صدح لها الطير وغردت البلابل، فيكفيه من العثرات والكبوات والنكبات، ومن سوء ما تدبره نفوس طغت عليها النزوات والشهوات.
مصر يجب أن تنعم بقدرات أبنائها وطاقاتهم وإمكاناتهم الجبارة وتاريخهم العريق وحضارتهم الإنسانية العظيمة.. مصر يجب أن تعيش بعيداً عن أحلام، الذين يريدون أن يحرقوا المراحل ويقفوا على أكتاف الشعوب ليقولوا نعم نحن ها هنا، فليرحل من يرحل ونحن باقون.. مصر يجب أن تنعم بنعيم فسيفساء نسقها الاجتماعي الجميل، بعيداً عن التصنيف وتوظيف الشعارات لخدمة مآرب لا تفيد شعب مصر، الذي يعرف جيداً معاناته ومكابداته أسبابها ومصدرها.
مظاهرات الشعب عمّت أرجاء مصر ونعرف جيداً الآن أن مخالب وأنياباً سوف تبرز لتعلن عن نفسها مستولية على الأهداف السامية التي نهض من أجلها المتظاهرون، ونعرف جيداً أن المتسلقين والانتهازيين والوصوليين وأصحاب اليافطات العريضة والشعارات الصفراء سوف تبح حناجرهم لاقتناص الفرصة وتحقيق أجندات هي غير المطالب، التي يريدها الناس النبلاء.. نعرف جيداً أن المظاهرات سوف تفرز عناصر مستقلة بانتماءاتها وأهوائها وغوغائها وخفاياها التي إن استطاعت أن تسطو فإنها سوف تسيل الدماء قبل الدموع، وتضع البلاد على بركان يجرف حممه في وجوه الناس الذين جاءوا من أجل مصر، فإذا بطوفان “المؤدلجين” يستحوذ على البذرة والشجرة ويحيل الأرض إلى قاحلة مكفهرة.. نحب مصر ونتمنى أن تخرج من هذه الغمة إلى غيمة ممطرة تبلل ريق الظامئين وتغسل عروق المسحوقين وتملأ الأرض عشباً قشيباً يغير الأحوال ويجدد العهد مع مصر لأن تكون دوماً في المقدمة، ثقافة وسياسة واقتصاداً وحياة اجتماعية.
حفظ الله مصر وحمى شعبها الحر من أي مكروه وجعلها دوماً أيقونة الحياة في محيطها العربي والإنساني.. حفظ الله مصر من أي غادر أو طامع متأبط شراً.