الاقرار بالتعهد بعدم المطالبة بحقوق سابقة على توقيعه لا يجعل ثمت سند في المطالبة بالتعويض عن قرار الفصل الصادر قبل الإقرار أساس ذلك.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادىء القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1969 إلى منتصف فبراير سنة 1970) - صـ 176
(29)
جلسة 31 من يناير سنة 1970
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية. المستشارين.
القضية رقم 411 لسنة 12 القضائية
(أ) موظف. "انتهاء الخدمة". قرار فصل من الخدمة. "تعويض".
الاقرار بالتعهد بعدم المطالبة بحقوق سابقة على توقيعه لا يجعل ثمت سند في المطالبة بالتعويض عن قرار الفصل الصادر قبل الإقرار، أساس ذلك.
(ب) الإكراه "تعريفه". مثال.
(ج) موظف. قرار فصل من الخدمة. "تعويض".
إلغاء قرار الفصل المطلوب التعويض عن الأضرار التي نتجت عن صدوره، ونفاذ الحكم بإلغاء والعودة إلى العمل وضم مدد الخدمة والترقي - في هذا خير تعويض عن الأضرار المادية والأدبية. مثال.
(هـ) فوائد قانونية.
لا تسرى الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية إلا عن المبالغ التى تكون معلومة المقدار وقت رفع الدعوى.
1 - بالنسبة إلى طلب التعويض عن قرار فصل المدعى الأول، فالثابت أنه وقع في 17 من يونية سنة 1950 أقرار تعهد فيه بعدم المطالبة بحقوق سابقة على توقيع هذا الاقرار، ولما كان حق المدعى في التعويض عن قرار فصله الصادر في 1946 - أن كان له وجه حق فيه - هو من الحقوق السابقة التى يشملها هذا الاقرار، بل أن هذا الحق هو الذي استهدفه الإقرار أساسا، فانه تأسيسا على ذلك لا يكون للمدعى ثمت سند في المطالبة بالتعويض عن هذا القرار بعد أن تنازل عن حقه في هذا التعويض، ولا محل بعد ذلك للبحث عما إذا كان قرار فصل المدعى في 1946 قد قام على أسباب تبرره أم لا.
2 - أن الإكراه باعتباره رهبة تقع في نفس المكره دون حق، أى بوسائل غير مشروعة، وتقوم على أساس أى أن ظروف الحال تصور لمن يدعى الاكراه أن خطرا جسيما محدقا يهدده في نفسه أو جسمه أو شرفه أو ماله لم تتوافر عناصره بالنسبة إلى الواقعة المعروضة، فليس في مسلك وزارة الصحة وهي بصدد الاستجابة لطلب المدعى أعادة تعيينه وفي مقام تذليل التي كانت قائمة في سبيل هذا التعيين - وهى أنه سبق أن فصل لسوء السلوك - ما يرقى إلى مرتبة التهديد بخطر محدق وشيك الوقوع حين اشترطت عليه أن لا يتخذ من قرارها بإعادة تعيينه ذريعة للادعاء بحقوق سابقة كان قد سكت عن المطالبة بها فعلا بمحض اختياره طوال أربع سنوات من تاريخ فصله في 1946 إلى أن تقدم يلتمس إعادة تعيينه في 1950 فموقف الوزارة من المدعى كان مشروعا في الوسيلة والغاية معا.
3 - إذا ما روعي أن القرار الذي يطالب المدعى بالتعويض عن الأضرار التي لحقته نتيجة صدوره قد ألغى ونفذ الحكم الصادر بإلغائه، وعاد المدعى إلى عمله فعلا، وضمت إلى مدة خدمته بالوزارة مدد علمه وهو خارجها في حدود ما يقضى به القانون، وسويت حالته بعد هذا الضم ومنح عدة ترقيات كان في هذا خير تعويض له عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقته نتيجة صدور هذا القرار.
4 - لا محل لمطالبة المدعى بالفوائد القانونية عن هذا المبلغ لأن مفاد نص المادة 226 من القانون المدني والأعمال التحضيرية لهذه المادة أن لا تسرى الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية إلا عن المبالغ التي تكون معلومة المقدار وقت رفع الدعوى، والمقصود يكون محل الالتزام معلوم المقدار يكون تحديد مقداره قائما على أسس ثابتة لا يكون معها للقضاء سلطة التقدير.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 980 لسنة 15 القضائية ضد وزارة الصحة أمام هيئة العقود والتعويضات بمحكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة المذكورة في 27 من يولية سنة 1961 وطلب في ختامها الحكم بإلزام وزير الصحة بصفته بأن يدفع له مبلغ 500 مليم و 592 جنيه جنيها والفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية لحين تمام السداد مع إلزامه المصروفات وأتعاب المحاماة، وقال بيانا لدعواه أنه عين طبيبا بوزارة الصحة في 22 من يناير 1933 وكان تعيينه بعقد جدد مرارا إلى أن عين في 1941 على وظيفة دائمة من الدرجة السادسة الفنية، وظل يؤدى علمه على أحسن وجه إلى أن فوجىء في 30 من يوليه 1946 بصدور القرار الوزاري رقم 583 بفصله من العمل بدعوى سوء السلوك، وفي 14 من مايو 1950 صدر القرار الوزاري رقم 572 بإعادته إلى خدمة وزارة الصحة في الدرجة السادسة الفنية، وفي أول مايو 1952 أصدر السيد وزير الصحة القرار رقم 2820 ويقضى:
1 - بإبطال القرار رقم 1833 الصادر في 3/ 12/ 1951 بتجديد خدمة المدعى لمدة سنة قابلة للتجديد اعتبارا من 20 من يونية 1951.
1 - إبطال القرار الوزاري رقم 572 الصادر في 14 مايو 1950 بتعيينه بوظيفة طبيب بالوزارة على ربط الدرجة السادسة الفنية.
3 - فصله من خدمة الوزارة اعتبارا من 1/ 4/ 1952 تاريخ العمل بقواعد المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 واعتبار فصله لسوء السلوك منذ 30 من يوليه 1946 قائما.
وقد أعلن هذا القرار إلى المدعى في 11 من مايو 1952 فتظلم منه في 11 من يونيه 1952 ولما لم يجد هذا التظلم أقام الدعوى رقم 1388 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبا الحكم بإلغاء القرار الوزاري رقم 2820 لسنة 1952 بكامل اشقاقه مع إلزام وزارة الصحة بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وفي 25 من يناير 1956 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 2820 الصادر من وزير الصحة في 29 من أبريل 1952 والذي قضى بإبطال القرارين الوزاريين رقمي 572 لسنة 1950،1833 لسنة 1951 الصادرين في 17 من مايو 1950،3 من ديسمبر 1951 وفيما تضمنه من فصل المدعى وألزمت الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد عقب المدعى على ذلك بقوله أنه قد لحقه ضرر من جراء فصله من العمل في 1946 ومن جراء فصله مرة أخرى بالقرار 2820 لسنة 1952 وهذا الضرر ماثل فيما ضاع عليه ومالحقه من اساءة في سمعته، وقد قدر التعويض الذي يجبر هذا الضرر بمبلغ 500 مليم و 5920 جنيه
ومن حيث أن الجهة الإدارية أجابت على الدعوى بقولها أن مسئولية الإدارة في شأن التعويض لا تتحقق في جميع الحالات إلا بتوافر ثلاثة أركان هي: خطأ يشوب تصرف جهة الإدارة وضرر يلحق بطالب التعويض وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر وانه وأن كان من الأمور المستقرة أن من صور الخطأ الملموسة عدم مشروعية القرار الذي تصدره جهة الإدارة بأوجهة الأربعة المعروفة، إلا أن عدم المشروعية هذه لا ترتب المسئولية في كل الأحوال إذ قد توجد بعض الصور التي يكون فيها القرار الإداري مشوبا بعيب من عيوب عدم المشروعية وبالرغم من ذلك لا تتحقق مسئولية جهة الإدارة في شأن التعويض عن الأضرار التي يحدثها هذا القرار المعيب، وأبانت جهة الإدارة انه لم يكن يوجد خطأ موجب للتعويض في جانبها وقت أن أصدرت قراري فصل المدعى في سنتي 1946،1952 بمقولة أن القرار الصادر في 1946 بنى على تحقيق سليم توفرت فيه الضمانات التأديبية وقد انتهت فيه إدارة التحقيق إلى الموافقة على الفصل، وانه إذا كان الثابت أن هذا القرار قام على أسباب تبرره فان جهة الإدارة لا تسأل عن الضرر الذي قد يصيب المدعى نتيجة له، طالما أن الحكم الصادر من القضاء الإداري في 1956 في الدعوى رقم 1388 لسنة 6 القضائية لم ينع على هذا القرار انه لم يقم على أسباب موضوعية تتعلق بثبوت الاتهام قبل المدعى وإنما أنصب فقط على صدوره من غير مختص بمقولة أن توقيع عقوبة الفصل لم يكن من اختصاص الوزير وإنما من اختصاص مجلس التأديب، ولما كان قرار الفصل الصادر في 1946 هو قرار تأديبى صدر بناء على تحقيقات صحيحة ثبت فيها سوء سلوك المدعى الشديد فانه لا يجوز نسبة الخطأ إلى الإدارة في أعمالها لنص المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 لأن شروطها كانت متوافرة لدى المدعى، وانه ينبنى على ما سبق عدم توافر ركن الخطأ الموجب للتعويض لدى الجهة الإدارية المدعى عليها عليها في إصدارها لقراري فصل المدعى في سنتي 1946 ،1952 أما بالنسبة إلى الضرر الذي يقول المدعى أنه لحقه من جراء هذين القرارين فإنه مكلف بإثبات حصول الضرر وعناصره سواء كان ضررا ماديا أو أدبيا وهو ما لم يفعله، مما يجعل دعواه خليقة بالرفض.
وبجلسة 5 من ديسمبر سنة 1965 قضت المحكمة برفض دعوى المدعى وألزمته المصاريف مؤسسة قضاءها على أن مقطع النزاع في المنازعة المعروضة هو بيان الأساس الذى بنى عليه الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري لصالح المدعى في الدعوى رقم 1388 لسنة 6 القضائية الذي الغي القرار رقم 2820 الصادر من وزير الصحة في 29 من أبريل 1952 فيما تضمنه من فصل المدعى وهو الحكم الذي يستند إليه المدعى في الدعوى في الدعوى الحالية للمطالبة بالتعويض، وأنه يبين من استقراء الحكم المشار إليه أنه بنى على أساس أن القرار الوزاري رقم 583 الصادر في 8 من أكتوبر 1946 والقاضي بفصل المدعى من الخدمة قد وقع باطلا ومخالفا للقانون لأنه شابه عيب عدم الاختصاص ذلك أن الوزير جاوز حدود سلطته بتوقيع عقوبة فصل المدعى متخطيا السلطة المختصة وهي مجلس التأديب، وأنه وأن كان هذا القرار حصينا ومعصوما من الإلغاء لصدوره قبل العمل بقانون مجلس الدولة، إلا أن حصانته هذه يجب أن تفسر في النطاق المقصود منها وهو عدم قابليته للإلغاء فحسب وانه ينبنى على اعتبار القرار رقم 583 عديم الاثر أن يكون القرار رقم 572 الصادر في 14 مايو 1950 القاضي بإعادة المدعى إلى الخدمة قرارا قانونيا سليما صادرا ممن يملكه، كما لا تعتبر إعادة المدعى للخدمة استثناء ينطبق عليه حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 في شأن إبطال الترقيات والعلاوات والأقدميات والتعيينات والمعاشات الاستثنائية، وانه يترتب على ما تقدم أن القرار رقم 2820 المشار إليه يكون فيما تضمنه من فصل المدعى قد جاء مخالفا للقانون وقد عقبت المحكمة في حكمها المطعون عليه على هذا القضاء بقولها أنه وان كانت محكمة القضاء الإداري قد إلغت قرار فصل المدعى على أساس انه صدر مشوبا بعيب عدم الاختصاص إلا انها لم تتعرض إلى الأسباب التى بنى عليها ومدى صحة الوقائع والاتهامات التى نسبت للمدعى وسلامة الاجراءات التى اتبعتها الوزارة في تحقيق هذه الاتهامات، ومن الأمور المستقرة أن عيب عدم الاختصاص وان صح سببا لإلغاء القرارات الإدارية إلا أنه لا يرتب مسئولية الحكومة في شأن التعويض في جميع الحالات إذا ما ترتب على تنفيذ القرار المشوب بهذا العيب ضرر للفرد ولما كان الثابت من الأوراق ومن التحقيقات التي أجريت مع المدعى أن قرار فصله الصادر في 1946 قد بنى على أسباب تبرره فمن ثم يكون الاحتجاج بالحكم الصادر في 1956 من محكمة القضاء الادارى بالنعى على هذا القرار بانه مشوب بعيب عدم الاختصاص - في إثبات الخطأ في جانب الوزارة المدعى عليها في غير محله كما لا يسوغ كذلك وتأسيسا على أن قرار فصل المدعى في 1946 قد بنى على أسباب تبرره - نسبة الخطأ إلي الوزارة حينما قامت بفصل المدعى في 1952 أعمالا لنص المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 ومن ثم تكون الدعوى على غير أساس سليم لفقدانها أحد أركان المسئولية وهو ركن الخطأ.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن ما ذهب إليه الحكم المطعون عليه يخالف القانون مخالفة صارخة ذلك أنه رتب آثارا على قرار صدر حكم قضائي حائز لقوة الشىء المقضي فيه ببطلان بل وبانعدامه على أساس أنه معيب بعيب عدم الاختصاص ولا يجوز في هذه الحالة أن يفترض أن مثل هذا القرار يكون صحيحا على أية صورة أو أن يذهب الحكم المطعون فيه إلى أن الوزارة المدعى عليها لم ترتكب خطأ حين أصدرت هذا القرار مع أن الخطأ ثابت ثبوتا مقطوعا فيه بحكم قضائي إلا وهو مجاوزة الجهة الإدارية حدود اختصاصها في إصدار ذلك القرار، هذا فضلا عن إغفال الحكم الرد على دفاع الطاعن الجوهري والمؤيد بالمستندات والذي يخلص في أن قرار الفصل لم يكن مشوبا بعيب عدم الاختصاص فحسب بل كان منطويا أيضا على اساءة استعمال السلطة، وقد افترض الحكم المطعون عليه صحة الاتهامات التي تذرعت بها الإدارة لفصل الطاعن دون أن يكون ذلك موضوعا لتحقيق أمامها ودون أن تعرض لدفاع الطاعن أو تبين الأسباب التي حمل عليها قضاؤها في هذا الشأن.
ومن حيث أنه يتبين من مراجعة الأوراق أنه في 8 من أكتوبر 1946 أصدر السيد وزير الصحة القرار رقم 583 بفصل المدعى من خدمة الوزارة لسوء السلوك، وقد تظلم المدعى من هذا القرار فوافق السيد الوزير في 22 من فبراير 1947 على تعديل سبب الفصل من سوء السلوك إلى الاستغناء.
وفي 9 من مارس 1950 تقدم المدعى بطلب إلى السيد وزير الصحة التمس فيه أعادة تعيينه بخدمة الوزارة وقد وافق السيد الوزير في 15 من أبريل 1950 على مذكرة أعدتها إدارة الشئون القانونية في هذا الشأن اقترحت فيها أعادة تعيين المدعى طبيبا في الدرجة السادسة بعقد لمدة سنة بالشروط المقررة على أن لا يكسبه هذا التعيين حق المطالبة بحقوق سابقة أو بضم مدة خدمة سابقة إلى مدة خدمته الجديدة.
وفي 14 من مايو 1950 أصدر السيد الوزير القرار رقم 572 بتعيين المدعى بعقد على ربط الدرجة السادسة اعتبارا من تاريخ استلامه العمل وأشير في ديباجة القرار إلى ما يأتي: "وبعد الاطلاع على الإقرار المقدم من المدعى والمتضمن قبوله التعيين في الدرجة السادسة بعقد لمدة سنة واحدة بماهية 12 جنيها شهريا مع تعهده بعدم المطالبة بحقوق سابقة أو بضم مدة خدمة سابقة إلى مدة خدمته الجديدة، وقد وقع المدعى في 17 من يونية 1950 اقرارا أكد فيه ذات المعنى وذلك قبل أن يستلم عمله في 20 من يونية 1950".
وفي 29 من أبريل 1952 أصد السيد وزير الصحة القرار رقم 2820 بإلغاء قراري أعادة تعيين المدعى وبتجديد هذا التعيين الصادرين في سنتي 50/ 1951 واعتبار فصله في 1946 لسوء السلوك قائما، وهو القرار الذي ألغته محكمة القضاء الإداري في 25 من يناير 1956 في الدعوى رقم 1358 لسنة 6 القضائية على ما سلف البيان.
وفي 6 من سبتمبر سنة 1959 صدر القرار الوزاري رقم 188 بتنفيذ هذا الحكم وبمقتضى هذا القرار أعيد المدعى إلى خدمة الوزارة وتسلم عمله في ذات التاريخ وقد ضمت إلى المدعى مدة خدمته كطبيب بالمؤسسات الطبية العراقية من 14 مارس 1948 إلى 19 يونية 1950 كما صدرت عدة قرارات بإجراء تسوية حالته وبترقيته كان آخرها منحه الدرجة الثالثة بصفة شخصية من 6 سبتمبر سنة 1962 وقد ثبت من كتاب السفارة العراقية رقم 10/ 20/ 102/ 100 المؤرخ 2 من فبراير 1960 أن المدعى عمل بالمؤسسات الصحية العراقية في الفترة من 27 سبتمبر 1953 إلى 6 من يونية 1959.
ومن حيث أن المدعى أقام دعواه للمطالبة بالتعويض عن قراري فصله الصادر أولهما برقم 583 في 28 من أكتوبر 1946 وثانيهما برقم 2820 في 29 من أبريل 1952.
ومن حيث أنه بالنسبة إلى طلب التعويض عن قرار فصل المدعى الأول، فالثابت أنه وقع في 17 من يونية سنة 1950 أقرارا تعهد فيه بعدم المطالبة بحقوق سابقة على توقيع هذا الإقرار، ولما كان حق المدعى في التعويض عن قرار فصله الصادر في 1946 - أن كان له وجه حق فيه - هو من الحقوق السابقة التي يشملها هذا الإقرار، بل أن هذا الحق هو الذي استهدفه الإقرار أساسا، فانه تأسيسا على ذلك لا يكون المدعى ثمت سند في المطالبة بالتعويض عن هذا القرار بعد أن تنازل عن حقه في هذا التعويض، ولا محل بعد ذلك للبحث عما إذا كان قرار فصل المدعى في 1946 قد قام على أسباب تبرره أم لا.
ولا حجة فيما ذهب إليه المدعى من أن تنازله عن حقه في التعويض كان نتيجة إكراه لأن الوزارة اشترطت لإعادته إلى عمله قبوله هذا التنازل، ذلك أن الإكراه باعتباره رهبة تقع في نفس المكره دون حق، أي بوسائل غير مشروعة، وتقوم على أساس أي أن ظروف الحال تصور لمن يدعى الإكراه أن خطرا جسيما محدقا يهدده في نفسه أو جسمه أو شرفه أو ماله لم تتوافر عناصره بالنسبة إلى الواقعة المعروضة، فليس في مسلك وزارة الصحة وهي بصدد الاستجابة لطلب المدعى أعادة تعيينه وفي مقام تذليل العقبة التي كانت قائمة في سبيل هذا التعيين - وهى أنه سبق أن فصل لسوء السلوك - ما يرقى إلى مرتبة التهديد بخطر محدق وشيك الوقوع حين اشترطت عليه أن لا يتخذ من قرارها بإعادة تعيينه ذريعة للادعاء بحقوق سابقة كان قد سكت عن المطالبة بها فعلا بمحض اختياره طوال أربع سنوات من تاريخ فصله في 1946 إلى أن تقدم يلتمس إعادة تعيينه في 1950 فموقف الوزارة من المدعى كان مشروعا في الوسيلة والغاية معا.
ومن حيث انه بالنسبة إلى طلب التعويض عن قرار فصل المدعى الثاني الصادر في 1952 فالثابت أن محكمة القضاء الإداري قد ألغت هذا القرار بحكمها الصادر بجلسة 25 من يناير 1956 في الدعوى رقم 1388 لسنة 6 القضائية وقد أقامت قضاءها على أن هذا القرار جاء مخالفا للقانون واستندت في ذلك إلى أسباب تخلص حسبما ورد في الحكم في أن "القرار الوزاري رقم 583 الصادر في 8 من أكتوبر 1946 والقاضي بفصل المدعى من الخدمة قد شابه عيب عدم الاختصاص ووقع باطلا ومخالفا للقانون... ويترتب على بطلان هذا القرار واعتباره عديم الأثر أن يكون القرار رقم 572 الصادر في 14 من مايو 1950 والقاضي بإعادة المدعى إلى الخدمة قرارا قانونيا سليما صادرا ممن يملكه، كما لا تعتبر إعادة المدعى إلى الخدمة استثناء ينطبق عليه حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 ويكون القرار رقم 2820 الصادر من وزير الصحة العمومية في 28 من أبريل 1952 والذي قضى بإبطال القرارين الوزاريين رقمي572 ،1833 الصادرين في 17 من مايو 1950 ،3 من ديسمبر 1951، وفيما تضمنه من فصل المدعى قد جاء مخالفا للقانون".
ومن حيث أن هذا الحكم قد جاز حجية الشىء المقضي فيه فيما انتهى إليه من أن تعيين المدعى في 1950 كان تعيينا قانونيا سليما، وان جهة الإدارة قد خالفت القانون حين قضت بإلغاء هذا القرار تطبيقا للمرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952، وترتيبا على ذلك يكون ركن الخطأ وهو أحد الأركان التي يجب توفرها لمسئولية جهة الإدارة عن تصرفها قد توافر في حقها عندما أصدرت قرار فصل المدعى في 1952 ذلك القرار الذي قضى بإلغائه لمخالفته للقانون على نحو ما توضح. ومن حيث أن المدعى يذكر انه قد لحقه ضرر من جراء إصدار هذا القرار، وهذا الضرر يتمثل فيما ضاع عليه من ترقيات طوال مدة فصله واضطراره إلى أغلاق عيادته بسبب اغترابه في العراق وقد ضاع عليه بذلك جزء من دخله وفيما أصاب سمعته كطبيب وما ألم به من ألم.
ومن حيث انه إذا ما روعي أن القرار الذي يطالب المدعى بالتعويض عن الأضرار التي لحقته نتيجة صدوره قد ألغى ونفذ الحكم الصادر بإلغائه، وعاد المدعى إلى عمله فعلا، وضمت إلى مدة خدمته بالوزارة مدد علمه وهو خارجها في حدود ما يقضى به القانون، وسويت حالته بعد هذا الضم ومنح عدة ترقيات كان في هذا خير تعويض له عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقته نتيجة صدور هذا القرار ولا وجه لمقارنة حالته بحالة بعض زملائه من حيث الترقيات لاختلاف ظروف كل منهم ولأنه تراخى في تنفيذ الحكم الصادر لصالحه بإلغاء قرار فصله منذ صدوره في 25 من يناير 1956 إلى أن تقدم بطلب تنفيذه بعد عودته من العراق في 6 من يوينه 1959 ولاشك أن تراخيه في تنفيذ هذا الحكم طوال هذه الفترة يحمل في طياته معنى انه آثر الاستمرار في العمل بالمؤسسات الطبية العراقية خلال هذه الفترة، ولما كان الثابت أنه بدأ العمل في هذه المؤسسات منذ 27 من سبتمبر 1953 فان المدة التي يحتمل أن يكون قد قضاها مقتصرا على العمل في عيادته التي ذكر انه أغلقها عندما أغترب في العراق لا تزيد على سنه ونصف.
ومن حيث انه يتضح مما تقدم أن صور الضرر التي يحتمل أن تكون قد أصابت المدعى ولم يعوض عنها تنحصر في حرمانه من راتبه خلال فترة عمله بعيادته - وان كان عمله بعيادته طوال الوقت خلال هذه الفقرة قد ساهم بلا شك في تعويضه عن حرمانه من مرتبه أن لم يكن بأكمله فمن بعضه - وأضطراره إلى أغلاق بسبب سفره إلى العراق.
ومن حيث أن المحكمة تقدر للمدعى - بمراعاة كل ما تقدم - تعويضا شاملا قدره مائة جنيه.
ومن حيث انه لا محل لمطالبة المدعى بالفوائد القانونية عن هذا المبلغ لأن مفاد نص المادة 226 من القانون المدني والأعمال التحضيرية لهذه المادة أن لا تسرى الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية إلا عن المبالغ التي تكون معلومة المقدار وقت رفع الدعوى، والمقصود يكون محل الالتزام معلوم المقدار أن يكون تحديد مقداره قائما على أسس ثابتة لا يكون معها للقضاء سلطة التقدير.
ومن حيث انه لذلك يكون الطعن بالنسبة إلى هذا الشق من الدعوى الخاص بطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت المدعى نتيجة صدور قرار فصله في 1952 في محله، وإذ ذهب الحكم المطعون عليه إلى خلاف ذلك يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين لذلك الغاؤه، والقضاء للمدعى بالتعويض الذى قدرته المحكمة مع إلزام الحكومة بالمصاريف المناسبة لما قضى به من طلبات المدعى.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه بإلزام وزارة الصحة بأن تدفع للمدعى مبلغ 100 جنيه (مائة جنيه) على سبيل التعويض وبالمصروفات المناسبة ورفض ماعدا ذلك من الطلبات.
ساحة النقاش