الذباب دليل الطب الشرعي في مجاهل الجريمة قد لا تبدو صورة جثة يحوم الذباب فوقها وتزحف عليها اليرقات بالمنظر الجميل، لكن هذه الحشرات القمّامة تساعد علماء الحشرات التابعين للطب الشرعي في تحديد وقت الوفاة. ويصل الخبراء الى مسرح الجريمة وهم يرتدون بذلات واقية وقفازات وأقنعة لحماية انفسهم ولتجنب تلويث المكان بشعرهم وبصمات اصابعهم.
وهم لا يبحثون عن الذباب فحسب، وانما ايضاً عن بيوضها ويرقاتها والخادرة (المرحلة الانتقالية بين اليرقة والذبابة الكاملة). وهي حلقة تبدأ من لحظة ارتكاب الجريمة.
فالبكتيريا العاملة على النسيج الميت تصدر رائحة تجتذب الذباب (الذي يضع بيضه على اللحم)، والذي يتمتع بحاسة شم متطورة جداً، من مسافة تبعد ثلاثة كيلومترات عن مسرح الجريمة، وتصل اعداد هائلة منها في غضون ساعات من الوفاة وتضع الوف البيوض في الانف والعينين والفم والاذنين والشرج وعلى الجروح والطعنات.
ويقوم علماء الحشرات التابعون للطب الشرعي بتسجيل وضعية الحشرات على الجثة بعناية مستخدمين سكيناً مبسوطة وملقطاً لالتقاطها من على الجثة والتربة المحيطة بها.
ويدونون ايضاً مكان العثور على الجثة والمنطقة المحيطة به بشكل مباشر ومدى قابلية الوصول اليها بالنسبة للذباب. ويؤثر وضع الجثة سواء كانت ملقاة في مكان مكسو بالخضرة او تحت اشعة الشمس او في الظل على مدى سرعة ظهور الذباب.
وعندما يعثر علماء الحشرات على ضالتهم من الحشرات، فإنهم يقومون بتسجيل المكان الذي عثروا عليها فيه ومدى تطورها ودرجات الحرارة عند مسرح الجريمة. ويذكر ان اليرقات تتطور بسرعة في الظروف الجوية الدافئة وبصورة ابطأ في الظروف الباردة.
ويحتاج المحققون الى تسجيل قياسات عديدة لدرجات الحرارة في الهواء حول الجثة وعلى الارض تحتها.. وحتى انهم يقومون بقياس درجة الحرارة داخل تجمع اليرقات لأن نشاطها الايضي يتسبب عملياً في رفع درجة الحرارة بما يتراوح بين 5 و 20 درجة مئوية. وللقيام بذلك، فإنهم يتركون جهازاً يسمى مسجل البيانات في مسرح الجريمة لمدة خمسة ايام بعد اكتشاف الجثة.
ويقوم هذا الجهاز بتسجيل درجات الحرارة كل ساعة.
ثم يقومون بمقارنة درجات الحرارة المأخوذة من قبل مسجل البيانات بتلك المسجلة في اقرب محطة ارصاد جوية عن الفترة نفسها. واذا ما توافقت الارقام مع بعضها البعض. فيكون بالامكان استخدام قياسات سابقة من محطة الارصاد لتقدير درجة الحرارة في مسرح الجريمة قبل العثور على الجثة.
وبالاضافة الى درجة الحرارة، يقوم المحققون ايضاً بتسجيل الرطوبة وكمية الامطار المتساقطة، وهما عاملان يؤثران في نمو اليرقات.
والخطوة التالية بعد قياس درجة الحرارة هي ارسال العينات التي التقطت من مسرح الجريمة الى مختبرات متخصصة مثل دائرة علم الحشرات الشرعية في باريس، التي تعتبر جزءاً من معهد البحوث الجنائية التابع للشرطة الفرنسية. وعندما تصل يتم تصويرها. وبهذه الطريقة تكون المحكمة واثقة من ان اليرقات قد اكتشفت قطعاً في مسرح الجريمة.
وعندما افتتح هذا القسم من معهد البحث الجنائي التابع لشرطة باريس في عام 1992، كان اول قسم لعلم الحشرات في العالم داخل مؤسسة وطنية لمكافحة الجريمة. ولقد تطور مجال الطب الشرعي الخاص بالحشرات بسرعة كبيرة خلال الاعوام القليلة الماضية، وبات علماء الحشرات من الاشخاص الذين يتم استدعاؤهم بصورة منتظمة ـ لمساعدة التحقيق الجنائي في عمليات الاتجار بالمخدرات والاحتيال والقتل.
وعلى الرغم من انهم يجمعون اليرقات من مختلف الاشكال والاحجام من مسرح الجريمة، الا ان اكبر تلك اليرقات هو الاهم لأنها الاقدم.
ولمنعها من الانكماش او تغير اللون، مما سيجعلها تبدو اصغر عمراً مما هي عليه حقاً، فإنه يتم قتلها في موقع الجريمة قبل ان يتم ارسالها الى المختبر، وهذا يتم عن طريق غمسها لمدة تتراوح بين 10 الى 15 ثانية في ماء بدرجة حرارة تقل قليلاً عن درجة الغليان قبل ان يتم نقلها الى محلول يتألف من الايثانول بنسبة 80%.
لا تكون جميع الحشرات المأخوذة من الجثث ميتة لدى وصولها الى المختبر. فالحشرات الحية يتم جمعها ايضاً من مسرح الجريمة ووضعها في عبوات مختلفة. ويتم نقلها في عبوات مخبرية مقفلة بغطاء مسامي محكم.
ويوضع معها في العبوات ما يكفيها من الغذاء المؤلف من لحم البقر او كبد الدجاج. وتترك اليرقات حتى تنمو داخل حضانة فتصبح ذباباً مكتمل النمو، مما يسهل على علماء الحشرات التعرف عليها.
ضرار عمير
ساحة النقاش