موجز عن عقد البيع المبحث الأول: في التعريف والصيغة طالع الباقى من رابطة محامين المحله
محبي/ المستشار عدنان عبد المجيد
و البسيونى محمود عبده
http://kenanaonline.com/basune1
https://www.facebook.com/groups/1425390177692288/
المبحث الأول: في التعريف والصيغةوفيه مسائل: م ـ600: البيع هو: (نقل المال إلى الغير بعوض)، ويتحقق بالعقد القولي أو الفعلي المشتمل على الإيجاب المظهر لرغبة البائع في بذل المثمن بعوض، وعلى القبول المظهر لرغبة المشتري في أخذ المثمن بذلك العوض. أما العقد القولي فيقع بكل لفظ دال على المقصود، وإن لم يكن صريحاً فيه، فيقع الإيجاب بمثل قوله:"بعت" و"ملكت" و"بادلت" ونحوها، ويقع القبول بمثل قوله: "قبلت" و "رضيت" و"اشتريت" ونحوها؛ وهو يقع باللغة العربية الفصحى أو العامية، بل ويصح بغير اللغة العربية. ولا يجب أن يكون الإيجاب من البائع والقبول من المشتري، بل يصح أن يوجب المشتري بمثل قوله: "اشتريت منك هذا الكتاب مثلاً بدينار"، فيقبل البائع هذا العرض منه بمثل قوله: "قبلت"؛ بل إنه يصح وقوع العقد من المشتري بصيغة الأمر بمثل قوله: "بعني هذا الكتاب بدينار" فيستجيب البائع له بقوله ـ مثلاً ـ: "بعتك الكتاب بدينار"، من دون حاجة إلى قبول المشتري بعد ذلك. وكما يصح العقد القولي باللفظ كذلك فإنه يصح بالكتابة بنفس النحو الذي ذكر للفظ ولو مع القدرة على اللفظ، فضلاً عن العاجز عنه كالأخرس ونحوه. وأما العقد الفعلي فهو المصطلح عليه بـ (المعاطاة)، ويتحقق بأن ينشىء البائع البيع بإعطاء المبيع للمشتري، وينشىء المشتري القبول بإعطاء الثمن إلى البائع، ولا يشترط في المعاطاة أن يبتدىء البائع بالإعطاء، ولا أن يكون الثمن والمثمن حالَّيْن ولا شخصيين، فتقع المعاطاة بإعطاء البائع المبيع وأخذ المشتري له بلا إعطاء منه إذا كان الثمن كلياً في الذمة، كما تقع بإعطاء المشتري الثمن وأخذ البائع له دون إعطاءٍ منه إذا كان المثمّن كلياً في الذمة. وأما الإشارة فيصح العقد بها ولو من القادر على اللفظ أو الفعل، فضلاً عن العاجز عنهما كالأخرس والمشلول ونحوهما. م ـ601: لا يختلف بيع المعاطاة عن البيع القولي في الفاعلية والآثار، فيصح في المال القليل والكثير، ويقبل الشرط أثناءه إذا صرح به الشارط وقبله المشروط عليه، فلو قال البائع حين إعطائه المبيع للمشتري: "جعلت لي الخيار إلى سنة مثلاً "، فقبل المشتري حين أخذه للمبيع، صح العقد ولزم الشرط، سواء في ذلك شرط الخيار أو غيره من الشروط؛ كذلك فإنه يشترط في بيع المعاطاة جميع ما يشترط في البيع القولي من الشروط المعتبرة في العقد وفي المتعاقدين وفي العوضين؛ وكذا تثبت فيه جميع الخيارات على نحو ثبوتها فيه. م ـ602: قد سبق القول في باب الإجارة والوقف: "إن المعاطاة تصح فيهما"؛ إضافة إلى ذلك فإنها كما تصح في البيع بالنحو الذي ذكرناه، فإنها تصح أيضاً في سائر العقود والإيقاعات ما عدا موارد خاصة، هي: النكاح والطلاق والنذر واليمين، وكذا في عتق العبد وتحليل الأمة لغير سيدها مما لم يعد موضع ابتلاء. م ـ603: إذا تولى العقد عن الطرفين شخص واحد لكونه وكيلاً أو ولياً لكليهما، أو لأحدهما إذا كان هو الطرف الثاني، فلا بد في صحته من اشتماله على الإيجاب والقبول، فيوجب ذلك الشخص عمن هو وكيل عنه أو ولي له أو عن نفسه، ويقبل كذلك، وذلك بنفس النحو الذي يكون عليه العقد بين شخصين. م ـ 604: يشترط في عقد البيع القولي أو الفعلي أمور: الأول: المبادرة إلى القبول بالبيع قبل انصراف البائع عنه، حتى لو فصل بين الإيجاب والقبول فترة طويلة نسبياً، فلو أنشأ البائع صيغة البيع فلم يبادر المشتري إلى الموافقة حتى مضت مدة، فإن كان البائع حين صدر القبول من المشتري ما يزال منتظراً له صحّ البيع، وإن كان قد انصرف عن البيع لم يكن لقبوله أثر، ولزم إنشاء العقد من جديد. الثاني: التنجيز، فلا يصح تعليق البيع على أمر غير حاصل حين العقد، سواء كان معلوم الحصول عند ذلك، كولادة الهلال، أو مجهوله، كولادة صبي له؛ كذلك فإنه لا يصح تعليق العقد على أمر مجهول الحصول حين العقد، كأن يقول له: "بعتك هذا الكتاب بدينار إن كان اليوم الجمعة"، نعم إذا كان يعلم أن اليوم الجمعة صح البيع ولم يقدح فيه التعليق. الثالث: التطابق بين مضمون الإيجاب ومضمون القبول في الثمن والمثمن وسائر التوابع، فإذا اختلف أحدهما عن الآخر بدرجة تصل إلى التضاد بينهما بطل العقد، كأن يقول البائع: "بعتك هذا الثوب بدينار"، فيقول المشتري: "قبلت منك شراء الكتاب بدرهم"، وأما إذا كان الاختلاف بينهما بالإجمال والتفصيل فلا يضر بالعقد، كأن يقول البائع: "بعتك داري بعشرة آلاف"، فيقول المشتري: "قبلت شراء دارك المكونة من ثلاث غرف كل نصف منها بخمسة آلاف"، فإن مثل هذا النحو من الاختلاف بين الإيجاب والقبول لا يضر بصحة العقد. م ـ605: لا فرق في لزوم توفر هذه الشروط بين ما لو كان المتعاقدان حاضرين في مجلس واحد وبين ما لو لم يكونا كذلك، كأن تعاقدا بمثل المكاتبة ونحوها، أما شرط التنجيز وشرط التطابق بين الإيجاب والقبول فالأمر فيهما واضح، وأما شرط الموالاة بين الإيجاب والقبول فإنه معتبر في المكاتبة بنفس النحو الذي اعتبر في غيرها، فإذا كتب أحدهما إنشاء البيع وأرسله إلى بلد المشتري، وبعد أيام وصله جواب المشتري بالقبول، صح العقد بهذا النحو ما دام البائع مستمراً على رغبته بالبيع، وإلا لم يصح. م ـ606: لا يشترط لصحة العقد وحدة المجلس، فيصح إجراء العقد عبر الهاتف أو بالمكاتبة أو بأي نحو اتفق إذا اشتمل على الأركان المعتبرة فيه.
المبحث الثاني: في شروط المتعاقدينيشترط في المتعاقدين أمور: الأول: البلوغ، فلا يصح عقد الصبي في ماله بدون إذن الولي وإن كان مميزاً رشيداً، فإن أذن له وكان خبيراً في إدارة أمواله ورشيداً في التصرف فيها صح بيعه؛ وكذا يصح بيعه إذا جعله الولي وكيلاً عنه في إجراء الصيغة؛ أما بيعه لمال غيره فإنه يكفي في صحته أن يكون مأذوناً من صاحب المال ومميزاً ورشيداً، ولو لم يأذن وليه. الثاني: العقل، فلا يصح عقد المجنون الأدواري حال جنونه، ولا المجنون المطبق، حتى لو تحقق منه قصد إنشاء البيع. الثالث: الاختيار، فلا يصحّ البيع من المكرَه عليه، والمكرَه هو: (من يأمُره غيره بالعمل المكروه له، على نحوٍ يخاف من الإضرار به لو خالفه، بحيث يكون وقوع العمل المكرَه عليه من باب ارتكاب أقل المكروهين)؛ وهو بذلك يختلف عن الاضطرار؛ وذلك أن المضطر لبيع داره لتأمين المال الذي أمره الظالم بدفعه وإن كان كارها لبيع الدار، لكنه قد فعله باختياره بسبب انحصار تأمين المال بهذه الطريقة، دون أن يجبره الظالم على نفس البيع، فلا يضر ذلك بصحة البيع رغم كونه مكروهاً له. والمراد من الضرر المُهدَّد به ما يعم الضرر الواقع عليه أو على ماله أو كرامته وحرمته أو على بعض من يتعلق به ممن يهمه أمره، كزوجته وأولاده وأبويه ونحوهم، كذلك فإن المراد به خصوص الضرر المعتد به مما يحرص العقلاء على دفعه عن أنفسهم وعن من يهمهم أمرهم، فإن كان الضرر المهدد به يسيراً لا يوجب الخوف في النفس لم يتحقق به الإكراه. م ـ607: إذا أمكنه التهرب من الإكراه ببعض الطرق الشرعية لم يجب عليه استخدامها، وذلك كأن يدّعي بطريقة التورية أن هذا الدار ليس له، ويكون قصده أنه لله تعالى، ونحو ذلك من أساليب التمويه والخداع للظالم، فإذا لم يستخدم التورية، وبقي عنوان المكرَه صادقاً عليه، فباع عندئذٍ بطل البيع. م ـ608: إذا توجه الإكراه إلى أحد الشخصين أو وقع على أحد الشيئين مردداً بينهما، تحقق له نفس الأثر في بطلان البيع، فإذا قال الظالم: "ليبع زيد أو عمرو داره" فبادر زيد فباع داره، أو بادرا معاً فباعا داريهما بطل البيع؛ وكذا لو قال الظالم لزيد: "بع دارك أو سيارتك" فباع سيارته وحدها أو باعها مع الدار دفعة واحدة بطل البيع، نعم إذا باع الثاني داره بعدما علم ببيع الأول لداره في المثال الأول لم يبطل بيعه، وكذا لو باع زيد داره بعدما باع سيارته في المثال الثاني لم يبطل البيع. م ـ609: لو أكرهه على بيع دابته مثلاً، فباعها مع وليدها، بطل بيع الدابة وصح بيع الولد، إلا أن يكون الوليد غير قادر على البقاء والعيش بدون أمه، فيبطل بيعه أيضاً حينئذٍ. الرابع: يشترط في صحة البيع كون كل من العاقدين مالكاً لما تحت يده من الثمن أو المثمن ملكية نافذة، أو يكون بحكم المالك كذلك، كالمأذون من المالك أو الوكيل عنه أو الولي عليه، فإن لم يكن كذلك لم يصح منه البيع إلا بإذن المالك أو مَنْ هو بحكمه إن كان فضولياً، أو بإذن الغرماء إن كان محجوراً عليه لفلس. م ـ610: إذا تصدى للبيع أو الشراء عن الغير مَنْ ليس مأذوناً من قبله ولا وكيلاً عنه ولا ولياً عليه توقفت صحة العقد المصطلح عليه بـ (عقد الفضولي) على إجازة المالك أو مَنْ في حكمه، فإذا أجازه صح ونفذ وترتبت عليه آثاره، وإذا رده بطل. م ـ611: إذا باع مال غيره معتقداً كونه مالكاً له أو ولياً أو وكيلاً عن المالك، فتبين خلافه، جرى عليه نفس حكم الفضولي، فإن أجازه المالك صحّ وإن ردّه بطل؛ ولو باعه باعتقاد كونه غير مأذون فتبين كونه مأذوناً بوكالة أو ولاية صح البيع ولم يحتج إلى إجازة المالك، وكذا يصح البيع في صورة ما لو اعتقد كونه أجنبياً فتبين كونه مالكاً حين البيع، بدون حاجة إلى موافقة جديدة منه على البيع الصادر عنه إلا إذا كان بحيث لو عرف أنه مالك لما رضي بالبيع فلا بد من الإجازة، نعم إذا ملك الفضولي العين التي باعها بهبة أو ميراث أو شراء أو غيرها قبل إجازة المالك لم يصح البيع الصادر عنه إلا إذا رضي به وأجازه. م ـ612: إذا باع مال غيره فضولاً، فتبين أن المالك باعه أيضاً إلى شخص آخر، صح بيع المالك، وتوقفت صحة بيع الفضولي على إجازة المالك الجديد الذي اشترى من المالك الأصلي، فإن أجازه صح وإن رده بطل. م ـ 613: لا يكفي اتكال البائع لمال غيره على علمه برضاه بالبيع، بل لا بد لصحة البيع عنه من صدور الإذن منه بخصوصه بما يدل عليه من قول أو فعل؛ كذلك فإنه لا يكفي في إجازة البيع علم الفضولي برضا المالك الباطني، بل لا بد من الدلالة عليه بقول أو فعل، مثل: (رضيت) و(أجزت) ونحوهما من الأقوال، أو بأخذ الثمن الذي باعه به أو نحوه من الأفعال الدالة على الرضا. م ـ614: الإجازة تجعل العقد الفضولي صحيحاً ونافذاً ومؤثراً من حين صدوره لا من حين الإجازة، ويترتب على ذلك أن نماء الثمن في فترة ما بين وقوع العقد وإجازته ملك من انتقل إليه الثمن، ونماء المثمن فيها ملك للمشتري. م ـ615: إذا كان المالك قد أكد على الفضولي عدم بيع ماله فباعه، كانت إجازة المالك للبيع رغم ذلك معتبرة ونافذة؛ كذلك فإنها تعتبر نافذة أيضاً إذا لم يكن قد سبق البيعَ صدورُ المنع، لكنَّ المالك كان قد رد عقد الفضولي ثم أجازه؛ أما إذا أجاز البيع ثم ردّه فليس لرده أثر، ويستمر البيع صحيحاً لازماً. م ـ616: إذا باع الإنسان ماله ومال غيره صفقة واحدة صح البيع فيما يملك وتوقف في غير ما يملكه على الإجازة، فإن أجازه المالك صح وإن لم يجزه بطل، وحينئذ يثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيحق له فسخ البيع في الجزء الذي يملكه البائع، وسيأتي في مبحث اللزوم والفسخ عند الحديث عن الخيارات كلام في كيفية تحديد ثمن الجزء الذي رضي المشتري باستمرار العقد فيه. (أنظر المسألة: 728). م ـ617: إذا رد المالك بيع الفضولي، وكان المثمن ما يزال عند المالك، أو كان الثمن ما يزال عند المشتري، فلا كلام، وأما إذا كان أحد العوضين قد انتقل إلى غير من هو تحت يده، فإن كان المثمن عند الفضولي رجع المالك عليه، وإن كان قد دفعه إلى المشتري رجع المالك على الفضولي أو على المشتري؛ وأما إذا تلف المثمن فإن للمالك أن يرجع على الفضولي إن لم يكن قد دفعه إلى المشتري، وإلا رجع على أحدهما، ببدل العين إن كانت مثلية وبقيمتها في يوم التلف إن كانت قيمية. هذا من جهة المثمن، أما من جهة الثمن فإنه إن كان عند الفضولي وطلبه المشتري وجب عليه تسليمه له، وإن كان قد تلف عنده فهو مضمون عليه ببدله أو قيمته. م ـ618: قلنا في المسألة السابقة: "إن لمالك العين المباعة فضولاً أن يرجع بضمانها على الفضولي أو المشتري إذا كانت قد تلفت عند المشتري"؛ وتفصيل ذلك كما يلي: أولاً: إذا رجع المالك على الفضولي قبل أن يقبض الثمن المسمى من المشتري، فَعَوَّضَ عليه بدل العين أو قيمتها، فإن للفضولي أن يرجع إلى المشتري الذي تلفت عنده العين بما يوازي مقدار الثمن المسمى مما دفعه، لأن المشتري هو الضامن حقيقة للتلف، إلا أن يكون ما دفعه الفضولي كبدل للعين أو قيمتها أزيد من الثمن المسمى، ولم يكن قد أوهم المشتري بأنه هو المالك، بل كان معتقداً أنه مالك العين مثلاً، فإن له أن يرجع بالزائد عليه أيضاً. وأما إذا كان الفضولي قد قبض الثمن من المشتري، فلا ضرورة حينئذ لرجوع الفضولي على المشتري بعدما كان الثمن المسمى موجوداً بين يديه، إلا أن يكون ما دفعه أزيد منه، ولم يكن غاراً للمشتري، فيرجع بالزائد فقط عليه. ثانياً: إذا رجع المالك على المشتري مباشرة فليس للمشتري أن يرجع بما دفعه على البائع، إلا أن يكون مغروراً من قبله فيرجع عليه بما يدفعه زيادة على الثمن المسمى؛ وهذا الحكم واضح تماماً في صورة ما لو لم يكن المشتري قد دفع الثمن للفضولي، وأما إذا كان قد دفع له الثمن فمن المؤكد أنه يجب على الفضولي إرجاع ما قبضه منه، إذ إنه بعد فساد البيع يرجع كل مال إلى صاحبه كما ذكرنا في المسألة السابقة. م ـ619: كما تُضمن العين للمالك عند من تلفت عنده كذلك تضمن منافعها المستوفاة وزياداتها العينية، كالدابة يركبها والدار يسكنها والكتاب يقرأ فيه واللبن يأكله والصوف والبيض ونحوه من وجوه النماء المنفصل؛ وما ذكرناه في ضمان العين يجري في ضمان المنافع والنماء، فيضمنه من استولى على العين واستوفى منافعها وزياداتها، وإن كان يجوز للمالك الرجوع على الفضولي إذا كان المستوفي لها هو المشتري، وحينئذ يحق للفضولي الرجوع بما دفعه على المشتري ما لم يكن قد غره، وإذا رجع المالك على المشتري لم يرجع على البائع إلا إذا كان مغروراً. هذا إذا استوفى الفضولي أو المشتري منافع العين، أما إذا لم يكن قد استوفى شيئاً من منافعها، كأن لم يكن قد سكن الدار ولا ركب الدابة ولا قرأ في الكتاب، فإن كان للعين منافع يبذل بإزائها المال،كسُكنى الدار وركوب السيارة، بحيث تفوت على المالك عند حبس العين، كانت مثل هذه المنافع مضمونةً حتى لو لم ينتفع بها المستولي على العين، وهي ما يصطلح عليها بـ (المنافع المفوَّتة)؛ وإن كانت مما لا يبذل المال بإزائها عند فوتها على مالكها، كالقراءة في الكتاب، لم يضمنها المستولي على العين، وهي ما يصطلح عليها بـ (المنافع الفائتة). هذا وإننا سوف نتعرض في باب الغصب لأمور أخرى قد يكون لها علاقة ببعض جوانب هذا الموضوع فليرجع إليه. م ـ620: لا بد في تصحيح عقد الفضولي بالإجازة من بقاء المشتري على التزامه بالبيع إلى حين الإجازة، فلو أعرض عنه لم تنفع الإجازة في تصحيحه، فإذا باع الفضولي دار سعيد لأحمد، فأعرض أحمد عن البيع قبل إجازة سعيد للبيع، لم تنفع إجازته بعد إعراض أحمد في تصحيح البيع. م ـ621: الوكيل في البيع عن شخص لا يجوز له شراء العين لنفسه إلا إذا فهم من الإطلاق رغبته ببيعها لكل مشترٍ بمن فيهم الوكيل نفسه، وكذا حكم الوكيل في غير البيع من المعاملات، كالزواج والإجارة وغيرهما، ويلحقه حكم الفضولي. المبحث الثالث: في شروط العوضينلا بد لصحة البيع من توفر شروط في الثمن والمثمن، وهي أمور: الأول: يشترط في المبيع (المثمن) أن يكون عيناً، والمراد بها ما يقابل المنفعة، فلا يقع البيع على مثل منفعة الدار أو السيارة، ولا على منفعة الشخص، كالخياطة ونحوها، بل هي مورد للإجارة كما سلف بيانه. أما الثمن فلا يشترط فيه ذلك بل يصح أن يكون عيناً أو منفعة، فيبيعه داره مثلاً ويجعل ثمنه فلاحة المشتري لأرض البائع لمدة أسبوع، أو نحو ذلك، فيصح البيع وينفذ بالنحو الذي تعاقدا عليه. م ـ622: (الحق): "حالة اعتبارية ناتجة من أسباب متعددة تفيد تسلط صاحبه بمقتضاه على شيء أو شخص"، كحق الحضانة الناتج عن الولادة، وحق المرور الناتج عن الجوار، وحق الاختصاص الناتج عن ملكية العين، وحق التأليف والاختراع والاستيراد ونحوها. وهذا الحق نوعان: فمنه ما هو مختص بصاحبه لخصوصية شرعية أو قانونية توجبه، كحق الاستمتاع بالزوجة، أو الولاية على القاصر، ونحو ذلك، فهو لا يقبل النقل إلى الغير؛ ومنه ما ليس خاصاً بصاحبه، وليس فيه ما يمنع من نقله إلى الغير، وذلك كحق الاختصاص والتحجير والحضانة ونحوها. ثم إن ما لا يقبل الانتقال من الحقوق نوعان: فمنه ما يقبل الإسقاط كحق الاستمتاع، ومنه ما لا يقبل الإسقاط كحق الولاية. كذلك فإن ما لا يقبل النقل من الحقوق لا يصلح لأن يكون مثمناً ولا ثمناً، نعم يجوز جعل رفع اليد عن الحق وتعليقه أو إسقاطه إن كان يقبل الإسقاط ثمناً، بل ومثمناً كذلك؛ وأما ما يقبل النقل فما دام له اعتبار مالي وقيمة يتنافس فيها العقلاء فإنه يجوز جعله مثمناً وثمناً مثله في ذلك مثل الأعيان، فضلاً عن أنه يجوز جعل رفع اليد عنه وتعليقه ثمناً ومثمناً. هذا، وإنه قد سبق في أكثر من مورد ذكر حكم بعض الحقوق، كما أنه سيأتي ذكر بعضها الآخر. (أنظر في ذلك المسائل: 35/41/42/53/360/472/591). الثاني: أن يكون كل من العوضين مملوكاً لباذله أو بمنزلة المملوك؛ وتفصيل ذلك كما يلي: إن الأعيان المملوكة أو التي هي بمنزلة المملوكة قد اصطلح لها على أسماء مختلفة من حيث درجة حضور العين لدى المالك عند حصول العقد، وذلك على النحو التالي: 1 ـ أن تكون العين شخصية ومحددة في الخارج بنحو يشار إليها، وقد اصطلح عليها باسم (العين الشخصية)، وهي لا تكون إلا مملوكة حين التعاقد، فإذا قال البائع: "بعتك هذا الكتاب" فلا بد أن يكون مملوكاً صرفاً له حتى يصح وقوعه ثمناً أو مثمنا. وعليه فإنه قد يحدث بين الناس وقوع المعاملة التالية، وهي: أن يرى زيد بضاعة من القمصان ـ مثلاً ـ معروضة عند سعيد للبيع بسعر معين، فيذهب زيد قبل شرائها من سعيد إلى خالد فيبيعه تلك القمصان ـ التي ما تزال على ملك صاحبها سعيد ـ بسعر معين، مثل السعر المطلوب أو أقل أو أكثر، وذلك بقصد أن يذهب إلى سعيد ويشتري منه البضاعة ويحضرها لخالد؛ إن مثل هذا البيع غير نافذ ولا تام، لأن زيداً في الواقع قد باع خالداً مال سعيد، وهو بيعٌ فضولي تتوقف صحته على إجازة المالك الذي هو سعيد حسب الفرض. 2 ـ أن تكون العين جزءاً من كل معين، كدونم من الأرض من هذه القطعة الكبيرة، أو طناً من القمح المخزون في هذا المستودع، أو سيارة من نوع معين في موقف فيه عدة سيارات من نفس النوع، وقد اصطلح على هذا المبيع باسم (الكلي في المعين)، أي أن المبيع فردٌ غير مشخّص من كلي مشخص، فهو إذن (كلي في معين)، ويصح وقوع البيع عليه لأنه مملوك ملكاً صرفاً واضحاً. 3 ـ أن تكون العين غير موجودة عند البائع بشخصها، ولا ضمن موجود كلي، بل إن لها وجوداً اعتبارياً متمثلاً في التزام البائع بإيجادها مستقبلاً، وذلك كتاجر البناء الذي يبيع شقة قبل شروعه في البناء اعتماداً على أوصافها في الخارطة الهندسية، أو الذي يبيع ثوباً موصوفاً قبل شرائه البضاعة من مصدرها، ونحو ذلك مما هو بمثابة الالتزام والتعهد من قبل البائع بأن يحضر المثمن للمشتري، وهو ما يصطلح عليه بـ (الكلي في الذمة)؛ ورغم أن البائع قبل شراء البضاعة لا يكون قد ملك شيئاً، إلا أن تعهده بإحضار ما باعه وصيرورته في ذمته هو بمنزلة الملك وقوته، وهذا هو الذي أردناه بقولنا في بداية الشرط الثاني: ".. أو بمنزلة المملوك"، والذي على أساسه يصح وقوعه ثمناً أو مثمناً في البيع. ولا يخفى أن ذلك مختلف عما لم نجوزه من البيع الذي ذكرناه في الفقرة السابقة رقم(1)، فإن البيع هناك قد وقع على بضاعة معينة وشخصية قبل تملك البائع لها، وهنا قد وقع على بضاعة (كلية في الذمة)، فلم يصح في الأول لأنه باع ما يملكه غيره، وصح في الثاني لأنه بيع كلي في الذمة، فلا ينافيه عدم كونه تحت يده فعلاً. وعلى هذا الأساس الذي بيناه فإن كلاً من العوضين يجب أن يكون مملوكاً، سواء كان عيناً شخصية أو كلياً في المعين، أو يكون بمنزلة المملوك، أي كلياً في الذمة، فلا يصح البيع قبل الملك، سواء في بيع ملك غيره فضولاً أو في بيع شيء قبل تملكه من كل أحد، كأن يبيعه هذا الطائر الذي في السماء، أو هذه السمكة التي في الماء، قبل أن يصطاده، أو حطب هذه الشجرة البرية قبل حيازتها، لأنه من بيع المعين الشخصي، أما إذا باعه طائراً في الذمة، فذهب فاصطاد طائراً وسلمه إياه، فإن البيع صحيح، لأنه قد باعه ما هو بمنزلة الملك، أي كلياً في الذمة. م ـ623: لا يمنع كون العين مرهونة من بيعها لغير المرتهن، وخاصة مع إجازة المرتهن، غاية الأمر يثبت للمشتري خيار الفسخ مع جهله بالحال. م ـ 624: الأرض الخراجية، وهي العامرة حين فتحها عنوة، لا يجوز بيعها إجمالاً، وفي ذلك تفصيل قد تقدم في باب (أحكام الأراضي)، فانظر في ذلك ص (66). الثالث: أن يكون الملك طلقاً، فلو كانت العين موقوفة لم يجز بيعها إلا في موارد تقدمت في كتاب الوقف (المسألة: 575). الرابع: معرفة *** العوضين وصفاتهما التي تختلف القيمة باختلافهما، كالألوان والطعوم والجودة والرداءة والرقة والغلظة والثقل والخفة ونحو ذلك من الأمور التي لها دخالة في القيمة، أما ما لا يوجب اختلاف القيمة فلا تجب معرفته، وإن كان مرغوباً عند شخص وغير مرغوب عند آخر. ويكفي في كيفية التعرف عليه كل ما يرفع الجهالة به من المشاهدة الحالية عند البيع، أو الرؤية السابقة على البيع، أو بتوصيف البائع له. الخامس: تحديد مقدار كل من العوضين بالنحو الذي يرفع الجهالة الموجبة لوقوع أحد المتعاقدين أو كليهما في الغرر وتحقق غير المراد، ويكفي في تقدير كل *** ما تعارف أهل بلد المعاملة على التقدير به، من الوزن أو الكيل أو العدّ أو المساحة، ويصح التقدير بغير المتعارف منها إذا كان رافعاً للجهالة ونافياً للغرر، أما إذا تعارف الناس على بيعه بالمشاهدة فإنه يجب الاقتصار فيها على مواردها المتعارفة، فلا تغني هي في تقدير مثل الموزون والمعدود ونحوهما، نعم مثل القماش والأرض والسجاد ونحوها مما يكون تقديره بالمساحة دخيلاً في زيادة القيمة، فإنه وإن كان ينبغي تقديره بالمساحة إلا أنه يصح بيعه بالمشاهدة إذا كانت المشاهدة رافعة للغرر، وذلك كما هو الغالب في الدور والحصر والسجاد. وإذا كان الشيء مما يباع في حال بالمشاهدة وفي حال أخرى بالوزن أو الكيل، كالثمر يباع على الشجرة بالمشاهدة وفي المخازن بالوزن، فصحة بيعه بأحدهما تابعة لما هو المتعارف في كل حالٍ من حالاته. م ـ625: إذا اختلفت البلدان في تقدير شيء، بأن كان موزوناً في بلد ومعدوداً في آخر ومكيلاً في ثالث، فالمدار في التقدير على بلد المعاملة، وإن كان يجوز البيع بتقدير البلد الآخر إذا لم يكن فيه غرر، لا سيما وأنه قد شاعت في زماننا هذا مقادير عالمية للوزن والكيل والمساحة، وذلك إلى درجة أنها صارت تضاهي المقادير المحلية، بل وتفضل عليها. م ـ626: قد يؤخذ الوزن شرطاً في ا لمكيل، كأن يبيعه عشرة أذرع من القماش بشرط أن يكون وزنها ثلاثة كيلوات، أو نحو ذلك مما يلحظ صفة كمال في المبيع لا مقوماً له، فإذا تبين تخلف الشرط وكون وزن ذلك المقدار من القماش أقل مما اشترط فيه أو أزيد لم يبطل البيع، بل يثبت للمشتري خيار تخلف الوصف، فإن أمضى العقد كان عليه تمام الثمن دون أن يُنقص منه بمقدار ما نقص من الوزن المشترط، كما أنه إذا زاد فالزيادة له أيضاً. م ـ627: يكفي في معرفة المقدار إخبار البائع به ولو كان فاسقاً، والأحوط وجوباً اعتبار حصول الاطمئنان بإخباره. م ـ628: إذا تبين كون المثمن ناقصاً عن المقدار المطلوب كان المشتري بالخيار بين إمضاء المعاملة والقبول بها على ما هي عليه من النقص وبنفس الثمن، وبين فسخ العقد وإلغاء المعاملة، وإذا تبين زيادة المثمن فكذلك يكون البائع مخيراً بين القبول بالمعاملة بالزيادة التي وقعت وبنفس الثمن، وبين فسخ المعاملة. وكذلك حكم ما لو كان الثمن زائداً أو ناقصاً عن المقدار المطلوب. السادس: أن يكون كل من العوضين مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع المال الضائع، أو الدابة الشاردة، أو الطير الهارب، أو المال المغصوب، دون فرق بين علم المتعاقدين بالحال وجهلهما به، نعم إذا كان الطرف الثاني قادراً على إيجاد المال الضائع، أو الدابة الشاردة، أو كان قادراً على استنقاذ المغصوب، صح البيع؛ كذلك فإنه يصح التعاقد على غير المقدور على تسليمه مع الضميمة المستكملة للشروط، كأن يبيعه سيارته المسروقة مع كتاب ديوان المتنبي بألف دينار مثلاً؛ كما أنه يصح بيع العين المغصوبة للغاصب وإن كان البائع لا يقدر على أخذها منه حين التعاقد. م ـ629 : إذا علم بالقدرة على التسليم فتبين العجز عنه بطل البيع، وإذا اعتقد العجز عنه فباع فبانت قدرته على التسليم صح البيع. م ـ630: إذا طرأ العجز عن التسليم في وقت الاستحقاق بعد القدرة عليه، وكان يعلم بقدرته عليه بعد ذلك، كأن يعلم بعد أن باع سيارته الموجودة عنده أن ولده ذهب بها في سفر، فإن كانت مدة التأخير معلومة وكانت يسيرة، لم يضر بالعقد، وإن كانت طويلة لا يتسامح بها، فالبيع صحيح إذا كان المشتري عالماً بالحال، وكذا إذا كان جاهلاً به ولكن يثبت له الخيار، وأما إذا كانت مدة التأخير غير معلومة فالبيع باطل. م ـ631: إذا كان العاقد هو المالك، أو مَنْ هو وكيل عنه في إجراء الصيغة فقط، فالاعتبار إنما هو بقدرة المالك، وأما إذا كان العاقد وكيلاً في المعاملة، كعامل المضاربة، فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك، فإن لم يقدرا على التسليم بطل البيع. م ـ632: من اشترى شيئاً ولم يقبضه، فإن كان من غير المكيل ولا الموزون جاز بيعه بربح أو بدونه، وإن كان مكيلاً أو موزوناً، ولم يكن من الثمار، وباعه لغير البائع، لم يجز بيعه بربح، أما إذا كان من الثمار، أي من الفاكهة والخضروات، كالتمر والبطيخ والخيار والخس ونحوها، أو باعه للبائع، فإنه يجوز للمشتري بيعه قبل قبضه مرابحة. هذا، ولا يجري هذا الحكم في ما لو حصل النقل والانتقال بغير البيع، فيجوز لمن ملك شيئاً بالميراث أو الهبة أن يبيعه قبل قبضه بأي نحو كان، كما يجوز لمن اشترى شيئاً أن ينقله مرابحة إلى غيره قبل قبضه بغير البيع، كالصلح والهبة المعوّضة وأجرة لعمل، ونحو ذلك. تتمـة في ما يدخل في المبيع:ويراد بهذا العنوان بيان وتحديد المثمن (المبيع) عند إطلاق لفظه من جهة ما يدخل معه من توابعه وما يخرج، وتفصيل ذلك في مسائل: م ـ633: إذا كان للعين المباعة أشياء تابعة لها ولاحقة بها لم يدخل فيها حين إطلاق لفظها عند البيع إلا ما قصد المتبايعان دخوله فيها دون غيره، ويعرف قصدهما من خلال مدلول اللفظ ومعناه اللغوي، أو من خلال قرينة خاصة أو عامة تكون مصاحبة للعقد حين إجرائه؛ فمثل كلمة (البستان ) تدل بمعناها اللغوي على الكل المتكون من الأرض والشجر والبئر والحظيرة ونحو ذلك من التوابع، فإذا وقع لفظ البستان في عقد البيع كان هذا المعنى اللغوي هو مراد المتعاقدين وقصدهما؛ فإن أرادا إدخال شيء زيادة عما يدخل فيه لغوياً، أو إخراج شيء مما هو داخل فيه كذلك، فلا بد من التصريح بذلك في العقد أو الاتكال على وضع خاص قد أحاط بالعقد ودل على دخول ذلك الزائد أو خروج الداخل، وهو ما يعبر عنه بـ (القرينة الخاصة)، أو أنهما يعتمدان في ذلك على وجود عرف عام يحدد ما يدخل في المثمن وما يخرج منه، وهو الذي يعبر عنه بـ(القرينة العامة). م ـ634: من باع أرضاً لم يدخل فيها الشجر بحسب المعنى اللغوي، ومن باع الشجرة لم تدخل فيها الثمرة، ومن باع الحيوان الحامل لم يدخل فيه الولد، بل يبقى الشجر والثمرة والولد للبائع، نعم إذا كان ثمر الشجرة بحاجة إلى علاج كي يعتد به ويكون له شأن، كشجر النخيل الذي يحتاج إثماره إلى تلقيح، وهو ما يصطلح عليه بـ (التأبير)، فإنه إذا باع النخل ولم يكن قد أبره ولقحه فثمره للمشتري، وإن كان قد لقّحه فثمره للبائع؛ وهذا الحكم مختص ببيع النخل من بين سائر المعاملات والأشجار، فلو نقل النخل عن ملكه بغير البيع، كالهبة والصلح ونحوهما، أو باع غير النخيل مما يحتاج ثمره إلى علاج وتلقيح، كان الثمر دائماً للبائع حتى لو لم يكن ملقحاً. وهذا كله إذا لم تقم قرينة على خلاف ذلك، وإلا اعتمد مدلول القرينة ولو كانت هي التعارف الخارجي. وكذلك الأمر في مثل الدار والسيارة والمصنع والدكان، وغير ذلك من الأشياء التي تعرض للبيع، فإن نفس الحكم يجري عليها، فيتبع الدار في البيع أرضها والبناء الأعلى والأسفل وكلُّ ما اشتمل عليه البناء من أبواب وأسلاك كهربائية وأنابيب وحديقة، فيما لا يكون أثاثها وفرشها داخلاً في المبيع إلا مع القرينة. وهكذا يُنظر في سائر الأشياء مدلولُ لفظها أو القرينة لتحديد ما يدخل منها في المبيع. م ـ635: ما يكون عميقاً في باطن الأرض من ثروات طبيعية كالمعادن وغيرها ليس مملوكاً لصاحب الأرض تبعاً لملكيته لها، فلا يكون داخلاً في المبيع عند بيع الأرض. (أنظر في ذلك المسألة"1103" من الجزء الأول، والمسألة "148" من هذا الجزء). م ـ636: إذا باع الشجرة، وبقي ثمرها للبائع، واحتاجت الثمرة للسقاية، جاز له سقايتها وليس للمشتري منعه، كما أن الشجرة إذا احتاجت للسقاية جاز لمشتريها سقايتها دون أن يكون للبائع الحق في منعه، نعم إذا تضرر أحدهما بالسقي والآخر بتركه فلا بد من الرجوع إلى ما هو المتعارف في مثل هذا الموضوع أو إلى الحاكم الشرعي مع عدم وجود عرف خاص. م ـ637: إذا باع بستاناً وأبقى له شجرة أو أكثر، فإن له الممر إليها والمخرج عنها، كما أن له أن ينتفع من الأرض التي حولها بمدى غصونها، وكذا عروقها القريبة منها مما يحتاج إلى عناية ورعاية، دون ما يمتد من العروق بعيداً، وليس للمشتري منعه من ذلك. المبحث الرابع: في التسليم والقبضوتفصيل أحكامه في مسائل: م ـ638: إذا تم عقد البيع مستكملاً لشروطه وجب على كلٍّ من المتبايعين الوفاء لصاحبه وتسليمه ما التزمه، ويكفي في التسليم بذلُ البائع للمثمن والتخلي عنه وإزالة المانع من حيازة المشتري له واستيلائه عليه، وبذل المشتري الثمن كذلك للبائع، سواء كانت العين منقولة أو غير منقولة؛ فلا يجوز لكل واحد منهما تأخير التسليم مع الإمكان، إلا إذا كان قد اشترط ذلك أو رضي صاحبه بالتأخير، فإن امتنعا أجبرا، وإن امتنع أحدهما مع تسليم صاحبه أجبر الممتنع. ثم إنه إذا قبض كل منهما ما بُذل له وسُلِّم إليه، فاستولى عليه وصار في عهدته، فقد خرج الباذل بقبض المبذول له عن ضمان ما قد يحدث على العين، ثمناً كانت أو مثمناً، ويتحقق القبض لغير المنقول بالتخلية وإزالة المانع، كما في التسليم، وللمنقول بالاستيلاء عليه زيادة على التخلية، وذلك بمثل أخذ الدينار، والإمساك بلجام الدابة، ونحو ذلك مما يختلف باختلاف المنقولات. م ـ639: إذا بذل البائع المبيع فامتنع المشتري عن أخذه كفاه في الخروج عن عهدته والمسؤولية عنه إخراجه من حوزته بحيث يستطيع المشتري أخذه، فإن كان امتناعه لعجزه عن أخذه لمرضٍ أو نحوه وجب على البائع حفظه من باب (الحسبة)، والحسبة: (نوع من التكافل يقضي بلزوم تحمل تبعات معينة اتجاه الغير)، ومنها حفظ ماله من التلف في مثل هذا المورد، ولكنه إذا مضت أيام ثلاثة على بذله المبيع دون أن يتسلمه المشتري ولو لعذر، ولم يكن قد سلمه الثمن، ثبت له الخيار بين الفسخ والإمضاء. وهكذا الحال في الثمن لو بذله المشتري وامتنع البائع عن قبضه. م ـ640: ما تقدم الكلام فيه في المسألتين السابقتين إنما هو فيما إذا كان المبذول عيناً شخصية، أما إذا كان المبذول ثمناً أو مثمناً كلياً، كأن يبيعه سيارة في الذمة بهذه الخمسة آلاف، أو يبيعه هذه السيارة بخمسة آلاف في الذمة، فإن حق المشتري مثلاً بذلك الكلي الذي في ذمة البائع لا يتعين في فرد خاص عند التسليم إلا برضاهما معاً؛ فإن اتفقا على تعيينه في فرد خاص، وبَذَلَهُ البائع فلم يأخذه صاحبه، كان له إلزامه بقبضه مع قدرته، فإن امتنع خلى بينه وبين المال وخرج عن عهدته، وإذا لم يأخذه لعذر بقي أمانة بيد البائع لا يضمنها إلا مع التعدي أو التفريط. ولو فرض أنهما اختلفا في تعيين فرد من الكلي، أو امتنع أحدهما من التعيين فالمرجع هو الحاكم الشرعي في فض الخصومة. م ـ641: إذا اشترط أحدهما تأخير التسليم إلى وقت معين، فقد قلنا سابقاً: "إنه يجوز ذلك"؛ لكنَّ هذه المدة المشترطة لا يجوز أن تكون مجهولة أو مرددة دون تعيين، بل لا بد من تعيينها؛ إما بأجل مضبوط، كالأسبوع والشهر، أو بمجهول قابل للضبط، كموسم الحصاد، أو رجوع الحاج، أو يجعلها مستمرة باستمرار بقاء العين. وهذا النحو من التوقيت غير كاف في بيع الكلي المؤجل المصطلح عليه بـ (بيع السلف) بل لا بد فيه من ضبط الأجل بحد معلوم، كما سيأتي. ثم إنه إذا حل الأجل وسلمه العين فلا كلام، وإن لم يسلمه تمرداً أو عجزاً كان المشروط له بالخيار بين الفسخ أو الإمضاء والصبر عليه حتى يسلمه. م ـ642: إذا كان أحد العوضين مشغولاً بمتاع أو بضاعة لغير من انتقل إليه، وجب على المالك الأول إفراغه مما فيه عند تسليمه، إلا أن يشترط بقاءه فيه دائماً أو لمدة معينة، أو يرضى المالك الجديد ببقائها كذلك من دون اشتراط، ويكفي في الاشتراط تعارف تأخير الإخلاء إلى ما بعد التسليم والقبض في بعض الموارد، كما في الأرض المزروعة إذا بيعت قبل وقت الحصاد وبقي الزرع للبائع، أو الشاحنة تباع اليوم وفيها حمولة لا يمكن تفريغها إلا في وقت معين، وهكذا. وإذا توقف تفريغه على التصرف بالعين بمثل هدم جزء من الجدار، أو إحداث ثقب في السقف أو خلع قفل أو كسر باب، فإن كان مثل هذه التصرفات متوقعة وملحوظة لم يجب استئذان المشتري، إلا إذا كان البناء العرفي أو غيره على استئذانه، كما وأنه لا يجب على البائع إصلاح الخراب إلا مع الاشتراط أو التعارف؛ وأما إذا لم يكن مثل هذا التصرف متوقعاً ولا ملحوظاً، بحيث لم يبتن البيع عليه، وجب على البائع استئذان المشتري وتحمل الخراب الناتج عن التفريغ، أو الاتفاق مع المشتري على حلٍ مرضٍ للطرفين، كشراء المشتري لما في المبيع ونحوه. م ـ643: يجوز لكلٍّ من المتعاقدين اشتراط تأخير التسليم، كأن يبيعه السيارة الفلانية المعينة ويشترط تسليمها له بعد أسبوع مثلاً بالثمن الفلاني على أن يسلمه الثمن بعد أسبوع، سواء في ذلك ما لو كانت الأعيان فيه شخصية أو من نوع الكلي في المعين، أو من نوع الكلي في الذمة. م ـ644: يصح أن يشترط البائع لنفسه أو لغيره سكنى الدار المباعة أو ركوب الدابة أو زراعة الأرض مدة معينة قبل تسليمها للمشتري، ويكون ذلك من باب اشتراط التأخير. م ـ645: إذا طلب أحد المتبايعين من الآخر إرسال البضاعة أو ثمنها إلى مكان معين، أو طلب تسليمها إلى شخص معين، كان مجرد إرسالها إلى ذلك المكان المعين، أو تسليمها إلى ذلك الشخص المعين، بمنزلة قبض المالك الجديد، ويخرج به المرسل عن المسؤولية لو حدث على العين شيء حين نقلها إليه. م ـ646: إذا تلف أحد العوضين أو كلاهما قبل القبض، فإن كان التلف بسبب طبيعي سماوي أو أرضي، أو بما يشبه السبب الطبيعي كالدابة الهائجة، كان تلفه من مال مالكه الأول، ثمناً كان أو مثمناً، وينفسخ به البيع ويبطل، وفي حكم التلف بالسبب الطبيعي ما لو تعذر الوصول إليه بسبب السرقة أو الغرق أو فرار مثل الطائر أو نحوه من الأسباب التي تبقى معها العين موجودة ولكن لا يمكن الوصول إليها، ولم يكن لها بدل يمكن الاستعاضة به عن التالف، وإلا لم يبطل، ولزم المالكَ دفعُ البدل. وأما إذا كان التلف بفعلٍ بشري ممن يمكن الرجوع إليه في تدارك الخسارة، كأن يتلفه المالك نفسُه أو غيره فالأقوى صحة العقد، وحينئذ لو فرض أن التالف هو المثمن فإن للمشتري الخيار بين الاستمرار بالعقد والرجوع على المتلف وبين فسخ العقد لتعذر التسليم؛ وكذلك الحكم فيما لو كان التالف هو الثمن، فيثبت نفس الخيار للبائع. هذا إذا تلف أحد العوضين كله، أما إذا كان جملةً له أفراد متعددة فتلف بعضها قبل القبض، بسبب طبيعي أو بشري، انفسخ البيع في المقدار التالف، ثمناً كان أو مثمناً، وأرجع ما يقابله من الثمن أو المثمن، وكان مَنْ تَلِفَ عليه المال بالخيار في الباقي بين الإمضاء أو الفسخ بخيار تبعض الصفقة. م ـ647: إذا حصل نماء في المبيع بعد البيع فتلف الأصل قبل قبض المشتري له، كان النماء للمشتري بمقتضى العقد رغم انفساخه بعد التلف في موارد الانفساخ، فضلاً عما لو لم ينفسخ في الموارد الأخرى التي يوجب التلف فيها ثبوت الخيار؛ وكذلك الأمر لو حدث نماء في الثمن بعد البيع وتلف الأصل قبل قبض البائع له، فإن نماء الثمن للبائع بنفس النحو الذي ذكر لنماء المبيع. م ـ648: إذا حدث في أحد العوضين عيب قبل القبض لم يبطل به البيع، وكان لمن تعيب عليه رد المعيب والمطالبة بفرد غير معيب، أو المطالبة بالأرش إذا لم يمكن الرد. المبحث الخامس: في اللزوم والفسخإذا وقع عقد البيع مستكملاً لشروطه وقع لازماً، فلا يحق للمتعاقدين فسخ العقد إلا في موردين، الأول: فسخه من قبل أحد الطرفين برضا الآخر وموافقته عليه، وهو ما يسمى بـ (الإقالة)؛ والثاني: فسخه بواحد من الخيارات الثابتة لأحد الطرفين أو لكليهما؛ وتفصيل ذلك يقع في مطلبين:المطلب الأول: في الخيارات المطلب الثاني: في الإقالة المطلب الأول: في الخيارات<!--<!--الخيار) في اللغة هو: (الاختيار)، وقد يقال له: (الخيرة) بكسر الخاء وفتح الياء ، وفي الاصطلاح الفقهي هو: (حق للمتبايعين، أو لأحدهما، يقتضي التسلط على فسخ العقد أو إمضائه، عند حدوث موجبه)، وموجباته تصل إلى الاثني عشر، وقد سمي كل خيار باسم موجبه وسببه، ولكننا سوف نذكر خيار التفليس في مباحث الدَيْن من الجزء الثالث، كما أننا سوف نذكر خيار الرؤية وخيار التدليس تحت عنوان (خيار تخلف الوصف)، فتكون بذلك عناوين هذا المطلب تسعة، هي على النحو التالي:الأول: خيار المجلس:ويقع في مسائل:م ـ649: إذا تم العقد بشروطه، وكان المتبايعان حاضرين في مجلس التعاقد، لم يحكم على العقد باللزوم إلا بعد تفرقهما وانفضاض مجلس التعاقد، فما داما مجتمعين يحق لكل واحد منهما فسخ ما عقده وإلغاؤه، فإذا فسخ كان على الآخر الاستجابة له وإعادة ما قد أخذه منه؛ وهنا عنصران مقوِّمان لموجب هذا الخيار، نبينهما كما يلي:الأول: عنصر المجالسة والاجتماع: فلا يراد بالمجالسة خصوص لبثهما معاً في مكان معين، بل يراد به أيضاً اجتماعهما وتلاقيهما حين التعاقد ولو كانا ماشيين أو راكبين؛ فإذا تعاقدا عن بُعد بحيث كان أحدهما يسمع الآخر ولو صياحاً، أو بواسطة الهاتف، أو بالمكاتبة، لم يثبت خيار المجلس.الثاني: عنصر المتعاقدين: فلا يشترط كون المجتمعين للتعاقد هما الأصيلين، بل يكفي اجتماع الأصيل مع وكيل الآخر بالمعاملة، أو مع وليه، كما يكفي كونهما معاً وكيلين عن الطرفين في المعاملة، أو وليين لهما، أو أحدهما وكيل كذلك والآخر ولي؛ فإن لم يكونا كذلك، بل كانا وكيلين في إجراء الصيغة فقط، أو كان أحدهما كذلك، لم يُغن اجتماعهما عن حضور الأصيل مجلس التعاقد.م ـ650: إذا كان المباشر للعقد شخصاً واحداً أصالة عن نفسه ووكالة في المعاملة عن الآخر أو ولاية عنه، أو كان وكيلاً في المعاملة عن الطرفين أو ولياً عليهما، فإن كان حين العقد ماكثاً في مكان ثبت له خيار المجلس للطرفين ما دام في مكان العقد، وإن كان حين العقد ماشياً أو راكباً لم يثبت له خيار المجلس، بل الأحوط استحباباً عدم ثبوته حتى في صورة ما لو كان جالساً في مكان.م ـ651: تتحقق المفارقة لمجلس العقد بالخروج من مكان التعاقد واحداً بعد الآخر، فإن خرجا معاً وظلا متصاحبين لم يتحقق به التفرق؛ وتتحقق المفارقة من الماشيين أو الراكبين بتباعدهما عن بعضهما.ولو فرض حضور الأصيلين مع الوكيلين المباشرين للعقد، كان المعيار في الافتراق هو افتراق المباشرين للعقد، فإن تفرقا سقط خيار المجلس حتى لو ظل الأصيلان مجتمعين، وذلك إذا كان المباشران وكيلين في المعاملة أو وليين، فإن لم يكونا كذلك، بل كانا وكيلين في إجراء الصيغة، فإننا قد قلنا سابقاً: "إن اجتماعهما لا يغني عن اجتماع الأصيلين"، وحيث لا بد لثبوت الخيار من حضور الأصيلين مجلس العقد، فإن مفارقتهما هي التي توجب سقوطه دون مفارقة الوكيلين.م ـ652: إذا مات أحد العاقدين في مجلس البيع فهو بحكم الافتراق، فيسقط به الخيار ويلزم البيع.م ـ653: إذا تلف أحد العوضين أو كلاهما بعد قبضه وقبل التفرق عن مجلس العقد، أو خرج كذلك عن ملك مالكه الجديد بناقل يمكن الرجوع فيه، كالهبة لغير رحم، أو بناقل لا يمكن الرجوع فيه، كالبيع والصدقة والهبة للرحم، فإن الخيار لا يسقط بذلك التلف وذلك النقل، بل يضمنها من هي تحت يده ـ عند الفسخ ـ بدفع فرد آخر بدلاً عنها إن كانت مثلية، أو دفع قيمتها إن كانت قيمية. هذا إذا تلف أحد العوضين أو نقل، أما إذا تعيّب أو نقص فإنه يضمن العيب بالنسبة.م ـ654: يسقط هذا الخيار إضافة لما سبق ذكره بأمور:الأول: اشتراط عدمه في ضمن العقد أو في ضمن عقد آخر.الثاني: إسقاطه صراحة بعد العقد وقبل التفرق بكل قول يدل على إسقاطه، مثل: "أسقطت حقي في الخيار" أو "تخليت عن حقي فيه" أو نحو ذلك، ومتى أسقطه لم يكن له أن يرجع فيه، وإذا رجع لم يرجع حقه؛ بل يتحقق الإسقاط بكل ما يدل عليه ولو لم يكن صريحاً فيه، وذلك بمثل ما يظهر منه المضي في البيع وعدم التردد فيه، كتفصيل الثوب لخياطته، أو عرض ما اشتراه للبيع، أو نحو ذلك مما يدل بصورة غير مباشرة على إسقاط الخيار.م ـ655: يختص هذا الخيار بالبيع، فلا يجري في غيره من المعاوضات كالإجارة، فضلاً عن غيرها كالهبة.الثاني: خيار الحيوان:وفيه مسائل:م ـ656: إذا كان أحد العوضين حيواناً حياً ثبت الخيار لآخذه ثمناً أو مثمناً ثلاثة أيام، وذلك دون فرق بين ما لو كان أهلياً أو ممتنعاً، ولا بين ما لو كان مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل، ولا بين ما لو كان طاهر العين أو نجسها إذا جاز بيعه، ككلب الصيد مثلاً، ولا بين ما لو كان قد أخذه للاقتناء أو للأكل، فلو كان الحيوان ذبيحة مذكّاةً لم يجر فيه خيار الحيوان.م ـ657: تحتسب الأ�
ساحة النقاش