موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

بحث بعنوان الإلتزام بالتبصير أو الإلتزام بالإعلام في العقود الفصل الأول: الأساس القانوني للإلتزام بالتبصير وأهم صوره.المبحث الأول: الأسس القانونية للإلتزام بالتبصير في العقوداولا عيوب الرضاء. ثانيا: ضمان العيوب الخفية والإستحقاق طالع بنفس االتالى من رابطة محامين المحله

محبي/ المستشار عدنان عبد المجيد

و البسيونى محمود عبده  

http://kenanaonline.com/basune1

https://www.facebook.com/groups/1425390177692288/

http://adnanlawyer.com/

الإلتزام بالتبصير
أو
الإلتزام بالإعلام
مـقـدمــة
لقد تجلى مع مرور الوقت قصور النظرية التقليدية القائمة على فكرة سلطان الإرادة في كثير من جوانبها، ومنها عدم صحة المبدأ على إطلاقه في تفسير القوة الملزمة للعقد في ضوء القيود التشريعية العديدة التي تضعها الدولة حماية لجمهور المستهلكية، فكثير من تلك القوانين والقواعد إنما عملت -رغم أنها قوانين تدخلية ومقيدة- على حماية إرادة طائفة من المتعاقدين على نحو يؤكد ضرورة أن يكون رضاء المتعاقد أكثر حرية، لكن ورغم الإمتداد لنظرية عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه فقد إقتصرت فقط على تصحيح الأوضاع ظاهرة الخلل، و التي تتوافر فيها الشروط المنصوص عليها في النصوص القانونية، وبالتالي لم تصل إلى حماية الثقة التي يقتضيها الضمير في المعاملات المختلفة، وتجلى قصور مثل هذه الوسائل التقليدية مع تطور معطيات الحياة المتعلقة بما يسمى النظام العام الإقتصادي الحديث وهي جميعا تدور في فلك فلسفة أساسية هي حماية المستهلك.


ويعتبر الإلتزام بالتبصير أو بالإدلاء بالمعلومات والبيانات المتعلقة بالعقد من الموضوعات الحديثة التي خصها رجال القانون الوضعي بأهمية خاصة متأثرين في ذلك بالقضاء الفرنسي، الذي أثر بشكل مباشر في المشرع الفرنسي الشيء الذي جعله لا يتردد في الأخذ بهذا الإتجاه في مجموعة من النصوص القانونية المنظمة للعقود الخاصة.
أما في المغرب فإن الفقه لم يحاول وضع نظرية عامة للإلتزام بالتبصير كإلتزام مستقل بذاته عن القواعد التقليدية المعول عليها في العقود رغم أهمية هذا المبدأ على المستوى العملي، وما قد يوفره من حماية للطرف الضعيف في العقد بسبب عجز نظرية عيوب الإرادة عن تحقيق الحماية المطلوبة للتراضي، لاسيما بعد ظهور أنواع جديدة من العقود من قبل تلك التي لا تخول لجميع الأطراف مناقشة شروط العقد كما هو الشأن بالنسبة لعقود الإذعان.
وقد عرف الفقه الفرنسي، الإلتزام بالتبصير بأنه الحالة التي يفرض فيها القانون على المهني أن يشعر المتعاقد الآخر بجوهر محل العقد ومكوناته ويجد هذا الإلتزام أساسه في إنعدام التوازن في المعرفة بين المتعاقدين سواء بسبب إنعدام المساواة في الإختصاص العلمي أو الكفاءة، كما هو الأمر مثلا بالنسبة للعلاقة التعاقدية بين المهني والمستهلك، ذلك أن التطور الذي تعرفه الصناعة من الناحية التقنية، خولت للمهني حنكة وتجربة لم يتسن للطرف المستهلك إدراكها وبلوغها، وهذا ما جعل جل التشريعات تفكر بجدية في إقرار مقتضيات تمدد بمقتضاها إلتزامات جديدة إلى الواجبات الملقاة على المهني، المتمثلة أساسا في الإلتزام بالتبصير أو بمعنى آخر الإلتزام بتوجيه إرادة المستهلك نحو الإختيار الواعي، وهي حماية تهدف إلى صيانة رضى هذا الأخير عن طريق إفتراض قرينة الجهل لديه، مما يخوله الحق في التنوير والتبصير.
لكن يجب ألا يفهم مما سلف أن الإلتزام بالتبصير واجب على عاتق المهني بمفرده بل هناك قواعد خاصة تخرج عن القواعد العامة تمدد هذا الإلتزام إلى الطرف المذعن كما هو الشأن مثلا بالنسبة للمؤمن له الذي يتحتم عليه الإدلاء بجميع البيانات والظروف التي من شأنها تخويل المؤمن صورة حقيقية وشاملة عن الخطر المراد تأمينه.
في غياب نص صريح للإلتزام بالتبصير في التشريع المغربي، فما هي الأسس القانونية للإلتزام بالتبصير المعتمدة في التشريع المغربي؟ وهل غياب هذا النص يحول هذا الإلتزام من إلتزام قانوني إلى خانة-الإلتزامات الأخلاقية-، وما هي الوسائل الكفيلة لمنح هذا الإلتزام قوة قانونية، وما هي الجزاءات المترتبة عن الإخلال بهذا الإلتزام.
وللإجابة على هذه الأسئلة وأسئلة أخرى قررنا تقسيم هذا الموضوع إلى فصلين.
الفصل الأول: الأساس القانوني للإلتزام بالتبصير وأهم صوره.
الفصل الثاني: وسائل تنفيذ الإلتزام بالتبصير والجزاءات المترتبة عن الإخلال به.

الفصل الأول: الأساس القانوني للإلتزام بالتبصير وأهم صوره.
المبحث الأول: الأسس القانونية للإلتزام بالتبصير في العقود.
في غياب نص قانوني عام وصريح يبين أحكام الإلتزام بالإعلام في القانون المغربي، ويحدد جزاء الإخلال به، فإنه يمكن الإستناد إلى النظرية العامة لقانون العقود، ومن تم يمكن القول أن الإلتزام بالإعلام يرتكز في وجوده القانوني على عدة أنظمة قانونية بالأساس في عيوب الرضاء، والمسؤولية التقصيرية وضمان العيوب الخفية، والإستحقاق، وبمعنى آخر، يمكن أن يترتب على إهمال الإدلاء بمعلومات معينة إما عيبا في الرضاء، أو خطأ تقصيريا، أو عيبا خفيا، أو حتى إستحقاقا.
فالنظرية العامة تعد إذن الأساس العام للإلتزام بالإعلام، ولكن المقصود هنا هو الإلتزام بالإعلام الذي له إنعكاسات على رضاء المتعاقد، أو ما يسميه بعض الفقه بالإلتزام قبل التعاقدي بالإعلام (المطلب الأول) ولإنعدام عدم كفاية النظرية العامة في تحديد مغزى الإلتزام بالإعلام، سعى المشرع إلى تكملتها بمقتضى قوانين لاحقة خاصة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الإلتزام بالتبصير المنصوص عليه في ق إ.ل.
وسنكتفي في هذا المطلب بمعالجة مختلف المبادئ القانونية التي تشكل الأساس القانوني الإلتزام بالتبصير الذي له إنعكاس على رضاء المتعاقد، وخاصة منها، الغلط والتدليس (أولا) وضمان العيوب الخفية (ثانيا)، وكذلك الفصل 231 ق.ا.ع والذي له تأثير على تنفيذ العقد (ثالثا).
أولا: عيوب الرضاء.
قد يشوب إرادة المتعاقد عيب يؤثر في الرضاء، فتتجه الإرادة الموجودة إلى التعاقد وهي على غير بينة من حقيقة الأمر، ويقصد بعيوب الرضاء أمور تلحق إرادة أحد المتعاقدين أو كليهما، فتفسد الرضاء دون أن تجهز عليه، فرضاء المتعاقد هنا موجود. كل ما في الأمر أن إرادته لا تجيء سليمة، ولم تصدر عن بينة وإختيار. ولا يحول هذا دون وجود التصرف، إنما يكون لمن عيبت إرادته أن يطلب إبطال هذا التصرف، أي يكون التصرف قابلا للإبطال .
إن عيوب الرضاء التي يمكن إعتمادها لتوقيع الجزاء على من أخل بالإلتزام بالإعلام تكمن بالخصوص في الغلط والتدليس لأنهما يرتبطان بهذا الإلتزام إرتباطا وثيقا، فالإلتزام بالتبصير يهدف إلى تقديم معلومات من أجل أن يكون الرضاء مستنيرا، ومن هذه الزاوية يظهر وكأنه نوع من الوقاية من العيوب، لأنه يعكس حاجة ملحة فيما يتعلق بنوعية الرضاء، كما أنه يضع قيودا ضمنية على مبدأ سلطان الإرادة .
1-
الغلط:
الغلط بإعتباره عيبا يشوب الرضاء، وهم يتولد في ذهن الشخص فيصور له الأمر على غير حقيقته، ويكون هو الدافع إلى التعاقد، بأن يرى فيه شيئا غير موجود في الحقيقة، أو يتوهم خلوه من صفة حالة كونها تلازمه .
ويعرف الغلط بأنه "حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع، وغير الواقع، إما أن يكون واقعة غير صحيحة يتوهم الإنسان صحتها، أو واقعة صحيحة يتوهم عدم صحتها" .
وللمطالبة بإبطال العقد، لابد من توفر الشروط النظرية التي تطلبها المشرع في المجال الخاص بالغلط وإلا كان الطلب مرفوضا، ولعل من أهمها أن يكون الغلط جوهريا، أي دافعا إلى التعاقد وهكذا فالإلتزام بالإعلام لا يمكن أن يتعرض للجزاء على أساس الغلط إلا إذا إنصبت المعلومات المحتفظ بها من قبل أحد الأطراف على صفة جوهرية في الشيء محل العقد وبتوضيح أكثر، يجب أن يقع الغلط في صفة جوهرية في الأداء الذي تلقاه أو سيتلقاه الآخر بإعتبار أن العقد لا يجب إبطاله لغلط المدعي في الأداء الخاص به، كمن يبيع شيئا معتقدا أنه مجرد تقليد للقديم في حين أنه أثري لا يجوز له المطالبة بإبطال العقد لأن الغلط إنصب على صفة جوهرية في الأداء الخاص به، وعلى العكس، من ذلك إن من يشتري شيئا قديما معتقدا أنه تحفة أثرية في حين أنه مجرد تقليد للقديم يمكنه المطالبة بإبطال العقد لأن الغلط إنصب على صفة جوهرية في الأداء الذي تلقاه من المتعاقد الآخر .
والإلتزام بالتبصير يتطلب من المدين به- وخاصة إذا كان مهنيا- الإستعلام عن حاجات الدائن التي يريد إشباعها من وراء الإقدام على إبرام العقد، وأن يقدم إليه المساعدة لتحقيق أغراضه، وأن ينول رضائه تفاديا لوقوعه في الغلط، وألا يقتصر على مجرد تقديم ما يعرفه من معلومات تهمه، فهو يتحمل واجب الإستعلام قصد إعلام الدائن بالإلتزام بالتبصير.
بلاشك، فالإرتباط قائم بين الإلتزام بالإعلام ونظرية الغلط، يتجلى في حالة قيام أحد المتعاقدين بإعلام المتعاقد معه بالمعلومات المتعلقة بالعقد، والشيء محل العقد، على الوجه المطلوب فإن هذا يحول دون وقوع الطرف الآخر في غلط في الصفات الجوهرية لهذا الشيء، ومن هذا المنظور يظهر الإلتزام بالإعلام بمثابة نوع من الوقاية من عيوب الرضاء.
ورغم الدور الذي تلعبه نظرية الغلط تظل غير كافية، ولا تكاد تتجاوز الحماية التي تحققها النظرية نفسها، في حين أن الإلتزام بالإعلام، إذا أخذنا به في إستقلال عن هذه النظرية، فهو يلعب دورا فعالا في حماية رضاء المتعاقد الآخر لأنه يسمح للدائن بالمطالبة بإبطال العقد حتى ولو لم تتحقق شروط الطعن بالغلط.
2-
التدليس .
التدليس بإعتباره عيبا يشوب الرضاء هو الإلتجاء إلى الحيلة والتضليل والخداع بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد، فهو يثير الغلط في ذهن المتعاقد عن طريق إيهامه بأمر يخالف الحقيقة وجره بذلك إلى التعاقد .
وأساس التدليس هو إستعمال الحيل والتضليل والتمويه والخداع لإيقاع شخص في غلط يدفعه إلى إصدار تصرف قانوني عن طريق إيهامه بغير الحقيقة لحمله على التعاقد، لأجل ذلك فالتدليس ليس بذاته عيب الإرادة، وإن العيب هو الغلط الذي ينتج عنه ولذا يسمى بإعتباره عيبا للرضاء أو للإرادة الغلط الناشئ عن الحيل.
ولاشك أن التدليس قد يتم بطرق إحتيالية إيجابية وتتمثل في إدلاء المتعاقد المدلس ببيانات خاطئة مخالفة للحقيقة والواقع، وقد يلتجأ إلى وسائل سلبية تتمثل في سكوته عن الإدلاء للمتعاقد معه ببعض المعلومات المهمة عن الشيء محل التعاقد، وهذا الأخير هو ما يسمى بالكتمان المدلس أو السكوت.
ويعتبر تكريس المشرع للتدليس عن طريق الكتمان إعترافا مباشرا بالإلتزام بالتبصير، لأن الكتمان، بشكل عام، يطابق الإحتفاظ الخاطئ بالمعلومات، بمعنى أنه يوازي خرق الإلتزام بالإعلام، أو خرق الإلتزام بالكلام، فمن يلتزم الصمت أو يعمد إلى كتمان واقعة هامة، كان يجب الإفضاء بها، ولم يكن بوسع الطرف الآخر معرفتها من مصدر آخر أو بطريقة أخرى، يعد مخلا بالإلتزام الملقى على عاتقه بالإدلاء بالمعلومات المتعلقة بالعملية التعاقدية، أي مخلا بالإلتزام بالإعلام، فالكتمان يعد خرقا مباشرا للإلتزام بالإعلام .
ثانيا: ضمان العيوب الخفية والإستحقاق
1- ضمان العيوب الخفية
البائع ملزم بتبصير المشتري بشأن العيوب الخفية لكي يبعد المسؤولية عنه، ومن تم يمكن القول أن الإلتزام بالتبصير المعاقب عليه على أساس ضمان العيوب الخفية له إنعكاس على رضاء المتعاقد الآخر، ويضاف إلى ذلك أن البيانات الواجب الإدلاء بها هنا، لكي تكون ذات جدوى، ولكي ترفع عن العيب طابعه الخفي يجب الإدلاء بما قبل إبرام العقد، وهذا ما كرسته المادة 549 ق.ا.ع، فالمشرع أوضح من خلال هذه المادة أن العيب لكي يكون مشمولا بالضمان يجب أن يكون مؤثرا، بمعنى يجب أن يصل حد من الجسامة، بحيث لو علم المشتري لما أقدم على الشراء أصلا، وأنه كان يستفاوض وفقا لشروط أخرى، فالعيب المؤثر إذن ينقص من قيمة الشيء نقصا محسوسا أو يجعل الشيء غير صالح للإستعمال فيما أعد له، لذلك يمكن القول إن المشرع يقصد من كل هذا أن يتم الإدلاء بالمعلومات المتعلقة بالعيب المؤثر قبل إبرام العقد، فالمشتري بالطبع، لو علم مبدئيا بعدم صلاحية الشيء للإستعمال فيما أعد له لما أقدم على شرائه.
ولقد توسع المشرع المغربي في مفهوم العيب الخفي الذي يوجب الضمان بحيث يشمل كل ما ينقص من قيمة الشيء نقصا محسوسا، وكل ما يمكن أن يجعله غير صالح للإستعمال فيما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد ، كما أضاف إلى مضمون العيب الخفي تخلف الصفات التي صرح بها البائع أو تلك التي إشترطها المشتري .
وما يمكن إستنتاجه أن المعلومات الواجب تقديمها في إطار نظرية العيوب الخفية يجب أن تقتصر على عيب مما سبق توضيحه، أي على ما يجعل الشيء غير صالح للإستعمال في الغرض المعد له، أو ينقص من قيمته نقصا محسوسا أو ينقص من منفعته أو صلاحيته إلى درجة أن من ركن إلى قبول هذا الشيء ما كان ليفعل، أو ما كان سيؤدي على الأقل إلا ثمنا مناسبا وأقل مما كان سيدفع قبل علمه بالعيب الموجود في الشيء.
وبشيء من الإمعان يتضح أن نطاق الالتزام بضمان العيوب الخفية أضيق من نطاق الإلتزام بالإعلام، ذلك أن الإلتزام الأول يقتصر على الحالات التي يعتري فيها الشيء عيبا خفيا وقديما يؤثر على أدائه لوظيفته، بينما نطاق الإلتزام الثاني أوسع من ذلك، إذ يمتد ليشمل كافة الحالات التي يتسم فيها المبيع ببعض الخطورة بسبب حدته أو طبيعته أو كونه دقيقا في تركيبه أو صعبا في إستعماله، فالنقص في البيانات المتعلقة بكيفية إستخدام المبيع، أو التحذير من مخاطره، أو حتى عدم ملاءمته لأغراض المشتري يشكل خرقا للإلتزام بالإعلام يستحق عنه المدين الجزاء، فالخطورة الكامنة في الشيء لا تمثل عيبا خفيا، ولكن تشكل إحدى البيانات التي يجب الإفضاء بها إلى الطرف الآخر على أساس الإلتزام بالإعلام، يدل هذا الإختلاف في النطاق على أن الدعوى الناشئة عن الإلتزام بضمان العيوب الخفية قاصرة عن إستيعاب الدعوى الناشئة عن الإخلال بالإلتزام بالتبصير.
2-
ضمان الإستحقاق.
وبقراءة الفصل 535 ق.ا.ع الذي جاء فيه ما يلي: "إستحقاق جزء معين من المبيع كإستحقاقه كله، إذا بلغ هذا الجزء بالنسبة إلى الباقي حدا من الأهمية بحيث أن المشتري ما كان ليشتري بدون ذلك الجزء.
ويسري نفس الحكم إذا كانت العين مثقلة بحقوق إرتفاق غير ظاهرة أو بحقوق أخرى لم يصرح بها عند البيع".
يمكن إستنتاج أن الإلتزام بالإعلام الذي يقع تحت الجزاء على أساس ضمان الإستحقاق ينعكس بدون شك على رضاء المتعاقد .
يشمل ضمان الإستحقاق إذا الضمان الواجب للمشتري ضد الإرتفاقات والتكاليف غير الظاهرة والحقوق غير المصرح بها وكل ما يمكن أن يشوش عليه الإنتفاع الهادئ بالشيء المبيع، وهكذا يتضح أن ضمان الحقوق والتكاليف غير المصرح بها يمكن أن يشكل أساسا لتطبيق الإلتزام بالإعلام الذي له تأثير على رضاء المتعاقد، فالبائع عليه الإلتزام بالإعلام الذي له تأثير على رضاء المتعاقد، فالبائع عليه إلتزام حقيقي يتجلى في إطلاع المشتري المحتمل بالتكاليف والإرتفاقات التي تثقل الشيء المبيع، فلا شك أن هذه المعلومات لها تأثير على رضاء المشتري، ولكن إلزام البائع بأن يضمن للمشتري الإستحقاق الذي يقع على كل المبيع أو جزء منه أو التكاليف التي تثقل هذا المبيع ، إذا لم يصرح بها، سيلتزم جهل المشتري بخطر الإستحقاق، فعلمه به يمنعه من الإستفادة من مقتضيات الضمان ، ولكن هذا القول لا يؤخذ على إطلاقه، إذ ليس من الضروري دائما أن يكون المشتري غير عالم وقت البيع بالإستحقاق الجزئي للإستفادة من الضمان فقد يكون عالما به ولكنه يعتقد أن البائع سيدرأه عنه، كما لو كان المبيع مرهونا للوفاء بدين معين، وأكد له البائع بأنه سيقوم بالوفاء بالدين ويشطب على الرهن .
ثالثا: الفصل 231 ق.ا.ع كأساس للإلتزام بالتبصير.
بالإضافة إلى الإلتزامات بالتبصير التي تؤثر على رضاء المتعاقدين، هناك إلتزامات أخرى لها تأثير على تنفيذ العقد، من شأنها أن تحقق الضمان للدائن في الحصول على تنفيذ جيد للعقد لذلك لا يكفي أن يكون العقد المبرم خاليا من أي عيب من عيوب الرضاء، بل يجب أن ينفذ بشكل سليم، أي طبقا للتوقعات المشروعة للطرفين.
وهكذا فقد حدد المشرع الطريقة الواجبة في تنفيذ العقد في مستهل الفصل 231 ق.ا.ع التي جاءت تقضي بأن "كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية..."
يقتضي حسن النية من المتعاقد أن يختار في تنفيذ العقد الطريقة التي تفرضها الأمانة والنزاهة في التعامل، وإلتزام المتعاقد بمراعاة حسن النية في تنفيذ العقد إلتزام يفرضه العقد، وهو يجب على المتعاقد ألا يحيد على حسن النية في تنفيذه الإلتزام وفي مطالبته بحقه، فهو يسأل عن الإخلال بهذا الإلتزام مسؤولية عقدية، فكل عمل يقوم به المتعاقد، وهو في سبيل تنفيذ العقد، ويكون متجافيا مع مقتضيات حسن النية، يعتبر خطأ تعاقديا، ويشغل مسؤولية صاحبه على هذا الأساس، حتى لو كان يتعارض مع حرفية ما يتضمنه العقد من أحكام .
ومبدأ حسن النية يتطلب من المدين القيام بكل ما يساعد الدائن في الإنتفاع التام بعمله القانوني، كما أن الدائن بدوره يجب عليه، وفقا لنفس المبدأ، أن يسهل على المدين تنفيذ إلتزاماته، ويتعين على كل منهما أن يعبر على أكثر قدر من التعاون والعناية وكذلك المساعدة خلال مرحلة تنفيذ العقد.
وبعبارة أوضح، إن الإلتزام بالتعاون يفرض على كل طرف تنبيه الطرف الآخر-أثناء تنفيذ العقد- إلى كل الوقائع التي تقتضي مصلحته الإلمام بها من أجل تنفيذ العقد، ويسود هذا التعاون طيلة فترة تنفيذ العقد، وخاصة بالنسبة للعقود المتراخية التنفيذ.
ويتضح من خلال ما سبق أن الإلتزام بالتبصير في العقود يعتبر من مستلزماتها وفقا للقانون وذلك بمقتضى الفصل 231 ق.ا.ع السابق الإشارة إليه. وهكذا يجب على طانع منتوج معين أن يدلي إلى المتعاقد معه بكافة البيانات الضرورية المتعلقة بإستعماله، وخاصة المعلومات المتعلقة بالتحذير من خطورته، وكيفية تفاديها، أو كيفية التعامل معها في حالة حدوثها، كما أن البائع يتعين عليه، ليس فقط تسليم الزبون جهاز غير معيب وبالمواصفات التي تم الإتفاق عليها وإنما يجب أن يستعلم عن حاجيات هذا الزبون وأن ينصحه بمدى ملاءمة الجهاز المقترح للإستعمال الذي يريده.
المطلب الثاني: الإلتزام بالتبصير في بعض القوانين الخاصة.
وسنحاول في هذا المطلب، تحديد الأساس القانوني في بعض القوانين الخاصة من بينها مدونة التجارة (أولا)، وكذلك قانون الشركات (ثانيا) وأخير وليس آخر التأمين البري (ثالثا).
1-
الإلتزام بالتبصير المنصوص عليه في مدونة التجارة.
المادتان 81 و 82 م.ت حاول المشرع من خلال هذين الفصلين حماية المشتري الذين قد يتم خداعهم بشأن القيمة الحقيقية للأصول التجارية التي يشترونها.
لقد إشترط الفصل 81 م.ت تضمين البيع عددا من البيانات بهدف إعلام المشتري بشأن حقيقة وقيمة الأصل التجاري الذي إشتراه ، وإذا لم يشمل عقد البيع على أحد هذه البيانات المنصوص عليها في المادة 81 م.ت يحق للمشتري أن يطلب إبطال العقد في حالة تضرره من جراء ذلك م.82 م.ت.
والفائدة الوحيدة من نص المشرع على إلتزام بالإعلام بهذا الشكل هي تسهيل الإثبات على المشتري، إذ يكفيه أن يبين مطابقة البيان المكتوب لذلك يقضي القانون بالإدلاء به، وعلى العموم فإن المشرع أخذ بعين الإعتبار إحترافية البائع وأبقى عليه الإلتزام بالتبصير إلى حيث تحويل تجارته، أي إلى آخر تصرف من حياته المهنية. فالمحترف أكثر دراية بالتصرفات التي تقتضي مهنته، وأن الطرف الآخر يتعاقد معه بكل ثقة.
المادة 395 م.ت حينما نظم المشرع عقد الوكالة التجارية أضفى طابعا أخلاقيا على العلاقات بين الوكيل والموكل، إذ نص بمقتضى الفصل المذكور على ضرورة إلتزام الطرفين بمراعاة قواعد الصدق والإعلام في إبرام وتنفيذ عقد الوكالة التجارية، بل عقد الوكالة التجارية يبرم لأجل تحقيق المصلحة المشتركة للطرفين.
وعلى هذا الأساس، فالوكالة التجارية تنطوي على نوع من التعاون يدفع كل طرف إلى التصرف لمصلحة الطرف الآخر، ويفرض عليهما البحث سويا عن الزبناء حتى يصلا بعقدهما إلى النتيجة المتوخاة، ويتعين على الوكيل في هذه الحالة أن يلتزم بتنفيذ الوكالة كرجل حرفة كفء، وأن يحيط الموكل بكل المعلومات الضرورية لتنفيذ العقد، أما الموكل فيجب عليه تمكين الوكيل التجاري من سبل إنجاز مهمته، وتزويده بكل الوسائل الضرورية لممارسة نشاطه المتمثل بالخصوص في العمليات المتفق عليها.
المادة 409 م.ت: أو جب هذا الفصل على السمسار إعلام كل متعاقد بإسم الآخر، وذلك لكي يعرف كل منهما إلى من تنصرف آثار العقد المزمع إبرامه ومع من يتعاقد، وإذا خالف هذا الإلتزام فإنه يكون مسؤولا عن عدم تنفيذ العقد، وفي حالة تنفيذ العقد فإنه يحل محل موكله فيما له من حقوق على الطرف الآخر، وبمعنى آخر، إذا كتم إسم أحد المتعاقدين عن الآخر فإنه يصبح وكيلا مسؤولا عن تنفيذ العقد.
2-
الإلتزام بالتبصير في قانون الشركات.
للوقوف على حق المساهمين والشركاء في الإعلام يمكن الرجوع إلى النصين الأساسيين الآتيين: قانون 30 غشت 1996 المنظم لشركات المساهمة وقانون 13 فبراير 1997 المتعلق بشركة التضامن والتوصية بالأسهم والتوصية البسيطة والشركات ذات المسؤولية المحدودة.
فوعيا من المشرع بضرورة المحافظة على رابطة شبه مستمرة بين الشركات و والمستثمرين فإنه مكن هذه الفئة من حق الإطلاع على الوثائق المهمة في حياة الشركة. ويمكن تقسيم المعلومات التي لهم الحق في معرفتها إلى نوعين: نجد في المقام الأول أن الشركات يجب أن تزود المساهمين، بإعتبارهم شركاء في الملك، بكل المعلومات التي تمكنهم من الإدلاء برأيهم بشأن القرارات المعروضة عليهم، ومن ناحية ثانية، يتعين على الشركات أن تدلي إلى المساهمين والشركاء، بإعتبارهم قدموا أموال إلى الشركة، معلومات واضحة بشكل دوري لتمكينهم من متابعة مدى نشاط الشركة.
ويحصل الشركاء إو إرسالهم إليهم حينما تتم دعوتهم إلى حضور أشغال الجمعية العامة، ويكون لهم الحق أحيانا في الحصول على نسخة من الوثائق المعنية .

3-
الإلتزام بالتبصير في مجال التأمين البري.
يعتبر الخطر ركن في عقد التأمين لأنه الأساس الذي يعتمده المؤمن في تحديد قسط التأمين وقد عرفه الفقه بأنه حادث مشروع ومحتمل الوقوع لا يتوقف وقوعه على محض إرادة أحد العاقدين خصوصا المؤمن له ، وأهمية الخطر تلزم المؤمن تقديره تقديرا سليما، وللوصول إلى تكوين فكرة دقيقة عنه، ويعد التحديد الدقيق للخطر بهذا المعنى في مصلحة شركة التأمين بشكل سليم ومناسب للخطر، ويتضح مما سبق أن عقد التأمين يتطلب من المؤمن له أن يقدم يد المساعدة إلى المؤمن، وأن يتعاون معه في إبرام العقد وحتى تنفيذ كذلك، ويستطيع المؤمن من خلال هذا التعاون تكوين فكرة صحيحة عن الخطر وما يمكن أن يؤدي إلى التأخير في وقوعه، أو الزيادة في جسامته.
ويقع على عاتق المؤمن له مجموعة من الإلتزامات منها ما هو سابق على تحقق الخطر "تقديم التصريحات الضرورية وأداء أقساط التأمين" ومنها ما هو لاحق له "أداء مقابل التأمين وإخطار المؤمن بوقوع الخطر.
ولم يقتصر المشرع في التأمين البري على إلزام المؤمن له بالإدلاء بالبيانات السابقة على إبرام العقد بل ألزمه كذلك بتزويد المؤمن ببعض المعلومات أثناء سريان العقد أي من أجل تسهيل تنفيذه، كالإلتزام بالإعلام عن وقوع الحادث المؤمن منه عندما يعلم به، أو إلتزامه بإعلامه بكل ما يستحدث من ظروف وأحوال من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأخطاء أثناء سريان العقد.

المبحث الثاني: صور الإلتزام بالتبصير.
يعتبر الإلتزام بإعلام المتعاقد من الإلتزمات التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة وكأنها جزء لا يتجزأ من الواجبات الملقاة على عاتق أحد أطراف العقد، أو هما معا وبإعتبار المراحل التي يمر منها العقد، فإنه يثار الإشكال حول الفترة التي يتعين إعلام المتعاقد الآخر فيها، هل مرحلة ما قبل التعاقد وأثناءه فيكون من تم إلتزام قبل تعاقدي أم في مرحلة تنفيذ العقد فيكون إلتزام تعاقدي، لذلك إنقسم الفقه إلى عدة آراء فمنهم من إهتم بصنف واحد من الإلتزام بالإعلام، هو الإلتزام التعاقدي، على إعتبار أن هذه الإلتزامات ناشئة عن العقد ومرتبطة به، حتى ولو أن الوفاء بها في بعض الأحيان يتم في المرحلة السابقة على إبرام العقد أو أثناء إبرامه.
وعلى العكس من هذا الإتجاه إقتصر جانب آخر من الشراح على دراسة الإلتزام بالإعلام قبل التعاقدي لأنه في نظرهم هو وحده الذي يمثل فائدة بالنسبة للمتعاقد، ومن تم قالوا بالطبيعة قبل العقدية للإلتزام بالإعلام، فهو مستقل عن العقد ويتعين الوفاء به في المرحلة السابقة على إبرامه.
ونظرا للإنتقادات التي قوبل الإتجاهان، ظهر إتجاه ثالث يميز بين ما يسمى الإلتزام بالإعلام قبل التعاقدي والإلتزام بالإعلام التعاقدي، ولكون هذا التصنيف هو الشائع في الفقه فإننا سنعتمده، وبذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين الإلتزام بالإعلام قبل التعاقد في مطلب أول، على أن نخصص المطلب الثاني للإلتزام التعاقدي بالإعلام.
المطلب الأول: الإلتزام بالإعلام قبل التعاقد.
إستنتج الفقه المقارن أن مبدأ حسن النية غير كاف بمفرده لضمان سلامة العقود بحكم عدم وضوح هذا المبدأ ونسبيته وعدم فعالية نظرية عيوب الرضا في جل المعاملات المدنية لذا حاول إقامة نظرية عامة للإلتزام بالإعلام قبل التعاقدي كإلتزام قائم الذات مستقل بنفسه إلى جانب نظرية عيوب الرضى التي تتطلب شروط من غير اليسير تحققها للقول بإبطال الإلتزامات فالإلتزام بالإعلام الذي يقع على عاتق أحد المتعاقدين في المرحلة السابقة على إبرام العقد يكمن دوره بالأساس في جعل رضا الطرف الآخر حرا ومستنيرا وخاليا من الغلط، إنه يساعد على التعبير عن الرضاء السليم فهذا الأخير يكون مستنيرا بما فيه الكفاية عندما يتوفر المتعاقد على عناصر تفاوضية تمكنه من الإقدام على التعاقد، لهذا الإلتزام إذن تأثير على إبرام العقد، وبعبارة أدق على ملاءمة العقد كحاجيات الأطراف.
وإذا تم الإخلال به فإن العقد المبرم لن يكون مطابقا للعقد المتوقع ولرغبات الدائن بالإلتزام بالإعلام.
كما تهدف المعلومات محل الإلتزام قبل التعاقدي بالإعلام إلى تمكين الدائن من معرفة مضمون الأداء القانوني الخاص بالطرف الآخر، والإحاطة بجوانبه القانونية والمادية كما تمكنه من تقدير مضمون الأداء الخاص به وكذا الإلتزامات التي يتحملها، ومثال ذلك إلتزامات المؤمن له بإعلام المؤمن حيث يجب عليه أن يقدم له تلقائيا عددا من المعلومات متعلقة بشخصه أو بالشيء المؤمن عليه، وكذلك الحال في عقد الشركة، يتعين على الشريك الأول إعلام الشريك الجديد بمديونية الشركة وما إذا كانت توجد في حالة تصفية قضائية وكيف تسير في الواقع .
وأيضا عقد البيع والكراء حيث يتعين على البائع التصريح بعيوب الشيء والإرتفاقات التي تثقله، وعلى المكري بيان عيوب الشيء المكري، والنقص الذي ينطوي عليه العقار.
ومن تم يتبين أن العقود التي يبدو فيها الإلتزام بالتبصير في مرحلة ما قبل التعاقد هي العقود الفورية التي تستهدف أو تؤدي إلى نقل الملكية، حيث قد تقتضي أحيانا من المتعاقد أن يبصر المتعاقد الآخر ببعض المعلومات التي يقصر عنها علمه أو خبرته أو تفكيره لسبب أو لآخر ، لذلك عمل كل من التشريع المغربي والفرنسي وكذا المصري على إعمال الإلتزام بالتبصير عن محل العقد والبيانات المتعلقة به كإلتزام سابق على إبرام العقد وذلك في بعض أنواع العقود كقعد التأمين مثلا، غير أن الفقه لم يصل بعد إلى وضع نظرية عامة لهذا الإلتزام بدعوى أن نظرية عيوب الرضا كافية لحماية الطرف المتعاقد بالإستناد على الموقف السلبي للمتعاقد بصفة عامة والمهني على الخصوص والمتمثل في الكتمان، أي إخفاء بيانات مؤثرة في إبرام العقد من عدمه ولاسيما إذا إقترن هذا الكتمان بنية التضليل، ويضيف هذا الفقه أن المحاكم نفسها لم تستطع لحد الآن إفراز إجتهادات قضائية مستقرة تعزز مبدأ الإلتزام بالتبصير وأن موقفها لا يعدو أن يكون إشارات بوجود مثل هذا الإلتزام إلا أنه في الآونة الأخيرة ذهب القضاء المقاران بعيدا بتشبته بمبدأ الإلتزام بالتبصير عندما ألزم المتعاقد بإعطاء المعلومات حتى لو كانت بسيطة .
لذلك وعلى غرار التشريعات المقارنة عمل المشرع المغربي على تضمين بعض قوانينه هذا المبدأ ولو أن هذا التضمين كان في نصوص متفرقة بعضها ورد في قانون المنافسة وحرية الأسعار بينما ورد البعض الآخر في مشروع قانون حماية المستهلك وذلك بالإضافة لبعض الإشارات الأخرى المذكورة في ق.ل.ع مالفصل 231 منه، والقانون المتعلق بزجر الغش في البضائع.
المطلب الثاني: الإلتزام التعاقدي بالإعلام.
الإلتزام بالتبصير واجب يقع على عاتق المهني تجاه الخبرة حتى لو كان هذا الأخير مهنيا بدوره في مجالات أخرى، إلا أن عدم كفاءته في مجال تعاقده وضعف معلوماته في هذا الميدان قد فوتت عليه فرصة الإختيار الواعي لجوهر محل التعاقد أو نوعه لذلك يجب أن يسود مبدأ التعاون بين المتعاقدين، من أجل تسهيل تنفيذ الإلتزام الرئيسي، وينصب هذا التعاون على معلومات تكون ضرورية لإستعمال الشيء والإحتياطات التي يجب إتخاذها من أجل تحقيق السلامة للمستعمل لأنه لا ينصب على إعلام المتعاقد حول المييزات الداخلية للشيء وإنما على مميزات إستعماله، فالمهندس المعماري مثلا ملزم بالتبصير في شأن المواد التي يستخدمها المقاول في تشييد البناء وهذا الأخير ملزم بإعلام رب العمل بالصعوبات التي إعترت التخطيط العام للمشروع وذلك في إطار التعاون الذي يتسم بنوع من الرقابة المتبادلة حول عملية البناء .
كما تهدف المعلومات الواجب الإدلاء بها إلى تمكين المدين من حسن تنفيذ إلتزامه فالدائن يتعين عليه أن يقدم للمدين كافة المعلومات والتوضيحات المتعلقة بخصوصيات الشيء أو المادة التي يرغب فيها، فرب العمل في المقاولة، يجب عليه إعلام المقاول، الذي يقوم بالتنفيذ، عن طبيعة الأرض التي يباشر عليها العمل، كما أن الزبون في عقد إصلاح السيارة، ليس بإمكانه بصفة عامة، أن يبين لصاحب المرآب مصدر الخلل أو سوء سير العربة، بل يعود لهذا الأخير-بإعتباره محترفا- أمر إكتشاف ذلك بنفسه، ومن خلال تجربته ومعارفه التقنية، ومع ذلك فهناك حد أدنى من المعلومات يتعين على الجاهل (صاحب المرآب) الإدلاء بها، فلا يمكنه مثلا مؤاخذة صاحب المرآب على عدم إصلاح السيارة إذا لم يقدم له أي بيان حول موضع التعطل مكتفيا بالقول لصاحب المرآب إن سيارته معطلة.
وهناك معلومات أخرى تتعلق بالتعديل الخاص بتنفيذ العقد، وقد نص المشرع المغربي على هذا الإلتزام بالنسبة للمؤمن له حيث ألزمه بالأداء للمؤمن بكل الوقائع التي تحدث أثناء العقد والتي من شأنها تشديد الخطر المضمون ، كما يتعين على السائق إعلام المشغل بالتلف المادي الذي لحق السيارة التي يسوقها، والوكيل بإعلام الموكل بالتغيير الحاصل في تنفيذ الوكالة .
لذلك ونظرا لأهمية إعلام المتعاقدين، خصوصا في ظل التطور الإقتصادي والتكنولوجي عمل المشرع المغربي على التدخل في جل المعاملات التعاقدية، سواء من أجل حماية الطرف الضعيف في العقد أو الحفاظ على التوازن العقدي.

الفصل الثاني: وسائل تنفيذ الإلتزام بالتبصير والجزاءات المترتبة عن الإخلال به.
المبحث الأول: وسائل تنفيذ الإلتزام بالإعلام.
يعتبر تنفيذ الإلتزام بالتبصير تاما عندما يقوم المدين بتقديم البيانات والمعلومات الكافية إلى الدائن بالإلتزام بالتبصير، وعلى الرغم مما يبدو على هذا الموضوع من سهولة فإن التنفيذ يتم بواسطة عدة طرق، وهو ما يدعو إلى إختيار الطريقة الأكثر ملائمة للوفاء بالإلتزام بالتبصير (المادة 1)، كما أن هناك عدة عوامل تساعد على إختيار الوسيلة الفعالة لتبصير الدائن (المادة 2).
المطلب الأول: تعدد وسائل تنفيذ الإلتزام بالتبصير.
هناك عدة سبل ممكنة لتنفيذ الإلتزام بالتبصير وتقديم البيانات إلى الدائن، فالمدين يمكنه التحرر من الإلتزام بالتبصير الواقع على عاتقه بتقديم المعلومات إما كتابة أو شفويا أو بواسطة الملصقات أو الألواح أو حتى بواسطة وسائل الإعلام والإتصال.
أولا: معلومات مقدمة شفويا وأخرى كتابة.
لقد إعتاد المستهلكين لعقود طويلة على تلقي المعلومات من المنتخبين والتجار شفويا أو كتابة.
1-
معلومات مقدمة شفويا:
تعد هذه الوسيلة الأكثر بساطة والأكثر سرعة والأكثر شيوعا من غيرها في تنفيذ الإلتزام بالتبصير لأنها لا تتطلب أي سند مادي، ولأنها تمكن الدائن من العلم الفوري ببعض المعلومات التي يجب التعجيل بها لأسباب مختلفة، فأثناء التفاوض، أو من خلال الحوار الذي يجري بين المدين والدائن، يتمكن هذا الأخير من الحصول على المعلومات التي تهمه من المدين مباشرة، ويتمكن من الوقوف معه خطوة بخطوة ومرحلة بمرحلة على الأمور التي يكون في حاجة إلى معرفتها، ويطلب منه تبصيره بكل ما من شأنه إجلاء الغموض عليه، من معلومات وأمور يكون في حاجة إلى معرفتها.
ويعتبر التقديم الشفوي للمعلومات واسع النطاق ويشمل العديد من العقود، وتسود هذه الوسيلة بالخصوص في العقود التي يبرمها المرء يوميا، كما يمكن أن تسود عقود أخرى مهمة كعقد التطبيب مثلا، حيث ما يفضي الطبيب بالمعلومات إلى المريض خلال المناقشات التي تتم بينهما في عيادته، ولاشك أنه سيكون أقل لباقة إذا قدم للمريض وثيقة مكتوبة تحدد مختلف المخاطر التي يمكن أن تترتب على عملية جراحية معينة، كما أن مشتري الحيوان من السوق يعتمد على ما يقدمه إليه البائع من معلومات تتعلق بصفات أو نواقص الحيوان .
وعلى الرغم من سهولة وبساطة هذه الطريقة، فإنها يجب أن تخضع لبعض الشروط و المواصفات، فلا يمكن أن يقوم المدين بالإدلاء بأي بيان يفيد الدائن، بل لابد أن يكون هذا البيان مسموعا ومفهوما بوضوح، فإذا لم يسمع الدائن المعلومات المقدمة إليه فإن الإلتزام بالتبصير يعد كأنه غير منفذ، كما أن المعلومات التي لا تكون واضحة بما فيه الكفاية ومفهومة من طرف الدائن لا يعتد بها، فالمدين يتعين عليه إختيار العبارات المفهومة وتفادي إستعمال العبارات الغامضة أو المشوبة باللبس، والمصطلحات الفنية المعقدة .
ومن إيجابيات التقديم الشفوي للمعلومات أن الدائن يتمكن بسهولة من طلب المعلومات والتفسيرات التي يحتاج إليها حول أمر معين، وقد يطلب بعض المعلومات لتوضيح البيانات المكتوبة عندما يصعب فهمها لأسباب مختلفة، وخاصة إذا كان أميا يجهل القراءة والكتابة.
وتبدو أهمية المعلومات الشفوية فيما يقدمه الصيدلي للمشتري من تفسيرات بشأن ما تنطوي عليه الوصفة الطبية من تعليمات، وما يقدمه إليه من معلومات ونصائح تتعلق بكيفية إستعمال الأدوية تحقيقا لفعاليتها وتفاديا لما يمكن أن يترتب عليها من مخاطر.
كما أن الحوار الذي يدور بين الطرفين يمكن المدين من تقديم النصائح اللازمة للدائن وقت إبرام العقد خاصة في العقود التي ترد على أشياء أو خدمات معقدة، أو أشياء ذات تقنية عالية أو جديدة في إستعمالها، فالبائع، في هذه العقود، لا يقتصر على الإدلاء للمشتري بما قدمه له المنتج من بيانات عن الشيء المبيع، بل يضيف إليها كل ما يمكن أن يكون ضروريا من البيانات والنصائح، وكل ما يراه مفيدا للمشتري، ويستطيع الإستعانة في تقديم هذه البيانات الإضافية بما يقدمه له المشتري من معلومات عن حاجاته التي يريد إشباعها والغاية التي يسعى إليها، فيختار له البائع الجهاز الملائم لتحقيق هذه الحاجات، ويفسر له مزاياه بالمقارنة مع المخاطر التي يمكن أن تنجم على إقتناء جهاز آخر.
وإضافة إلى البيانات الشفوية المفسرة أو الموضحة لما هو مكتوب، يمكن للمدين أن يستعمل إشارات أو أجهزة معينة تبين كيفية الإستخدام الصحيح للشيء و خاصة إذا كان الشيء معقد الإستعمال أو معروضا للتداول لأول مرة في السوق. كما أن البيانات الشفوية تفيد أحيانا في تصحيح الأخطاء الواردة في البيانات المقدمة كتابة، فقد يقتضي الأمر الإسراع بتصحيح مثل هذه الأخطاء نظرا لما يمكن أن يترتب عليها من أضرار، وقد تكون البيانات الشفوية هي الوسيلة الممكنة لتفادي مثل هذه الأخطاء، ومن مزايا الوسيلة الشفوية بالنسبة للمدين أنها تسهل عليه تنفيذ إلتزامه بإعلام الدائن لأنها أقل تكلفة إذ لا يقوم بطبع نشرات أو كتيبات، كما أنه لا يتحمل تكاليف الدعاية والإعلان.
ولكن على الرغم من المزايا التي تتحقق من خلال المعلومات الشفوية، فإن هذه الوسيلة غير كافية، ولا تعد فعالة في كل الأحوال وذلك للأسباب الآتية :
-
لا تخلو هذه الطريقة من مساوئ بالنسبة للمدين بالإلتزام بالإعلام، وبالطبع، يصعب عليه إثبات وفائه بالإلتزام بالتبصير وإدلائه بكافة البيانات التي يحتاج إليها الدائن، فكيف يستطيع إثبات أنه وفى ما عليه إذا لم يدل بالبيانات أمام شهود أو بواسطة إقرار من الدائن يفيد أنه تلقى البيانات اللازمة، تفاديا لهذا المشكل، من الأفضل بالنسبة للمدين إتخاذ الإحتياطات اللازمة وإعلام زبونه كتابة، أو مطالبته بتقديم إعتراف مكتوب بحصول الإعلام وتلقي المعلومات شفاهة.
-
إن تطور الأشكال الجديدة المستخدمة في التعاقد وإبرام المعاملات بصفة عامة، جعل الإعتماد على الطريقة الشفاهية في الإدلاء بالمعلومات أمرا مستحيلا، وذلك لأنه فوض من حظوظ الإلتقاء المباشر للمتعاقدين في مكان واحد، وقلص بالتالي من إمكانية التنفيذ الشفوي للإلتزام بالإعلام، وكثيرة هي العقود التي تتم عن طريق المراسلة ولا مجال فيها للإدلاء بالمعلومات شفاهة بإستثناء التعاقد عن طريق الهاتف، ولكن هذه الطريقة الأخيرة في التعاقد لا تلعب إلا دورا ثانويا في نظم التعاقد المعاصرة.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أنه حتى في الحالات التي يتيسر فيها الإلتقاء بين المتعاقدين، فإن السرعة التي يتم بها إبرام المعاملات لا تترك وقتا كافيا للمتعاقدين من أجل التفاوض على كل صغيرة وكبيرة، كما أن المنتج، وهو أعلم الناس بخصائص ومكونات السلع، لم يعد هو البائع المباشر للمشتري الأخير، بل يوجد وسطاء وموزعين هم الذين يتعاقدون مباشرة مع المستهلك، لذلك يفضل المنتج الإدلاء كتابة بالمعلومات المتعلقة بالأشياء التي ينتجها.
-
عندما يقتني المشتري معينا- خطرا في ذاته أو في إستعماله- فإن إستعماله قد لا يقتصر عليه وحده وإنما يستعمله أفراد أسرته كذلك، وقد ينسى بعض المعلومات التي تم الإدلاء بها إليه شفويا، وقد لا يكون حاضرا وقت إستعماله، وهو ما يهدد بإمكانية حدوث أضرار أو مخاطر نتيجة عدم التقيد بالبيانات اللازمة، لذلك يستحسن تقديم البيانات المتعلقة بمخاطر الأشياء المبيعة كتابة فالكتابة تجعل التحذير مستمرا، وتحقق الهدف من الإلتزام بالإعلام بشكل فعال، وتمكن كل مشترك أو مستعمل من الإنتباه إليه.
إذا كان الإعلام الشفوي غير فعال أو مستحيلا في بعض الأحيان، فإنه يمكن أن يكون كافيا للوفاء بالإلتزام بالإعلام في أحيان أخرى، كما يمكن أن يعرف عدة درجات: فقد يتخذ شكل كلمة أو يرقى إلى عبارة مفسرة، وقد يكون كذلك عبارة عن ملاحظات لا قيمة لها، وقد يرى إلى التحذير المفصل.
2-
معلومات مقدمة كتابة:
تعد الكتابة وسيلة شائعة من وسائل الإدلاء بالمعلومات إلى المتعاقد الآخر، وهي الأهم والأكثر فعالية من حيث تنويره، ويتضح ذلك من خلال المزايا التي تتميز بها المقارنة مع مزايا المعلومات الشفوية، وتتمثل هذه المزايا بالخصوص فيما يلي :
-
تتميز المعلومات المكتوبة بصفة الدوام والثبات، وهو ما يسهل على الدائن إستغلالها و الإستفادة منها، فما دامت موجودة بين يديه بصفة مستمرة فهو يتوفر على الوقت الكافي ليطلع عليها، كما يمكنه اللجوء إليها في مرات عديدة وكلما إحتاج إليها، فهو تقدم إليه إعلاما، متكررا من دون حاجة إلى الإستعانة بالمدين من جديد، أما المعلومات الشفوية فلا يحصل عليها عموما إلا مرة واحدة.
-
تتميز المعلومات المكتوبة بالدقة في كتابتها، حيث أن المدين يعدها مسبقا، كما يحاول صياغتها بعناية ويضمنها كل البيانات التي يمكن أن يحتاجها الدائن، وهي بهذه الصورة تحقق منفعة للدائن حيث يمكنه الوقوف على البيانات إلى أن تتضح أمامه كل الوقائع التي تفيده في الإقدام أو عدم الإقدام على التعاقد، وتوضح له كيفية الإنتفاع الأمثل بالشيء محل العقد.
-
كذلك يستفيد المدين بدوره من هذه الطريقة في الإدلاء بالبيانات حيث يكتفي بكتابة هذه البيانات مرة واحدة ويرفقها بالشيء المبيع من دون إلزامه بإعلام وتبصير كل مشتري على حدة.
-
عندما يعمد المدين إلى كتابة البيانات يدلي بها إلى الدائن، فإنه يقيم وسيلة قوية من وسائل الإثبات تسهل عليه إثبات وفائه بالإلتزام بالإعلام، ويستفيد من هذا الدليل الكتابي خاصة عندما يضمنه كافة المعلومات التي يتعين عليه الإدلاء بها، كما يستطيع الدائن الإستثناء إلى نفس الدليل لإثبات عدم تنفيذ المدين لإلتزامه كوجود خطأ أو نقص أو لبس في البيانات.
-
ط

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 293 مشاهدة
نشرت فى 10 ديسمبر 2015 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,120,834

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »