لما كان محضر جلسة المحاكمة قد خلا مما يدل على أن الطاعن أو المدافع عنه قد دفع أي منهما بأن الإقرار المنسوب إلى المتهم الثالث قد صدر منه نتيجة إكراه أو تهديد فإنه لا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه ذلك من تحقيق موضوعي تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 1039
جلسة 8 من أكتوبر سنة 1998
برئاسة السيد المستشار/ صلاح البرجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نير عثمان ورجب فراج نائبي رئيس المحكمة. وأحمد عبد القوي ومحمد عبد الله حمودة.
(140)
الطعن رقم 20999 لسنة 66 القضائية
(1) نقض "سقوط الطعن".
عدم تقديم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية للتنفيذ قبل يوم الجلسة المحددة لنظر طعنه. أثره. سقوط الطعن. أساس ذلك؟
(2) حكم "بيانات الديباجة". محكمة أمن الدولة.
خطأ الحكم في إثبات أن الحكم صدور من محكمة جنايات القاهرة على خلاف الثابت برول الجلسة وأنها أحيلت إلى محكمة أمن الدولة. خطأ مادي. وزلة قلم لا تخفى. لا يعيبه. أساس ذلك؟
(3) حكم "بيانات التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً معيناً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(4) اختلاس أموال أميرية. موظفون عموميون. جريمة "أركانها".
جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات. مناط تحققها؟
(5) استيلاء على أموال أميرية. جريمة "أركانها" موظفون عموميون".
جريمة الاستيلاء المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 113 عقوبات. متى تتحقق أركانها؟
(6) اختلاس. أموال أميرية. على حوالة أميرية. محكمة الموضوع: سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام".
إثبات جريمة الاختلاس أو الاستيلاء على المال العام المنصوص عليهما في الباب الرابع عقوبات. لا يلزم فيه طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة. للمحكمة الاقتناع بوقوع الفعل المكون للحرية من أي دليل أو قرينة تقدم إليها مهما كانت قيمة المال موضوع الجريمة.
(7) اختلاس أموال أميرية استيلاء على أموال أميرية. قصد جنائي جريمة. أركانها".
تحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمتي الاختلاس والاستيلاء بغير حق على مال للدولة غير لزم. كفاية أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل عليه.
(8) تزوير "أوراق رسمية". جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
القصد الجنائي في جريمة التزوير. مناط تحققه؟ استخلاصه. موضوعي. تحدث الحكم استقلالاً عن توافره. غير لازم.
(9) تزوير "أوراق رسمية". فاعل أصلي. اشتراك. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الاشتراك بالاتفاق يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه. النية. من مخبآت الصدور ودفائن النفس التي لا تقع تحت الحس. وليس لها أمارات ظاهرة. للقاضي الجنائي الاستدلال على الاتفاق بطريق الاستنتاج والقرائن إذا لم يقم دليل مباشر عليه. ما دام سائغاً.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(10) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "المصلحة في الطعن".
نعي الطاعن على الحكم عدم إيراده مفردات المبلغ المستولى عليه مجزأ. غير مجد. ما دام لم ينازع في المبلغ الذي دين بالاستيلاء عليه والوارد بأمر الإحالة.
(11) إثبات "بوجه عام". استدلالات". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
للمحكمة التعويل على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
(12) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال الشهود. مفاده؟
(13) إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي ما دام سائغاً.
الجدل الموضوعي في تقرير أدلة الدعوى غير جائز أمام النقض.
(14) دفوع "الدفع بتلفيق التهمة". "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بتلفيق التهمة أو بعدم ارتكاب الجريمة. موضوعي. لا يستوجب رداً صريحاً. استفادة الرد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(15) إثبات "اعتراف". دفوع "الدفع ببطلان الإقرار". إكراه. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بصدور الإقرار من المتهم نتيجة إكراه وتهديد. إثارته لأول مرة أمام النقض. غير جائز. علة ذلك؟
(16) استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم توقيع المحكوم عليه غيابياً على محضر جمع الاستدلالات. لا يهدر قيمته كله. تقدير ما يعتريه من نقص أو عيب. موضوعي. علة ذلك؟
التفات المحكمة عن دفاع قانوني ظاهر البطلان. لا عيب.
(17) إثبات "بوجه عام". شهود. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة الأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة والأعراض عن قالة شهود النفي. ما دامت لا تثق بما شهدوا به.
الجدل في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى. غير جائز أمام النقض.
(18) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تمسك الطاعن بوجود متهمين آخرين في الدعوى عدم جدواه. طالما أنه لا يحول دون مساءلته عن الجرائم التي دين بها.
(19) إجراءات "إجراءات التحقيق". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع. الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
مثال.
(20) إثبات. خبرة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء. موضوعي.
(21) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
النعي على المحكمة إغفال الرد على دفاع الطاعن بطلب ندب خبير آخر أو لجنة أخرى. غير مقبول. ما دامت اطمأنت إلى الدليل المستمد من تقريري لجنة النيابة العامة وقسم أبحاث التزييف والتزوير.
(22) تزوير. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
فض المحكمة إحراز المستندات المزورة في حضور الطاعن والمدافع عنه. نعيه بعدم الاطلاع عليها. لا جدوى منه.
(23) إثبات "خبرة" "أسباب الإباحة. موانع العقاب" "الجنون والعاهة العقلية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم التزام المحكمة بندب خبير فني في الدعوى لتحديد مدى تأثير ما يدعيه الطاعن من مرض على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لديها الدعوى. أساس ذلك؟
1 - لما كانت المادة 41 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قد نصت على سقوط الطعن المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا لم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة. ولما كانت العقوبة المحكوم بها على الطاعن....... من العقوبات المقيدة للحرية، ولم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة طبقاً للثابت من الأوراق فإنه يتعين الحكم بسقوط طعنه.
2 - لما كان البين من رول جلستي....، .... الموقع عليه من رئيس الهيئة أنه مستهل باسم محكمة أمن الدولة العليا، وهي المختصة بنظر الدعوى وأصدرت الحكم المطعون فيه. فإن تصدير محاضر الجلسات والحكم باسم محكمة جنايات القاهرة لا يعدو أن يكون مجرد خطأ مادي في الكتابة وزلة قلم لا تخفى، ولم يكن نتيجة خطأ من المحكمة في فهمها واقع الدعوى. ولما كانت العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع الذي يبين يقيناً من رول جلسة الحكم الموقع عليه من رئيس الهيئة التي أصدرته. فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صدر في الواقع من محكمة أمن الدولة العليا المختصة بنظر الدعوى المطروحة وفق القانون رقم 105 لسنة 1980 وليست باعتبارها محكمة جنايات. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون في غير محله.
3 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وإذ كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كان ذلك محققاً لحكم القانون.
4 - من المقرر أن جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات تتحقق إذا كانت الأموال أو الأشياء المختلسة قد وجدت في حيازة الموظف العام أو من في حكمه بسبب وظيفته، يستوي في ذلك أن تكون هذه الأموال أو الأشياء قد سلمت مادياً، أو وجدت بين يديه بمقتضى وظيفته.
5 - من المقرر أن جريمة الاستيلاء المنصوص عليها في المادة 113 من قانون العقوبات، تتحقق أركانها متى استولى الموظف العام أو من في حكمه بغير حق على مال للدولة أو لإحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 من ذات القانون، ولو لم يكن هذا المال في حيازته، أو لم يكن من العاملين بالجهة التي تم له الاستيلاء على مالها، وذلك بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة بنية تملكه وإضاعته على ربه.
6 - من المقرر أنه لا يشترط لإثبات جريمة الاختلاس أو الاستيلاء على المال العام المنصوص عليهما في الباب الرابع من قانون العقوبات طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة، بل يكفي كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة - بوقوع الفعل المكون لهما من أي دليل أو قرينة تقدم إليها مهما كانت قيمة المال موضوع الجريمة.
7 - لما كان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت استلام الطاعن للأوراق التي أشار إليها الحكم في مدوناته، وعلى توافر جريمتي اختلاس تلك الأوراق والاستيلاء بغير حق على المال العام في حق الطاعن، بأركانهما المادية والمعنوية، وإذ لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً على توافر القصد الجنائي في هاتين الجريمتين، بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف دالاً على قيامه - كما هو في الدعوى الراهنة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.
8 - لما كان القصد الجنائي في جريمة التزوير يتحقق من تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه واستخلاص هذا القصد من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وهو ما وفره الحكم المطعون فيه.
9 - لما كان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس أمارات ظاهرة، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستنتاج سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره. ومن المقرر أن الاشتراك في التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم، وكان الحكم المطعون فيه في سرده لوقائع الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت فيها قد أورد من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن الأول مع المتهمين الآخرين على ارتكاب جرائم التزوير والاختلاس والاستيلاء على مال عام بغير حق، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. ويضحى النعي على الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن غير قويم.
10 - لما كان الثابت من الحكم أن المبلغ الذي دين المتهم الأول بالاستيلاء عليه هو بذاته المبلغ الذي ورد بأمر الإحالة بغير إضافة مبالغ أخرى تخرج مع مجموعه، وكان الطاعن لا ينازع في مقدار هذا المبلغ فإنه لا جدوى مما يثيره من أن الحكم يورد مفرداته مجزأة.
11 - من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدله ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث.
12 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وأنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
13 - لما كان من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً يستند إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما في الدعوى الراهنة - فإن ما يثيره الطاعن في شأن تحريات الشرطة وأقوال ضابطي الواقعة وشهود الإثبات يكون محض جدل حول سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
14 - لما كان ما أثاره الطاعن لدى محكمة الموضوع من تشكيك في أقوال الشهود وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة، ودفاعه بعدم ارتكاب ما نسب إليه لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من المحكمة بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل.
15 - لما كان محضر جلسة المحاكمة قد خلا مما يدل على أن الطاعن أو المدافع عنه قد دفع أي منهما بأن الإقرار المنسوب إلى المتهم الثالث قد صدر منه نتيجة إكراه أو تهديد فإنه لا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه ذلك من تحقيق موضوعي تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة.
16 - لما كان عدم توقيع المحكوم عليه غيابياً على محضر الضبط ليس من شأنه إهدار قيمته كله كعنصر من عناصر الإثبات وإنما يخضع كل ما يعتريه من نقص أو عيب لتقدير محكمة الموضوع ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان، ولا على المحكمة أن التفتت عنه ولم ترد عنه.
17 - لما كان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة، وأن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز الخوض بشأنها لدى محكمة النقض.
18 - لما كان لا يجدي الطاعن ما يثيره من وجود متهمين آخرين قاموا بصرف بعض المبالغ أو تزوير بعض الأوراق المضبوطة في الدعوى عجزت الاستدلالات عن الوصول إليهم، طالما أن اتهام هؤلاء الأشخاص لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجرائم التي دين بها، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد.
19 - لما كان البين من محاضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الأول لم يثر ما يدعيه من وجود نقص في تحقيقات النيابة العامة وإجراءات المضاهاة بسبب عدم القبض على هؤلاء الأشخاص واستكتابهم وعرضهم على أمينة الخزينة، ولم يطلب من محكمة الموضوع تدارك هذا القبض، فإنه لا يحق له من بعد أن يثير شيئاً ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
20 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل.
21 - لما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى الدليل المستمد من تقريري لجنة النيابة العامة وقسم أبحاث التزييف والتزوير وعولت عليهما في إدانة الطاعن، بما يفصح عن أنها لم تكن بحاجة إلى ندب خبير آخر أو لجنة أخرى. فإنه لا تثريب عليها إن هي أغلقت دفاع الطاعن في هذا الشأن ويضحى ما أثاره الطاعن في هذا الصدد غير قويم.
22 - لما كان الثابت من محضر الجلسة....... ومدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قامت بفض الإحراز المحتوية على المستندات المزورة في حضور الطاعن الأول والمدافع عنه من ثم فقد كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم وكان في مكنة الطاعن الاطلاع عليها إذا ما طلب من المحكمة ذلك فإن ما يثيره الطاعن بدعوى عدم إطلاعه على المستندات المزورة لا يكون له وجه.
23 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير ما يدعيه الطاعن من مرض على مسئوليته الجنائية بعد أو وضحت لها الدعوى لأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي لا تلتزم الالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها. فإن ما ينعاه الطاعن في الخصوص لا يكون له محل.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - .... (طاعن) 2 - .... 3 - ...... (طاعن) بأنهم أولاً: المتهم الأول: - 1 - بصفته موظفاً عاماً "مدير إدارة الشئون القانونية بشركة......." استولى بغير حق وبنية التملك على مبالغ وقدره سبعمائة وأربعة وخمسون ألفا وخمسمائة جنيه والمملوكة لجهة عمله سالفة الذكر قيمة تسويات ودية وهمية اصطنع والمتهمان الثاني والثالث وآخر مجهول كافة مستنداتها وقام بصرف مقابلها لنفسه بأسماء مزورة على النحو المبين بالتحقيقات وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي التزوير والاستعمال التاليتين: أ - ارتكب أثناء تأديته وظيفته والمتهمان الأول والثاني وآخر مجهول تزويراً في محررات رسمية هي محاضر الشرطة المنسوب صدورها لمراكز شرطة القناطر الخيرية وقليوب وأشمون وبركة السبع وببا والتوكيلات الرسمية المنسوب صدورها المنسوب صدورها لمكاتب توثيق الظاهر والبدرشين والجيزة وشمال القاهرة بأن اصطنعها والمذكورون على غرار المحررات الصحيحة لتلك الجهات وبصموها بأختام مقلدة عليها واستعملها بأن قدمها للمختصين بجهة عمله للاحتجاج بما ورد بها وأعمال آثارها مع علمه بتزويرها. (ب) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محررات لأحدى الشركات التي تسهم الدولة في رأس مالها (مخالصات استلام قيمة التسويات الودية الصادرة عن شركة.....) بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ووضع إمضاءات وعلامات مزورة حال تحريرها المختص بوظيفته بأن أثبت على خلاف الحقيقة بالمخالصات المذكورة صرف مقابلها للأسماء المدونة بها وذلك بتوقيعات وعلامات نسبها زوراً إليهم واستعملها بأن قدمها للمختصين بجهة عمله متمسكاً بصحتها ولإعمال آثارها مع علمه بتزويرها مما مكنه من الاستيلاء على قيمتها. ثانياً: بصفته سالفة الذكر اختلس استمارات التسوية الودية المبينة بالتحقيقات والمملوكة لشركة..... والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته سالفة الذكر بأن تسلم الاستمارات واختلسها لنفسه بنية تملكها إخفاءً لما بها من مستندات مزورة استعملها في التسويات الودية التي تمكن بمقتضاها من انتزاع المبالغ التي استولى عليها على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثاً: المتهمان الثاني والثالث: أ - اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جناية الاستيلاء على أموال شركة...... المنسوبة إليه آنفاً بأن اتفقا معه على ارتكابها وساعداه بأن زورا معه وآخر مجهول محاضر الشرطة والتوكيلات الرسمية المبينة بالوصف أولاً باصطناعها على غرار المحررات الصحيحة الصادرة عن مراكز الشرطة ومكاتب التوثيق المنسوبة إليها وبصمها بأختام مقلدة عليها واستعملوها بأن أمد المتهم الأول بها مع علمهما بتزويرها فوقعت جنايات الاستيلاء والتزوير والاستعمال المنسوبة إليه بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. ب - قلدا بواسطة الغير الأختام الخاصة بنيابات الزيتون والخليفة وروض الفرج الجزئية ولاية على المال ونيابة السيدة للأحوال الشخصية ولاية على النفس ومحكمتي جنوب القاهرة واستئناف القاهرة ونيابتي شرق القاهرة العسكرية ومأموريتي البدرشين وكفر الدوار للشهر العقاري ومكتبي توثيق الجيزة والمنيا بأن اصطنع المجهول الأختام المذكورة على غرار الأختام الصحيحة لها واستعملاها بأن بصما بها الأوراق المضبوطة بحيازتهما على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بالنسبة للمتهم الأول والثالث وغيابياً للمتهم الثاني عملاً بالمواد 40/ 2، 3، 41/ 1، 112/ 1، 113/ 1، 2، 118، 119/ ب، 119 مكرر هـ، 206/ 3، 4، 211، 212، 214 من قانون العقوبات مع أعمال المادة 32 من ذات القانون أولاً: - بمعاقبة الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وبتغريمه مبلغاً وقدره سبعمائة وأربعة وخمسون ألفاً وخمسمائة جنيه وبإلزامه برد مثل هذا المبلغ إلى الجهة المجني عليها وبعزله من وظيفته عما أسند إليه. ثانياً: بمعاقبة كل من الثاني والثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات عما أسند إلى كل منهما. ثالثاً: إعدام المحررات المزورة المضبوطة.
فطعن كل من المحكوم عليه الأول والأستاذ/...... المحامي عن الأستاذ/.... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الثالث في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
المحكمة
أولاً: طعن المحكوم عليه حسن....:
حيث إن المادة 41 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قد نصت على سقوط الطعن المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا لم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة. ولما كانت العقوبة المحكوم بها على الطاعن....... من العقوبات المقيدة للحرية، ولم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة طبقاً للثابت من الأوراق فإنه يتعين الحكم بسقوط طعنه.
ثانياً: طعن المحكوم عليه زاهر....:
حيث إن الطاعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الاستيلاء على مال عام المرتبطة بالتزوير في محررات رسمية وأخرى مملوكة لإحدى الشركات واختلاس استمارات التسوية المبينة بالتحقيقات، قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع. ذلك أن البين من محاضر الجلسات والحكم أن محكمة الجنايات قد فصلت في موضوع الدعوى حال أن الاختصاص بنظرها ينعقد لمحكمة أمن الدولة العليا دون غيرها، طبقاً للقانون رقم 105 لسنة 1980 ولم يبين الحكم واقعة الدعوى المسندة إلى الطاعن بياناً كافياً تتحقق به أركان الجرائم والظروف التي وقعت فيها، ولم يدلل على ارتكابه لها وطرق مشاركته فيها، وخلا من بيان مفردات المبلغ الذي دين بالاستيلاء عليه. وعول الحكم في الإدانة على تحريات مباحث الأموال العامة وأقوال ضابطي الواقعة رغم أن التحريات لا تصلح دليلاً، واستند في الإدانة على شهادة..... في شأن استلام الطاعن ملفات التسوية رغم عدم وجود سند كتابي بذلك، كما عول في الإدانة على اعتراف المحكوم عليه الثالث غيابياً بمحضر الضبط رغم أنه لم يسأل به ولم يوقع عليه وأنكره بالتحقيقات فضلاً عن أنه كان وليد إكراه وقع عليه عقب ضبطه. واتخذ الحكم من توقيع الطاعن على المخالصات التي ثبت تزويرها دليلاً ضده رغم وجود مخالصات أخرى ثبت تزويرها وقعت من آخرين، كما أن هناك أشخاصاً آخرين صرفوا بعض المبالغ المستولى عليها من خزينة الشركة المجني عليها ولم يثبت أن الطاعن شاركهم فيها بدلالة أقوال..... - أمينة الخزينة - مما كان يجب استدعاؤهم واستكتابهم وعرضهم على أمينة الخزينة المذكورة إلا أن المحكمة فصلت في الدعوى دون تدارك النقص في إجراءات التحقيق السابقة على المحاكمة، وعولت المحكمة في الإدانة على المستندات التي ضبطت لديه رغم احتمال دسها عليه فضلاً عن أنها لا تقيد أنه ضالع في ارتكاب جريمتي التزوير والاختلاس. كما خلا الحكم ومحاضر جلسات المحاكمة مما يفيد اطلاع الطاعن على محتويات الإحراز محل الادعاء بالتزوير. وتمسك الدفاع عن الطاعن بعدم مسئوليته عما نسب إليه من أفعال بسبب إصابته بمرض عقلي أفقده القدرة على التصرف عن وعي كامل وبإرادة واعية، وطلب إحالته إلى الطبيب المختص ووضعه تحت الملاحظة الطبية لتقرير حالته العقلية ومدى مسئوليته عن أفعاله إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع بما لا يسوغه. كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الطعن والمفردات المضمومة، أن أمر إحالة الطاعن وآخرين قد صدر من نيابة الأموال العامة العليا بإحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة العليا لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين به، ففصلت فيها المحكمة محكمها المطعون فيه. ولما كان البين من رول جلستي....، ..... الموقع عليه من رئيس الهيئة أنه مستهل باسم محكمة أمن الدولة العليا، وهي المختصة بنظر الدعوى وأصدرت الحكم المطعون فيه. فإن تصدير محاضر الجلسات والحكم باسم محكمة جنايات القاهرة لا يعدو أن يكون مجرد خطأ مادي في الكتابة وزلة قلم لا تخفى، ولم يكن نتيجة خطأ من المحكمة في فهمها واقع الدعوى. ولما كانت العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع الذي يبين يقيناً من رول جلسة الحكم الموقع عليه من رئيس الهيئة التي أصدرته. فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صدر في الواقع من محكمة أمن الدولة العليا المختصة بنظر الدعوى المطروحة وفق القانون رقم 105 لسنة 1980 وليست باعتبارها محكمة جنايات. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وساق على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها استمدها من أقوال شهود الإثبات وتحريات مباحث الأموال العامة، وما ثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي، ومن تقرير اللجنة المشكلة - بقرار من النيابة العامة - لفحص أعمال الطاعن والمخالصات المضبوطة، ومن إقرار المتهم الثالث - المحكوم عليه غيابياً - بمحضر ضبط الواقعة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وإذ كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كان ذلك محققاً لحكم القانون، ويكون ما يثيره الطاعن الأول في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات تتحقق إذا كانت الأموال أو الأشياء المختلسة قد وجدت في حيازة الموظف العام أو من في حكمه بسبب وظيفته، يستوي في ذلك أن تكون هذه الأموال أو الأشياء قد سلمت مادياً، أو وجدت بين يديه بمقتضى وظيفته، وأن جريمة الاستيلاء المنصوص عليها في المادة 113 من قانون العقوبات، تتحقق أركانها متى استولى الموظف العام أو من في حكمه بغير حق على مال للدولة أو لإحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 من ذات القانون، ولو لم يكن هذا المال في حيازته، أو لم يكن من العاملين بالجهة التي تم له الاستيلاء على مالها، وذلك بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة بنية تملكه وإضاعته على ربه. وكان من المقرر أنه لا يشترط لإثبات جريمة الاختلاس أو الاستيلاء على المال العام المنصوص عليهما في الباب الرابع من قانون العقوبات طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة، بل يكفي كما هو الحال في سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - بوقوع الفعل المكون لهما من أي دليل أو قرينة تقدم إليها مهما كانت قيمة المال موضوع الجريمة. وكان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت استلام الطاعن للأوراق التي أشار إليها الحكم في مدوناته، وعلى توافر جريمتي اختلاس تلك الأوراق والاستيلاء بغير حق على المال العام في حق الطاعن، بأركانهما المادية والمعنوية، وإذ لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً على توافر القصد الجنائي في هاتين الجريمتين، بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف دالاً على قيامه - كما هو في الدعوى الراهنة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير يتحقق من تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه واستخلاص هذا القصد من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وهو ما وفره الحكم المطعون فيه. وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس أمارات ظاهرة، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستنتاج سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره. ومن المقرر أن الاشتراك في التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم، وكان الحكم المطعون فيه في سرده لوقائع الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت فيها قد أورد من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن الأول مع المتهمين الآخرين على ارتكاب جرائم التزوير والاختلاس والاستيلاء على مال عام بغير حق، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. ويضحى النعي على الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن غير قويم. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم أن المبلغ الذي دين المتهم الأول بالاستيلاء عليه هو بذاته المبلغ الذي ورد بأمر الإحالة بغير إضافة مبالغ أخرى تخرج مع مجموعه، وكان الطاعن لا ينازع في مقدار هذا المبلغ فإنه لا جدوى مما يثيره من أن الحكم يورد مفرداته مجزأة. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وأنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً يستند إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما في الدعوى الراهنة. فإن ما يثيره الطاعن في شأن تحريات الشرطة وأقوال ضابطي الواقعة وشهود الإثبات يكون محض جدل حول سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن لدى محكمة الموضوع من تشكيك في أقوال الشهود وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة، ودفاعه بعدم ارتكاب ما نسب إليه لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من المحكمة بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان محضر جلسة المحاكمة قد خلا مما يدل على أن الطاعن أو المدافع عنه قد دفع أي منهما بأن الإقرار المنسوب إلى المتهم الثالث قد صدر منه نتيجة إكراه أو تهديد فإنه لا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه ذلك من تحقيق موضوعي تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكان عدم توقيع المحكوم عليه غيابياً على محضر الضبط ليس من شأنه إهدار قيمته كله كعنصر من عناصر الإثبات وإنما يخضع كل ما يعتريه من نقص أو عيب لتقدير محكمة الموضوع ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان، ولا على المحكمة أن التفتت عنه ولم ترد عنه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد أقوال شاهدة النفي.... أمينة الخزينة ثم أفصح عن عدم اطمئنانه إليها، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة، وأن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز الخوض بشأنها لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا يجدي الطاعن ما يثيره من وجود متهمين آخرين قاموا بصرف بعض المبالغ أو تزوير بعض الأوراق المضبوطة في الدعوى عجزت الاستدلالات عن الوصول إليهم، طالما أن اتهام هؤلاء الأشخاص لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجرائم التي دين بها، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الأول لم يثر ما يدعيه من وجود نقص في تحقيقات النيابة العامة وإجراءات المضاهاة بسبب عدم القبض على هؤلاء الأشخاص واستكتابهم وعرضهم على أمينة الخزينة، ولم يطلب من محكمة الموضوع تدارك هذا القبض، فإنه لا يحق له من بعد أن يثير شيئاً عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى الدليل المستمد من تقريري لجنة النيابة العامة وقسم أبحاث التزييف والتزوير وعولت عليهما في إدانة الطاعن، بما يفصح عن أنها لم تكن بحاجة إلى ندب خبير آخر أو لجنة أخرى. فإنه لا تثريب عليها إن هي أغلقت دفاع الطاعن في هذا الشأن ويضحى ما أثاره الطاعن في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة...... ومدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة قامت بفض الإحراز المحتوية على المستندات المزورة في حضور الطاعن الأول والمدافع عنه من ثم فقد كانت معروضة على بساط البحث والمناقشة في حضور الخصوم وكان في مكنة الطاعن الاطلاع عليها إذا ما طلب من المحكمة ذلك، فإن ما يثيره الطاعن بدعوى عدم إطلاعه على المستندات المزورة لا يكون له وجه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي وأطرحه برد كاف وسائغ فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير ما يدعيه الطاعن من مرض على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى لأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي لا تلتزم الالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها. فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ساحة النقاش