يشترط القانون لإجراء التحقيق من السلطة التى تباشره استصحاب كاتب لتدوينه فإذا كان المحضر الذى حرره مأمور الضبط القضائى بانتداب من النيابة العامة ينقصه هذا الشرط اللازم لاعتبار ما يجريه تحقيقا إلا أن هذا المحضر لا يفقد كل قيمة له فى الاستدلال.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 12 - صـ 233
جلسة 20 من فبراير سنة 1961
برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عطية اسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدى، وحسن خالد المستشارين.
(40)
الطعن رقم 2353 لسنة 30 القضائية
تحقيق. تفتيش.
وجوب استصحاب كاتب لتدوينه. أثر تخلف هذا الشرط. تحول المحضر الذى يحرره المأمور المنتدب للتحقيق من النيابة العامة - دون الاستعانة بكاتب - إلى محضر جمع الاستدلالات.
يشترط القانون لإجراء التحقيق من السلطة التى تباشره استصحاب كاتب لتدوينه - فإذا كان المحضر الذى حرره مأمور الضبط القضائى بانتداب من النيابة العامة - ينقصه هذا الشرط اللازم لاعتبار ما يجريه تحقيقا - إلا أن هذا المحضر لا يفقد كل قيمة له فى الاستدلال. وإنما يؤول أمره إلى اعتباره محضر جمع استدلالات. ومتى تقرر ذلك وكان من المسلم أن القانون لا يستلزم للإذن بالتفتيش أن يكون مسبوقا بتحقيق باشرته سلطة التحقيق بل يصح الاستناد فى إصداره إلى ما تضمنه محضر جمع الاستدلالات، فإنه لا جدوى من تمسك الطاعن ببطلان المحضر الذى حرره الضابط المنتدب للتحقيق.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: حاز وأحرز "حشيشا وأفيونا" فى غير الأحوال المصرح بها فى القانون. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و 2 و 33جـ وأخيرة و 35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 1 و 12 من الجدول (أ) الملحق بالقانون. فقررت بذلك وأمام محكمة الجنايات دفع الحاضر مع المتهم ببطلان الإذن بالتفتيش وما تلاه من إجراءات، والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. وقد ردت المحكمة فى أسباب حكمها على الدفع قائلة بأنه لا أساس له ويتعين رفضه. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
... حيث إن مبنى الطعن هو بطلان الإجراءات والقصور فى التسبيب وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن النيابة ندبت مفتش مخدرات بور سعيد لتحقيق ما جاء بأقوال رئيس مكتب مكافحة المخدرات. وكان يجب على الضابط المنتدب للتحقيق أن يصطحب معه كاتبا لأن الموظف المندوب كالموظف الأصيل فى تطبيق أحكام القانون ولكن مفتش المخدرات افتتح المحضر بنفسه بدون حضور كاتب معه فيكون محضره باطلا وإذن النيابة باطلا لاستناده على هذا المحضر الباطل. فضلا عن أن البطلان يلحق الإذن لصدوره بناء على تحريات غير جدية، فقد ذكر رئيس مكتب مكافحة المخدرات فى محضره أنه علم من مصدر سرى أن المتهم يتجر بالمخدرات وأنه تأكد من صحة ذلك ولو كان ما اتصل بعلمه صحيحا لاستطاع ضبط المتهم متلبسا بالجريمة، ولكنه لم يفعل فدل ذلك على عدم جدية التحريات. وقد أشار الدفاع إلى أن تفتيش المنازل لا يتم إلا بمناسبة جريمة ترى سلطة التحقيق أنها وقعت فعلا وصحت نسبتها إلى شخص معين. وأن هناك أدلة تكفى لإصدار الإذن باقتحام المنزل، والتفتيش فى هذه القضية جرى بدون دليل مما يؤدى إلى بطلان الإجراءات. كذلك لم يرد الحكم على دفاع الطاعن بأنه لم يعلم بالمخدرات ولو كان يعلم بها لأخفاها تحت البنك القائم بمحله أى يجب أن ينحنى من أعلا البنك إلى أسفله، ولكن العكس هو الذى قال به الشهود، فقد ذكروا أن المتهم كان يحاول أن ينهض واقفا وهذه الحركة لا تدل على الإخفاء وإنما هى حركة عادية من رجل مقيم فى محله الذى يعمل به، ومم يكذب الواقعة ادعاء رجال الضبط أنهم رأوا حركة إلقاء المخدر تحت البنك مع العلم أن باب الدكان مشغول كله بالبنك الخشبى وليس له إلا مدخل صغير وهذه الحالة لا تسمح بمشاهدة حركة المتهم داخل الدكان وأن قدوم السيارة فيه التنبيه الكافى للمتهم لإخفاء ما لديه لو كان يعلم من أمره شيئا، ومن عادة المتهم أن يستعمل الميزان الموجود بمحله وظهره للشارع وهو مشغول بعمله فى أغلب الأحيان ومن المتعذر أن يرى ما يفعله الآخرون، وهذا ما يؤيد صدق دفاعه من أن مجهولا ترك المخدر وهرب، ولما شاهد المتهم هذه اللفافات ظنها بضاعة وحينئذ داهمته القوة وألصقت به تهمة الإحراز.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية لجناية إحراز المخدرات التى دان الطاعن بها - وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم تشير إلى أن رئيس مكتب مكافحة المخدرات أثبت فى محضره أنه علم من مصدر سرى أن المتهم يتجر بالمخدرات ويقوم بتوزيعها وإخفائها فى محله، وأنه قام بالتحرى فى هذا الأمر وتحقق لديه ما استقاه من المصدر السرى ولما عرض محضره على النيابة ندبت مفتش المخدرات للتحقيق عما جاء فى هذا المحضر ثم أذنت النيابة بضبط المتهم وتفتيشه وتفتيش مسكنه ودكانه لضبط ما يوجد لديه من المخدرات وتوجهت القوة إلى دكانه فوجدوه واقفا أمام بنك فى مدخل الدكان وعندما وقع نظره عليهم انحنى إلى أسفل البنك فأسرع الضابط إلى المتهم فوجده ممسكا بكيسين من القماش الأبيض وطربتين من الحشيش فقبض عليه.
وحيث إن الطاعن دفع فى جلسة المحاكمة ببطلان الاذن بالتفتيش وما تلاه من إجراءات تأسيسا على أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا فى تحقيق مفتوح وفقا للمادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية، كما وأن مفتش المخدرات قام بسؤال رئيس مكتب مكافحة المخدرات عما جاء فى محضر تحرياته ولم يستصحب معه كاتبا كما هو الحال إذا باشرت النيابة العامة التحقيق، ومن ثم يكون التحقيق باطلا والاذن الصادر من النيابة باطلا كذلك.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفع بقوله "إنه مردود من ثلاثة أوجه: أولها أن القانون لا يشترط أن يستصحب رجل الضبط القضائى معه كاتبا ليدون محضر التحقيق الذى يجريه بناء على ندب صادر إليه من النيابة العامة وثانيها أن التفتيش الذى لا يجوز الالتجاء إليه إلا فى تحقيق مفتوح هو تفتيش المنازل فقط وذلك حسبما تقضى به المادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية، وأما غير ذلك من حالات التفتيش فإن القانون لا يشترط إجراء تحقيق ما، والثابت فى حالة هذه الدعوى أن الاذن وإن كان قد صدر بتفتيش مسكن المتهم إلا أنه صدر أيضا بتفتيشه وتفتيش محله وقد عثر على المواد المخدرة فى محله أثناء وجوده به. ومن ثم يكون الإذن بالتفتيش صحيحا فيما يتصل بشخص المتهم ومحله، وثالثها أن ندب النيابة العامة اليوزباشى... ... ... ... ... للضبط والتفتيش بعد إطلاعها على محضر التحريات المقدم منه واستظهارها قدرا من القرائن يكفى لتبرير التصدى لحرية المتهم الشخصية والتعرض لحرمة مسكنه للكشف عن جريمة إحراز مواد مخدرة دلت هذه القرائن على نسبتها إليه هو بمثابة التحقيق المفتوح، ذلك أن التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق وقد اتخذته النيابة باعتبارها سلطة تحقيق فكأنها قد باشرت التحقيق فعلا فى الدعوى. ومن ثم يكون الدفع فى غير محله ولا سند له فى القانون ويتعين لذلك رفضه".
وحيث إن ما انتهى إليه الحكم صحيح فى القانون، ولما كان القانون يشترط لإجراء التحقيق من السلطة التى تباشره استصحاب كاتب لتدوينه، وكان المحضر الذى حرره مأمور الضبط القضائى بانتداب من النيابة العامة وإن كان ينقصه هذا الشرط اللازم لاعتبار ما يجريه تحقيقا، إلا أن هذا المحضر لا يفقد كل قيمة له فى الاستدلال وإنما يؤول أمره إلى اعتباره محضر جمع الاستدلالات. لما كان ذلك، وكان من المسلم أن القانون لا يستلزم للاذن بالتفتيش أن يكون مسبوقا بتحقيق باشرته سلطة التحقيق بل يصح الاستناد فى إصداره إلى ما تضمنه محضر جمع الاستدلالات فإنه لا جدوى من تمسك الطاعن ببطلان المحضر الذى حرره الضابط... ... ... ... ولما كان التفتيش قد وقع بمحل عمل الطاعن دون مسكنه فلا محل لما يثيره فى شأن تطبيق القانون 91 من قانون الإجراءات الجنائية، أما ما ينعه الطاعن على جدية التحريات، فإنه من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف المحكمة، فللنيابة حين تصدر إذنها بالتفتيش أن تقدر مبلغ جدية التحريات ودلالتها على وقوع جريمة معينة من المراد تفتيشه، ولما كانت محكمة الموضوع قد أقرت النيابة على ما رأته من ذلك ورتبت عليه قولها بصحة هذا الإذن فلا معقب عليها فى ذلك. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن على الحكم المطعون فيه من أنه لم يرد على دفاعه من أن المخدرات مملوكة لشخص آخر غير المتهم وأنه لو يعلم بها لأخفاها وأن قدوم السيارة فيه التنبيه الكافى للمتهم لإخفاء ما لديه وأن باب الحانوت مشغول بالبنك الخشبى ولا يسمح بمشاهدة حركة المتهم داخل الدكان، فهو دفاع موضوعى لا تلتزم المحكمة بالرد عليه رد صريحا مادام ردها مستفادا ضمنا من القضاء بالادانة لأدلة الثبوت التى أوردها الحكم.
وحيث إنه لما كانت الواقعة كما هى ثابتة فى الحكم تفيد أن الطاعن إنما كان يحرز المخدرات بقصد الاتجار، وكانت المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذ صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسرى على واقعة الدعوى، وكان القانون رقم 182 لسنة 1960 هو القانون الأصلح للمتهم بما جاء فيه من عقوبات أخف وعملا بأحكام المادة الخامسة من قانون العقوبات يتعين نقض الحكم نقضا جزئيا وتطبيق المادة 34 من القانون الجديد فى خصوص العقوبة المقيدة للحرية وجعلها الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وذلك بالإضافة إلى العقوبات الأخرى المقضى بها.
ساحة النقاش