الأحوال التي يجوز فيها لمأمور الضبط القضائي تفتيش غير المتهم الموجود في المكان المأذون له بتفتيشه: وجود قرائن قوية على أنه يخفي شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، أو كان وجوده يتم عن احتمال اشتراكه في الجريمة، أو كانت الأحوال التي أحاطت به توحي بأن له اتصالاً بها بحكم ظاهر صلته بالمتهم الضالع فيها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 175
جلسة 21 من فبراير سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول، ونصر الدين عزام.
(32)
الطعن رقم 93 لسنة 36 القضائية
( أ ) قبض. مأمورو الضبط القضائي. دفوع. مواد مخدرة.
الأمر الذي يصدره الضابط إلى بعض رجال القوة المرافقة له بالتحفظ على أفراد أسرة المتهم المأذون بتفتيش شخصه ومنزله ومن يتواجدون معهم. طبيعته: إجراء تنظيمي تقتضيه ظروف الحال تمكيناً للضابط من أداء المأمورية المنوط بها.
(ب) تفتيش. مأمورو الضبط القضائي. دفوع. مواد مخدرة.
الأحوال التي يجوز فيها لمأمور الضبط القضائي تفتيش غير المتهم الموجود في المكان المأذون له بتفتيشه: وجود قرائن قوية على أنه يخفي شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، أو كان وجوده يتم عن احتمال اشتراكه في الجريمة، أو كانت الأحوال التي أحاطت به توحي بأن له اتصالاً بها بحكم ظاهر صلته بالمتهم الضالع فيها.
(ج) تفتيش. تلبس. دفوع. مواد مخدرة.
استظهار الحكم وجود أمارات تدل على مساهمة المتهم في الجريمة المسندة إلى المأذون بتفتيشه وإيراده دلائل كافية على قيام حالة التلبس في حقه. تفتيشه. لا بطلان.
(د) تلبس. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة.
التخلي الذي ينبني عليه قيام حالة التلبس بالجريمة. شرطه: وقوعه عن إرادة وطواعية واختيار. كونه وليد إجراء غير مشروع. بطلان الدليل المستمد منه. مثال.
(هـ) إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الأصل في الإجراءات أنها روعيت. على المتهم طلب إثبات ما يهمه إثباته في محضر الجلسة صراحة.
(و) تفتيش. "إذن التفتيش. إصداره".
تقدير كفاية التحريات وجديتها. متروك لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
(ز) دفوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بتلفيق التهمة. دفع غير جوهري. عدم التزام المحكمة بالرد عليه استقلالاً. كفاية الرد الضمني.
1 - الأمر الذي يصدره الضابط إلى بعض رجال القوة المرافقة له بالتحفظ على أفراد أسرة المتهم المأذون بتفتيش شخصه ومنزله ومن يتواجدون معهم، هو إجراء قصد به أن يستقر النظام في المكان الذي دخله مأمور الضبط القضائي حتى يتم المهمة التي حضر من أجلها على اعتبار أن هذا الإجراء هو من قبيل الإجراءات التنظيمية التي تقتضيها ظروف الحال تمكيناً له من أداء المأمورية المنوط بها.
2 - أنه وإن كان لمأمور الضبط القضائي أن يفتش المتهم أو غير الموجود في المكان المأذون له بتفتيشه، إلا أن شرط ذلك أن توجد قرائن قوية على أن هذا الغير يخفي شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، أو كان وجوده ينم عن احتمال اشتراكه في الجريمة أو كانت الأحوال الذي أحاطت به توحي بأن له اتصالاً بها بحكم ظاهر صلته بالمتهم الضالع فيها.
3 - إذا كان الحكم قد استظهر وجود الأمارات الدالة على مساهمة المتهم في الجريمة المسندة إلى المأذون بتفتيشه فضلاً عن إيراده الدلائل الكافية على قيام حالة التلبس في حقه بما أفصح عنه من ظهور الارتباك عليه ومحاولته التخلص من علبة السجائر التي كانت معه ومحاولة ابتلاع شيء في فمه، وكان الحكم قد أورد أقوال شهود الحادث بما لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن من بطلان التفتيش لا يكون له محل.
4 - يشترط في التخلي الذي ينبني عليه قيام حالة التلبس بالجريمة أن يكون قد وقع عن إرادة وطواعية واختيار فإذا كان وليد إجراء غير مشروع فإن الدليل المستمد منه يكون باطلاً لا أثر له. ولما كان الحكم قد عول في إدانة الطاعنة على الدليل المستمد من تخليها عن المخدر دون أن يمحص دفاعها بأن التخلي كان وليد إكراه قع عليها من الضابط بما أدخله في روعها من وجوب تفتيشها وإرسالها إلى المستشفى لإجرائه أو يرد عليه بما يسوغ به إطراحه، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة.
5 - الأصل في الإجراءات أنها روعيت، وأن على المتهم أن يطلب صراحة إثبات ما يهمه إثباته في محضر الجلسة حتى يمكنه فيما بعد أن يأخذ على المحكمة إغفالها الرد على ما لم ترد عليه، ومن ثم فإنه لا يقبل منه أن ينعى على المحكمة إخلالها بحقه في الدفاع أمام محكمة النقض.
6 - تقدير كفاية التحريات وجديتها متروك لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فمتى أقرتها عليه فإنه لا يجدي المتهم نعيه أن إذن التفتيش صدر بناء على تحريات غير جدية.
7 - الدفع بتلفيق التهمة ليس من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة أن ترد عليها استقلالاً - بل يكفي أن يكون الرد عليها مستفاداً من الأدلة التي استند إليها الحكم في الإدانة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 6/ 12/ 1964 بدائرة مركز سنورس محافظة الفيوم: (أولاً) المتهمون الأول والثاني والثالثة: أحرزوا بقصد الاتجار جواهر مخدرة (حشيشاً وأفيوناً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (ثانياً) والمتهمان الرابع والخامس: أحرزا بقصد التعاطي جواهر مخدرة (حشيشاً وأفيوناً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (ثالثاً) والمتهمان السادس والسابع: أحرزا بقصد التعاطي جواهر مخدرة "أفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر بذلك. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات الفيوم دفع الحاضر مع المتهم الأول ببطلان إذن النيابة لعدم جدية التحريات كما دفع الحاضر مع المتهمين الثالثة والرابع والسادس ببطلان القبض والتفتيش لعدم وجودهم في حالة من الحالات التي تجيز ذلك. وقضت المحكمة المذكورة حضورياً في 16 نوفمبر سنة 1965 عملاً بالمواد 1 و2 و7 و34/ أ و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرفق بالنسبة إلى المتهم الأول و1 و2 و37 و38 و42 من ذات القانون بالنسبة إلى المتهمة الثالثة و1 و2و 37 و42 منه والبند أ من الجدول رقم 1 بالنسبة إلى المتهمين الثاني والسادس والسابع والمواد السابقة والبند 12 من الجدول رقم 1 بالنسبة إلى المتهم الرابع وتطبيق المواد 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثاني والثالث والرابع والسادس والسابع و55 و56 منه بالنسبة إلى المتهمة الثالثة: (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن الأول) بالأشغال الشاقة ثلاث سنوات وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه. (وثانياً) بمعاقبة المتهمة الثالثة (الطاعنة الثانية) بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور وتغريمها خمسمائة جنيه وأمرت بوقف تنفيذ عقوبتي الحبس والغرامة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم. (ثالثاً) بمعاقبة كل من المتهمين الثاني والرابع (الطاعن الثالث) والسادس والسابع بالحبس مع الشغل ستة شهور وتغريمه خمسمائة جنيه. (رابعاً) براءة المتهم الخامس مما أسند إليه. (خامساً) مصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة. وذلك على اعتبار أن المتهم الأول أحرز وحاز جواهر مخدرة (حشيشاً وأفيوناً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وأن إحراز المتهمة الثالثة للمخدر كان بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وأن الإحراز بالنسبة لباقي المتهمين كان بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي. وردت المحكمة على الدفعين بأنهما في غير محلهما. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
الطعن المقدم من الطاعن الأول.
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبني الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان الإذن الصادر بتفتيشه وتفتيش منزله لكونه غير مسبوق بتحريات جدية، غير أن الحكم أطرح هذا الدفع بما لا يسوغه. كما التفت من الدفع بتلفيق التهمة فلم يشر إليه أو يرد عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتكامل به العناصر القانونية لجريمة إحراز وحيازة جواهر مخدرة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الشهود وتقرير التحليل، عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش ورد عليه في قوله "وحيث إن الدفاع عن المتهم الأول دفع ببطلان إذن النيابة لعدم جدية التحريات بمقولة إن ما ورد على لسان الشاهد الأول من أنه لا يعرف المكان الذي يخفي فيه المتهم الأول الجواهر المخدرة وهو مردود بأن هذا الإذن إنما صدر من النيابة في حدود سلطتها التقديرية وذلك لما رأته في التحريات التي قام بها الشاهدان الأول والثاني من أن ثمة جناية حيازة وإحراز جواهر مخدرة مسندة للمتهم الأول تبيح التصدي لحريته وضبطه وتفتيشه وهو تقدير تقرها المحكمة عليه وتلتفت عن دفعه" لما كان ذلك، وكان تقدير كفاية التحريات وجديتها متروك لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى أقرتها عليه فإنه لا يجدي المتهم نعيه أن إذن التفتيش صدر بناء على تحريات غير جدية، ولما كان الدفع بتلفيق التهمة ليس من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة أن ترد عليها استقلالاً بل يكفي أن يكون الرد عليها مستفاداً من الأدلة التي استند إليها الحكم في الإدانة. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
الطعن المقدم من الطاعنة الثانية.
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ذلك بأن المدافع عنها دفع ببطلان تفتيشها وبعدم الاعتداد بالدليل المستمد من هذا التفتيش لكونه وليد إرهاب بما هددها به مأمور الضبط القضائي من وجوب تفتيشها وأنه سوف يقتادها إلى المستشفى لإجرائه ومن ثم فإن تخليها عن المخدر - بفرض صحته - لم يكن اختيارياً، غير أن الحكم أطرح هذا الدفع بما لا يسوغ به إطراحه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في شأن الطاعنة بما محصله أن الرائد الشبراوى أحمد عمران أصدر حال دخوله منزل الطاعن الأول المأذون بتفتيشه أمراً بالتحفظ على الموجودين به، وأنه بعد أن فرغ من تفتيشه والطاعن الثالث الذي كان يجلس بجواره قصد إلى حجرة داخلية بالمنزل حيث وجد المساعد زكي اسناثيوس متحفظاً على الطاعنة فسألها عما إذا كانت تحمل مخدرات فسارعت وأخرجت من صدرها كيساً وجد به لفافات بها جوهر الحشيش. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان التفتيش وأطرحه في قوله "وحيث إن الدفاع عن المتهمين الثالثة - الطاعنة - والرابع - الطاعن الثالث - والسادس دفع ببطلان القبض والتفتيش وما تلاه من إجراءات على أساس أن المتهمين لم يكونوا في حالة من الحالات التي يجيز فيها القانون لرجل الضبط القضائي القبض عليهم وتفتيشهم وأن في تسليم المتهمة الثالثة الكيس الذي يحوي الجواهر المخدرة إن صح ذلك لم يكن إلا وليد إكراه وخوف وقبض باطل على المتهمة المذكورة وهو مردود بأن انتقال الشاهدين الأولين لتنفيذ أمر النيابة لضبط وتفتيش شخص ومسكن المتهم الأول الذي دلت التحريات على اتجاره في الجواهر المخدرة وترويجها بمنزله بناحية بيهمو أمر يستفاد منه تردد المدمنين عليه للشراء فإصدار الأوامر بحراسة المنزل ومنع الدخول والخروج منه والتحفظ على أفراد أسرته ومن يتواجد معه لا يعتبر قبضاً على من بالمنزل بل هو إجراء تحفظي للأمن والنظام ولا تعرض فيه للحرية بالإضافة إلى أن ضبط المتهم الأول محرزاً فعلاً لجوهري الأفيون والحشيش يدل على مساهمة هؤلاء المتهمين في جريمة إحراز الجواهر المخدرة الذي تتوافر معه حالة التلبس مما يبيح لرجل الضبط القضائي أي للشاهدين الأولين القبض والتفتيش لأن القبض والتفتيش لم يحصلا إلا بعد أن أصبحت الجريمة متلبس بها بل وترى هذه المحكمة أن إخراج المتهمة الثالثة الكيس الذي يحوي الجواهر المخدرة من صدرها وتسليمه للشاهد الأول هو تخلي اختياري تتوفر فيه حالة التلبس ومن ثم يكون التفتيش قد وقع صحيحاً في القانون على أساس أحكام التلبس لوجود دلائل كافية تبعث على الاعتقاد بمساهمة المتهمين في هذه الجريمة ومن ثم يتعين الالتفات عن هذا الدفع". لما كان ذلك، وإن كان لمأمور الضبط القضائي أن يفتش المتهم أو غيره الموجود في المكان المأذون له بتفتيشه، إلا أن شرط ذلك أن توجد قرائن قوية على أن هذا الغير يخفي شيئاً يفيد في كشف الحقيقة، أو كان وجوده ينم عن احتمال اشتراكه في الجريمة، أو كانت الأحوال التي أحاطت به توحي بأن له اتصالاً بها بحكم ظاهر صلته بالمتهم الضالع فيها، ولما كان ذلك قد سوغ تصدي مأمور الضبط القضائي للطاعنة بقصد تفتيشها على سند من ضبط زوجها - الطاعن الأول - محرزاً للجوهر المخدر بغير أن يورد في مدوناته المسوغ القانوني أو الواقعي لهذا التفتيش. لما كان ذلك، وكان المدافع عن الطاعنة قد دفع ببطلان الدليل المستمد من تخليها عن المخدر استناداً إلى أن هذا التخلي كان وليد إكراه وقع عليها من الضابط بما أدخله في روعها من وجوب تفتيشها وإرسالها إلى المستشفى لإجرائه، ولما كان يشترط في التخلي الذي ينبني عليه قيام حالة التلبس بالجريمة أن يكون قد وقع عن إرادة وطواعية واختيار، فإذا كان وليد إجراء غير مشروع فإن الدليل المستمد منه يكون باطلاً لا أثر له، ولما كان الحكم قد عول في إدانة الطاعنة على الدليل المستمد من تخليها عن المخدر دون أن يمحص دفاعها أو يرد عليه بما يسوغ به إطراحه. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه - بالنسبة إلى الطاعنة - يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة لبحث سائر أوجه طعنها.
الطعن المقدم من الطاعن الثالث:
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتيش لانعدام المبرر القانوني لهما غير أن الحكم اطرح هذا الدفع استناداً إلى أن ضبط الطاعن الأول المأذون بتفتيشه، والذي دلت التحريات على اتجاره في الجواهر المخدرة وترويجها، محرزاً لهذه الجواهر؛ يدل على مساهمة المتواجدين معه في جريمة الإحراز، بما تتوافر به حالة التلبس بالجريمة، أو تحوطهم بدلائل كافية تنبئ عن إسهامهم فيها وهو ما يبيح لرجل الضبط القضائي القبض والتفتيش على الحالين، وهذا الرد اجتزاء من وقائع جوهرية لها أثرها في تكوين عقيدة المحكمة من ذلك أن القبض على الطاعن الأول - المأذون بتفتيش شخصه ومنزله - وعلى المتواجدين معه قد تم في وقت واحد بمجرد دخول القوة إلى المنزل بما ينتفي به القول بتوافر حالة التلبس بالجريمة في حق الطاعن الثالث أو ظهور دلائل على جريمة ارتكبها، ولم يكن الأمر - من جانب القوة - مجرد تحفظ على هؤلاء المتواجدين وإنما كان قبضاً بمعناه القانوني. هذا إلى أن ما استخلصه الحكم من أقوال الرائد الشبراوي أحمد عمران من أن الطاعن لم يكن يستطيع النطق ويحاول ابتلاع شيء في فمه كمظهر من مظاهر الدلائل الكافية على اتهامه ينقضه ما قرره النقيب محمد عبد الرحيم من أن هذا الطاعن قد تكلم وعلل سبب وجوده بمنزل أخيه الطاعن الأول. كما أن ما أورده الحكم من أن تواجد المتهمين بمنزل الطاعن الأول يستفاد منه أن هذا الوجود كان بقصد شراء المخدرات منه، يتعارض مع قضاء الحكم ببراءة المتهم الخامس دون باقي المتهمين - مع تساويهم جميعاً في المركز الواقعي. وكذلك ما أورده الحكم من أن إصدار الضابط لرجال القوة أمراً بحراسة المنزل ومنع الدخول إليه أو الخروج منه والتحفظ على الموجودين بداخله هو مجرد إجراء تحفظي لدواعي الأمن، يناقض واقع الأمر من وقوع قبض صريح أثبته الحكم بما أورده من قيام حالة التلبس بالجريمة ووجود الدلائل الكافية على إسهام باقي المتهمين فيها. ومن ناحية أخرى فإن الحكم لم يستظهر دوافع ما نسبه إلى الطاعن من ارتباك انتابه أو عدم نطقه وهى دلائل - إن صحت - فقد جاءت وليدة القبض الباطل فضلاً عن أنها لا تنبئ بذاتها عن إحراز المخدر بما ينتفي به القول بقيام حالة التلبس، هذا إلى أن الحكم استند في إدانة الطاعن إلى اعتراف المتهمين الثاني والسابع في التحقيقات مع أن أقوالهما لا تشف عن دليل ضده، كما أن المدافع عن الطاعن دفع بوجود خلاف بين الإحراز المقول بضبطها مع كل من المتهمين وبين تلك التي أرسلت للتحليل، غير أن الحكم التفت عن هذا الدفع ولم يعرض له بالرد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في شأن الطاعن الثالث في قوله "فشاهدوا - أي الرائد الشبراوي أحمد عمران وبعض رجال القوة المرافقة له - عبد العزيز محمد خميس (المتهم الأول) جالساً على الأرض وبجواره إبراهيم محمد خميس (المتهم الرابع) - الطاعن الثالث - وصلاح أمين حسنين (المتهم السادس) وأجرى الرائد الشبراوي تفتيش المتهم الأول عبد العزيز محمد خميس وكان أن عثر بجيب صديريه الأيسر على أربع لفافات تحوي جوهر الأفيون والحشيش كما عثر على مبلغ 12 ج، 110 م في جيب صديريه الأيمن ثم سأل الرائد الشبراوي إبراهيم محمد خميس المتهم الرابع (عن سبب تواجده فارتبك ثم حاول إخراج علبة سجاير بلمونت صغيرة من جيبه والتخلص منها فأمسك بيده وأخذها منه وفضها ليجد بها سيجارتين بلمونت محشوتين بفتات الحشيش كما لحظ عليه أنه لا يستطيع النطق ويحاول ابتلاع شيء فقام أي الرائد بمعاونة النقيب محمد عبد الرحيم ففتح فمه فأخرجا منه لفافة من السلوفان كبيرة بها قطعة من الأفيون.." وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الشهود ومن تقرير التحليل وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الثالث ببطلان تفتيشه لكونه وليد قبض باطل ولكون الجريمة لم تكن في حالة تلبس وقد سبق إيراده في الطعن المقدم من الطاعنة الثانية، وما أورده الحكم من ذلك يسوغ به إطراح دفاع الطاعن الثالث ذلك بأن الأمر الذي أصدره الضابط إلى بعض رجال القوة المرافقة له بالتحفظ على أفراد أسرة المتهم الأول - المأذون بتفتيش شخصه ومنزله - ومن يتواجدون معهم هو إجراء قصد به أن يستقر النظام في المكان الذي دخله مأمور الضبط القضائي حتى يتم المهمة التي حضر من أجلها على اعتبار أن هذا الإجراء هو من قبيل الإجراءات التنظيمية التي تقتضيها ظروف الحال تمكيناً له من أداء المأمورية المنوط بها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر في بيان واقعة الدعوى وفي رده على دفاع الطاعن الثالث - على ما سلف وجود الأمارات الدالة على مساهمته في الجريمة المسندة إلى الطاعن الأول فضلاً عن إيراده الدلائل الكافية على قيام حالة التلبس في حقه بما أفصح عنه من ظهور الارتباك عليه ومحاولة التخلص من علبة السجاير التي كانت معه ومحاولة ابتلاع شيء في فمه، وكان الحكم قد أورد أقوال الشاهدين الرائد الشبراوي أحمد عمران النقيب محمد عبد الرحيم بما لا تناقض فيه، فإن ما يثيره الطاعن من ذلك لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الثالث أو المدافع عنه لم يثر شيئاً في شأن اختلاف الإحراز، وأن ما أثير من ذلك إنما كان من جانب الدفاع عن الطاعن الأول بالنسبة إلى الإحراز المسند إليه وحده. ولما كان الأصل في الإجراءات أنها روعيت، وأن على المتهم أن يطلب صراحة إثبات ما يهمه إثباته في محضر الجلسة حتى يمكنه فيما بعد أن يأخذ على المحكمة إغفالها الرد على ما لم ترد عليه، ومن ثم فإنه لا يقبل منه أن ينعي على المحكمة إخلالها بحقه في الدفاع أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن هو من قبيل الجدل الموضوعي مما تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ساحة النقاش