انصراف القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة للسيارات إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها .
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 951
جلسة 17 من أكتوبر سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.
(176)
الطعن رقم 1017 لسنة 36 القضائية
تفتيش. مأمورو الضبط القضائي. مواد مخدرة.
انصراف القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة للسيارات إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هى في حيازة أصحابها. بالنسبة للسيارات المعدة للأجرة: لمأموري الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور.
من المقرر أن التفتيش الذي يحرمه القانون على رجال الضبطية القضائية هو الذي يكون في إجرائه اعتداء على الحرية الشخصية أو انتهاك لحرمة المساكن، فيما عدا أحوال التلبس والأحوال الأخرى التي منحهم فيها القانون حق القبض والتفتيش بنصوص خاصة. على أن القيود الواردة على حق رجال الضبطية القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما ينصرف إلى السيارات الخاصة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هى في حيازة أصحابها، أما بالنسبة للسيارات المعدة للإيجار فإن من حق مأموري الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها في الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط المرور وأخذت بما قرره من أن ضبط المخدر إنما وقع أثناء محاولة مشروعة للكشف عن حمولة السيارة ولم يكن نتيجة سعي من جانبه للبحث عن جريمة إحراز المخدر وأن أمر ضبط هذه الجريمة إنما جاء عرضا ونتيجة لما اقتضاه أمر البحث عن الحمولة المخالفة مما جعله حيال جريمة متلبس بها, فإن الحكم يكون قد أصاب فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان الضبط والتفتيش ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص في غير محله.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 14 يناير سنة 1965 بدائرة مركز الفشن محافظة بني سويف: حاز جواهر مخدرة "حشيشا وأفيونا" وكان ذلك بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات بني سويف دفع الحاضر مع المتهم ببطلان التفتيش، والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بتاريخ 13 يونيو سنة 1965 عملا بالمواد 1 و2 و34/ 1 - أ و42 من القانون رقم182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرفق بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وتغريمه خمسة آلاف جنيه ومصادرة المواد المخدرة والسيارة والأدوات المضبوطة... وردت في أسباب حكمها على الدفع بأنه في غير محله. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهرين مخدرين بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانونا قد أخطأ في تطبيق القانون واعتراه فساد في الاستدلال، ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان التفتيش الذي أجراه ضابط المرور ولتجاوزه حدود اختصاصه وهو التحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور مما لا يبيح له فض علبه "مغلقة" كالتي ضبطت بحقيبة سيارة الطاعن. وقد رفضت المحكمة هذا الدفع بقالة، أن من حق الضابط استيقاف السيارة لاحتمال أن يكون الطاعن قائما بنقل أحد الموتى فيها وأنه إذ اشتم رائحة المخدر تنبعث من العلبة إثر رفعه مسند المقعد الخلفي للسيارة، فقد كان أمام جريمة متلبس بها، تبيح له ضبطها فضلا عن رضاء الطاعن بالتفتيش، وما ذكره الحكم من أن الضابط اشتم رائحة المخدر تنبعث من العلبة المذكورة لا يصح التعويل عليه مادامت سلطة التحقيق لم تجر تجربة تتحقق بها من هذا الأمر، كما أن رضاء الطاعن بالتفتيش كان محدودا بالبحث عن مخالفة لأحكام قانون المرور مما لا ينصرف إلى فتح العلبة المضبوطة. هذا وقد دفع الطاعن بعدم علمه بما تحويه العلبة من مخدرات، وأنها لآخر يشاركه في ملكية السيارة إلا أن المحكمة أهدرت دفاعه واستدلت على علم الطاعن بما تحويه العلبة المضبوطة من إسراعه بالسيارة الأجرة قيادته وهى خالية من الركاب وأنه تلكأ في فتح حقيبة السيارة حيث كانت العلبة الحاوية للمخدر، في حين أن الإسراع في المسير وخلو السيارة من الركاب كان مرده إلى أن الطاعن كان يسير بها بعد منتصف الليل في طريق خال ولم يقم دليل على تراخيه في فتح الحقيبة. كما أن الحكم أثبت في حق الطاعن أن إحرازه للمخدر كان بقصد الاتجار استنادا إلى ضخامة الكمية وما أفاد به ضابط مباحث مركز المنشأة من أن للطاعن نشاطا في نقل المخدرات مما مؤداه أن يكون إحرازه للمخدرات كان لنقلها لا بقصد الاتجار على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها عرض للدفع ببطلان التفتيش وأطرحه في قوله: "ومن حيث إن الدفع الذي أبداه المتهم ببطلان التفتيش الذي أجراه الشاهد الأول لتجاوز النطاق الذي يخوله له القانون مردود بأن الشاهد الأول إذ استوقف السيارة قيادة المتهم لاعتبارات خاصة موجزها ما أنبأ به معاون الشرطة الشاهد الثاني من أن المتهم كان يسير بسيارته بسرعة كبيرة دون أن يقف على بعض نقط المرور وهو الأمر الذي يوجبه قانون السيارات رقم 449 لسنة 1955 فلا تثريب عليه في هذا الاستيقاف خاصة وأن قانون السيارات قد نص على أنه لا يجوز استعمال سيارة الركوب في غير الغرض المخصص لها كنقل بضائع مثلا، كما نص على عدم جواز نقل الموتى إلا في عربات أعدت لذلك.
وإعمال هذه النصوص يجعل من حق الشاهد الأول خصوصا في الظروف المريبة التي كان عليها المتهم أن يفتش حقيبة السيارة لعل بها بضائع أو جثة ممنوع نقلها في مثل هذه السيارة وهى معدة للركوب فإذا ما تقاعس المتهم عن فتح الحقيبة متعللا كذبا بعدم حمل مفاتيحها فإنه من حق الشاهد أن يبحث عما بها ما دام في مكنته بطريقة أخرى أن يستكشف ما بداخل الحقيبة لعل فيها ما نهى قانون السيارات عن حمله ومن ثم وإذ فعل ذلك لا يكون قد جاوز اختصاصه, فإذا ما انبعثت رائحة نفاذة لمخدر بمجرد رفع مسند المقعد الخلفي للسيارة فإن جريمة إحراز المخدر يكون متلبسا بها مما يحقق له كرجل من رجال الضبطية القضائية أن يضبط المخدر ويفتش - المتهم - على أنه من ناحية أخرى فإن المتهم نفسه قد أذن للشاهد الأول بتفتيش السيارة إذنا صريحا غير مشوب ردده بالتحقيقات أمام النيابة وبالجلسة قائلا أنه كان يحمل في السيارة حيازته تلك الكرتونة المحتوية على المخدر وإن دفع بعدم علمه ما بها وأحال على غيره في خصوص ملكيتها ومن ثم يكون الدفع منهار الأساس ويتعين الالتفات عنه". وما انتهى إليه الحكم من رفض الدفع ببطلان التفتيش يتفق وصحيح القانون، ذلك بأنه من المقرر أن التفتيش الذي يحرمه القانون على رجال الضبطية القضائية هو الذي يكون في إجرائه اعتداء على الحرية الشخصية أو انتهاك لحرمة المساكن، فيما عدا أحوال التلبس والأحوال الأخرى التي منحهم فيها القانون حق القبض والتفتيش بنصوص خاصة، على أن القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما ينصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هى في حيازة أصحابها. أما بالنسبة للسيارات المعدة للإيجار - كسيارة الطاعن التي ضبط بها المخدر- فإن من حق مأموري الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها في الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور وإذ ما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط المرور وأخذت بما قرره من أن ضبط المخدر إنما وقع أثناء محاولة مشروعة للكشف عن حمولة السيارة ولم يكن نتيجة سعي من جانبه للبحث عن جريمة إحراز المخدر وأن أمر ضبط هذه الجريمة إنما جاء عرضا ونتيجة لما اقتضاه أمر البحث عن الحمولة المخالفة مما جعله حيال جريمة متلبس بها, فإن الحكم يكون قد أصاب فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان الضبط والتفتيش، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص في غير محله. هذا فضلا عما استظهره الحكم من أن تفتيش السيارة قد تم بناء على رضاء صريح من الطاعن مع علمه بظرف التفتيش والغرض منه وهو البحث عن حمولة مخالفة لأحكام قانون المرور. أما ما يثيره الطاعن من أن البحث عن الحمولة ما كان يقتضي فتح علبة مثل تلك العلبة المضبوطة، فمردود بما استظهره الحكم من أن مأمور الضبط القضائي كان حيال جريمة إحراز مخدر متلبس بها عندما اشتم رائحة المخدر تفوح من العلبة قبل فضها مما يسوغ له ضبطها. أما ما ينعاه الطاعن من أن سلطة التحقيق لم تجر تجربة للتحقق من قدرة الشاهد على شم رائحة المخدر، فإنه فضلا عن كونه تعييب للتحقيق الذي أجرى في المرحلة السابقة على المحاكمة فإن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة استيفاء هذا النقص ويكون نعيه في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للتدليل على علم الطاعن بما تحويه العلبة المضبوطة من مخدرات في قوله: "ومن حيث أن علم المتهم بأن ما يحرزه في السيارة قيادته هو مخدر يدل عليه (أولا) سيره بسيارة الأجرة من القاهرة إلى سوهاج في الهزيع الأخير من الليل دون أن يأخذ معه ركابا وهو الرجل الذي يقول أنه فقير مما يستتبع حتما في هذا السفر الطويل أن يستفيد فلا يخرج من القاهرة إلا إذا أخذ ركابا مما يقطع بأنه يعلم كنه المادة التي معه ولم يشأ أن يقبل ركابا حتى لا يفتضح أمره من تلك الرائحة النفاذة المنبعثة من المخدر. (وثانيهما) أن ثبت أنه كان يقود السيارة بسرعة جنونية في ذلك الوقت من الليل دون أن يقف على بعض نقط المرور وهو كقائد أجرة لا يلجأ إلى ذلك إلا إذا كان يعلم أنه يحمل مخدرات. (وثالثهما) تلكؤه في فتح الحقيبة ثم تجربة مفتاح غير خاص بها وقوله أخيرا إنه لا يحمل مفاتيح حقيبة السيارة وما أظهره تفتيشه من أنه يحمل تلك المفاتيح على ما ورد من أقوال الشهود حسب البيان المتقدم وهو أمر يؤكد أنه ما أراد من كل ذلك إلا تفادي فتح الحقيبة وهو لن يسلك هذا المسلك إلا إذا كان يعلم علم اليقين أنه يحمل مخدرا وإلا لقدم مفاتيح السيارة دون تردد". وما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغا في التدليل على علم الطاعن بأن ما تحويه العلبة من مخدر ولا يجديه بعدئذ ما يثيره من أن المخدر لآخر ما دام الحكم قد أثبت في حقه حمل المخدرات مع العلم بحقيقتها وهو ما يكفي وحده لإدانته بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. ومن ثم يكون ما يثيره في هذا الشأن على غير سند. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لقصد الاتجار وأثبته في حق الطاعن في قوله: "ومن حيث إن قصد الاتجار ثابت في حق المتهم من ضخامة الكمية التي يحملها إذ بلغت في مجموعها نحو 4908 جراما فضلا عن تنوع المادة المخدرة فمنها 2348 جراما من الحشيش و2560 جراما من الأفيون فضلا عما جاء بإفادة ضابط مباحث مركز المنشأة التابعة لسوهاج وهى بلدة المتهم والمؤرخة 13/ 2/ 1965 أن المتهم له نشاط في تهريب تجارة المخدرات". ولما كانت المحكمة قد اقتنعت للأسباب السائغة التي بينتها - في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى - بأن إحراز الطاعن للمخدرات المضبوطة كان بقصد الاتجار، وكان ما حصله الحكم من تحريات ضابط مباحث مركز المنشاة لا يتعارض مع ما انتهى إليه من توافر هذا القصد لديه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير أدلة الدعوى مما لا يصح إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ساحة النقاش