تلقي مأمور الضبط القضائي نبأ جريمة الرشوة عن الغير. عدم كفايته لقيام حالة التلبس بها. ما دام هو لم يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 17 - صـ 221
جلسة أول مارس سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد صبري، وعبد المنعم حمزاوي، وبطرس زغلول.
(42)
الطعن رقم 2 لسنة 36 القضائية
( أ ) تفتيش. "إذن التفتيش". "إصداره. تنفيذه". رشوة. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دفوع.
دفع المتهم ببطلان إذن الضبط والتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة. ثبوت أن الإذن قد صدر توصلاً لضبط واقعة رشوة مما ينبئ عن صدوره عن جريمة لم تكن وقعت فعلاً قبل صدوره. إعراض الحكم عن الرد على هذه الجزئية وبيان مدى صحة الأذن أو عدم صحته. قصور.
(ب) رشوة. تلبس. مأمورو الضبط القضائي. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
تلقي مأمور الضبط القضائي نبأ جريمة الرشوة عن الغير. عدم كفايته لقيام حالة التلبس بها. ما دام هو لم يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها. مثال.
1 - لما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن دفع ببطلان إذن الضبط والتفتيش، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تنطق بأن هذا الإذن قد صدر توصلاً لضبط واقعة رشوة، وهو ما ينبئ عن صدوره عن جريمة مستقبلة لم تكن قد وقعت فعلاً وقت صدوره. وكان الحكم لم يعرض بالرد على هذه الجزئية وبيان مدى صحة الإذن بالضبط والتفتيش أو عدم صحته في هذه الحالة، فإنه يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه والإحالة.
2 - لا يكفي لقيام حالة التلبس بجريمة رشوة أن يكون مأمور الضبط القضائي قد تلقى نبأ الجريمة من الغير ما دام هو لم يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، ولا يكفي للقول بقيام هذا الأثر ما أشار إليه الحكم في موضع منه من أن المرشد قد أنهى إلى الضابط مضمون ما أشر به الطاعن (الطبيب المتهم) على الخطاب الذي أثبت به نتيجة كشفه عليه طبياً ما دام أن الحكم لم يستظهر ما إذا كان المرشد قد عرض على الضابط - قبل إجراء التفتيش - صورة الخطاب المشار إليه وبيان ما إذا كانت هذه الصورة تعد أثراً عن آثار جريمة الرشوة ومظهراً من مظاهرها ينبئ بذاته - بعيداً عن الملابسات الأخرى - عن وقوعها، أو أنه يقصر عن الإنباء بذلك بما ينحسر به القول بوقوع الجريمة. ومن ثم فإن الحكم يكون معيباً بالقصور بما يوجب نقضه والإحالة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطعن بأنه في يوم 19 يوليه سنة 1964 بدائرة قسم البستان محافظة الإسماعيلية: بصفته موظفاً عمومياً مفتش صحة قسم أول الإسماعيلية أخذ رشوة من عبد الحميد إبراهيم سليمان لأداء واجب من واجبات وظيفته هو الكشف عليه لمنحه إجازة مرضية، وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 103 و104 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات الإسماعيلية دفع الحاضر مع المتهم ببطلان التحريات وما ترتب عليها من صدور إذن التفتيش. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 27 من إبريل سنة 1965 عملاً بالمادتين 103 و17 من قانون العقوبات: بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه. وقد ردت على الدفع قائلة إنه على غير أساس. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض الخ...
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الرشوة قد شابه القصور وأخطأ في تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال ذلك بأنه أطرح الدفع ببطلان إذن التفتيش والدليل المستمد منه لصدوره عن جريمة مستقبلة لم تكن قد وقعت وقت صدوره أو قامت الشواهد على وقوعها، بقولة إن الجريمة كانت في حالة تلبس، على الرغم من أن مأمور الضبط القضائي الذي قام بالضبط لم يشهدها أو يشهد شيئاً من آثارها التي تنبئ عنها وإنما علم بها من طريق الرواية وهو ما لا يساند القول بقيام تلك الحالة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن النقيب محيي الدين العشماوي قائد المباحث الجنائية العسكرية بالمنطقة الشرقية كان قد علم من تحرياته أن الطاعن - وهو مفتش صحة قسم أول الإسماعيلية - يتقاضى رشاوى من عمال وموظفي القوات المسلحة مقابل منحه إياهم إجازات مرضية بغير وجه حق، كما أن إبراهيم عبد الحميد سليمان السائق بمحطة فنارة أبلغ الضابط بذلك أيضاً، وتوصلاً لضبط واقعة الرشوة استصدر الضابط إذناً من النيابة العامة بضبط وتفتيش الطاعن مستعيناً في ذلك بالسائق المذكور الذي اتخذه مرشداً له وسلمه مبلغ خمسين قرشاً عبارة عن خمسة ورقات من فئة العشرة قروش - سبق أن أثبت أرقامها في محضره وعرضها على النيابة العامة عند استصدار الإذن - وأرسله إلى مستشفى القوات المسلحة حيث تبين من فحصه أنه سليم البنية والقلب والرئتين. وتنفيذاً للإذن الصادر من النيابة العامة توجه المرشد إلى عيادة الطاعن، وهو يحمل خطاباً لتوقيع الكشف الطبي عليه للاستحصال على أجازة، وبعد توقيع الكشف عليه دفع إلى الطاعن مبلغ الخمسين قرشاً المسلمة إليه فمنحه أجازة لمدة خمسة أيام وأشر على صورة الخطاب الذي يحمله بأنه يشكو من خفقان واضطراب بضربات القلب يستحق من أجله هذه الأجازة، فأبلغ المرشد الضابط - الذي كان ينتظر بالشارع خارج العيادة - بما تم وبأن الطاعن وضع النقود بجيب قميصه العلوي الأيسر، فتوجه الضابط بصحبة الرائد صلاح الدين عبد العظيم إلى عيادة الطاعن وأجرى تفتيشه فعثر في الجيب المذكور على عشر ورقات من فئة العشرة القروش من بينها خمس ورقات من تلك المسلمة إلى المرشد، كما ضبط أصل الخطاب الذي كان الأخير موفداً به. وأورد الحكم الأدلة التي رآها مؤدية إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن دفع ببطلان إذن الضبط والتفتيش، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تنطق - على ما سلف في بيان واقعة الدعوى - أن هذا الإذن قد صدر توصلاً لضبط واقعة الرشوة وهو ما ينبئ عن صدوره عن جريمة مستقبلة لم تكن قد وقعت فعلاً وقت صدوره، وكان الحكم لم يعرض بالرد على هذه الجزئية وبيان مدى صحة الإذن بالضبط والتفتيش أو عدم صحته في هذه الحالة بل أنه اقتصر على قوله: "ومن حيث إن المتهم أنكر ما أسند إليه وقرر الدفاع عنه أن التحريات لم تكن جديه وبالتالي يكون الإذن بالتفتيش قد وقع باطلاً ذلك لأن إبراهيم عبد الحميد يعمل بفايد وهي تبع قسم الضواحي وما أثاره الدفاع في هذا الشأن مردود بأن التحريات كان مقصوداً بها شخص المتهم إذ ورد اسم الطبيب رمزي صليب نصر صراحة في تلك التحريات وفضلاً عن ذلك فإن إبلاغ إبراهيم عبد الحميد سليمان عقب توقيع الكشف عليه في عيادة المتهم وحصوله على أجازة مقابل دفع الخمسين قرشاً يجعل الجريمة في حالة تلبس تبيح التفتيش. ومن ثم يكون الدفع ببطلان التحريات وبطلان التفتيش على غير أساس". وما أورده الحكم من ذلك لا يوفر قيام حالة التلبس إذ لا يكفي أن يكون مأمور الضبط القضائي قد تلقى نبأ الجريمة من الغير ما دام هو لم يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، ولا يكفي للقول بقيام هذا الأثر ما أشار إليه الحكم في موضع منه من أن المرشد قد أنهى إلى الضابط مضمون ما أشر به الطاعن على الخطاب الذي أثبت به نتيجة كشفه عليه ما دام أن الحكم لم يستظهر ما إذا كان المرشد قد عرض على الضابط - قبل إجراء التفتيش - صورة الخطاب المشار إليه وبيان ما إذا كانت هذه الصورة تعد أثراً من آثار الجريمة ومظهراً من مظاهرها ينبئ بذاته - بعيداً عن الملابسات الأخرى - عن وقوعها، أو أنه يقصر عن الإنباء بذلك بما ينحسر به القول بوقوع الجريمة. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.
ساحة النقاش