تكشف الجريمة عرضا أثناء التفتيش لضبط جريمة أخرى. الجريمة العارضة تكون في حالة تلبس. حق مأمور الضبط أن يمضي في الإجراءات بشأنها بناء على الحق المخول له في أحوال التلبس بالجريمة.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 976
جلسة 30 يونيه سنة 1969
برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.
(193)
الطعن رقم 960 لسنة 39 القضائية
(أ، ب) إجراءات. "الأعمال الإجرائية". تفتيش. "إذن التفتيش". "إصداره". "تنفيذه". إثبات. "إثبات بوجه عام". بطلان. اختصاص. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة. تهريب جمركي. تبغ. دخان.
(أ) الأعمال الإجرائية. جريانها على حكم الظاهر. عدم إبطالها من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر الواقع.
صدور إذن التفتيش لضبط مخدرات. صحة ضبط ما ينكشف عرضاً من جرائم. مثال.
(ب) تنفيذ الإجراء المشروع في حدوده. لا يتولد عنه عمل باطل.
(ج، د، هـ) إذن التفتيش. "إصداره". تحقيق. "أعمال التحقيق". استدلالات. إجراءات. "الأعمال الإجرائية".
بطلان. اختصاص. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير جدية التحريات". "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) تقدير جدية التحريات. موضوعي.
(د) لا يقدح في جدية التحريات. أن يسفر التفتيش عن ضبط غير ما أنصبت عليه هذه التحريات. العبرة في صحة الأعمال الإجرائية أو بطلانها بالمقدمات لا بالنتائج.
(هـ) إجراء تحقيق من السلطة المختصة بإصدار إذن التفتيش قبل إصداره. غير لازم. حق هذه السلطة في إصداره بناء على محضر الاستدلالات. الإذن عندئذ يكون مفتتحاً للتحقيق.
(و، ز، ح، ط) تفتيش. "إذن التفتيش". "إصداره". "نطاقه". جريمة. دفوع. "الدفع ببطلان الدليل". "الدفع ببطلان التفتيش". "الصفة في الدفع". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(و) تقدير أن الإذن بالتفتيش صدر لضبط جريمة وقعت فعلاً وليس لضبط جريمة محتملة. موضوعي.
(ز) كفاية اطمئنان المحكمة بالأدلة السائغة التي أوردتها إلى حدوث الضبط استناداً إلى إذن التفتيش. للرد على الدفع بصدور الإذن لاحقاً للضبط.
(ح) عدم جواز الطعن ببطلان الدليل المستمد من التفتيش لمخالفة الأوضاع القانونية. إلا ممن شرعت هذه الأوضاع لحمايته.
لا صفة لغير مالك الشيء أو حائزه في الدفع ببطلان تفتيشه.
(ط) تفتيش الأشخاص والمساكن بغير سند من القانون. محظور. شمول الإذن بتفتيش الشخص. ما يكون متصلاً به. شموله لسيارته الخاصة.
(ي) تفتيش. "إذن التفتيش". "إصداره". "نطاقه". تلبس. مأمورو الضبط القضائي. "سلطتهم". إثبات. "إثبات بوجه عام".
تكشف الجريمة عرضا أثناء التفتيش لضبط جريمة أخرى. الجريمة العارضة تكون في حالة تلبس. حق مأمور الضبط أن يمضي في الإجراءات بشأنها بناء على الحق المخول له في أحوال التلبس بالجريمة. المادتان 46، 47 إجراءات. لا استناداً إلى إذن التفتيش الذي انتهى أثره بظهور الجريمة.
(ك، ل) دعوى جنائية. "تحريكها". "قيود تحريكها". نيابة عامة. "القيود الواردة على حقها في تحريك الدعوى". تحقيق. استدلال. تهريب جمركي. تبغ. دخان.
(ك) خطاب الشارع في النصوص الخاصة بتعليق رفع الدعوى الجنائية ومباشرة الإجراءات بناء على طلب ممن يملكه. موجه للنيابة بوصفها سلطة تحقيق. لا إلى غيرها من جهات الاستدلال. مثال. المادة الرابعة من القانون 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ.
(ل) صدور طلب بالسير في إجراءات الدعوى ثم طلب برفعها. تمام الإجراءات وفق القانون.
(م، ن، س) تبغ. دخان. تهريب جمركي. جمارك. فاعل أصلي. اشتراك. جريمة. "أركانها". عقوبة. تفويض. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(م) حيازة المتهم لجسم الجريمة. غير لازم لاعتباره حائزاً. كفاية انبساط سلطانه عليه ولو كان في حوزة آخر نائباً عنه. مثال في حيازة دخان مهرب.
(ن) تحقق جريمة تهريب الدخان الليبي بتداوله أو حيازته أو نقله أو تهريبه.
إنشاء المادة الرابعة من القانون 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ بحالة من حالات التهريب الاعتباري لا يشترط فيها وقوع التهريب عند اجتياز الدائرة الجمركية.
اعتبار حيازة الدخان الليبي في داخل الجمهورية. تهريباً. ولو كانت حيازته من غير المهرب له فاعلاً أو شريكاً.
(س) وجوب القضاء على الفاعلين وشركائهم متضامنين بتعويض قدره عشرون جنيهاً عن كل كيلو جرام أو جزء منه من الدخان المهرب. فضلاً عن العقوبة المقررة. المادة 3 من القانون 92 لسنة 1964.
(ع) محكمة استئنافية. "الإجراءات أمامها". استئناف. "نظره والحكم فيه".
عدم التزام المحكمة الاستئنافية بسماع شهود أو إجراء تحقيق. إلا ما ترى لزوماً له.
(ف، ص) إجراءات المحاكمة. إجراءات. إثبات. "شهادة". تحقيق. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(ف) جواز الاستغناء عن سماع شهود الإثبات. إذا قبل المتهم أو الدفاع عنه ذلك صراحة أو ضمناً.
ليس للمتهم النعي على المحكمة عدم سماعها شهود أمسك عن المطالبة بسماعهم.
(ص) عدم التزام المحكمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه الدفاع أو الرد عليه بعد حجز الدعوى للحكم. ولو طلب ذلك في مذكرة مصرح له بتقديمها.
(ق) إثبات. "إثبات بوجه عام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وصف دفاع المتهم بالاصطناع. يفيد عدم الاطمئنان إلى أدلة النفي التي ساقها وأشار إليها الحكم.
(ر) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة. فاعل أصلي. تبغ. دخان. استيراد.
لا تناقض بين تبرئة المتهم من تهمة استيراد الدخان الليبي. وبين إدانته في حيازته ولو مع آخرين بوصفهم فاعلين أصليين في جريمة تهريبه.
(ش) طعن. "المصلحة في الطعن". جريمة. استيراد.
لا مصلحة للطاعن في النعي على حكم في شأن جريمة برأه منها. مثال.
1 - إن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجري على حكم الظاهر، وهي لا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر الواقع، وقد أعمل الشارع هذا الأصل وأدار عليه نصوصه ورتب أحكامه ومن شواهده ما نصت عليه المواد 30، 163، 362، 382 من قانون الإجراءات الجنائية، مما حاصله أن الأخذ بالظاهر لا يوجب بطلان العمل الإجرائي الذي يتم على مقتضاه، وذلك تيسيراً لتنفيذ أحكام القانون وتحقيقاً للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب، فإذا كان الثابت من محضر التحري أن الطاعنين يتجران في المواد المخدرة ضمن عصابة تواطأت على ذلك، فصدر الأمر من النيابة العامة بالتفتيش على هذا الأساس، فانكشفت جريمة التهريب عرضاً أثناء تنفيذه، فإن الإجراء الذي تم يكون مشروعاً، ويكون أخذ المتهمين بنتيجته صحيحاً، ولا يصح الطعن بأن ما تم فيه تجاوز للأمر الصادر لمأمور الضبط، ما دام هو لم يقم بأي عمل إيجابي بقصد البحث عن جريمة أخرى غير التي صدر من أجلها الأمر.
2 - من البداهة أن الإجراء المشروع لا يتولد عن تنفيذه في حدوده عمل باطل.
3 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى أقرتها عليها فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
4 - لا يقدح في جدية التحريات حسبما أثبته الحكم أن يكون ما أسفر عنه التفتيش غير ما انصبت عليه لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها.
5 - لا يشترط لصحة الأمر بالتفتيش طبقاً للمادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية أن يكون قد سبقه تحقيق أجرته السلطة التي ناط بها القانون إجراءه، بل يجوز لهذه السلطة أن تصدره إذا رأت أن الدلائل المقدمة إليها في محضر الاستدلال كافية، ويعد حينئذ أمرها بالتفتيش إجراء مفتتحاً للتحقيق.
6 - متى كان الحكم المطعون فيه لم يدع - فيما رد عليه من دفوع وفنده من أوجه دفاع - مجالاً للشك في أن الأمر بالتفتيش قد صدر عن جريمة وقعت فعلاً وصحت نسبتها إلى مقارفها، وكان الطاعن إنما يرسل القول بالجريمة المحتملة بناء على أن ما ضبط من الدخان المهرب هو غير المخدر الذي جرى الضبط من أجله، وقد سبق الرد عليه، وعلى أن عبارات محضر التحري وطلب الإذن جاءت عامة، مع أنها محددة حسبما أثبته الحكم وبينه، مما تندفع به دعوى الاحتمال، فلا تكون المحكمة بحاجة إلى الرد استقلالاً على ما تذرع به من ذلك - بفرض أنه تمسك به في مذكرته - لكونه ظاهر البطلان.
7 - إن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه، اطمئنان المحكمة بالأدلة السائغة التي أوردتها إلى وقوع الضبط بناء على الإذن.
8 - من المستقر عليه في قضاء محكمة النقض إنه لا يجوز الطعن بالبطلان في الدليل المستمد من التفتيش بسبب عدم مراعاة الأوضاع القانونية المقررة إلا ممن شرعت هذه الأوضاع لحمايتهم، ومن ثم فلا صفة للطاعن في الدفع ببطلان تفتيش السيارة التي ضبط بها بعض التبغ المهرب ما دام أن الثابت أنها غير مملوكة له ولم تكن في حيازته، وكذلك الحال بالنسبة للمخزن الذي ضبط به البعض الآخر من الدخان ما دام أنه غير مملوك ولا محوز له.
9 - التفتيش المحظور هو الذي يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون، أما حرمة السيارة الخاصة فمستمدة من اتصالها بشخص صاحبها أو حائزها، وإذن فما دام هناك أمر من النيابة العامة بتفتيش شخص المتهم فإنه يشمل بالضرورة ما يكون متصلاً به - والسيارة الخاصة كذلك - ومن ثم فلا وجه لما نعاه الطاعن من بطلان.
10 - متى كان الثابت أن الأمر بالتفتيش صدر لضبط جريمة إحراز مخدر، فانكشفت جريمة تهريب الدخان الليبي عرضاً لمأمور الضبط دون مسعى مقصود منه، فإن هذه الجريمة العارضة الظهور تكون في حالة تلبس ويصح لمأمور الضبط المضي في الإجراءات بشأنها بناء على حقه المخول له في أحوال التلبس بالجريمة - كما هو المستفاد من نص المادتين 46، 47 من قانون الإجراءات الجنائية - لا بناء على الأمر بالتفتيش الذي انقطع عمله، وانتهى أثره بظهور تلك الجريمة الجديدة.
11 - جرى قضاء محكمة النقض في تفسير المادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ ومثيلاتها من النصوص الخاصة بتعليق رفع الدعوى الجنائية ومباشرة الإجراءات على طلب ممن يملكه، على أن الخطاب موجه فيها من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية فيما يتعلق بالدعوى الجنائية باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى أو الإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية، استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق، ولا ينصرف فيها إلى غيرها من جهات الاستدلال.
12 - إذا كان الثابت من مدونات الحكم أن مأمور الضبط انتقل لتنفيذ أمر النيابة بالتفتيش ولما انكشفت له جريمة التهريب في حالة تلبس استصدر فور الضبط وقبل إجراء أي تحقيق من النيابة طلباً من مصلحة الجمارك، ثم من مصلحة الاستيراد بالسير في الإجراءات ثم صدر الطلب - بعد التحقيق وقبل رفع الدعوى - برفع الدعوى، فإن الإجراءات تكون قد تمت صحيحة لا مخالفة فيها للقانون.
13 - من المقرر أنه لا يشترط لاعتبار الشخص حائزاً للدخان المكون لجسم الجريمة، أن يكون محرزاً له مادياً، بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليه، ولو كان المحرز له شخصاً آخر بالنيابة عنه.
14 - إذ نصت المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ، على اعتبار تداول الدخان الليبي المعروف بالطرابلسي أو حيازته أو نقله تهريباً، فقد أنشأت حالة من التهريب الاعتباري لا يشترط في توافرها ما توجبه المادة 121 من القانون رقم 66 لسنة 1963 في شأن الجمارك، من ضرورة وقوع التهريب الفعلي أو الحكمي عند اجتياز الدائرة الجمركية، وعلى ذلك تعتبر حيازة الدخان الليبي في داخل إقليم الجمهورية من أي شخص كان، تهريباً معاقباً عليه ولو كانت حيازة الدخان من غير المهرب له فاعلاً كان أو شريكاً.
15 - أوجبت المادة الثالثة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ - فضلا عن العقوبة الواردة فيها - الحكم على الفاعلين والشركاء بطريق التضامن بتعويض يؤدي إلى مصلحة الخزانة بواقع عشرين جنيهاً عن كل كيلو جرام أو جزء منه، وإذ قضى الحكم بذلك، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً.
16 - إن المحكمة الاستئنافية إنما تقضي في الأصل على مقتضى الأوراق ولا تلزم بسماع شهود أو إجراء تحقيق، إلا ما ترى لزوماً له.
17 - أجازت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية الاستغناء عن سماع شهود الإثبات، إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، وإذ كان ما تقدم، وكان الطاعن لم يتمسك هو أو محاميه أمام درجتي التقاضي في جلسات المرافعة الشفوية بسماع أحد من شهود الإثبات، فإنه يعد نازلاً عن سماعهم وليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء أمسك هو عن المطالبة بتنفيذه.
18 - من المقرر أنه ما دامت المحكمة قد سمعت مرافعة الدفاع الشفوية بالجلسة، وأمرت بإقفال بابها وحجزت القضية للحكم، فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه الطاعن في مذكرته التي يقدمها في فترة حجز القضية للحكم، أو الرد عليه، سواء قدمها بتصريح منها أو بغير تصريح، ما دام هو لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة.
19 - إن وصف المحكمة دفاع الطاعن بالاصطناع يفيد عدم اطمئنانها إلى أدلة النفي التي ساقها الدفاع والتي سبق أن أشارت إليها في حكمها.
20 - لا تناقض بين تبرئة الطاعن من تهمة استيراد الدخان الليبي وبين إدانته في حيازته باعتبار هذا الفعل تهريباً بنص الشارع حسبما تقدم، ولا تناقض كذلك بين إدانة غير المتهم في حيازة الدخان المهرب، وبين إدانته هو معهم في حيازة ذات القدر المهرب منه باعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين في جريمة التهريب، لما أثبته من تواطئهم جملة على الحيازة وانبساط سلطانهم جميعاً على الدخان المحرز بناء على ما ساقه من الشواهد والبينات التي أوردها.
21 - لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم في خصوص جريمة الاستيراد، إذ قضى ببراءته منها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في 9 فبراير سنة 1966 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية: المتهمون جميعاً (أولاً) هربوا التبغ المبين بالمحضر إلى البلاد بطريقة غير مشروعة دون أداء الرسوم الجمركية المستحقة عليه (ثانياً) استوردوا كمية التبغ سالفة الذكر قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة. المتهم الخامس: هرب الأقمشة المبينة بالمحضر إلى أراضي الجمهورية العربية المتحدة بطريقة غير مشروعة ودون أداء الرسوم الجمركية المستحقة عليها. وطلبت عقابهم بالمواد 1 و2/ 2 - 4 و3 و4 من القانون رقم 92 لسنة 1964 و1 و7 و10 من القانون رقم 9 لسنة 1959 المعدل و5 و13/ 1 و121/ 1 و122 و124 من القانون رقم 66 لسنة 1963 وادعت مصلحة الجمارك مدنياً قبل المتهمين جميعاً بمبلغ 4700 جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة الشئون المالية الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمواد الاتهام (أولاً) بحبس المتهم الأول ستة شهور مع الشغل وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ وبحبس كل من المتهمين الثاني والثالث والرابع والخامس ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ ومصادرة التبغ المضبوط وبإلزام المتهمين جميعاً متضامنين بدفع تعويض لمصلحة الجمارك قدره 4700 ج عن التهمة الأولى وبراءة المتهم الثاني من هذه التهمة (ثانياً) ببراءة المتهمين جميعاً من التهمة الثانية. (ثالثاً) ببراءة المتهم الخامس من التهمة الثانية. فاستأنف كل من المتهمين الأول والثالث والخامس هذا الحكم. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت في الاستئناف حضورياً للأول والثالث وغيابياً للثاني بقبوله شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليهما الأول والخامس في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تهريب التبغ الليبي المعروف بالطرابلسي قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور والتناقض في التسبيب وذلك بأن الطاعن دفع ببطلان أمر التفتيش لصدوره دون تحريات جدية، ولضبط جريمة محتملة من قبل أن يسبقه تحقيق مفتوح، مدللاً على ذلك بشواهد منها السرعة في الإجراءات، وأنها تكشفت عن ضبط جريمة أخرى غير التي صدر بها الأمر وعمومية عبارات محضر التحري، كما دفع ببطلان التفتيش ذاته لإجرائه قبل صدور الأمر به، ولأنه تناول السيارة رقم 4928 ملاكي القاهرة التي لم يؤمر بتفتيشها ودفع كذلك ببطلان الإجراءات لحصولها قبل صدور طلب ممن يملك طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ والمادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد إلا أن المحكمة أغفلت الرد على بعض دفوعه وجاء ردها في البعض الآخر متهافتاًًًًً مبتسراً. هذا إلى أن الطاعن لم يضبط في حيازته إلا القليل من التبغ الليبي أما أكثره فضبط في سيارة ليست في حيازته أو في مخزن غير مملوك له فلا تصح مساءلته إلا عن القدر الذي أحرزه، وقد دين غيره من المتهمين ممن ثبتت حيازتهم للدخان مما يناقض إدانته هو ما لم يثبت تواطؤه معهم وهو ما لا يفترض وقد قضت المحكمة ببراءته من تهمة استيراد التبغ بغير ترخيص مما ينفي قضاءها بإدانته في تهريبه، لأن جريمة التهريب لا تقوم إلا في حق من يضبط حائزاً للبضاعة وهو يجتاز الدائرة، مما يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه أثبت بياناًً لواقعة الدعوى ما محصله أن النقيب محمد إسماعيل الصيرفي ضابط مكافحة المخدرات حرر في 8 من فبراير سنة 1966 محضراًً أثبت فيه أنه نمى إليه من التحري أن الطاعنين وآخرين ألفوا عصابة للاتجار في المخدرات متخذين السيارة الخاصة رقم 4928 القاهرة - المملوكة لمن يدعي........ - شريك الطاعن الأول في الزراعة في نقلها وإيداعها محزن الطاعن الثاني، وطلب فيه إلى النيابة العامة الإذن في تفتيش أشخاص المتهمين ومساكنهم والسيارة والمخزن المذكورين فصدر الأمر بتفتيش أشخاصهم فضلاً عن تفتيش مخزن ومسكن الطاعن الثاني. وفي اليوم التالي الموافق 9 من فبراير سنة 1966 حرر "العقيد عبد الرحمن اللقاني" رئيس قسم مكافحة المخدرات محضراًًً أثبت فيه انتقاله مع محرر المحضر السابق بناء على أمر النيابة إلى شارع مولاي محمد علي بقسم المنشية حيث أكدت التحريات أن المأذون بتفتيشهم يوجدون فيه بالسيارة الخاصة سالفة الذكر في جراج عمومي. وثمة وجد بها ثلاثة أشخاص هم...... و....... و...... المتهمين الثلاثة الآخرين الذين قضي بإدانتهم وبتفتيش السيارة وجد في حقيبتها الخلفية جوال به تبغ قرر المتهمون المذكورون أنه مملوك للطاعن الأول كما ذكر أولهم وهو قائد سيارة النقل رقم 634 وثانيهم وهو مساعده أنهما قاما بناء على تكليف من الطاعن الأول أيضاً بنقل أربعة أجولة من التبغ بهذه السيارة من القاهرة إلى الإسكندرية وأنهما حملاها إلى المخزن الموجود بالعقار رقم 141 بشارع طيبة المشار إليه في محضر التحريات والذي يستأجره ويحوزه الطاعن الثاني فانتقلت القوة إلى المخزن فوجدته مغلقاً ففتحه الضابط عنوة وأجرى تفتيشه في حضور المتهمين الثلاثة المذكورين فعثر به على ثمانية أجولة كبيرة مملوءة بالدخان ولما فتش الطاعن الأول من بعد وجد في حقيبة له كمية منه اعترف بإحرازها كما عثر معه على بعض أوراق وفواتير خاصة بسيارة النقل رقم 634 وتبين من التحليل أن التبغ المضبوط من النوع الليبي المحظور إحرازه أو حيازته أو تداوله وأنه يزن 217، 234 كيلو جرام يبلغ التعويض عنها للخزانة العامة 4700 ج بواقع عشرين جنيهاً عن كل كيلو جرام أو جزء منه وقد تبين من التحري أن الطاعن الثاني هو حائز المخزن بطريق التأجير منذ سنة 1964 الأمر الذي لم يجحده أصلاً في ذاته وإن ادعى أن الحيازة انتقلت إلى غيره بطريق التأجير من الباطن الأمر الذي رمت المحكمة دليله بالاصطناع. ولما تبين أن ما يحوزه المتهمون من التبغ الليبي الذي تعد حيازته تهريباً بادر محقق الشرطة إثر الضبط في 9 من فبراير سنة 1966 إلى استصدار طلب من مصلحة الجمارك بالسير في الإجراءات طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 ثم عادت مصلحة الجمارك مرة أخرى - بعد تحقيق النيابة - وأذنت في رفع الدعوى بموجب كتابها المؤرخ في 6 من أكتوبر سنة 1966 وقد دلل الحكم على واقعة التهريب المؤثم بما ينتجها من وجوه الأدلة الواردة في المساق المتقدم. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر جريمة التهريب التي دين فيها الطاعنان مدلولاً عليها بما يؤدي إلى ما رتبه. ولما كان من المقرر في صحيح القانون - بحسب التأويل الذي استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجري على حكم الظاهر وهي لا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر الواقع وقد أعمل الشارع هذا الأصل، وأدار عليه نصوصه ورتب أحكامه ومن شواهده ما نصت عليه المواد 30 و163 و362 و382 من قانون الإجراءات الجنائية مما حاصله أن الأخذ بالظاهر لا يوجب بطلان العمل الإجرائي الذي يتم على مقتضاه وذلك تيسيراً لتنفيذ أحكام القانون وتحقيقاً للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب. فإذا كان الثابت من محضر التحري أن الطاعنين يتجران في المواد المخدرة ضمن عصابة تواطأت على ذلك فصدر الأمر من النيابة العامة بالتفتيش على هذا الأساس، فانكشفت جريمة التهريب عرضاً أثناء تنفيذه فإن الإجراء الذي تم يكون مشروعاً، ويكون أخذ المتهمين بنتيجته صحيحاً، ولا يصح الطعن بأن ما تم فيه تجاوز للأمر الصادر لمأمور الضبط، ما دام هو لم يقم بأي عمل إيجابي بقصد البحث عن جريمة أخرى غير التي صدر من أجلها الأمر. فمن البداهة أن الإجراء المشروع لا يتولد عن تنفيذه في حدوده عمل باطل. ولا يقدح في جدية التحريات حسبما أثبته الحكم أن يكون ما أسفر عنه التفتيش غير ما انصبت عليه، لأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهتي الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها. ومن المقرر أن تقدير جدية التحريات موكول لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فمتى أقرتها عليه، فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. ولا يشترط لصحة الأمر بالتفتيش طبقاً للمادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية أن يكون قد سبقه تحقيق أجرته السلطة التي ناط بها القانون إجراءه، بل يجوز لهذه السلطة أن تصدره إذا رأت أن الدلائل المقدمة إليها في محضر الاستدلال كافية ويعد حينئذ أمرها بالتفتيش إجراء مفتتحاً للتحقيق. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يدع - فيما ردت عليه من دفوع وفنده من أوجه دفاع - مجالاً للشك في أن الأمر بالتفتيش قد صدر عن جريمة وقعت فعلاً وصحت نسبتها إلى مقارفيها وكان الطاعن إنما يرسل القول بالجريمة المحتملة بناء على أن ما ضبط من الدخان المهرب هو غير المخدر الذي جرى الضبط من أجله - وقد سبق الرد عليه - وعلى أن عبارات محضر التحري وطلب الإذن جاءت عامة، مع أنها محددة حسبما أثبته الحكم وبينه، مما تندفع به دعوى الاحتمال، فما كان بالمحكمة حاجة إلى الرد استقلالاً على ما تذرع به من ذلك - بفرض أنه تمسك به في مذكرته - لكونه ظاهر البطلان. ولما كان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة بالأدلة السائغة التي أوردتها إلى وقوع الضبط بناء على الإذن. ولما كان الثابت أن السيارة الخاصة التي ضبط بها بعض التبغ المهرب غير مملوكة للطاعن ولم تكن في حيازته وقت الضبط - بإقراره في طعنه - وأن المخزن الذي ضبط به البعض الآخر غير مملوك ولا محوز له كذلك، وكان المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أنه لا يجوز الطعن بالبطلان في الدليل المستمد من التفتيش بسبب عدم مراعاة الأوضاع القانونية المقررة إلا ممن شرعت هذه الأوضاع لحمايتهم فلا صفة للطاعن في الدفع بالبطلان وفوق ذلك فإن التفتيش المحظور هو الذي يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون، أما حرمة السيارة الخاصة فمستمدة من اتصالها بشخص صاحبها أو حائزها، وإذن فما دام هناك أمر من النيابة العامة بتفتيش شخص المتهم فإنه يشمل بالضرورة ما يكون متصلاً به، والسيارة الخاصة كذلك، ومن ثم فلا وجه لما نعاه الطاعن من بطلان. ولما كان الثابت - حسبما سلف البيان - أن الأمر بالتفتيش صدر لضبط جريمة إحراز مخدر، فانكشفت جريمة تهريب الدخان الليبي عرضاً لمأمور الضبط دون مسعى مقصود منه، فإن هذه الجريمة العارضة الظهور تكون في حالة تلبس ويصح لمأمور الضبط المضي في الإجراءات بشأنها بناء على حقه المخول له في أحوال التلبس بالجريمة - كما هو المستفاد من نص المادتين 46 و47 من قانون الإجراءات الجنائية - لا بناء على الأمر بالتفتيش الذي انقطع عمله، وانتهى أثره بظهور تلك الجريمة الجديدة، إذ
جرى قضاء هذه المحكمة في تفسير المادة الرابعة من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ ومثيلاتها من النصوص الخاصة بتعليق رفع الدعوى الجنائية ومباشرة الإجراءات على طلب ممن يملكه على أن الخطاب موجه فيها من الشارع إلى النيابة العامة بوصفها السلطة صاحبة الولاية فيما يتعلق بالدعوى الجنائية باعتبار أن أحوال الطلب كغيرها من أحوال الشكوى والإذن إنما هي قيود على حريتها في تحريك الدعوى الجنائية استثناء من الأصل المقرر من أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا بنص خاص يؤخذ في تفسيره بالتضييق، ولا ينصرف فيها الخطاب إلى غيرها من جهات الاستدلال، يقطع في هذا المعنى أن المادة 39 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 426 لسنة 1954 إذ نصت على أنه "فيما عدا الأحوال المنصوص عليها في المادة 9 فقرة ثانية من هذا القانون، فإنه إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية عنها على شكوى فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها، ويجوز في هذه الحالة أن تكون الشكوى لمن يكون حاضراً من رجال السلطة العامة". فدلت بذلك على أنه في الأحوال الأخرى إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية فيها على إذن أو طلب، فإنه يجوز لمأموري الضبط القبض على المتهم واتخاذ كافة إجراءات التحقيق قبل تقديم الإذن أو الطلب. والقول بغير ذلك يؤدي إلى توجيه خطاب الشارع إلى غير المخاطب، وتعليق الحكم بالصحة أو البطلان على نتيجة الإجراء لا بناء على الظاهر الذي جرى حكمه، وإهدار لسلطة مأموري الضبط المخولة لهم قانوناً في أحوال التلبس بالجريمة، فضلاً عما يؤدي إليه هذا النظر من تأذي العدالة الجنائية إذا قيل ببطلان الإجراء الذي اتخذ في الجريمة المتلبس بها مع أنه متولد عن إجراء مشروع، ولما كان الثابت من مدونات الحكم أن مأمور الضبط انتقل لتنفيذ أمر النيابة بالتفتيش ولما انكشفت له جريمة التهريب في حالة تلبس استصدر فور الضبط وقبل إجراء أي تحقيق من النيابة في 9 من فبراير سنة 1966 طلباً من مصلحة الجمارك، ثم من مصلحة الاستيراد بالسير في الإجراءات ثم صدر الطلب بعد التحقيق وقبل رفع الدعوى في 6/ 10/ 1966 برفع الدعوى ومن ثم فإن الإجراءات تكون قد تمت صحيحة ولا مخالفة فيها للقانون. ولما كانت المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 سالف الذكر إذ نصت على اعتبار تداول الدخان الليبي المعروف بالطرابلسي أو حيازته أو نقله تهريباً فقد أنشأت حالة من التهريب الاعتباري لا يشترط في توافرها ما توجبه المادة 121 من القانون رقم 66 لسنة 1963 في شأن الجمارك من ضرورة وقوع التهريب الفعلي أو الحكمي عند اجتياز الدائرة الجمركية وعلى ذلك تعتبر حيازة الدخان الليبي في داخل إقليم الجمهورية من أي شخص كان تهريباً معاقباً عليه ولو كانت حيازة الدخان من غير المهرب له فاعلاً كان أو شريكاً. ولما كان من المقرر أنه لا يشترط لاعتبار الشخص حائزاً للدخان المكون لجسم الجريمة أن يكون محرزاً له مادياً بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليه ولو كان المحرز له شخصاً آخر بالنيابة عنه. فلا على المحكمة أن تعتبر الطاعن والمتهمين الآخرين حائزين للدخان الليبي المهرب ما دام أنها استخلصت من الأدلة السائغة التي أوردتها في حكمها أن إرادتهم قد انعقدت على تهريبه بالسيارة التي أعدوها لهذا الغرض. ولما كانت المادة الثالثة من القانون رقم 92 لسنة 1964 قد أوجبت - فضلاً عن العقوبة الواردة فيها - الحكم على الفاعلين والشركاء بطريق التضامن بتعويض يؤدي إلى مصلحة الخزانة بواقع عشرين جنيهاً عن كل كيلو جرام أو جزء منه، وهو ما أعمله الحكم فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً. لما كان ذلك، وكان لا تناقض بين تبرئة الطاعن من تهمة استيراد الدخان الليبي وبين إدانته في حيازته باعتبار هذا الفعل تهريباً بنص الشارع حسبما تقدم، وكان لا مصلحة له في النعي على الحكم في خصوص جريمة الاستيراد إذ قضى ببراءته منها، وكان لا تناقض كذلك بين إدانة غير المتهم في حيازة الدخان المهرب، وبين إدانته هو معهم في حيازة ذات القدر المهرب منه باعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين في جريمة التهريب، لما أثبته من تواطئهم جملة على الحيازة وانبساط سلطانهم جميعاً على الدخان المحوز، بناء على ما ساقه من الشواهد والبينات الواردة في المساق المتقدم وكان سائر الطعن جدلاً موضوعياً صرفاً لا يثار لدى محكمة النقض، فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الطاعن الثاني ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تهريب التبغ الليبي المعروف بالطرابلسي قد بني على الإخلال بحقه في الدفاع وشابه القصور في التسبيب ذلك بأنه أقام دفاعه على نفي حيازته للعقار الذي ضبط به الدخان وأن غيره هو الحائز له عن طريق التأجير من الباطن، وقد طلب في مذكرته المصرح له بتقديمها إلى محكمة الدرجة الثانية سماع شهود الإثبات الذين لم يسمعوا أمام محكمة أول درجة وسماع محرر المحضر ورئيس مكتب مكافحة التهريب وكذلك سماع المشرف على العقار شاهد نفي إذ سبق أن حرر ضده مذكرة أحوال وأخرى لدى شرطة النجدة بخصوص تأجيره المخزن من الباطن قبل ضبط الواقعة إلا أن المحكمة لم تستجب لطلبه واكتفت بتأييد الحكم الابتدائي الذي أطرح دفاع الطاعن بقالة عدم اطمئنانه إلى شهادة شهود النفي، دون أن يعرض لشهادة مصطفى البرديني المستأجر من الباطن، أو عقد الإيجار المبرم بينه وبين الطاعن مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن الطاعن لم يطلب إلى محكمة أول درجة سماع أحد من شهود الإثبات، بل اكتفى بطلب سماع شاهدي النفي على أنه أجر المخزن من الباطن لكواء يدعى مصطفى البرديني وأمام محكمة الدرجة الثانية طلب الدفاع عن الطاعن بجلسة 19 من يناير سنة 1969 سماع شاهد جهله، فأجلت المحكمة القضية لجلسة 9 من مارس سنة 1969 دون أن تجيبه إلى ما طلب، وفي الجلسة المذكورة لم يتمسك الطاعن أو محاميه بسماع أحد من الشهود إثباتاً أو نفياً، وأدلى محاميه بمرافعته الشفوية ثم أمرت المحكمة بإقفال باب المرافعة وأجلت القضية للحكم بجلسة 23 من مارس سنة 1969 وصرحت بتقديم مذكرات في خلال أسبوع. لما كان ذلك، وكان من المقرر في القانون أن المحكمة الاستئنافية إنما تقضي في الأصل على مقتضى الأوراق ولا تلزم بسماع شهود أو إجراء تحقيق إلا ما ترى لزوماً له، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، وكان الطاعن لم يتمسك هو أو محاميه في أي من درجتي التقاضي في جلسات المرافعة الشفوية بسماع أحد من شهود الإثبات فإنه يعد نازلاً عن سماعهم فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن القيام بإجراء أمسك هو عن المطالبة بتنفيذه، وكان من المقرر كذلك أنه ما دامت المحكمة قد سمعت مرافعة الدفاع الشفوية بالجلسة وأمرت بإقفال بابها وحجزت القضية للحكم، فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه الطاعن في مذكرته التي يقدمها في فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه سواء قدمها بتصريح منها أو بغير تصريح ما دام هو لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة. ولما كان دفاع الطاعن قد انصب أساساً على انقطاع حيازته للمخزن وقت وقوع الجريمة مما ينتفي به موجب حيازته للدخان المضبوط إذ أجره من الباطن إلى كواء يدعى مصطفى البرديني بعقد مؤرخ أول يناير سنة 1965 حتى أول ديسمبر سنة 1967 حين نزل له الكواء المذكور عن العقد تأدياً من ذلك إلى أن المخزن خرج عن حيازته خلال هذه المدة التي جرى فيها الضبط، مدللاً على دعواه بعقد الإيجار والتنازل فضلاً عن شهادة الكواء وشاهدي نفي، وقد عرض الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه لدفاعه فأطرحه جملة وقال في ذلك "إن المحكمة لا تلتفت لما اصطنعه من دفاع مؤداه أن المخزن لم يكن في حيازته وقت الضبط لعدم اطمئنانها إلى شهود النفي الذين أشهدهم" وكان الحكم قد أثبت في مدوناته حيازة الطاعن للمخزن بإقراره أنه هو المستأجر له أصلاً وأن التحري السابق على الضبط واللاحق له يفيد بقاء المخزن في حيازته منذ سنة 1964 وأنه ضالع في الجريمة المسندة إليه وأن المخزن المذكور وجد مغلقاً وقت الضبط ولم يكن يشغله الكواء كمظهر لاستئجاره من الباطن كما ادعى وأن الطاعن قدم عقداً يفيد تأجيره للكواء من الباطن ابتداء من أول يناير سنة 1965 وإقراره بتنازله عنه ابتداء من أول ديسمبر سنة 1967 وأحضره معه للشهادة، وأن المذكور صادق الطاعن مدعياً أنه أجر المخزن بدوره لشخص ليبي لم يرشد عنه، وأن أحد شاهدي النفي جار له وتبين من مناقشة المحكمة لهما أنهما يجهلان تاريخ ضبط الواقعة، فإذا ما رتبت المحكمة على ما سلف من الأمارات اصطناع الدفاع، فإنها لا تكون قد جاوزت المعقول في أصول الاستدلال. لما كان ذلك، وكان وصف المحكمة دفاع الطاعن بالاصطناع يفيد عدم اطمئنانها إلى أدلة النفي التي ساقها الدفاع والتي سبق أن أشارت إليها في حكمها ومنها عقد الإيجار وشهادة شاهدي النفي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.
ساحة النقاش