لم يعرف القانون معنى التعذيبات البدنية, ولم يشترط لها درجة معينة من الجسامة, والأمر في ذلك متروك لتقدير محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 688
جلسة 23 من يونيه سنة 1959
برياسة السيد حسن داود نائب رئيس المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعباس حلمي سلطان المستشارين.
(153)
الطعن رقم 717 لسنة 29 القضائية
(أ, ب, جـ) قبض بدون وجه حق. المادة 280 ع. الظروف المشددة للعقوبة. التعذيبات البدنية. درجة جسامتها. متى يتحقق الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة 282/ 2ع؟ محكمة الموضوع.
عدم اشتراط القانون للتعذيبات البدنية درجة معينة من الجسامة. تقدير الجسامة أمر موضوعي. مثال للإصابات التي يتحقق بها التعذيب البدني.
عدم اشتراط المادة 282 وقوع الظرف المشدد تاليا للقبض.
(د) اشتراك. مساهمة جنائية. التمييز بين الفاعل والشريك.
قياس عمل الفاعل بالدور المباشر الذي يأخذه في تنفيذ الجريمة ويقتضي وجوده على مسرحها وإتيانه عملا من الأعمال المكونة لها. مثال في جريمة قبض بظرفها المشدد. المادة 39/ 2 ع.
(هـ) نقض. أسباب الطعن الموضوعية. مثال.
تقدير سن المتهم.
1 - لم يعرف القانون معنى التعذيبات البدنية, ولم يشترط لها درجة معينة من الجسامة, والأمر في ذلك متروك لتقدير محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى.
2 - الإصابات العديدة التي استعملت في إحداثها آلة صلبة راضة - كالعصا الغليظة, أو عقب "كعب" البندقية يتحقق بها التعذيب البدني بالمعنى المقصود في المادة 282 من قانون العقوبات.
3 - يتحقق الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة 282 من قانون العقوبات متى كان وقوعه مصاحبا للقبض, ولا يشترط أن يكون تاليا له.
4 - ظهور كل من المتهمين على مسرح الجريمة وإتيانه عملا من الأعمال المكونة لها مما تدخله في نطاق الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات, يجعله فاعلا أصليا في الجريمة التي دينوا بها - فإذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم أنه بينما كان المجني عليه عائدا في الطريق إلى بلدته يتقدمه أخوه (الشاهد الثاني) إذ خرج عليهم المتهمون من زراعة الذرة الواقعة على جانب الطريق وأمسك المتهمان الثاني والثالث بأخ المجني عليه, ولما حاول مقاومتهما اعتدى عليه المتهم الثالث بالضرب بعقب البندقية على رأسه وذراعه فأصابه, بينما أمسك المتهم الأول وآخرون مجهولون بالمجني عليه وهددوه ببنادقهم وعذبوه بالتعذيبات البدنية وعصبوا عينه واقتادوه قسرا عنه إلى مكان مجهول, وكان المتهمان الثاني والثالث آنذاك ممسكين بالشاهد الثاني حتى اختفى الجناة ومعهم المجني عليه, فإن الحكم إذ دان المتهمين كفاعلين أصليين في جريمة القبض بظرفها المشدد, يكون صحيحا في القانون.
5 - تقدير سن المتهم من المسائل الموضوعية التي لا تجوز إثارة الجدل فيها أمام محكمة النقض.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم (أولا) قبضوا وآخرين مجهولين على أمين يوسف فام بدون أمر أحد الحكام المختصين وحجزوه في زراعة الذرة مدة أربع وعشرين ساعة تحت تهديد السلاح, وكان هذا القبض والحجز مصحوبا بتعذيبات بدنية بأن ضربه مجهول من بينهم وأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما - (ثانيا) المتهم الثالث ضرب بدروس يوسف فام فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما, وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى هذه المحكمة لمعاقبتهم بالمواد 280, 282, 242/ 1 من قانون العقوبات فقررت ذلك, ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل متهم من المتهمين الثلاثة, الجيلاني الجوهري علي والدسوقي السيد عبد الصالحين الشهير بمصطفى وأحمد حسن إدريس بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات, فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
... وحيث إن حاصل أسباب الطعن المقدم في 9 من أبريل سنة 1958 أن الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة الخطف مع أن الثابت من بلاغ الحادث أنه حصل في الظلام وفي زراعة ذرة ارتفاعها متران ونصف ولم يعرف الشهود باقي المتهمين مما يدل على أن اتهامهم للطاعنين لم يكن عن يقين وجاءت شهادة بدروس يوسف غير قاطعة في أنه تحقق من الطاعنين الثاني والثالث, وشهد المجني عليه أنه لم يتأكد من الجناة, وقد ظهر في اليوم التالي وقرر أن أحدا لم يأخذ منه ولا من أهله نقودا بسبب خطفه, مما يدعو للقول بأن جريمة الخطف مكذوبة وأن الاتهام بنى على ضغائن بين الفريقين لنزاع على زراعة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى التي دان الطاعنين بها في قوله "إنه حوالي الغروب بينما كان المجني عليه أمين يوسف فام عائدا من زراعته في طريقه إلى بلدته الشيخ مسعود وكان أخوه بدروس يوسف فام بتقدمه بحوالي مترين خرج من زراعة الذرة الواقعة في الجهة القبلية من الطريق المتهمون الثلاثة وأمسك المتهمان الثاني والثالث ببدروس يوسف فام ولما حاول مقاومتهما اعتدى عليه المتهم الثالث بضربه بكعب البندقية على رأسه وذراعه فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي وأمسك المتهم الأول ومعه آخرين لم يتبينهم المجني عليه أمين يوسف فام وهددوه ببنادقهم وعذبوه بالتعذيبات البدنية بأن اعتدى عليه مجهول من بينهم بالضرب فأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي وعصبوا عينية حتى لا يرى شيئا واقتادوه قسرا عنه إلى مكان لم يتبينه حيث مكث يوما كاملا تحت تأثير التهديد بقتله بالسلاح حتى أخلوا سبيله" واستندت المحكمة في إدانتها للطاعنين إلى أدلة استمدتها من أقوال المجني عليه أمين يوسف فام وأخيه بدروس يوسف فام ونائب العمدة بدرة القمص بطرس وما تبين من التقارير الطبية, ولما كان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى وكانت المحكمة قد أثبتت في حكمها أن الحادث لم يقع في الظلام الدامس وإنما وقع في وقت الغروب, واستندت في ذلك إلى أقوال شاهدي الإثبات واطمأنت إلى ما شهد به المجني عليه من أنه عرف الطاعنين الثلاثة وتحقق منهم, وإلى ما قرره في جلسة المحاكمة من أن الطاعنين خطفوه للحصول على شئ من المال وأنه دفع لهم فعلا, وإلى ما شهد به بدروس يوسف فام من أنه عرف الطاعنين الثاني والثالث من بين الجناة, وإذا كان لهذين الشاهدين قول آخر في التحقيق يخالف بعض الذي قيل في جلسة المحاكمة على حد زعم الطاعنين فلا ضير على المحكمة إن هى أخذت بما اطمأنت إليه من أقوال هذين الشاهدين في الجلسة واطرحت ما عداه, لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعنون فيما سلف لا يعدو أن يكون جدلا في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من تقرير الأسباب المقدم في 12 من أبريل سنة 1958 هو الخطأ في تطبيق القانون, ذلك أن الحكم قال بتوافر الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة 282 من قانون العقوبات بالتهديد بالسلاح أو الضرب الموصوف بالتقرير الطبي, مع أن هذا الظرف لا يتحقق إلا إذا كان ثمة تهديد بالقتل فعلا لا مجرد التهديد باستعمال السلاح أو إحداث التعذيبات البدنية, وهى التي تكون على درجة بالغة من الجسامة وكلا الأمرين غير متحقق في الواقعة حسبما رواه الحكم, كما أخطأ الحكم في اعتبار هذا الظرف متوافرا قبل أن يتم القبض بالفعل والحال أنه حتى بفرض توافر هذا الظرف فإنه يجب أن يكون بعد تمام القبض فعلا, وقد وقع الحكم في خطأ آخر بقضائه بالأشغال الشاقة على الطاعن الأول مع أن سنه قدرت في قرار الإحالة بست عشرة سنة, ولم تعترض النيابة على هذا التقدير وقدرته المحكمة جزافا باثنين وعشرين سنة دون ما سند.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن القانون لم يعرف معنى التعذيبات البدنية ولم يشترط لها درجة معينة من الجسامة, والأمر في ذلك متروك لتقدير محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى, وقد أثبت الحكم أن تعذيب المجني عليه أسفر عن إصابته بجرح رضي بمقدم الجدارية اليسرى وسحجات رضية بظهر اليدين وكدم رضي مستطيل بأعلا أيمن مقدم الصدر وجرح رضي بمؤخر الجدارية اليسرى وكدمات رضية مستطيلة متعددة بالظهر والإليتين وخلف الذراع الأيسر وأن هذه الإصابات تحدث - كما قال التقرير الطبي - من الضرب بجسم صلب راض غليظ أو كعب البندقية, لما كان ذلك, وكان في هذه الإصابات العديدة التي استعملت في إحداثها آلة صلبة راضة كالعصا الغليظة أو عقب (كعب) البندقية ما يتحقق به التعذيب البدني بالمعنى المقصود في المادة 282 من قانون العقوبات, وكان الظرف المشدد المنصوص عليه في تلك المادة يتحقق متى كان وقوعه مصاحبا للقبض ولا تشترط - كما يقول الطاعن - أن يكون تاليا له, وقد أثبت الحكم أن تعذيب المجني عليه قد صاحب القبض عليه, لما كان ذلك, وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قدرت سن الطاعن باثنين وعشرين سنة واقر الطاعن أمامها أنه طلب للخدمة العسكرية ولم يعترض المدافع عنه على هذا التقدير, وكان تقدير سن المتهم من المسائل الموضوعية التي لا تجوز إثارة الجدل فيها أمام هذه المحكمة, فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني القصور والتناقض, وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه تقطع بأن كل ما وقع من ثانيهم وثالثهم هو أنهما أمسكا ببدروس يوسف فام ولما حاول مقاومتهما اعتدى عليه الطاعن الثالث بالضرب بعقب "كعب" البندقية على رأسه وذراعه, ولم يشر الحكم إلى أنه كان لهذين المتهمين صلة ما بواقعة القبض على أمين يوسف فام, ومع ذلك فقد دانتهما المحكمة بجريمة القبض بظرفها المشدد كفاعلين أصليين مع باقي المتهمين.
وحيث إن الحكم المطعون فيه ذكر في واقعة الدعوى أنه بينما كان المجني عليه عائدا في الطريق إلى بلدته يتقدمه أخوه بدروس يوسف فام إذ خرج عليهم الطاعنون الثلاثة من زراعة الذرة الواقعة على جانب الطريق وأمسك الطاعنان الثاني والثالث ببدروس يوسف ولما حاول مقاومتهما اعتدى عليه الطاعن الثالث بالضرب بعقب البندقية على رأسه وذراعه فأصابه, بينما أمسك الطاعن الأول وآخرون مجهولون بالمجني عليه وهددوه ببنادقهم وعذبوه بالتعذيبات البدنية وعصبوا عينيه واقتادوه قسرا عنه إلى مكان مجهول, وكان الطاعنان الثاني والثالث آنذاك ممسكين بالشاهد الثاني حتى اختفى الجناة ومعهم المجني عليه, ويبين من ذلك أن ما أثبته الحكم في حق كل من الطاعنين يجعله فاعلا أصليا في الجريمة التي دينوا بها لأنه ظهر على مسرح الجريمة وأتى عملا من الأعمال المكونة لها مما تدخله في نطاق الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات, ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو الخطأ في الإسناد, ذلك أن المحكمة ختمت تحصيلها للواقعة بقولها "إن المجني عليه مكث يوما كاملا تحت تأثير التهديد بقتله بالسلاح حتى أخلوا سبيله", ولا سند لهذه الواقعة في التحقيقات التي أجريت بالجلسة.
وحيث إن هذا الوجه مردود بما سلف قوله من أن ظرف التعذيب قد ثبت توافره في حق الطاعنين بيقين, وهو ما يكفي وحده لتغليظ العقاب عليهم وأخذهم بحكم الفقرة الثانية من المادة 282 من قانون العقوبات بصرف النظر عن واقعة تهديد المجني عليه بالسلاح, وإذا كان الحكم قد أخطأ في إيراد هذه الواقعة, فإن هذا الخطأ - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ولا ينال منه ما دام أن الحكم قد حمل على الظرف الآخر المشدد وهو ظرف التعذيب.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ساحة النقاش