قد عاقبت الطاعن بعقوبة جريمة إكراه المجني عليه على إمضاء شيكات المرتبطة بها بوصفها الأشد.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 37 - صـ 670
جلسة أول أكتوبر سنة 1986
برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي (نواب رئيس المحكمة) وسري صيام.
(127)
الطعن رقم 712 لسنة 56 القضائية
(1) إجراءات "إجراءات المحاكمة". وصف التهمة. محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة".
عدم تقيد محكمة الموضوع بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الواقعة. واجبها تمحيصها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها صحيح القانون ولو كان الوصف الصحيح هو الأشد. حد ذلك؟.
(2) توقيع على سند بالإكراه. جريمة "أركانها". إكراه. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
ركن القوة أو التهديد في جريمة الإكراه على إمضاء السندات تحققه بكافة صور انعدام الرضا لدى المجني عليه. تمامه بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص من شأنها تعطيل الاختيار أو إعدام قوة المقاومة عندهم تسهيلاً لارتكاب الجريمة.
الإكراه كما يكون مادياً باستعمال القوة. قد يكون أدبياً بطريق التهديد.
تقدير بلوغ التهديد درجة من الشدة تسوغ اعتباره قرين القوة. موضوعي. ما دام سائغاً.
مثال.
(3) إثبات "اعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". توقيع على سند بالإكراه.
عدم التزام المحكمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره. لها تجزئته واستنباط الحقيقة منه كما كشف عنها.
ورود الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية وروده على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى اقتراف الجاني للجريمة.
(4) شيك بدون رصيد.
توقيع الساحب الشيك على بياض لا ينال من سلامته. أساس ذلك؟
(5) حكم "ما يعيبه في نطاق التدليل".
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". وزن أقوال الشهود. موضوعي.
حق محكمة الموضوع التعويل على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيقات. متى اطمأنت إليها.
(7) عقوبة "العقوبة المبررة". قبض بدون وجه حق. توقيع على سند بالإكراه. نقض "المصلحة في الطعن".
عدم جدوى النعي في توافر أركان جريمة القبض والحجز بدون وجه حق متى كانت المحكمة قد عاقبت الطاعن بعقوبة جريمة إكراه المجني عليه على إمضاء شيكات المرتبطة بها بوصفها الأشد.
1 - من المقرر أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً، ولو كان الوصف الصحيح هو الأشد ما دامت الواقعة المرفوعة بها الدعوى لم تتغير وليس عليها في ذلك إلا مراعاة الضمانات التي نصت عليها المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية وهي تنبيه المتهم ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه إذا طلب ذلك، إذ أنها وهي تفصل في الدعوى لا تتقيد بالواقعة في نطاقها الضيق المرسوم في وصف التهمة المحالة عليها بل إنها مطالبة بالنظر في الواقعة الجنائية على حقيقتها كما تبين من عناصرها المطروحة عليها ومن التحقيق الذي تجريه بالجلسة.
2 - لما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن وباقي المحكوم عليهم - في بيان كاف - إقدامهم على ارتكاب الجريمة متوخين تعطيل إرادة المجني عليه عن طريق تهديدهم له باستعمال السلاح أثناء اقتيادهم له في السيارة وحمله كرهاً إلى منزل أولهم وتهديده وهو في قبضتهم محجوزاً دون وجه حق حتى عصر اليوم التالي مما من شأنه ترويع المجني عليه وانقياده كرهاً عنه إلى التوقيع على الشيكات الثلاثة التي طلبوا منه التوقيع عليها، فإن الحكم يكون قد استظهر بذلك ركن القوة أو التهديد في جريمة الإكراه على إمضاء السندات كما هي معرفة به في نص المادة 325 من قانون العقوبات، إذ يتحقق هذا الركن بكافة صور انعدام الرضا لدى المجني عليه فهو يتم بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص يكون من شأنها تعطيل الاختيار أو إعدام قوة المقاومة عندهم تسهيلاً لارتكاب الجريمة، فكما يصح أن يكون الإكراه مادياً باستعمال القوة فإنه يصح أيضاً أن يكون أدبياً بطريق التهديد ويدخل في هذا المعنى التهديد بخطر جسيم على النفس أو المال، وإذ كان تقدير التهديد الذي يبلغ درجة من الشدة تسوغ اعتباره قرين القوة والذي يرغم المجني عليه على التوقيع على الورقة أو السند، مرجعه إلى محكمة الموضوع تستخلصه من عناصر الدعوى المطروحة أمامها بغير معقب عليها في ذلك ما دام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كالحال في الدعوى - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس.
3 - من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر في قضائه أن اعتراف المتهم الثالث الذي أخذ به الطاعن قد ورد نصاً في الاعتراف بالجريمة واطمأنت المحكمة إلى مطابقته للحقيقة والواقع، فإنه لا يؤثر فيه عدم اشتماله على أنه تم تهديد المجني عليه بالسلاح أثناء تواجده بالسيارة أو على أنه أرغم على التوقيع على الشيكات بمسكن المحكوم عليه الأول، ذلك أنه لا يلزم أن يرد الاعتراف على الواقعة بكل تفاصيلها بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة.
4 - من المقرر أن توقيع الساحب على الشيك على بياض دون أن يدرج القيمة التي يحق للمستفيد تسلمها من المسحوب عليه أو دون إثبات تاريخ به لا يؤثر على صحة الشيك إذ أن إعطاء الشيك بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد في وضع هذين البيانين قبل تقديمه للمسحوب عليه، وينحسر عنه بالضرورة عبء إثبات وجود هذا التفويض وطبيعته ومداه، وينقل هذا العبء إلى من يدعي خلاف هذا الظاهر.
5 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو، الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
6 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولهم من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان من حق المحكمة وهي في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيقات ما دامت قد اطمأنت إليها وأن تطرح ما عداها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من أخذه بشهادة المجني عليه بالجلسة رغم تناقضها مع أقواله بالتحقيقات لا يكون له محل.
7 - لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن واقعة القبض والحجز بدون وجه حق - وأياً كان الرأي في الوصف القانوني الذي أسبغته المحكمة عليها - ما دامت المحكمة قد طبقت في حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة الجريمة الأولى - وهي إكراه المجني عليه على إمضاء الشيكات - بوصفها الجريمة الأشد.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم: (أولاً) شرعوا في إكراه.... على توقيع ثلاث شيكات على بياض بقصد ملء بياناتها بكتابه تثبت لهم حقوقاً قبله بأن حجزوه بدون وجه حق وهددوه بالقتل فقام بالتوقيع عليها بناء على هذا الإكراه. (ثانياً) قبضوا على المجني عليه سالف الذكر وحجزوه بدون وجه حق بغير أمر أحد من الحكام المختصين قانوناً في غير الأحوال المحددة لذلك على النحو المبين بالأوراق. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة جنايات قنا لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم (الطاعن) بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 280 و325 من قانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وإلزامه بأن يؤدي للمجني عليه مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الإكراه على إمضاء ثلاثة شيكات على بياض والقبض والحجز بدون أمر أحد الحكام المختصين، قد شابه البطلان والخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد والإخلال بحق الدفاع والقصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأن المحكمة عدلت الواقعة المرفوعة بها الدعوى من شروع في إكراه على إمضاء ثلاثة شيكات إلى جريمة تامة مع أن تمام الجريمة كان نتيجة وقائع إكراه أخرى لم ترد في أمر الإحالة فلا تملك المحكمة إقامة قضائها عليها إلا باتباع ما نصت عليه المادة الحادية عشرة من قانون الإجراءات الجنائية ويمتنع عليها في هذه الحالة نظر الدعوى برمتها كما أن الحكم لم يبين في صورة الواقعة أو في أدلة الدعوى عناصر الإكراه الذي أدى إلى التوقيع على الشيكات وعول في إدانة الطاعن - من بين ما عول عليه - على اعتراف المتهم... مع أن أقوال ذلك المتهم تناقض الصورة التي اعتنقها الحكم في شأن حصول التهديد في منزل المحكوم عليه الأول إذ أنها لا تفيد إجبار المجني عليه على التوقيع على الشيكات، وبني الحكم اعتقاده بتمام الجريمة على مجرد افتراض انتواء الطاعن وباقي المتهمين تحرير بيانات الشيكات وهو أمر لم يتحقق، ودان الحكم الطاعن طبقاً للمادة 325 من قانون العقوبات رغم أن الشيكات محررة على بياض وليست لها أية قيمة، كما أن الحكم بعد أن أثبت في بيانه لصورة الدعوى أن الطاعن والمتهمين الثالث والرابع طلبوا من المجني عليه التوقيع على الشيكات لصالح المتهم الأول عاد وأثبت أن بيانات الشيكات ستحرر لصالح المتهمين جميعاً، وحصل من أقوال المجني عليه أن الطاعن ومن معه من المتهمين حضروا إليه بمنزله على زعم الاستعانة به في إصلاح سيارة معطلة بالطريق على خلاف ما جاء بأقواله بالجلسة من أنه كان سيقوم بجر السيارة المعطلة، وعول الحكم على شهادة المجني عليه بالجلسة رغم تناقضها مع أقواله بالتحقيقات واعتبر أن المجني عليه لم يكن في مكنته الاستغاثة طوال الطريق رغم طول المسافة التي قطعتها السيارة ومرورها على نقط متعددة وفي شوارع المدينة المزدحمة كما اعتبر الحكم ركن التهديد بالقتل متوافر في جريمة القبض والحبس بغير حق مع أن تصرف الطاعن وباقي المتهمين لا يفيد توافره. وأخيراً فقد خالف الحكم القانون حين ألزم الطاعن المصاريف الجنائية ثم عاد وألزم بها باقي المتهمين. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية على الطاعن بوصف أنه وثلاثة آخرين شرعوا في إكراه المجني عليه.... على توقيع ثلاثة شيكات على بياض بقصد ملئ بياناتها بكتابة تثبت لهم حقوقاً قبله بأن حجزوه دون وجه حق وهددوه بالقتل فقام بالتوقيع عليها بناء على هذا الإكراه وبأنهم قبضوا على المجني عليه سالف الذكر وحجزوه دون وجه حق بغير أمر من أحد الحكام المختصين بذلك - ولدى نظر الدعوى عدلت المحكمة وصف التهمة الأولى المنسوبة إلى الطاعن وباقي المتهمين من شروع في إكراه على إمضاء ثلاثة شيكات إلى جريمة تامة. وقد حصل الحكم واقعة الدعوى في قوله "إن المتهمين الثلاثة الأخيرين - الطاعن والمتهمين الثالث والرابع - كانوا قد اصطحبوا المجني عليه... في سيارة خاصة بهم عصر يوم 21/ 2/ 1979 برأس غارب زاعمين له أن هناك سيارة معطلة يريدون الاستعانة به في إصلاحها وأنهم إذ كانت السيارة تقلهم جميعاً قاموا بتقييد حريته وشل حركته وتهديده وطلب منه المتهم الثاني... - الطاعن - عنوة أن يوقع على ثلاثة شيكات لم تملأ بياناتها لصالح شقيقه المتهم الأول على سند من القول أن ذلك بهدف تصفية الحساب بينهما وقد أخرج المتهم الثاني مسدساً صوبه نحو جنبه الأيمن بينما أخرج المتهم الثالث مدية صوبها نحو جنبه الأيسر قاصدين إرغامه كرهاً على التوقيع على الشيكات سالفة الذكر إلا أن المجني عليه لم يستجب لمطلبهم ولم يمتثل لتهديدهم وحاول عبثاً الاستغاثة إلا أن أحداً لم يغثه وظل المتهمون الثلاثة على هذا الحال المتقدم ذكره إلى أن اقتادوه للمتهم الأول في منزله بالقاهرة الذي حاول يعاونه في ذلك المتهمون الباقون إرغام المجني عليه على التوقيع له على الشيكات سالفة البيان مهدداً ومتوعداً إياه واستمر ذلك والمجني عليه في قبضتهم حتى قبل عصر اليوم التالي إلى أن عجز المجني عليه عن مقاومة هذا التهديد وذلك الوعيد وأوجس في نفسه خيفة فاستجاب لذلك ووقع مرغماً على هذه الشيكات لصالح المتهم الأول وما أن أعادوه إلى بلدته حتى أسرع يبلغ الشرطة بالحادث وأورد الحكم المطعون فيه على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال المجني عليه واعتراف المتهم... ومن تحريات الشرطة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً، ولو كان الوصف الصحيح هو الأشد ما دامت الواقعة المرفوعة بها الدعوى لم تتغير وليس عليها في ذلك إلا مراعاة الضمانات التي نصت عليها المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية وهي تنبيه المتهم ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه إذا طلب ذلك، إذ أنها وهي تفصل في الدعوى لا تتقيد بالواقعة في نطاقها الضيق المرسوم في وصف التهمة المحالة عليها بل إنها مطالبة بالنظر في الواقعة الجنائية على حقيقتها كما تبين من عناصرها المطروحة عليها ومن التحقيق الذي تجريه بالجلسة. لما كان ذلك، وكانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم أساساً للوصف الذي دان الطاعن به ودارت على أساسه المرافعة، كما أن المحكمة لفتت نظر الدفاع إلى ما أسبغته على الواقعة من وصف قانوني، فإن النعي على حكمها بدعوى البطلان والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله، لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن وباقي المحكوم عليهم - في بيان كاف - إقدامهم على ارتكاب الجريمة متوخين تعطيل إرادة المجني عليه عن طريق تهديدهم له باستعمال السلاح أثناء اقتيادهم له في السيارة وحمله كرهاً إلى منزل أولهم وتهديده وهو في قبضتهم محجوزاً دون وجه حق حتى عصر اليوم التالي مما من شأنه ترويع المجني عليه وانقياده كرهاً عنه إلى التوقيع على الشيكات الثلاثة التي طلبوا منه التوقيع عليها، فإن الحكم يكون قد استظهر بذلك ركن القوة أو التهديد في جريمة الإكراه على إمضاء السندات كما هي معرفة به في نص المادة 325 من قانون العقوبات، إذ يتحقق هذا الركن بكافة صور انعدام الرضا لدى المجني عليه فهو يتم بكل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص يكون من شأنها تعطيل الاختيار أو إعدام قوة المقاومة عندهم تسهيلاً لارتكاب الجريمة، فكما يصح أن يكون الإكراه مادياً باستعمال القوة فإنه يصح أيضاً أن يكون أدبياً بطريق التهديد ويدخل في هذا المعنى التهديد بخطر جسيم على النفس أو المال، وإذ كان تقدير التهديد الذي يبلغ درجة من الشدة تسوغ اعتباره قرين القوة، والذي يرغم المجني عليه على التوقيع على الورقة أو السند، مرجعه إلى محكمة الموضوع تستخلصه من عناصر الدعوى المطروحة أمامها بغير معقب عليها في ذلك ما دام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كالحال في الدعوى - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل اعتراف المحكوم عليه الثالث في قوله وقد اعترف المتهم الثالث... بتحقيقات النيابة أنه والمتهمين.... و.... اصطحبوا المجني عليه في السيارة بتوجيه من المتهم الثاني (الطاعن) زاعمين له بأن هناك سيارة معطلة وفي الطريق على مقربة من نقطة مرور الزعفرانة حاول المجني عليه الاستغاثة حين اكتشف عدم وجود سيارة معطلة ولكن لم يجبه أحد ووضع المتهم الثاني يده على فمه بينما أمسك هو بيده التي كان يحاول بها إيقاف السيارة وقد طلب المتهم الثاني من المجني عليه أن يوقع على ثلاثة شيكات لصالح شقيقة المتهم الأول ولما أن رفض التوقيع اصطحبوه في السيارة عنوة إلى حيث يقيم المتهم الأول الذي أساء استقباله وسبه بمسكنه بمدينة القاهرة وأنهى المتهم اعترافه أنه والمتهمين المرافقين له في السيارة وهم الثاني (الطاعن) والرابع أرغموا المجني عليه وأجبروه على التوجه إلى حيث يقيم المتهم الأول وقد قضى ليلة بهذا المنزل وتم توقيعه على الشيكات الثلاث" وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشف عنها، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر في قضائه أن اعتراف المتهم الثالث الذي أخذ به الطاعن قد ورد نصاً في الاعتراف بالجريمة واطمأنت المحكمة إلى مطابقته للحقيقة والواقع، فإنه لا يؤثر فيه عدم اشتماله على أنه تم تهديد المجني عليه بالسلاح أثناء تواجده بالسيارة أو على أنه أرغم على التوقيع على الشيكات بمسكن المحكوم عليه الأول، ذلك أنه لا يلزم أن يرد الاعتراف على الواقعة بكل تفاصيلها بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة - وهو ما لم يخطئ فيه الحكم، وتكون منازعة الطاعن في هذا الصدد على غير سند. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن توقيع الساحب على الشيك على بياض دون أن يدرج القيمة التي يحق للمستفيد تسلمها من المسحوب عليه أو دون إثبات تاريخ به لا يؤثر على صحة الشيك إذ أن إعطاء الشيك بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد في وضع هذين البيانين قبل تقديمه للمسحوب عليه، وينحسر عنه بالضرورة عبء إثبات وجود هذا التفويض وطبيعته ومداه، وينقل هذا العبء إلى من يدعي خلاف هذا الظاهر، وإذ كان الحكم قد استخلص من ظروف الدعوى أن الطاعن وباقي المحكوم عليهم كانوا يبغون من إكراه المجني عليه على إمضاء الشيكات الثلاثة على بياض استيفاء بياناتها بما يثبت حقوقاً لهم قبله، فإن استخلاصه هذا يكون سائغاً يتفق مع العقل والمنطق ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا المعنى على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو، الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة للواقعة حاصلها أن الطاعن والمحكوم عليهم الآخرين أكرهوا المجني عليه على التوقيع على الشيكات على بياض لصالح المحكوم عليه الأول ثم ساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته هذه ومن بينها أقوال المجني عليه واعتراف المحكوم عليه الثالث واللذان تطابقا في هذا المعنى مع ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى، فإن ما تناهي إليه الحكم بعد ذلك في معرض وصف التهمة من القول أن الإكراه على إمضاء الشيكات الثلاثة على بياض كان بقصد ملء بياناتها بكتابة تثبت لهم حقوقاً قبله، لا يعدو - في صورة الدعوى - أن يكون خطأ مادياً لا أثر له على النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان الثابت في محضر جلسة المحاكمة أن ما حصله الحكم من أقوال المجني عليه بخصوص واقعة إصلاح السيارة له صداه من أقواله بالتحقيقات، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولهم من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان من حق المحكمة وهي في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيقات ما دامت قد اطمأنت إليها وأن تطرح ما عداها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من أخذه بشهادة المجني عليه بالجلسة رغم تناقضها مع أقواله بالتحقيقات لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت الصورة التي استخلصتها المحكمة لواقعة الدعوى لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في عدم قدرة المجني عليه على الاستغاثة طول الطريق لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أسند للطاعن - في التهمة الثانية - جريمة القبض على المجني عليه وحجزه دون وجه حق بغير أمر أحد الحكام المختصين المؤثمة بالمادة 280 من قانون العقوبات - وهي جنحة - ولم يسند إليه الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 282 من القانون المذكور - وهي جناية - والتي يشترط لقيامها أن يكون القبض مقترناً بالتهديد بالقتل، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن واقعة القبض والحجز بدون وجه حق - وأياً كان الرأي في الوصف القانوني الذي أسبغته المحكمة عليها - ما دامت المحكمة قد طبقت في حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة الجريمة الأولى - وهي إكراه المجني عليه على إمضاء الشيكات - بوصفها الجريمة الأشد. لما كان ذلك، وكانت المادة 313 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أن "كل متهم حكم عليه في جريمة يجوز إلزامه بالمصاريف كلها أو بعضها" وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه ومنطوقه أنه انتهى إلى إلزام الطاعن والمحكوم عليهم الآخرين بالمصاريف الجنائية، فإنه لا يكون قد خالف القانون في شيء. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصاريف المدنية.
ساحة النقاش