نفقات التقاضي التي تدخل ضمن عناصر التعويض - عن إساءة استعمال الحق - لا تكفي لجبرها المصروفات القضائية المحكوم بها.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1242
جلسة 27 من نوفمبر سنة 1969
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين الدكتور محمد حافظ هريدي، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن، وأحمد ضياء الدين مصطفى.
(192)
الطعن رقم 392 لسنة 35 القضائية
( أ ) حكم. "تسبيب الحكم". نقض. "أسباب الطعن". حق. "إساءة استعمال الحق". مسئولية.
استخلاص المحكمة ركن الخطأ الموجب للمسئولية لإساءة استعمال حق التقاضي من أوراق الدعوى ووقائعها استخلاصاً سائغاً. النعي عليه فيما قرره من حجية الحكمين السابقين الصادرين في موضوع النزاع بين الخصوم أنفسهم. غير منتج.
(ب) حق. "إساءة استعمال الحق". تعويض. "عناصر التعويض".
نفقات التقاضي التي تدخل ضمن عناصر التعويض - عن إساءة استعمال الحق - لا تكفي لجبرها المصروفات القضائية المحكوم بها.
1 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد قرر بأن للحكمين السابقين - الصادرين في الإجراءات القضائية التي اتخذها الطاعنون ضد المطعون عليها - حجية الأمر المقضي في ثبوت ركن الخطأ في دعوى التعويض - عن إساءة استعمال حق التقاضي - إلا أن الحكم لم يقف عند هذا الحد بل استخلص من هذين الحكمين ومن باقي أوراق الدعوى ووقائعها في حدود سلطته الموضوعية الأفعال التي وقعت من الطاعنين في حق المطعون عليها ثم اعتبر هذه الأفعال مكونة للخطأ الموجب لمسئوليتهم لإساءة استعمالهم حق التقاضي، وإذ كان استخلاصه سائغاً، ووصفه للأفعال التي استخلصها بأنها خطأ ترتب المسئولية هو وصف صحيح موافق القانون، فإن النعي عليه فيما قرره من حجية الحكمين المشار إليهما يكون غير منتج ولا جدوى فيه.
2 - نفقات التقاضي التي تدخل ضمن عناصر التعويض - عن إساءة استعمال حق التقاضي - لا تكفي لجبرها المصروفات القضائية المحكوم بها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيدة/ خاريكا لالي أقامت الدعوى رقم 1137 سنة 1961 مدني كلي الإسكندرية ضد محمود صالح إبراهيم وآخرين انتهت فيها إلى طلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لها مبلغ 750 جنيه على سبيل التعويض. وقالت شرحاً لها أن المدعى عليهم أقاموا الدعوى 385 لسنة 1960 مدني مستعجل الإسكندرية واستصدروا حكماً بطردها من الشقة المؤجرة إليها منهم تأسيساً على تخلفها عن سداد الإيجار اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1958 حتى مارس سنة 1961، كما استصدروا أمراً بتوقيع الحجز على منقولاتها الموجودة بالعين المؤجرة وفاء لمبلغ 30 ج و600 م قيمة متجمد الإيجار، واستصدروا كذلك أمراً بأداء هذا المبلغ إليهم وقاموا فعلاً بتنفيذ حكم الطرد واستلام العين المؤجرة بعد نقل المحجوزات وتسليمها للحارس، وإذ تمت هذه الإجراءات في غفلة منها وبقصد الإضرار بها وإخراجها من الشقة سكنها رغم انتظامها في أداء الإيجار بموجب حوالات بريدية ترسل داخل خطابات تحمل عنوانها بالقاهرة، فقد استأنفت حكم الطرد بالاستئناف رقم 526 سنة 1960 مستعجل الإسكندرية كما أقامت الاستئناف رقم 528 سنة 1960 مدني الإسكندرية عن أمر الأداء، وقضي في أولهما بإلغاء حكم الطرد وببطلان صحيفة افتتاح الدعوى وما تلاها من إجراءات، وقضي في ثانيهما بإلغاء أمر الأداء ورفض دعوى الطاعنين وإلزامهم المصروفات في كلا الاستئنافين واستناداً إلى هذين الحكمين أقامت الدعوى الحالية بالطلبات سالفة البيان لتعويضهم عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من تلك الإجراءات الكيدية.
وفي 16/ 4/ 1962 قضت المحكمة بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعية مبلغ 150 ج على سبيل التعويض. واستأنف المدعى عليهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد هذا الاستئناف برقم 382 سنة 18 قضائية كما استأنفته المدعية طالبة تعديله والحكم لها بباقي طلباتها وقيد استئنافها برقم 392 سنة 18 قضائية. وفي 4/ 5/ 1965 حكمت المحكمة بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوع الاستئناف رقم 382 سنة 18 ق برفضه وإلزام المستأنفين المصروفات وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وفي موضوع الاستئناف رقم 392 سنة 18 ق بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليهم متضامنين بأن يدفعوا للمستأنفة مبلغ 500 ج والمصروفات المناسبة عن الدرجتين ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للسببين الواردين بالتقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكم ولم تحضر المطعون عليها ولم تبد دفاعاً وصممت النيابة العامة على رأيها الوارد في مذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه استند في قضائه إلى أن الخطأ الموجب لمسئولية الطاعنين عن الضرر الذي لحق المطعون عليها ثابت في حقهم من الإجراءات الباطلة المفعمة بالكيد الظاهر التي اتخذوها بصدد توقيع الحجز على منقولاتها واستصدار أمر ضدها بأداء الأجرة وحكم بطردها من الشقة المؤجرة لها، على ما كشف عنه الحكمان 526، 528 سنة 1960 مستأنف الإسكندرية واللذان لهما حجية الأمر المقضي في ثبوت هذا الخطأ ثم رتب الحكم عن ذلك امتناع العودة إلى مناقشة ركن الخطأ في دعوى التعويض موضوع هذا الطعن، وهو منه مخالفة للقانون وخطأ في تطبيقه إذ أن الخطأ في تلك الإجراءات التي قضي ببطلانها لعدم توجيه الإعلان إلى المطعون ضدها في محل إقامة زوجها باعتباره موطناً لها، يختلف عن الخطأ الواجب بحثه في دعوى التعويض الحالية المؤسسة على إساءة استعمالهم حق التقاضي والذي يستلزم توافر اتجاه القصد بالإجراءات إلى الإضرار بطالبة التعويض والكيد لها، هذا علاوة على أنه لو صرح الحكمان المشار إليهما أن البطلان المقضى به ينطوي على الكيد وقصد الإضرار، فإن قضاءهما في هذا الشأن لا يحوز قوة الشيء المقضى فيه بالنسبة للدعوى المطروحة لخروجه عن حدود النزاع الذي فصلا فيه الذي كان قاصراً على تقرير بطلان الإجراءات أو صحتها.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن سرد وقائع النزاع بين الطرفين عرض لمسئولية الطاعنين فقال أنه "لا محل للجدل بشأن حقهم في استيفاء الأجرة وطريقة الوفاء بها وما إذا كانوا قد استوفوا الأجرة المستحقة بالفعل أم لم يستوفوها، ذلك أن الخطأ الموجب لمسئوليتهم عن الضرر الذي لحق السيدة/ خاريكا لالي ثابت في حقهم من الإجراءات الباطلة المفعمة بالكيد الظاهر التي اتخذوها بصدد توقيع الحجز التحفظي على منقولات السيدة المذكورة واستصدار الأمر بالأداء وحكم بطردها من الشقة التي كانوا يؤجرونها لها والتي كشف عنها الحكمان 526، 528 سنة 1960 س مدني الإسكندرية وكلاهما له حجية الأمر المقضي بشأن ثبوت ذلك الخطأ فقد أفصح الحكم الأول الصادر بإلغاء أمر الأداء عن بطلان إجراءات استصدار أمر الأداء لبطلان الإعلانات وتعمد المستأنفين (الطاعنين) في اتخاذ هذه الإجراءات الباطلة بإعلان المستأنف عليها في الشقة في وقت يعلمون أنها لا تقيم فيها وأن موطنها بالقاهرة كما أفصح الحكم الاستئنافي الآخر الصادر بإلغاء حكم الطرد عن بيان تلك الإجراءات الباطلة والمتخذة عمداً، ولا يعيبه أنه حكم وقتي ذلك بان له حجية كاملة في حدود طبيعته الموقوتة، هذا فضلاً عن أن إلغاء حكم الطرد في حد ذاته إنما يقتضي رجوع الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدوره أي إلغاء التنفيذ الذي تم بمقتضاه وعودة المستأجرة إلى الشقة وتمكينها من الانتفاع بها بمقتضى عقد الإيجار، وإذن فمتى كان المستأنفون قد أصروا على عدم تمكينها من العودة إلى الشقة بحجة تأجيرها إلى الغير وامتناعهم من إزالة هذا العائق وإصرارهم على حرمان المستأجرة من الانتفاع بالشقة طوال المدة السابقة على رفع الدعوى الراهنة فإن ذلك وحده ينطوي على خطأ كافٍ من جانبهم يسألون عن تعويضه بغض النظر عما إذا كانوا قد قبضوا الأجرة أم لم يقبضوها، لأن إخلال المستأجرة بالتزامها بدفع الأجرة بفرض وقوعه لا يبرر قيام المستأنفين باتخاذ إجراءات كيدية باطلة حيالها لإخراجها من مسكنها المؤجر لها بمقتضى عقد إيجار لا زال سارياً" ومن ذلك يبين أن الحكم المطعون فيه وإن قرر بأن للحكمين - الصادرين في الاستئنافين رقمي 526، 528 سنة 1960 الإسكندرية - حجية الأمر المقضي في ثبوت ركن الخطأ في دعوى التعويض المطروحة إلا أنه الحكم لم يقف عند هذا الحد، بل استخلص من هذين الحكمين ومن باقي أوراق الدعوى ووقائعها في حدود سلطته الموضوعية الأفعال التي وقعت من الطاعنين في حق المطعون عليها ثم اعتبر هذه الأفعال مكونة للخطأ الموجب لمسئوليتهم لإساءة استعمالهم حق التقاضي، وإذ كان استخلاصه سائغاً ووصفه للأفعال التي استخلصها بأنها خطأ يرتب المسئولية هو وصف صحيح موافق للقانون، فإن النعي عليه فيما قرره من حجية الحكمين المشار إليهما يكون غير منتج ولا جدوى فيه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بالقصور في التسبيب من وجوه (أولها) أن الطاعنين تمسكوا لدى محكمة الاستئناف بانتفاء حجية الحكمين رقمي 526، 528 سنة 1960 س الإسكندرية التي ركنت إليها المحكمة الابتدائية وأوضحوا الأسانيد المؤيدة لدفاعهم ومع ذلك فقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى القول بقيام هذه الحجية دون مناقشة لهذا الدفاع وأسانيده (وثانيها) أن الحكم المطعون فيه وهو يتحدث عن عناصر التعويض قد أشار إلى أن المطعون عليها اضطرت إلى الإقامة في أماكن أخرى بأجر مرتفع وإلى صعوبة حصولها على مسكن مماثل بأجر مناسب وإلى الخسارة التي لحقتها والكسب الذي فاتها، وأدخل هذه العناصر في التعويض المقضى به دون سند أو دليل من الأوراق بل عول في ذلك على مجرد الاستنتاج، كما أشار إلى المبالغ التي أنفقتها المطعون عليها في مباشرة الاستئنافين رقمي 526، 528 سنة 1960 س الإسكندرية في حين أن هذه المصاريف سبق إلزام الطاعنين بها في هذين الاستئنافين وصار من حق المطعون عليها اقتضاؤها منهم، ثم تحدث الحكم أخيراً عن حرمانها من الانتفاع بمنقولاتها طوال مدة الحجز عليها وفاته أن سبب هذا الحرمان إنما يرجع إلى عدم وفائها بالأجرة فتسأل هي عنه دون الطاعنين (وثالثها) أن الحكم قد أدخل في حسابه عند تقدير التعويض ما يقابل حرمان المطعون عليها وزوجها من قضاء الصيف بالإسكندرية عامي 1960 و1961 رغم عدم تقديم الدليل على أن هذا الحرمان كان نتيجة إخلائها من العين المؤجرة بل رغم إقرارها الثابت بالأوراق من أنها كانت تستغل هذه العين بطريق التأجير من الباطن خلال أشهر الصيف، وإذ كان التعويض هو مقابل الضرر المترتب على الخطأ وكان الحكم المطعون فيه قد استند في تقرير التعويض المحكوم به إلى العناصر المتقدمة دون تدليل سليم على قيام الضرر فإنه يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود في (الوجه الأول) منه بما سبق الرد به على السبب الأول. ومردود في الوجهين (الثاني والثالث) بما قرره الحكم المطعون فيه من أن الضرر المادي الذي لحق المطعون ضدها يتمثل في حرمانها من الانتفاع بمسكنها المؤجر لها بإيجار منخفض واضطرارها إلى الإقامة في أماكن أخرى بأجر مرتفع وصعوبة حصولها على مسكن مماثل بأجر مناسب وإنفاقها مبالغ في رفع الاستئنافين 526، 528 سنة 1960 مستأنف الإسكندرية، من توكيل محامٍ ومصاريف انتقال وحرمانها من الانتفاع بمنقولاتها مدة قيام الحجز عليها وما لحقها من خسارة وما فاتها من كسب. ويبين من ذلك أن الحكم قد حصل العناصر المكونة للضرر تحصيلاً صحيحاً يستند إلى أصل ثابت في الأوراق، ولا وجه للنعي عليه بما يثيره الطاعنون حول هذه العناصر ما دام الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المطعون عليها قد حرمت من الانتفاع بالعين المؤجرة لها بفعل الطاعنين، يستوي في ذلك أنها كانت تنتفع بهذه العين بالاستعمال الشخصي أو التأجير من الباطن، كما أن نفقات التقاضي التي اعتبرها الحكم ضمن عناصر التعويض لا تكفي لجبرها المصروفات القضائية المحكوم بها في الاستئنافين المرفوعين منها، وأثبت الحكم كذلك أن حرمانها من الانتفاع بمنقولاتها كان بسبب الحجز الكيدي الذي أوقعه الطاعنون بإجراءات باطلة اتخذت في غيبتها دون أن تعلن بها، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ساحة النقاش