فسخ عقد المقاولة. رجوع المقاول بقيمة ما استحدثه من أعمال. لا يكون إلا استناداً إلى مبدأ الإثراء بلا سبب لا إلى العقد الذي فسخ. المثري يلتزم برد أقل القيمتين، الإثراء أو الافتقار.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 450
جلسة 17 من مارس سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، ومحمد أسعد محمود.
(72)
الطعن رقم 583 لسنة 35 القضائية
( أ ) مباني. "رخصة البناء".
الترخيص بالبناء. سريان مفعوله دون حاجة إلى تجديده. مناطه. الشروع في أعمال البناء التالية لأعمال الحفر خلال سنة من تاريخ الترخيص.
(ب) عقد. "فسخ العقد". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير كفاية أسباب الفسخ من شأن محكمة الموضوع. عدم التزام الحكم تعقب كل حجج الخصم والرد عليها استقلالاً.
(ج) مقاولة. "فسخ عقد المقاولة". عقد. "أثر فسخ العقد". التزام. "الإثراء بلا سبب". تعويض.
فسخ عقد المقاولة. رجوع المقاول بقيمة ما استحدثه من أعمال. لا يكون إلا استناداً إلى مبدأ الإثراء بلا سبب لا إلى العقد الذي فسخ. المثري يلتزم برد أقل القيمتين، الإثراء أو الافتقار.
1 - مؤدى نص المادة الرابعة من القانون رقم 656 لسنة 1954 في شأن تنظيم البناء أنه متى شرع صاحب الشأن في خلال سنة من تاريخ منح الترخيص في أعمال البناء التالية لأعمال الحفر، فإن الترخيص لا يسقط ويظل ساري المفعول دون حاجة إلى تجديده.
2 - تقدير كفاية أسباب الفسخ أو عدم كفايتها، ونفي التقصير عن طالب الفسخ أو إثباته هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من شأن محكمة الموضوع، ولا دخل لمحكمة النقض فيه متى أقيم على أسباب سائغة. فإذا كانت المحكمة قد أقامت الواقعة التي استخلصتها على ما يقيمها، فإنها لا تكون بعد ملزمة بأن تتعقب كل حجة للخصم وترد عليها استقلالاً، لأن قيام هذه الحقيقة فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
3 - الحكم بفسخ عقد المقاولة ينبني عليه انحلاله واعتباره كأن لم يكن، ولا يكون رجوع المقاول - الذي أخل بالتزامه - بقيمة ما استحدثه من أعمال إلا استناداً إلى مبدأ الإثراء بلا سبب لا إلى العقد الذي فسخ وأصبح لا يصلح أساساً لتقدير هذه القيمة. ولما كان مقتضى مبدأ الإثراء وفقاً للمادة 179 من القانون المدني، أن يلتزم المثري بتعويض الدائن عما افتقر به ولكن بقدر ما أثرى، أي أنه يلتزم برد أقل قيمتي الإثراء والافتقار، وكان تقدير قيمة الزيادة في مال المثري بسبب ما استحدث من بناء يكون وقت تحققه أي وقت استحداث البناء، بينما الوقت الذي يقدر فيه قيمة الافتقار هو وقت الحكم، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر والتزم في تقدير قيمة ما زاد في مال المطعون عليه - رب العمل - بسبب ما استحدثه الطاعن - المقاول - من أعمال البناء، الحدود الواردة على عقد المقاولة الذي قضى بفسخه، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بمقتضى عقد مقاولة مؤرخ 12/ 10/ 1959 تعهد الطاعن ببناء عمارة من أربعة طوابق فوق البدروم على قطعة أرض مساحتها 950 متر مربع مملوكة لابنة المطعون عليه المشمولة بقوامته مقابل خمسة وخمسين ألفاً من الجنيهات وذلك وفقاً للشروط والمواصفات المنصوص عليها في العقد، وبتاريخ 8 مايو سنة 1960 عدل الطرفان العقد واتفقا على بناء طابقين بدلاً من أربعة طوابق، وإذ دب النزاع بين الطرفين أثناء البناء فقد أقام الطاعن الدعوى رقم 1042 سنة 1961 القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليه الأول عن نفسه وبصفته قيماً على ابنته، طلب فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 15500 ج من ذلك مبلغ 10500 ج باقي قيمة ما أتمه من أعمال بالعمارة و5000 ج تعويضاً له عن عدم وفاء المطعون عليه الأول بالتزاماته، وأسس دعواه على أن المطعون عليه أخل بالتزاماته إذ باعه وفقاً لشروط العقد قطعة أرض فضاء كمقدم للمقاولة على أنها خالية من الرهن ثم تبين أنها مرهونة للبنك العقاري، وإذ لم يستخرج ترخيصاً للبناء وتأخر في إعداد المياه اللازمة وفي تعيين المهندس المشرف إعمالاً لشروط العقد مما ترتب عليه تعطيل الأعمال وعدم تمكنه من إقامة البناء. كما أقام المطعون عليه الأول عن نفسه وبصفته الدعوى رقم 1054 سنة 1962 القاهرة الابتدائية ضد الطاعن طلب فيها الحكم بفسخ عقد المقاولة مع إلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 15586 ج و180 مليم من ذلك مبلغ 8993 ج و40 مليماً قيمة ما بقي بذمته من مبلغ 18000 ج تسلمه منه بعد خصم مبلغ 5413 ج و820 م قيمة الهياكل الخرسانية التي أقامها حسبما جاء بتقريري خبيري دعويي إثبات الحالة رقم 2344 سنة 1960 ورقم 10052 سنة 1960 مستعجل القاهرة والباقي وقدره 3000 ج قيمة تعويض الضرر الذي أصابه من جراء قعود الطاعن عن الوفاء بالتزاماته، وأسس دعواه على أن الطاعن لم يلتزم الميعاد المتفق عليه لإتمام المقاولة وهو اثنا عشر شهراً من تاريخ التعاقد، ولم يتمم من البناء سوى الهياكل الخرسانية وعلى نحو معيب، ثم توقف عن العمل وبقيت ذمته مشغولة بالمبلغ المطالب به. وبعد أن قررت المحكمة ضم الدعويين حكمت بتاريخ 26/ 5/ 1963 في الدعوى رقم 1042 سنة 1961 المرفوعة من الطاعن برفضها، وفي دعوى المطعون عليه رقم 1054 سنة 1962 بفسخ عقد المقاولة المؤرخ 12/ 10/ 1959 وملحقه المؤرخ 8/ 5/ 1960 وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه بصفته مبلغ 9993 ج و40 م. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف برقم 1593 سنة 80 ق. وبتاريخ 9/ 11/ 1965 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من إلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 9993 ج و40 مليم إلى مبلغ 8335 ج. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة أصرت على هذا الرأي.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالأوجه الثاني والثالث والرابع من السبب الأول الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه ذهب إلى أن الأرض الفضاء التي اتفق على بيعها للطاعن مقابل مقدم المقاولة ليست مرهونة للبنك العقاري، واستند في ذلك إلى أن البنك فك الرهن بموجب خطاب استصدره المطعون عليه الأول من البنك، في حين أن فك الرهن لا يثبت إلا وفقاً لإجراءات معينة نظمها قانون الشهر العقاري، كما ذهب الحكم إلى أن المطعون عليه استخرج الرخصة رقم 1053 سنة 1955 بتاريخ 11/ 9/ 1958 ورتب على ذلك القول بأن المطعون عليه أوفى بهذا الالتزام، في حين أن الرخصة المشار إليها تعتبر نافذة المفعول لمدة سنة واحدة فقط وفقاً لقانون التنظيم، مما مؤداه أن تعتبر هذه الرخصة قد سقطت قبل إبرام عقد المقاولة في 12/ 10/ 1959. وإذ نفى الحكم المطعون فيه رغم ذلك كل تقصير عن المطعون عليه، وقرر أنه سدد إلى الطاعن مبالغ جملتها 14700 ج حال أنه لم يقم بالوفاء بالتزاماته المشار إليها ولم يعين المهندس المشرف إلا بعد البدء في العمل ولم يقم بتوصيل المياه اللازمة لعملية البناء، فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي في شقه الأول مردود، ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه أنه أورد في خصوص ما يثيره الطاعن ما يلي "إن ادعاء المدعى عليه - الطاعن - بأن الأرض الفضاء التي تبلغ مساحتها 750 متر مربع وهي المتفق عليها على أنها مقدم المقاولة أنها مرهونة للغير، فيكذبه الخطاب الصادر من البنك العقاري والمتضمن أن مجلس الإدارة قرر بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/ 10/ 1958 فك رهن قطعة الأرض الفضاء الكائنة بحي الزمالك". ولما كان مفاد هذا الذي أورده الحكم أنه استخلص من الخطاب الذي صدر من البنك العقاري إلى المطعون عليه أن هذا الأخير قد أوفى بالتزامه قبل الطاعن تأسيساً على أن إقرار البنك بفك الرهن هو الأمر الجوهري في إقراره بنقل ملكية الأرض الفضاء إلى الطاعن خالصة من الرهن لسداد القرض، وعلى أن ما بقي بعد ذلك من إجراءات شطب الرهن التي نظمها قانون الشهر العقاري أمر ميسور حصوله، وكان ما استخلصته المحكمة من الخطاب المشار إليه هو مما يدخل في حدود سلطتها الموضوعية، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الخصوص يكون على غير أساس. والنعي في شقه الثاني في خصوص ما يثيره الطاعن بشأن رخصة البناء، مردود بأن المادة الرابعة من القانون رقم 656 لسنة 1954 في شأن تنظيم البناء والذي يحكم واقعة الدعوى نصت على أنه "إذا مضى أكثر من سنة واحدة على منح الترخيص دون أن يشرع صاحب الشأن في تنفيذ الأعمال المرخص بها وجب عليه تجديد الترخيص ويتبع في تقديم طلب التجديد والبت فيه أحكام المادة السابعة... ولا يعتبر إتمام أعمال الحفر الخاصة بالأساسات شروعاً في أعمال البناء بالمعنى المقصود في هذه المادة". فقد دلت على أنه متى شرع صاحب الشأن في خلال سنة من تاريخ منح الترخيص في أعمال البناء التالية لأعمال الحفر، فإن الترخيص لا يسقط ويظل ساري المفعول دون حاجة إلى تجديده. ولما كان يبين من عقد المقاولة المودع ملف الطعن أنه قد ضمن بيانه التمهيدي، أن المطعون عليه الأول حصل بصفته على قرار من محكمة القاهرة للأحوال الشخصية بتاريخ 6/ 3/ 1956 بالإذن له بإنشاء عمارة من طابق أرضي وأربعة طوابق علوية على حوالي تسعمائة متراً مربعاً من الأرض المذكورة، وترخيص من مصلحة التنظيم ببلدية القاهرة رقم 1035 سنة 1955 ببناء العمارة على هذا النحو وفقاً لرسوم اعتمدت عند الترخيص، وقد وضعت الأساسات الميكانيكية للبناء بمعرفة شركة (ختينا) بناء على تعاقد خاص معها، كل ذلك قبل صدور القانون رقم 344 لسنة 1956 الخاص بتنظيم أعمال الهدم والبناء، ونظراً لتوقف العمل في البناء مدة تزيد على ثلاثة أشهر ولرغبة الطرف الأول - المطعون عليه بصفته - في إتمام العمارة، فقد أخطر الإدارة العامة للمباني بوزارة الشئون البلدية والقروية بما تم من عمل قبل القانون رقم 344 لسنة 1956 وبرغبته في إقامة أربعة طوابق على الطابق الأرضي، وطلب منها إفادته عما إذا كان القانون المذكور يسمح له بالاستمرار في البناء، فورد الرد في 11 سبتمبر 1958 بأن القانون يسمح بذلك على أساس إخطاره، فإن مؤدى ذلك مرتبطاً بحكم المادة الرابعة من القانون رقم 656 لسنة 1954 على النحو السالف بيانه، أن يعتبر الترخيص رقم 1035 سنة 1955 الذي حصل عليه المطعون ضده ترخيصاً قائماً. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتد بهذا الترخيص في الرد على ادعاء الطاعن من تقصير المطعون عليه في هذا الخصوص لا يكون قد خالف القانون. والنعي في باقي ما يثيره الطاعن، مردود بأنه لما كان الثابت بالبند الأول من عقد المقاولة أن الطاعن تسلم من المطعون عليه الرسومات المعتمدة من مصلحة التنظيم واللوحات المعدلة موقعة من الطرفين وتعهد بإقامة البناء طبقاً لها، كما نص في البند الثالث من ذلك العقد على أن المطعون عليه قد رخص للطاعن في أخذ المياه اللازمة للبناء من الحنفية الموجودة بالأرض محل العمارة وعلى نفقة الطاعن، فإن التعلل من جانب الأخير بتأخير المطعون عليه في تعيين المهندس المشرف، مع أن إقامة البناء غير متوقف على تعيينه، وبعدم توصيل المياه لا يكون له محل، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب من وجهين، يقول الطاعن في بيان الوجه الأول منهما أن الحكم أقام قضاءه بالفسخ على أن الطاعن قصر في الوفاء بالتزاماته لتراخيه في إنجاز البناء وتسليمه في الأجل المتفق عليه، وأن ذلك حدا بالمطعون عليه الأول إلى إقامة الدعوى رقم 1877 سنة 1962 مستعجل القاهرة لإتمام المقاولة بمعرفته، وصدر الحكم لصالحه بتاريخ 10 مارس سنة 1962، هذا في حين أن الثابت أن توقف الطاعن عن العمل كان بناء على طلب المطعون عليه الأول وإنذاره له بهذا التوقف وطلبه فسخ عقد المقاولة، فضلاً عن أن التأخير في تنفيذ الالتزام لا يستوجب الفسخ القضائي إلا إذا كان الملتزم قد أفصح عن نيته في عدم التنفيذ في موعده، خاصة إذا روعي عرف مقاولات البناء في تأخير التسليم، غير أن الحكم المطعون فيه انتهى على خلاف ذلك وهو ما يعيبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه أنه جاء به ما نصه. "إن المدعى عليه - الطاعن - قد تراخى في تنفيذ التزاماته، فقد ضرب عقد المقاولة المبرم بين الطرفين أجلاً لانتهاء عملية البناء والتسليم غايته 11/ 10/ 1960، إلا أن المدعى عليه قد تقاعس في تنفيذ ما التزم به مما حدا بالمدعى إلى إقامة الدعوى رقم 1877 سنة 1962 لإتمام أعمال المقاولة وذلك بعد انقضاء الأجل بمدة تزيد على السنة ونصف، وقد صدر الحكم في 11 مارس سنة 1962 بقيامه بإتمام أعمال المقاولة وفقاً لعقدي الاتفاق، وقد جاءت الأعمال التي أجراها معيبة وبها أخطاء ومخالفات وذلك حسبما هو ثابت من تقرير دعوى إثبات الحالة السابق الإشارة إليها، وأنه إزاء نكول المدعى عليه عن تنفيذ التزامه يكون طلب المدعي بصفته فسخ عقد المقاولة المؤرخ 12/ 10/ 1959 وملحقه المؤرخ 8/ 5/ 1960 في محله وترى المحكمة إجابته إلى طلبه" كما جاء به "إن الثابت أن المدعي في هذه الدعوى قد أوفى بجميع التزاماته، فقد سدد إلى المدعى عليه مبالغ جملتها 14700 جنيه وذلك حسبما هو ثابت من الإقرار المؤرخ 7/ 9/ 1960، وأن ادعاء المدعى عليه أن الأرض الفضاء التي تبلغ مساحتها 750 متراً وهي المتفق عليها على أنها مقدم المقاولة إنها مرهونة للغير فإنه يكذبه الخطاب الصادر من البنك العقاري والمتضمن أن مجلس إدارة البنك العقاري قرر بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/ 10/ 1958 فك رهن قطعة الأرض الكائنة بحي الزمالك، هذا وقد قام المدعى عليه - الطاعن - ببيع هذه الأرض إلى محمد لطفي السيد مصباح وآخرين وقد تسلم منهم عربون قدره 5000 جنيه وذلك حسبما هو ثابت من الخطاب الصادر منه إلى المدعي بتاريخ 8/ 5/ 1961 والذي يطلب فيه التوقيع على كشف التحديد لتنفيذ هذا البيع لحسابه، ولم يبق إلا قول المدعى عليه بأن المدعي قد قصر في تنفيذ التزامه بعدم استخراج الرخصة وهو زعم باطل، فالثابت من الأوراق أن المدعي قد استخرج رخصة للبناء رقم 1035 سنة 1955 بتاريخ 11/ 9/ 1958"، وكان هذا الذي قرره الحكم يفيد أن محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما استنبطته من أدلة اطمأنت إليها بأن الطاعن هو الذي قصر في الوفاء بالتزاماته وأن المطعون عليه الأول على العكس من ذلك قد أوفى بما عليه فأجابته المحكمة إلى طلبه فسخ العقد، وكان تقدير كفاية أسباب الفسخ أو عدم كفايتها، ونفي التقصير عن طالب الفسخ أو إثباته هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من شأن محكمة الموضوع ولا دخل لمحكمة النقض فيه متى أقيم على أسباب سائغة، وكان من شأن هذه الأدلة التي أوردها الحكم على النحو السالف بيانه أن تؤدي إلى النتيجة التي استخلصتها منها المحكمة، وإذ أقامت المحكمة الحقيقة الواقعة التي استخلصتها على ما يقيمها، فإنها لا تكون بعد ملزمة بأن تتعقب كل حجة للخصم وترد عليها استقلالاً، لأن قيام هذه الحقيقة فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في الوجه الأول من السبب الأول والوجه الثاني من السبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بفسخ عقد المقاولة وملحقه ثم عاد وطبق أحكام العقد بشأن السعر الوارد به بواقع 14 جنيه للمتر المسطح وذلك بالنسبة لما أتمه الطاعن من أعمال، في حين أن مقتضى الحكم بفسخ العقد انحلاله لا إعمال نصوصه، وعلى الرغم من تمسك الطاعن بأن الأسعار الواردة بالمقايسة موضوع الدعوى كل لا يتجزأ وقد يحمل نقص السعر في بعض عناصرها على زيادة السعر في البعض الآخر، وبأن تكاليف بناء الهيكل الخرساني الذي قام به تحسب على أساس الأمتار المكعبة وأنها تزيد كثيراً عن تكاليف بناء الحوائط والملحقات الأخرى التي لم تكن قد تمت بعد والتي تحسب على أساس الأمتار المسطحة، فإن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع وهو جوهري ومن مؤداه أن يكون تقدير ما أتمه الطاعن من أعمال بصفة موضوعية وليس وفقاً لما ورد بالعقد، مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه أنه جاء به أن "جملة الأعمال التي أتمها الطاعن لغاية المعاينة التي أجراها الخبير المنتدب في دعوى إثبات الحالة رقم 1052 سنة 1960 مستعجل مصر بيانها كالآتي: أعمدة 78.18، أسقف 208.81، كمرات 77.65، سلم 10.94 وجملة ذلك 475.58 متراً مكعباً، وأن السعر المتفق عليه هو 12 جنيه للمتر المكعب فتكون القيمة 475.58×12= 5706 ج و960 م ويخصم منه مبلغ 293 ج و140 م لسوء الصناعة فيكون الباقي هو مبلغ 5413 ج و820 م" ثم نافش الحكم طلب الفسخ وأثبت أن المطعون عليه محق فيه لتراخي الطاعن في تنفيذ التزاماته، واستطرد إلى أن قال "إن الثابت من الإقرار المؤرخ 7/ 9/ 1960 أن المدعي - الطاعن - قد استلم مبلغ 14700 ج وقد قام بأعمال قيمتها مبلغ 5413 ج و820 م فيتعين إلزامه بمبلغ 8993 ج و40 م وهو ما طلبه". كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه ضمن أسبابه قوله "وبما أنه عن المبلغ المحكوم به فإن الخبير في الدعوى 1052 سنة 1960 مستعجل مصر احتسب أن أجر المتر 12 ج في حين أنه كما ورد بعقد المقاولة وديباجة هذا التقرير هو 14 ج، ومن ثم تكون قيمة ما قام به المستأنف من بناء مبلغ 6395 ج يخصم من المبلغ الذي قبضه من المستأنف عليه وقدره 14700 ج فيكون الباقي عليه مبلغ 8335 ج وهو ما يتعين تعديل الحكم المستأنف إليه.". ولما كان هذا الذي قررته محكمة الموضوع يفيد أنها طبقت عقد المقاولة بالنسبة لقيمة ما أتمه الطاعن من أعمال البناء، وكان الحكم بفسخ عقد المقاولة المؤرخ 12/ 10/ 1959 وملحقه المؤرخ 8/ 5/ 1960 ينبني عليه انحلاله واعتباره كأن لم يكن، ولا يكون رجوع المقاول - الذي أخل بالتزامه - بقيمة ما استحدثه من أعمال إلا استناداً إلى مبدأ الإثراء بلا سبب لا إلى العقد الذي فسخ وأصبح لا يصلح أساساً لتقدير هذه القيمة. لما كان ذلك، وكان مقتضى مبدأ الإثراء وفقاً للمادة 179 من القانون المدني أن يلتزم المثري بتعويض الدائن عما افتقر به ولكن بقدر ما أثرى، أي أنه يلتزم برد أقل قيمتي الإثراء والافتقار. وكان تقدير قيمة الزيادة في مال المثري بسبب ما استحدث من بناء يكون وقت تحققه، أي وقت استحداث البناء، بينما الوقت الذي يقدر فيه قيمة الافتقار هو وقت صدور الحكم. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر والتزم - وعلى ما سلف البيان - في تقدير قيمة ما زاد في مال المطعون عليه بسبب ما استحدثه الطاعن من أعمال البناء، حدود قيمة المتر المسطح الواردة بعقد المقاولة الذي قضى بفسخه، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه نقضاً جزئياً لهذا السبب.
ساحة النقاش