محكمة الموضوع تطبيقها خطأ قواعد المسئولية التقصيرية دون قواعد المسئولية الواجبة التطبيق.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 24 - صـ 1243
جلسة 11 من ديسمبر سنة 1973
المؤلفة من السيد المستشار عباس حلمى عبد الجواد رئيساً وعضوية السادة المستشارين/ عدلى بغدادى، ومحمد طايل راشد وعثمان حسين عبد الله ومحمد كمال عباس - أعضاء.
(216)
الطعن رقم 89 لسنة 38 القضائية
(1) موظفون. "إخلال الموظف بالتزامات الوظيفة". مسئولية. التزام. "مصادر الالتزام".
علاقة الموظف بالدولة. ماهيتها. وجوب أداء الموظف عمله بعناية الشخص الحريص. التزام الموظف بذلك مصدره القانونى ولو لم ينص عليه صراحة. إخلال الموظف بالالتزامات التى تفرضها عليه وظيفته إذا أضر بالدولة. أثره. مساءلته مدنيا طبقا للقواعد العامة.
(2) تقادم. "تقادم مسقط". مسئولية. التزام.
عدم سريان التقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 172 مدنى على الالتزامات التى مصدرها القانون. سريان التقادم العادى المنصوص عليه فى المادة 374 مدنى على هذه الالتزامات.
(3) دعوى. "سبب الدعوى". تعويض. مسئولية. محكمة الموضوع. محكمة الموضوع. التزامها بتقصى الحكم القانونى الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى دعوى التعويض. عدم تقيدها بطبيعة المسئولية التى استند إليها المضرور أو النص القانونى الذى اعتمد عليه. عدم اعتبار ذلك تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه المحكمة من تلقاء نفسها.
(4) نقض. "أسباب الطعن. السبب الجديد". مسئولية. تعويض. حكم. "الطعن فى الحكم". محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع. تطبيقها خطأ قواعد المسئولية التقصيرية دون قواعد المسئولية الواجبة التطبيق. جواز الطعن فى الحكم بطريق النقض لمخالفته القانون ولو لم يكن صاحب الشأن قد نبه المحكمة إلى ذلك. النعى على الحكم بهذا الخطأ لا يعتبر إبداء السبب جديد.
1 - علاقة الدولة بالعاملين فيها هى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة(1) - رابطة قانونية تحكمها القوانين واللوائح المعمول بها فى هذا الشأن، وواجبات هؤلاء العاملين تضبطها قواعد أساسية عامة، تقوم على وجوب أداء العمل المنوط بهم بعناية الشخص الحريص المتبصر وبدقته، وهذه القواعد الأساسية قد ترد فى القانون مع ضوابطها، وقد يخلو القانون منها دون أن يؤثر ذلك فى وجوب التزام العاملين بالدولة بتلك القواعد التى يعتبر القانون هو المصدر المباشر لالتزامهم بها، ويترتب على إخلالهم بتلك الالتزامات التى يفرضها عليهم عملهم بالدولة - إذا ما أضروا بها - مسئوليتهم عن تعويضها مسئولية مدنية - مصدرها القانون طبقاً للقواعد العامة، وبغير حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك.
2 - التقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 172 من القانون المدنى هو تقادم استثنائى خاص بدعوى التعويض عن الضرر الناشئ عن العمل غير المشروع، فلا يسرى على الالتزامات التى تنشأ من القانون مباشرة، وإنما يخضع تقادمها لقواعد التقادم العادى المنصوص عليه فى المادة 374 من ذلك القانون ما لم يوجد نص خاص يقضى بتقادم آخر.
3 - أنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة(2) - يتعين على محكمة الموضوع فى كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانونى الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى دعوى التعويض، وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها، باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور حق فى التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أحدثه أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض، مهما كانت طبيعة المسئولية التى استند إليها المضرور فى تأييد طلبه، أو النص القانونى الذى اعتمد عليه فى ذلك، لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع فى دعوى التعويض التى يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها، وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى، ولا يعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها.
4 - إذا كانت محكمة الموضوع قد طبقت خطأ أحكام المسئولية التقصيرية دون قواعد المسؤولية الواجبة التطبيق، فإنه يجوز لمن تكون له مصلحة من الخصوم فى إعمال هذه القواعد أن يطعن فى الحكم بطريق النقض على أساس مخالفته للقانون، ولو لم يكن قد نبه محكمة الموضوع إلى وجوب تطبيق تلك القواعد لالتزامها هى بأعمال أحكامها من تلقاء نفسها، ولا يعتبر النعى على الحكم بذلك إبداء لسبب جديد مما لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ذلك أن تحديد طبيعة المسئولية التى يتولد عنها حق المضرور فى طلب التعويض يعتبر مطروحا على محكمة الموضوع، ولو لم تتناوله بالبحث فعلا.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الوزارة - الطاعنة - اقامت الدعوى رقم 907 لسنة 1963 كلى الزقازيق على المطعون ضده وطلبت فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 974 جنيهاً و680 مليما وقالت بياناً لذلك أن المطعون ضده الذى كان يعمل سائقاً مدنياً بالقوات الجوية التابعة للطاعنة تسبب بإهماله فى إتلاف جناح إحدى الطائرات أثناء عمله فى يوم 14/ 7/ 1959 وفى فقد عجلتى سيارة بمقر العمل مما تقدر قيمته بالمبلغ المرفوعة به الدعوى. دفع المطعون ضده بسقوط الدعوى بالتقادم لمضى أكثر من ثلاث سنوات على علم الطاعنة بحدوث الضرر المطلوب التعويض عنه وبالشخص المسئول عنه. وفى 15/ 12/ 1965 قضت المحكمة الابتدائية بقبول هذا الدفع وبسقوط الدعوى بالتقادم. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 21 سنة 9 قضائية المنصورة مأمورية الزقازيق، وفى 28/ 12/ 1967 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد تنعى به الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتقول فى بيان ذلك أن الحكم أقام قضاءه بسقوط الدعوى بالتقادم على أن مسئولية المطعون ضده هى مسئولية تقصيرية تتقادم دعوى التعويض عن الضرر الناشئ عنها بمضى ثلاث سنوات من اليوم الذى يعلم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه عملاً بالمادة 172 من القانون المدنى، فى حين أن هذا النوع من المسئولية لا يقوم إلا حيث يكون المسئول عن الضرر أجنبياً عن المضرور لا تربطه به رابطة عقدية أو لائحية أما حيث تجمع بينهما هذه الرابطة أو تلك فإن دعوى المسئولية المستندة إلى أيهما تخضع فى تقادمها لحكم القاعدة العامة المقررة بالمادة 374 من القانون المدنى التى تقضى بتقادم الالتزام بمضى خمس عشرة سنة، وإذ كان المطعون ضده - بحكم عمله سائقاً بالقوات الجوية - تربطه بالطاعنة رابطة قانونية تخضع للأحوال المقررة فى القانون العام ولأحكام القوانين واللوائح فإنه لا يكون أجنبياً عن الطاعنة ولا تطبق على مسئوليته حيالها بالتالى أحكام المسئولية التقصيرية وإذ كانت الدعوى الراهنة قد أقيمت قبل انقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع الفعل الخاطئ المطلوب التعويض عنه، فإن قضاء الحكم المطعون فيه بسقوط الدعوى بالتقادم يكون مخالفا للقانون ومبنيا على خطأ فى تطبيقه. وحيث إن هذا النعى سديد ذلك أنه لما كان الثابت من الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أن المطعون ضده كان يعمل سائقاً مدنياً بالقوات الجوية التابعة للوزارة الطاعنة وقت وقوع الأفعال المطلوب التعويض عن الأضرار الناجمة عنها، وكانت علاقة الدولة بالعاملين فيها هى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - رابطة قانونية تحكمها القوانين واللوائح المعمول بها فى هذا الشأن، وكانت واجبات هؤلاء العاملين تضبطها قواعد أساسية عامة تقوم على وجوب أداء العمل المنوط بهم بعناية الشخص الحريص المتبصر وبدقته وهذه القواعد الأساسية قد ترد فى القانون مع ضوابطها وقد يخلو القانون منها دون أن يؤثر ذلك فى وجوب التزام العاملين بالدولة بتلك القواعد التى يعتبر القانون هو المصدر المباشر لالتزامهم بها ويترتب على اخلالهم بتلك الالتزامات التى يفرضها عليهم عملهم بالدولة - إذا ما أضروا بها - مسئوليتهم عن تعويضها مسئولية مدنية مصدرها القانون طبقاً للقواعد العامة وبغير حاجة إلى نص خاص يقرر ذلك، ولما كان التقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 172 من القانون المدنى هو تقادم استثنائى خاص بدعوى التعويض عن الضرر الناشئ عن العمل غير المشروع فلا يسرى على الالتزامات التى تنشأ من القانون مباشرة وإنما يخضع تقادمها لقواعد التقادم العادى المنصوص عليه فى المادة 374 من ذلك القانون ما لم يوجد نص خاص يقضى بتقادم آخر. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بسقوط الدعوى المقامة من الطاعنة على المطعون ضده بالتقادم الثلاثى إعمالاً للمادة 172 آنفة الذكر على الرغم من أن مسئولية هذا الأخير منشؤها القانون مباشرة مما يقضى ألا تسقط دعوى التعويض المؤسسة عليها إلا بانقضاء خمس عشرة سنة وكانت هذه المدة لم تنقض بعد، فإن الحكم يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه ولا يغير من ذلك أن تكون الطاعنة قد استندت فى طلب التعويض أمام محكمة الموضوع إلى أحكام المسئولية التقصيرية، ذلك أنه - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - يتعين على محكمة الموضوع فى كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانونى الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى دعوى التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور حق فى التعويض عما أصابه ضرر قبل من أحدثه أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض، مهما كانت طبيعة المسئولية التى استند إليها المضرور فى تأييد طلبه أو النص القانونى الذى اعتمد عليه فى ذلك لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع فى دعوى التعويض التى يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها، فإن هى أخطأت فى ذلك وطبقت أحكام المسئولية التقصيرية دون قواعد المسئولية الواجبة التطبيق جاز لمن تكون له مصلحة من الخصوم فى أعمال هذه القواعد أن يطعن فى الحكم بطريق النقض على أساس مخالفته للقانون ولو لم يكن قد نبه محكمة الموضوع على وجوب تطبيق تلك القواعد لالتزامها هى بأعمال أحكامها من تلقاء نفسها ولا يعتبر النعى على الحكم بذلك إبداء لسبب جديد مما لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ذلك أن تحديد طبيعة المسئولية التى يتولد عنها حق المضرور فى طلب التعويض يعتبر مطروحاً على محكمة الموضوع، كما سلف بيانه ولو لم تتناوله بالبحث فعلاً، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه. وإذ كان خطأ الحكم على النحو المتقدم قد حجب محكمة الاستئناف عن بحث الإهمال المسند إلى المطعون ضده وما إذا كان يعتبر إخلالا بواجب الحرص واليقظه الذى يفرضه عليه عمله لدى الدولة بما يستوجب مسئوليته أولاً يعتبر فإنه يتعين إعادة القضية إلى تلك المحكمة لتقول كلمتها فى ذلك.
(1) نقض 20/ 4/ 1971 مجموعة المكتب الفنى السنة 22 صـ 495. ونقض 12/ 4/ 1971 مجموعة المكتب الفنى السنة 20 صـ 914.
(2) نقض 2/ 4/ 1968 مجموعة المكتب الفنى السنة 19 صـ 689.
ساحة النقاش