تجاوز مالك الأرض بحسن نية أثناء إقامة بناء عليها إلى جزء صغير من أرض ملاصقة. للمحكمة إجبار صاحب هذه الأرض على التنازل للباني عن ملكية الجزء المشغول بالبناء نظير تعويض عادل استثناء من القواعد العامة وقواعد الالتصاق. م 928 مدني .
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 38 - صـ 837
جلسة 16 من يونيه سنة 1987
برياسة السيد المستشار/ يحيى الرفاعي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ د. رفعت عبد المجيد، السيد السنباطي، أحمد مكي ومحمد وليد النصر.
(177)
الطعنان رقما 1374، 1409 لسنة 53 القضائية
(1، 2) ملكية "أسباب كسب الملكية: الالتصاق". محكمة الموضوع "مسائل الواقع". تعويض.
(1) تجاوز مالك الأرض بحسن نية أثناء إقامة بناء عليها إلى جزء صغير من أرض ملاصقة. للمحكمة إجبار صاحب هذه الأرض على التنازل للباني عن ملكية الجزء المشغول بالبناء نظير تعويض عادل استثناء من القواعد العامة وقواعد الالتصاق. م 928 مدني. حسن النية في تطبيق هذا النص الاستثنائي. ماهيته.
(2) استخلاص سوء نية الباني. استقلال محكمة الموضوع به متى أقامت قضاءها على مقدمات من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي تنتهي إليها وكان استخلاصها سائغاً.
(3) شيوع. دعوى. تعويض. حيازة.
أعمال الحفظ التي يحق للشريك على الشيوع اتخاذها بغير موافقة باقي الشركاء. م 830 مدني. اتساعها لرفع دعاوى الحدود والحيازة والاستحقاق وما يلحق بها من طلبات الإزالة والتعويض.
(4) محكمة الموضوع "تقدير عمل الخبير". خبرة.
أخذ محكمة الموضوع بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه. مؤداه. عدم التزامها بالرد على الطعون الموجهة إليه أو إجابة طلب إعادة المهمة إلى الخبير أو ندب آخر لاستكمالها.
1 - مؤدى نص المادة 928 من القانون المدني - وعلى ما أوضحته المذكرة الإيضاحية لهذا القانون - أنه إذا كان مالك الأرض وهو يقيم بناء عليها قد جاوزها بحسن نية إلى جزء صغير من أرض ملاصقة جاز للمحكمة - إذا رأت محلاً لذلك - أن تجبر صاحب هذه الأرض على أن ينزل المباني عن ملكية الجزء المشغول بالبناء - في نظير تعويض عادل - وذلك استثناء من القواعد العامة التي لا تجيز نزع الملكية لمنفعة خاصة، وقواعد الالتصاق التي تقرر لصاحب الأرض الحق في أن يتملك البناء أو يطلب إزالته وحسن النية يفترض ما لم يقم الدليل على العكس أو تقوم أسباب تحول حتماً دون قيام هذا الافتراض، والمقصود بحسن النية في تطبيق هذا النص الاستثنائي أن يعتقد الباني اعتقاداً جازماً ومبرراً أثناء البناء أنه يبني على أرضه ولا يجاوزها إلى أرض جاره وهو يقتضي أن يكون قد بذل كل ما هو مألوف من جهد للتحقق من حدود أرضه ولم يخطئ في ذلك عن رعونة أو لا مبالاة أو تقصير، سواء قبل البدء في إقامة البناء أو فور تنبيهه إلى المجاوزة أثناء إقامته فإذا أفادت ظروف الدعوى وملابساتها أدنى شك في ذلك امتنع افتراض حسن النية ووجب اعتبار الباني سيئ النية.
2 - لئن كان استخلاص سوء النية من المسائل المتعلقة بالواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع إلا أنه يتعين أن تقيم قضاءها على مقدمات من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي تنتهي إليها وأن يكون استخلاصها سائغاً.
3 - أعمال الحفظ المعينة بنص المادة 830 من القانون المدني تتسع لرفع دعاوى الحدود والحيازة والاستحقاق وما يلحق بها من طلبات الإزالة والتعويض.
4 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه متى رأت محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه فإنها لا تكون ملزمة بالرد استقلالاً على الطعون التي وجهها الطاعن إلى هذا التقرير لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه السائغة ما يفيد أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنه التقرير، كما أنها لا تكون ملزمة عندئذ بإجابة طلب إعادة المهمة إلى الخبير أو ندب خبير آخر لاستكمالها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين في الطعن الأول أقاموا الدعوى رقم 3792 لسنة 1977 مدني كلي المنصورة بطلب الحكم بإلزام المطعون ضده في هذا الطعن بإزالة المباني التي أقامها على جزء من أرضهم المبينة بالصحيفة وبأن يدفع لهم مبلغ ثلاثمائة جنيه تعويضاً عن مدة غصب هذا الجزء وقالوا بياناً لذلك أن المدعى عليه شرع في إقامة عمارة على أرضه الملاصقة مجاوزاً حدها الشرقي إلى جزء كبير من أرضهم وقد اعترضوا على هذه المجاوزة في الأسبوع الأول من بدايتها وأثبتوا ذلك بالشكوى 408 لسنة 1977 إداري قسم ثاني المنصورة وأصدرت النيابة العامة قراراً فيها بإبقاء الحال على ما هو عليه، وتعهد المدعى عليه بالالتزام بهذا القرار بيد أنه تمادى في البناء حتى أتم الستة طوابق رغم معارضتهم، فأقاموا عليه الدعوى بالطلبات السالفة، ومحكمة أول درجة ندبت في 29/ 12/ 1977 خبيراً لأداء المهمة المبينة بمنطوق حكمها، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت بالطلبات، استأنف المدعى عليه هذا الحكم بالاستئناف 525 لسنة 32 ق المنصورة، ومحكمة الاستئناف أعادت المهمة إلى مكتب الخبراء لاستكمالها وبعد أن قدم المكتب تقريره التكميلي حكمت في 28/ 3/ 83 أولاً: بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من الإزالة والتعويض. ثانياً: بتمليك المستأنف الجزء المشغول بالبناء من أرض المستأنف ضدهم والبالغ مساحته 36.50 م2 وبإلزامه بأن يؤدي لهم ثلاثة آلاف جنيه تعويضاً عن ذلك.. طعن الطرفان في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعن المستأنف ضدهم برقم 1374 لسنة 53 ق وطعن المستأنف برقم 1409 لسنة 53 ق، وقدمت النيابة في كل من الطعنين مذكرة أبدت فيها الرأي برفضه وعرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها.
أولاً:
الطعن رقم 1374 لسنة 53 ق:
حيث إن مما ينعاه الطاعنون بهذا الطعن على الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على القول بحسن النية المطعون ضده تأسيساً على أن الجزء المغتصب من أرضهم صغير بالنسبة للباقي منها وأنه على شكل مثلث ولا توجد علامات فاصلة بين الأرضين وأنه لا ينال من حسن النية ما جاء بالشكوى 408 لسنة 1977 إداري قسم ثاني المنصورة، لأن العبرة في حسن النية هي بوقت البناء في حين أن هذه القرائن غير منتجه في نفي سوء النية الذي اتضح من تحقيقات الشكوى المشار إليها وتأكد من حجم المساحة المغتصبة وما كان ينبغي تركه لخدمة المطلات، وإذا أهدر الحكم المطعون فيه دلالة ذلك فإنه يكون قد خالف القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن مؤدى نص المادة 928 من القانون المدني - وعلى ما أوضحته المذكرة الإيضاحية لهذا القانون - أنه إذا كان مالك الأرض وهو يقيم بناء عليها قد جاوزها بحسن نية إلى جزء صغير من أرض ملاصقة جاز للمحكمة - إذا رأت محلاً بذلك. أن تجبر صاحب هذه الأرض على أن ينزل للباني عن ملكية الجزء المشغول بالبناء - في نظير تعويض عادل. وذلك استثناء من القواعد العامة التي لا تجيز نزع الملكية لمنفعة خاصة، وقواعد الالتصاق التي تقرر لصاحب الأرض الحق في أن يتملك البناء أو يطلب إزالته، ولما كان حسن النية يفترض ما لم يقم الدليل على العكس أو تقوم أسباب تحول حتماً دون قيام هذا الافتراض وكان المقصود بحسن النية في تطبيق هذا الحكم الاستثنائي أن يعتقد الباني اعتقاداً جازماً ومبرراً أثناء البناء أنه يبني على أرضه ولا يجاوزها إلى أرض جاره، وهو ما يقتضي أن يكون قد بذل كل ما هو مألوف من جهد للتحقق من حدود أرضه ولم يخطئ في ذلك عن رعونة أو لا مبالاة أو تقصير، سواء قبل البدء في إقامة البناء أو فور تنبيهه إلى المجاوزة أثناء إقامته، فإذا أفادت ظروف الدعوى وملابساتها أدنى شك في ذلك امتنع افتراض حسن النية ووجب اعتبار الباني سيء النية، ولئن كان استخلاص سوء النية عندئذ هو من المسائل المتعلقة بالواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع إلا أنه يتعين أن تقييم قضاءها على مقومات من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي تنتهي إليها وأن يكون استخلاصها سائغاً.
لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الطاعنين تمسكوا في دفاعهم بأن مسلك المطعون ضده الثابت بمحاضر الشرطة يدل على سوء نيته - إذ تمادى في البناء بالرغم من تنبيهه إلى تعديه قبل صب أول سقف بالعمارة، وبالرغم من قرار النيابة الصادر وقتئذ بإبقاء الحال على ما هو عليه وتعهد وكيله بالالتزام بهذا القرار - ، وكان لهذا الدفاع أصل ثابت بالأوراق، وكان الحكم قد أقام قضاءه مع ذلك على قوله أن الباني حسن النية لاعتقاده أنه كان يبني على ملكه إذ أن المساحة التي بني عليها من أرض الطاعنين - وقدرها 36.50 م2 - تعتبر جزء صغيراً بالنسبة لباقي أرضهم، وأنه مما يشفع له أن الجزء المغتصب على شكل مثلث بطول أرض النزاع، وأنه لو كان سيئ النية لتوغل فيها مسافة طولية متساوية العرض... وأنه ثبت من تقرير خبير الدرجة الثانية عدم وجود حدود أو علامات تفصل بين الأرضين وكان مقدار المساحة المغتصبة بالنسبة لأرض الطاعنين لا يمكن أن يؤدي عقلاً إلى حسن نية المطعون ضده، كما أن الثابت من تقرير مكتب الخبراء الذي اطمأن إليه الحكم المطعون فيه أن قطعتي الأرض موضوع الدعوى لهما خرائط مساحية حديثة وحدود واضحة في عقود مسجلة، وتقعان على شاطئ النيل بمنطقة متميزة بمدينة المنصورة، وأن الجزء محل النزاع يدخل في مستندات ملكية الطاعنين ولا يدخل في مستندات ملكية المطعون ضده، وأن الأخير عدل بهذا الجزء أبعاد أرضه، وهو ما لا يسوغ معه ما استخلصه الحكم سواء من عدم وجود حدود أو علامات تفصل بين الأرضين، أو من كون هذا الجزء مثلثاً وليس مستطيلاً أو مربعاً، لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في الرد على دفاع الطاعنين سالف الذكر على مجرد القول بأن شكواهم قدمت بعد انتهاء المطعون ضده من عمل الأساسات والارتفاع بالمباني إلى سقف الطابق الأول وأن حسن النية يشترط وقت البناء، وهو ما لا يصلح رداً على ذلك الدفاع في ضوء التعريف القانوني لحسن النية الذي يقتضيه نزع الملكية لمنفعة الباني طبقاً لنص المادة 928 من القانون المدني فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لمناقشة باقي أوجه الطعن.
ثانياً:
الطعن 1409 لسنة 53 ق:
حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالسبب الأول من أسباب هذا الطعن على الحكم المطعون فيه أنه تمسك في دفاعه بعدم قبول الدعوى لأن المطعون ضدهم الأربعة الأول لا يملكون في هذه الأرض غير 33/ 892 م2 - شيوعاً في جملة مساحتها البالغة 930.40 م2 - فرفض الحكم المطعون فيه هذا الدفاع تأسيساً على أن لكل شريك في الشيوع طبقاً لنص المادة 830 من القانون المدني الحق في أن يتخذ من الوسائل مما يلزم لحفظ الشيء ولو كان ذلك بغير موافقة باقي الشركاء، وهو من الحكم خطأ في تطبيق القانون، لأن أعمال الحفظ في تطبيق النص المشار إليه لا تشمل طلبات الإزالة وتثبيت الملكية والتعويض.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أنه لما كانت أعمال الحفظ المعنية بنص المادة 830 من القانون المدني تتسع لرفع دعاوى الحدود والحيازة والاستحقاق وما يلحق بها من طلبات الإزالة والتعويض، وكان الحكم - المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالسبب الثاني من أسباب هذا الطعن أنه اعتراض على التقرير الثاني لمكتب الخبراء بأنه أغفل الاطلاع على العقد الابتدائي المؤرخ 22/ 7/ 1976 الذي اشترى به مساحة أخرى قدرها 157 متراً كما أغفل مطابقة مستنداته على الطبيعة ولذلك طلب إعادة المهمة إلى المكتب أو ندب خبير آخر لاستكمالها فالتفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع فشابه بذلك قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى رأت محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية الأخذ بتقرير الخبير لاقتناعها بصحة أسبابه فإنها لا تكون ملزمة بالرد استقلالاً على الطعون التي وجهها الطاعن إلى هذا التقرير لأنه في أخذها به محمولاً على أسبابه السائغة ما يفيد أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنه التقرير، كما أنها لا تكون ملزمه عندئذ بإجابة طلب إعادة المهمة إلى الخبير أو ندب خبير آخر لاستكمالها، لما كان ذلك، وكان البين من العقد المؤرخ 22/ 7/ 1976، بافتراض صحته أنه لا ينصب على أرض النزاع إذ يتضمن شراء 157 م2 شائعة في المساحة القطعة 25 تنظيم شارع سعد زغلول التي تقع إلى جانب الحد الغربي لأرض الطاعن ولا أثر له سواء على حدود عقد ملكيته المسجل الذي ينصب على قطعة أرضه الأصلية التي تحمل رقم 27 تنظيم شارع سعد زغلول أو على حدود عقد ملكية المطعون ضدهم المسجل الذي يشمل الجزء محل النزاع وهو يقع بعد الحد الشرقي لأرض الطاعن وكان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى تقرير مكتب الخبراء، وأخذ بالنتيجة التي انتهى إليها تبعاً لذلك فإن ما ينعاه الطاعن بهذا السبب يكون محض مجادلة فيما لمحكمة الموضوع من سلطة في تقدير الدليل مما تنحسر عنه رقابة محكمة النقض.
وحيث إن حاصل باقي أسباب هذا الطعن أن الحكم المطعون فيه قضى للمطعون ضدهم بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه عن الجزء محل النزاع في حين أنهم لم يثبتوا أي ضرراً لحق بهم يستحقون عنه مقدار هذا التعويض وأن طلبهم التعويض كان مقصوراً على ثلاثمائة جنيه فحسب.
وحيث إنه لما كانت المحكمة قد انتهت في الطعن الأول إلى نقض الحكم المطعون فيه فلا يكون ثمة محل لمناقشة ما نعاه الطاعن بهذه الأسباب.
ساحة النقاش