حق صاحب العمل في إيقاع المقاصة القانونية بين ما هو مستحق له من تعويض وبين أجر العامل. استثناء.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 45 - صـ 336
جلسة 10 من فبراير سنة 1994
برئاسة السيد المستشار/ أحمد مدحت المراغي - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود نبيل البناوي، عبد الحميد الشافعي، محمد محمد محمود - نواب رئيس المحكمة، وأحمد عبد الرازق.
(71)
الطعن رقم 36 لسنة 60 القضائية
(1) التزام "انقضاء الالتزام" "المقاصة القانونية".
المقاصة القانونية. شرطها. أن يكون الدين معلوم المقدار خالياً من النزاع. المقاصة فيها معنى الوفاء الإجباري.
(2) عمل "أجر العامل". التزام "انقضاء الالتزام" "المقاصة القانونية". تعويض.
حق صاحب العمل في إيقاع المقاصة القانونية بين ما هو مستحق له من تعويض وبين أجر العامل. استثناء. مؤداه. قصره على الحالات التي يكون التعويض الحاصل الاقتطاع من أجله ناشئاً عما تسبب العامل في فقده أو إتلافه أو تدميره من مهمات أو آلات أو منتجات يملكها صاحب العمل أو كانت في عهدته. م 68 ق 137 لسنة 1981. التعويض الذي يكون راجعاً إلى أية أضرار أخرى عن غير هذه الحالات. ليس لصاحب العمل حق في المقاصة لاقتضائه. له اللجوء إلى القضاء والحصول على حكم به ما لم يكن قد اتفق عليه رضاء.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المقاصة القانونية على ما تقضي به المادة 362 من القانون المدني تستلزم في الدين أن يكون خالياً من النزاع، محققاً لا شك في ثبوته في ذمة المدين وأن يكون معلوم المقدار، ولا بد من اجتماع الشرطين لأن المقاصة تتضمن معنى الوفاء الإجباري، ولا يجبر المدين على دفع دين متنازع فيه أو دين غير معلوم المقدار.
2 - النص في المادة 68 من القانون رقم 137 لسنة 1981 بإصدار قانون العمل - المقابلة للمادة 54 من قانون العمل السابق رقم 91 لسنة 1959 - يدل على أن المشرع وعلى خلاف القاعدة العامة في المقاصة القانونية التي تستلزم لوقوعها أن يكون الدينان خاليين من النزاع أجاز لصاحب العمل اقتطاع مبلغ التعويض من أجر العامل، أي إيقاع المقاصة بين ما هو مستحق له من تعويض وبين أجر العامل في حدود أجر خمسة أيام في الشهر ولو كان استحقاقه للتعويض أو مقداره محل نزاع يؤكد ذلك ما جاء في هذه المادة بشأن الطريق الذي يتعين على العامل إتباعه للتظلم. من تقدير صاحب العمل، وإذ كان حق الأخير في إجراء المقاصة القانونية استثناء من القواعد العامة التي تستلزم أن يكون الدينان خاليين من النزاع ومن ثم فلا يجوز التوسع فيه وقصره على الحالات المنصوص عليها في المادة 68 سالفة الذكر بأن يكون التعويض الحاصل الاقتطاع من أجله ناشئاً عما تسبب العامل في فقده أو إتلافه أو تدميره من مهمات أو آلات أو منتجات يمتلكها رب العمل أو كانت في عهدته وأن يكون الاقتطاع من أجر العمل، فإذا كان التعويض المستحق لصاحب العمل راجعاً إلى أية أضرار أخرى لحقت برب العمل عن غير هذه الحالات الواردة في النص، فلا يجوز لصاحب العمل إجراء المقاصة للحصول على التعويض من أية مبالغ أخرى تكون مستحقة عليه للعامل بل عليه أن يرجع إلى القضاء لاقتضاء التعويض ما لم يكن قد اتفق عليه رضاء.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 12630 سنة 1984 مدني جنوب القاهرة الابتدائية على البنك الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بأن يرد مبلغ 1354.07 دولاراً أمريكياً وقال بياناً لذلك إنه أودع لدى البنك الطاعن المبلغ سالف الذكر ومن حقه صرفه في أي وقت طبقاً للعرف المصرفي، وإذ تقدم للبنك لصرفه رفض بدون مبرر فأقام الدعوى، وبتاريخ 30/ 12/ 1985 حكمت المحكمة برفض الدعوى، استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1191 سنة 103 ق. ندبت محكمة الاستئناف خبيراً وبعد أن قدم تقريره حكمت بتاريخ 15/ 11/ 1989 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام البنك الطاعن بأن يرد للمطعون ضده مبلغ 1354.70 دولاراً أمريكياً، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعي الطاعن بالأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إن المطعون ضده كان يعمل لدى البنك مديراً لإدارة الاعتمادات المستندية وأثناء عمله أخطأ بعدم احتساب فوائد تأخيرية على أحد عملاء البنك بلغت 1426.48 دولاراً أمريكيا وقد أجرى البنك تحقيقاً في هذه الواقعة وأقر المطعون ضده بخطئه فأصدر البنك قراراً بتحميله هذا المبلغ وإذ كان هذا الدين المستحق له معين المقدار وخالياً من النزاع ومن ثم فقد أجرى المقاصة القانونية بين هذا الدين وبين المبلغ الذي كان قد أودعه المطعون ضده حسابه الجاري بالبنك وذلك إعمالاً للمادتين 362، 365 من القانون المدني، غير أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر واعتبر دين البنك متنازعاً فيه لمجرد إرسال المطعون ضده إنذاراً يعترض فيه على تحميله بهذا المبلغ حال أن هذا الإنذار يتضمن إقراراً بخطأ المطعون ضده ولا يشكل منازعة جدية ولا يعتبر الدين به متنازعاً فيه بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المقاصة القانونية على ما تقضي به المادة 362 من القانون المدني تستلزم في الدين أن يكون خالياً من النزاع، محققاً لا شك في ثبوته في ذمة المدين وأن يكون معلوم المقدار، وكان لا بد من اجتماع الشرطين لأن المقاصة تتضمن معنى الوفاء الإجباري، ولا يجبر المدين على دفع دين متنازع فيه أو دين غير معلوم المقدار. لما كان ذلك وكان الثابت فى الأوراق أن البنك الطاعن أخطر المطعون ضده بخطئه في عدم احتساب فوائد تأخيرية على أحد عملاء البنك بلغت 1426.48 دولاراً أمريكياً، وأنه أصدر قراراً بتحميله هذا المبلغ وخصمه من حسابه الجاري المودع لدى البنك، فوجه المطعون ضده إنذاراً للبنك بتاريخ 4/ 3/ 1982 بعدم أحقية البنك في قضاء هذا المبلغ وأنكر عليه حقه في إجراء هذه المقاصة، ومن ثم فإن دين البنك المستحق على المطعون ضده يكون متنازعاً فيه، ومؤدى ذلك تخلف أحد الشرطين المقررين لإعمال المقاصة القانونية فيما يكون للبنك الطاعن من دين قبل المطعون ضده، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر دين البنك متنازعاً فيه ولم يعمل أحكام القاصة القانونية فإنه يكون قد وافق صحيح القانون ويضحى النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إنه ولئن كانت المادة 68 من قانون العمل قد نصت على أنه إذا تسبب العامل في فقد أو إتلاف أو تدمير مهمات أو آلات أو منتجات يملكها صاحب العمل أو كانت في عهدته وكان ذلك ناشئاً عن خطأ العامل وجب أن يتحمل المبلغ اللازم نظير ذلك ولصاحب العمل بعد إجراء التحقيق وإخطار العامل على أن يبدأ باقتطاع المبلغ المذكور من أجر العامل على ألا يزيد ما يقتطع لهذا الغرض أجر خمسة أيام في الشهر الواحد فإن هذه المادة قد وردت في شأن واجبات العاملين وتأديبهم جزاء الإخلال بالواجبات المفروضة عليهم، وكانت هذه الواجبات التي فرضها القانون في تلك المادة لم ترد على سبيل الحصر، وإنما وردت على سبيل المثال فإن حكمها يمتد إلى كل إخلال يقع من العامل بالواجبات الأخرى التي يفرضها عليه القانون المدني أو العقد أو لائحة العاملين أو الجزاءات بالبنك، ومنها خطأ المطعون ضده في عدم احتساب مبلغ 1426.48 دولاراً أمريكياً فوائد تأخيرية على أحد عملاء البنك، وإذ أخطر المطعون ضده بقرار البنك بتحميله هذا المبلغ، ولم يتظلم منه أمام اللجنة المشار إليها في المادتين 62، 67 من قانون العمل، فقد أصبح هذا القرار نهائياً، ويحق للبنك إجراء المقاصة بين هذا الدين المستحق له وبين ما هو مستحق للمطعون ضده قبل البنك وهو دين قابل للحجز عليه لعدم تعلقه بأجر العامل وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع قولاً منه بأن لائحة العاملين والجزاءات قد خلت من النص على إجراء المقاصة فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن النص في المادة 68 من القانون رقم 137 لسنة 1981 بإصدار قانون العمل - المقابلة للمادة 54 من قانون العمل السابق رقم 91 لسنة 1959 - على أنه "إذا تسبب العامل في فقد أو إتلاف أو تدمير مهمات أو آلات أو منتجات يملكها صاحب العمل أو كانت في عهدته وكان ذلك ناشئاً عن خطأ العامل وجب أن يتحمل المبلغ اللازم نظير ذلك. ولصاحب العمل بعد إجراء التحقيق وإخطار العامل أن يبدأ باقتطاع المبلغ المذكور من أجر العامل على ألا يزيد ما يقتطع لهذا الغرض على أجر خمسة أيام في الشهر الواحد ويجوز للعامل أن يتظلم من تقدير صاحب العمل أمام اللجنة المشار إليها في المادة 77 فإذا كان صاحب العمل يستخدم أقل من خمسين عاملاً يكون التظلم أمام اللجنة المشار إليها بالمادة 62 من هذا القانون....." يدل على أنه المشرع وعلى خلاف القاعدة العامة في المقاصة القانونية التي تستلزم لوقوعها أن يكون الدينان خاليين من النزاع أجاز لصاحب العمل اقتطاع مبلغ التعويض من أجر العامل، أي إيقاع المقاصة بين ما هو مستحق له من تعويض وبين أجر العامل في حدود أجر خمسة أيام في الشهر ولو كان استحقاقه للتعويض أو مقداره محل نزاع يؤكد ذلك ما جاء في هذه المادة بشأن الطريق الذي يتعين على العامل إتباعه للتظلم من تقدير صاحب العمل، وإذ كان حق الأخير في إجراء المقاصة القانونية استثناء من القواعد العامة التي تستلزم أن يكون الدينان خاليين من النزاع ومن ثم فلا يجوز التوسع فيه وقصره على الحالات المنصوص عليها في المادة 68 سالفة الذكر بأن يكون التعويض الحاصل الاقتطاع من أجله ناشئاً عما تسبب العامل في فقده أو إتلافه أو تدميره من مهمات أو آلات أو منتجات يمتلكها رب العمل أو كانت في عهدته وأن يكون الاقتطاع من أجر العمل فإذا كان التعويض المستحق لصاحب العمل راجعاً إلى أية أضرار أخرى لحقت برب العمل عن غير هذه الحالات الواردة في النص، فلا يجوز لصاحب العمل، إجراء المقاصة للحصول على التعويض من أية مبالغ أخرى تكون مستحقة عليه للعامل بل عليه أن يرجع إلى القضاء لاقتضاء التعويض ما لم يكن قد اتفق عليه رضاء، لما كان ذلك وكان الثابت في الأوراق أن دين البنك الطاعن الذي تمسك بإجراء المقاصة بينه وبين ما هو مستحق عليه للمطعون ضده ليس ناشئاً عن إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 68 سالفة الإشارة إليها ومن ثم فلا محل لإعمال هذا النص وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى عدم أحقية البنك الطاعن في إجراء المقاصة إذا لم يتحدد التعويض المستحق له قضاءً أو اتفاقاً ورتب على ذلك إلزام البنك الطاعن بأن يرد للمطعون ضده مبلغ الوديعة فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة، ويضحى النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ساحة النقاش