يستوي أن تكون عبارات القذف أو السب التي أذاعها الجاني منقولة عن الغير أو من إنشائه
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 11 - صـ 929
جلسة 20 من ديسمبر سنة 1960
برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: السيد أحمد عفيفي، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، ومحمود إسماعيل المستشارين.
(181)
الطعن رقم 1027 لسنة 30 القضائية
سب وقذف: جرائم النشر: إعادة النشر: هي في حكم القانون كالنشر الجديد. المادة 197 ع. أثر ذلك.
يستوي أن تكون عبارات القذف أو السب التي أذاعها الجاني منقولة عن الغير أو من إنشائه هو، ذلك أن نقل الكتابة التي تتضمن جريمة ونشرها يعتبر في حكم القانون كالنشر الجديد سواء بسواء، ولا يقبل من أحد للإفلات من المسئولية الجنائية أن يتذرع بأن تلك الكتابة إنما نقلت عن صحيفة أخرى - إذ الواجب يقضي على من ينقل كتابة سبق نشرها بأن يتحقق قبل إقدامه على النشر من أن تلك الكتابة لا تنطوي على أية مخالفة للقانون كمفهوم نص المادة 197 من قانون العقوبات.
الوقائع
أقام المدعون بالحقوق المدنية دعواهم مباشرة أمام المحكمة الجزئية على المتهم نسبوا إليه بأنه بصفته المدير المسئول للمجلة الأسبوعية سورناك نشر فيها نقلاً عن جريدة أخرى مقالاً تضمن عبارات تعد سباً في حق مورثهم بأن نسب إليه أنه يشتغل جاسوساً. وطلبوا معاقبته بالمواد 171 و306 و307 من قانون العقوبات كما طلبوا القضاء لهم قبله بمبلغ ألف جنيه تعويضاً. والمحكمة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم عشرين جنيهاً عما نسب إليه مع إلزامه بأن يدفع للمدعين بالحق المدني مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف وأتعاب المحاماة. استأنف المحكوم عليه هذا الحكم. والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما نسب إليه ورفض الدعوى المدنية قبله وألزمت رافعها مصروفاتها عن الدرجتين بلا مصروفات جنائية. فقرر الوكيل عن ورثة المدعي بالحقوق المدنية الطعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
... حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، لأن المطعون ضده بوصفه المدير المسئول بمجلة سورناك الأسبوعية نشر في هذه المجلة مقالاً يتضمن عبارات تعد سباً وقذفاً في حق المجني عليه (مورث الطاعنين) وهذا المقال منقول عن صحيفة تصدر في بيروت، وكانت هذه الصحيفة قد نقلته عن صحيفة أخرى تصدر في إحدى الدول الأجنبية وقضى الحكم ببراءة المطعون ضده وبرفض الدعوى المدنية تأسيساً على تخلف عنصر سوء النية لأنه لم يتعمد الإساءة بالمجني عليه، مع أنه من المقرر أن هذا العنصر إنما يتحقق بعلم الجاني بكذب الواقعة ومن عنف العبارات، فإذا كان الثابت من أوراق الدعوى أن المطعون ضده نسب إلى المجني عليه أنه أنشأ شبكة جاسوسية ثم علق من عند نفسه على المقال بعبارة تتضمن السب والقذف في المجني عليه مع علمه بعدم صحة ما أسنده إليه نقلاً عن صحيفة أخرى مدفوعاً في ذلك بالرغبة في الكيد له للخصومة القائمة بينهما بسبب الخلافات السياسية، فإن الجريمة تكون متوفرة سواء كانت عبارات السب والقذف منقولة عن صحيفة أخرى أو صادرة من شخص الناشر، ولا حاجة بعد ذلك لثبوت القصد الخاص الذي اشترطه الحكم المطعون فيه بل يكفي قيام القصد العام.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه "إن المدعي بالحق المدني (مورث الطاعنين) رفع دعواه مباشرة في صحيفة أعلنها في 1/ 3/ 1955 ضمنها أن المتهم (المطعون ضده) بصفته المدير المسئول بالمجلة الأسبوعية سورناك نشر فيها نقلاً عن جريدة أخرى مقالاً تضمن عبارات تعد سباً في حقه بأن نسب إليه أنه يشتغل جاسوساً وألفاظاً أخرى تعد سباً للمدعي بالحق المدني، وقدم ترجمة للمقال المذكور انطوت عليها حافظة فحواها أن الصحافة الديمقراطية لفي غبطة لأنها رأت زعيماً منشفكياً يؤكد تأكيداً قاطعاً أن الزعماء والتشنجيين الذين يشاركون الزعماء الجورجيين المغتربين نفس الحظ يقومون بنشاط تجسس ويتلقون المساعدات المالية من أمريكا إلى آخر ما جاء بتلك الترجمة" ثم استطرد الحكم إلى تقرير أن القصد الجنائي لا يتوفر ولا يفترض في جرائم النشر بمجرد نشر العبارات مع العلم بمعناها - بل يجب على المحكمة أن تبحث جميع ظروف الدعوى لتقف على ما إذا كان قصد الناشر من نشر المقال هو خدمة المنفعة العامة أو مجرد الإضرار بشخص المجني عليه، وانتهى الحكم من ذلك إلى براءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قولاً منه "وتأسيساً على ما تقدم، ومتى كان الثابت من ظروف هذه الدعوى أن المتهم هدف فيما نشره إلى أن يوقف الرأي العام الأرمني على ما ينسب إلى المدعي بالحق المدني في بعض الصحف، فقام بنقل المقال موضوع الاتهام في مجلته بعد أن نوه إلى ذلك وأن القصد الجنائي الخاص الذي يتطلبه القانون في جرائم النشر يكون متخلفاً لدى المتهم بتوافر حسن النية لديه وبالتالي تكون التهمة المسندة إليه قد فقدت ركناً من أركانها ويكون الحكم المستأنف إذ قضى بإدانته قد جانب وجه الحق".
وحيث إنه لما كان مقرراً أن القصد الجنائي - بعنصريه قصد الإسناد وقصد الإذاعة - في جريمة القذف أو السب إنما يتوفر متى نشر القاذف أو الساب العبارات الماسة بالشرف أو السمعة أو الاعتبار مع علمه بأنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره أو الحط من شرفه وكرامته ويستفاد هذا العلم من كون هذه العبارات شائنة بذاتها، فالعبارات أو الألفاظ الماسة تحمل بنفسها الدليل الكافي على توفر القصد الجنائي، ولا يشترط القانون في هذه الجريمة سوى هذا القصد العام المشروط في سائر الجرائم العمدية، ولا يتطلب قصداً خاصاً، ولا عبرة بعد ذلك بحسن النية وادعاء القاذف حسن القصد وشرف الغاية وأنه لم يبتغ من وراء فعلته التشهير بالمجني عليه والحط من كرامته، كما لا يقبل منه التذرع باعتقاده صحة الأمور التي ينسبها إلى المقذوف لأن حسن النية غير مؤثر في المسئولية عن القذف ولا يعتد به في قيام هذه الجريمة إلا في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات، يستوي في كل ذلك أن تكون عبارات القذف أو السب التي أذاعها الجاني منقولة عن الغير أو من إنشائه هو، ذلك أن نقل الكتابات التي تتضمن جريمة ونشرها يعتبر في حكم القانون كالنشر الجديد سواء بسواء، ولا يقبل من أحد للإفلات من المسئولية الجنائية أن يتذرع بأن تلك الكتابات إنما نقلت عن صحف أخرى - إذ الواجب يقضي على من ينقل كتابة سبق نشرها بأن يتحقق قبل إقدامه على النشر من أن تلك الكتابة لا تنطوي على أية مخالفة للقانون، وذلك كمفهوم نص المادة 197 من قانون العقوبات، ولما كانت المحكمة المطعون في حكمها إذ حكمت بغير ذلك وأقامت قضاءها برفض الدعوى المدنية على انعدام الجريمة مع تسليمها بأن العبارات التي نشرها المطعون ضده وأسندها إلى مورث الطاعنين تتضمن قذفاً وسباً في حقه، فإن حكمها يكون مبنياً على الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ويتعين لذلك نقضه. ولما كان هذا الخطأ منها حجبها عن البحث في تقدير التعويض الذي يستحقه الطاعنان فإنه يتعين إعادة القضية للفصل فيها من جديد.
ساحة النقاش