عدم تصديق دفاع متهم بارتكاب الجريمة نتيجة تهديد آخر له بسلاحه لا تناقض بينه وبين إدانة هذا الآخر من بعد بإجراز سلاح بدون ترخيص.
الحكم كاملاً
أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 443
جلسة 5 من أبريل سنة 1979
برياسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عثمان الزينى، ومحمد على بليغ، وحسن جمعه، وأبو بكر الديب.
(94)
الطعن رقم 2015 لسنة 48 القضائية
(1) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "إعتراف".
حق محكمة الموضوع فى الأخذ باعتراف المتهم فى أى دور من أدوار التحقيق. وإن عدل عنه بعد ذلك. عدم التزامها بنص اعتراف المتهم. لها أن تجزئه وتستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها.
(2) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "إعتراف". إكراه. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب".
تقدير مدى إكراه المتهم أو إختياره فى مقارفة الجريمة. موضوعى. مثال.
(3) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". سلاح. قتل عمد.
عدم تصديق دفاع متهم بارتكاب الجريمة نتيجة تهديد آخر له بسلاحه. لا تناقض بينه وبين إدانة هذا الآخر من بعد بإجراز سلاح بدون ترخيص.
1 - لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى الأخذ باعتراف المتهم فى أى دور من أدوار التحقيق. ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع والمحكمة فى ذلك ليست ملزمه فى أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها.
2 - إن تقدير ما إذا كان المتهم مكرها أم مختاراً فيما أقدم عليه من مقارفته للجرم المسند إليه أمر موكول إلى قاضى الموضوع يستخلصه من عناصر الدعوى فى حدود سلطته التقديرية بلا معقب عليه ما دام استخلاصه سائغاً لا شطط فيه.
3 - من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة. وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً على إسهام الطاعن طواعية واختياراً مع الأول والثالث فى قتل المجنى عليه واستبعد كلية إدعاءه بوقوع إكراه عليه من قبل المتهم الثالث عن طريق تهديده باستعمال سلاح نارى كان يحمله لإكراهه على الموافقة على فكرة قتل المجنى عليه إقتناعاً منه بعدم صدق هذا الدفاع. فإنه لا تناقض بين ما خلص إليه الحكم من ذلك وبين ما إنتهى إليه من مساءلة المتهم الثالث عن سلاح نارى ضبط حائزاً له فى مسكنه بغير ترخيص.
الوقائع
إتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم (أولاً) المتهمون جميعا قتلوا ...... عمدا مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم على قتله واستدرجه الأول إلى مكان الحادث وكان الثانى والثالث قد سبقاه إليه وجثموا عليه وأطبقوا بأيديهم على عنقه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى أودت بحياته. المتهم الثالث أيضاً: أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن (بندقية خرطوش). وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قضت غيابياً للأول وحضورياً للمتهمين الثانى والثالث عملاً بالمواد 230، 231 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و26/ 1 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول رقم 2 المرافق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة ومعاقبة المتهم الثانى بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة ومعاقبة المتهم الثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة عن التهمة الأولى وستة أشهر وغرامة خمسة جنيهات والمصادرة عن التهمة الثانية. فطعن المحكوم عليهما الثانى والثالث فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه فساد فى الاستدلال والتناقض فى التسبيب. ذلك أنه عول على اعترافه بتحقيقات النيابة العامة مع أن أقواله لم تكن نصاً فى اقتراف الجريمة بل مجرد شهادة ضد المتهمين الآخرين فى الدعوى حيث جرت روايته بأنه لم يقبل الاسهام فى قتل المجنى عليه وإنما أمتثل كارهاً للبقاء فى مكان الحادث ازاء تهديد المتهم الثالث له بالقتل بسلاح نارى إذ هو غادره قبل الإجهاز على المجنى عليه، وما أن تمكن المتهمان وحدهما من تحقيق قصدهما حتى بادر بالفرار وهو ما لا يعد اعترافاً بالجرم المسند إليه. ثم أن الحكم التفت عن دفاعه بشأن إكراه المتهم الثالث له عن طريق التهديد باستعمال السلاح النارى على التواجد أثناء قتل المجنى عليه خشية إفشاء سر الجريمة، مع أن الحكم دان المتهم المذكور عن إحراز السلاح النارى بغير ترخيص وهو ما يؤيد دفاع الطاعن وذلك كله مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "أن........ (المتهم الأول فى الدعوى المحكوم عليه غيابياً) كان والمجنى عليه يشتركان فى زراعة أوز واتفقا على أن يحضر الأول إلى الثانى بمنزله ليصحبه فى الساعة الثانية من صباح يوم 23/ 7/ 1972 إلى الحقل لرى تلك الزراعة، ولأن الأول على علاقة آثمة بزوجة الثانى رغب فى قتله والخلاص منه وفى حوالى الساعة التاسعة والنصف مساء ذلك اليوم ذهب إلى صديقه........ (الطاعن الأول) وصحبه إلى صديقهما........ (الطاعن الثانى) بمنزله وهناك عرض عليهما رغبته تلك. فاتفقا معه على أنهما سيكونان فى انتظار مقدمه والمجنى عليه فى الحقل. ثم ذهب المتهم الأول فى حوالى الساعة الثانية صباحاً إلى منزل المجنى عليه وأيقظه من نومه وصحبه إلى الحقل فى حين كان المتهمان الثانى والثالث (الطاعنان) قد سبقاه إلى هناك وكمنا تحت شجرة تبعد عن مكان الساقية بنحو عشر قصبات، وبعد أن أدار المتهم الأول والمجنى عليه الساقية ذهب إليهما بمكمنهما وأنهمى إليها أنه سيدخن (الجوزة) مع المجنى عليه بجوار الساقية وعندما يشاهدانه ينزل النار من فرقها يقدمان من حيث ينتظران ويقومان معه بتنفيذ ما بيتوا النية وعقدوا العزم عليه من قتل المجنى عليه. وإذ شاهدا ذلك ذهبا إلى حيث يجلس المجنى عليه والمتهم الأول بجوار الساقية وأمسك المتهم الثالث باحدى يديه وبرقبة المجنى عليه من الخلف وكم فاه باليد الأخرى وحينئذ جثم عليه المتهمان الأول والثانى (الطاعن) وتمكنوا من خنقه والأطباق على عنقه إلى أن فاضت روحه فحمله ثلاثتهم وألقوا بجثته فى الترعة حيث تم انتشالها بعد البحث عنها طيلة يوم الحادث، وإذ فتش منزل المتهم الثالث بناء على أمر من وكيل النيابة المحقق بعد أن ذكر المتهم الثانى أنه كان يحمل بندقية وقت الحادث عثر على سلاح نارى غير مرخص له بحمله وثبت من التقرير الطبى الشرعى أنه عبارة عن بندقية غير مششخنة الماسورة وصالحة للاستعمال". وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستقاه من أقوال كل من ........ ابنه المجنى عليه والنقيب معاون مباحث مركز السنبلاوين و........... زوجة المتهم الثالث ومن اعتراف كل من المتهمين الأول والثانى (الطاعن) وتقرير الصفة التشريحية وبعد أن أورد الحكم اعتراف المتهم الأول على نفسه وعلى الطاعنين بما يفيد اتفاق ثلاثتهم على الخلاص من المجنى عليه واسهامهم معاً فى الاجهاز عليه على نحو ما أثبته الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى، حصل اعتراف المتهم الثانى (الطاعن) فى قوله "واعترف المتهم الثانى بأن المتهم الأول حضر إليه بمنزله واصطحبه إلى منزل المتهم الثالث وجلسوا معه بالمنزل حيث عرض المتهم الأول أنه يرغب فى قتل المجنى عليه لأنه ينسب إليه أنه على علاقة آثمة بزوجته وأنه يخشى أن يقتله فوافقاه على ذلك وتم ارتكاب الحادث على الوجه الذى ذكره المتهم الأول فى اعترافه بعد أن ذهب معهما إلى الحقل وطلب إليهما الانتظار تحت شجرة هناك حتى يعود إلى المجنى عليه ويحضره لرى الزراعة واتفق معهما على إشارة البدء فى تنفيذ الجريمة التى ذكرها المتهم الأول كما حدد لكل منهما دوره فى الحادث بأن أسند إليه أن يقوم بالإمساك برجلى المجنى عليه فى حين يقوم المتهم الثالث بالامساك برقبته من الخلف فى حين يقوم هو بالاطباق على عنقه وخنقه بيديه وإن كان قد زعم أنه معارضاً فكرة قتل المجنى عليه ولم يوافق عليها إلا نتيجة لتهديد المتهم الثالث له بقتله إذ لم ينفذ معهما الحادث خاصة وأنه كان يحمل معه بندقية كما قرر أنه لم يشترك فى قتل المجنى عليه وإنما فر هارباً عندما شاهد المتهم الثالث يمسك برقبة المجنى عليه من الخلف باحدى يديه ويكم فاه باليد الأخرى فى الوقت الذى كان قد وضع بندقيته فى حجرة بعد أن عقدها على وسطه، فى حين قام المتهم الأول بالقبض بكلتى يديه على رقبته وخنقه وألقيا به فى الترعة". ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن حول اكراه المتهم الثالث له على الاشتراك فى الجريمة فرد عليه بقوله "إن المحكمة لا تعول على ذلك إزاء ما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت سالفة الذكر فضلاً عن أن ما ذهب إليه المدافع عن المتهم الثانى من انتفاء القصد الجنائى لديه لا يعدو مجرد محاولة لدرء الاتهام بقول مجرد للمتهم ذاته والذى لا يوجد ما يسانده بالأوراق" لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى الأخذ باعتراف المتهم فى أى دور من أدوار التحقيق. ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع والمحكمة فى ذلك ليست ملزمة فى اخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر فى قضائه أن الاعتراف الذى أخذ به الطاعن ورد نصا فى الاعتراف بالجريمة والدور الذى نيط به فى تنفيذها وقد اطمأنت المحكمة إلى مطاقبته للحقيقة والواقع لما استبان لها من اتساقه مع اعتراف المتهم الأول وأقوال الشهود وما دل عليه تقرير الصفة التشريحية. ولم تعتد المحكمة بما تعلل به من أن اكراها وقع عليه من قبل المتهم الثالث لحمله على المشاركة فى الجريمة - بعد إذ ثبت لديها أن هذا الدفاع لم يكن إلا قولاً مرسلاً غير مؤيد بدليل وهو ما لم يخطىء الحكم فى فهمه أو تقديره. لما كان ذلك، وكان تقدير ما إذا كان المتهم مكرها أم مختاراً فيما أقدم عليه من مقارفة للجرم المسند إليه أمر موكولا إلى قاضى الموضوع يستخلصه من عناصر الدعوى فى حدود سلطته التقديرية بلا معقب عليه ما دام استخلاصه سائغاً لا شطط فيه. فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص لا يكون له محل وهو لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه فيما سلف بيانه قد دلل تدليلاً سائغاً على إسهام الطاعن طواعية واختياراً مع المتهمين الأول والثالث فى قتل المجنى عليه واستبعد كلية إدعاءه بوقوع إكراه عليه من قبل المتهم الثالث عن طريق تهديده باستعمال سلاح نارى كان يحمله اقتناعا منه بعدم صدق هذا الدفاع، وكان لا تناقض بين ما خلص إليه الحكم من ذلك وبين ما إنتهى إليه من مساءلة المتهم الثالث عن سلاح نارى (بندقية) ضبط حائزاً له فى مسكنه بغير ترخيص، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون غير سديد. ولما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثانى، هو الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب، ذلك أن الحكم المطعون فيه عول ضمن ما عول عليه فى إدانته على اعتراف المتهمين الأول والثانى عليه بتحقيقات النيابة دون الرد على ما أثاره الدفاع بجلسة المحاكمة من أن أحداً من المتهمين لم يستقر فى اعترافه على رواية واحدة مما ينبئ بكذب هذا الاعتراف، هذا إلى أن أقوال المتهم الأول غير دالة فى مجموعها على حصول اتفاق بين المتهمين الثلاثة على قتل المجنى عليه، فضلاً عن أنه لا يعقل أن يكون الطاعن حاملاً سلاحاً نارياً وقت وقوع الحادث ثم لا يقدم على استعماله فى قتل المجنى عليه بدلاً من اللجوء إلى خنقه بيديه العاريتين، وإذ لم يفطن الحكم لدلالة ذلك على عدم صدق اعتراف المتهمين، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة مردودة إلى أصولها الثابتة فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة فى الأخذ باعتراف المتهم فى حقه نفسه وعلى غيره من المتهمين فى أى دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من هذا الاعتراف، فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم من اعتراف المتهمين الأول والثانى على نفسيهما والطاعن صريحاً فى الدلالة على اتفاق ثلاثتهم على قتل المجنى عليه وإسهامهم معاً فى إزهاق روحه كل بحسب الدور الذى رسم له، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد ينحل فى الواقع إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل مما لا يقبل الخوض فيه أمام محكمة النقض لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون فى غير محله مستوجبا رفضه موضوعا.
ساحة النقاش