إن القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناء على سلطتها العامة بمقتضى القوانين واللوائح حين تتجه إرادة الإدارة لإنشاء مركز قانوني يكون جائزاً وممكناً قانوناً .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 448
(51)
جلسة 2 من فبراير سنة 1957
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل, المستشارين.
القضية رقم 47 لسنة 3 القضائية
( أ ) حجز إداري - إجراءاته - لا تعتبر من قبيل القرارات الإدارية - القانون رقم 308 لسنة 1955.
(ب) قرار إداري - تعريفه.
(ج) اختصاص - منازعه حول صحة أو بطلان إجراءات اتخذت في نطاق قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 - خضوعها لاختصاص القضاء العادي لا الإداري - أساس ذلك.
1 - إن إجراءات الحجز والبيع الإداري كما نظمها القانون رقم 308 لسنة 1955 لا تعدو أن تكون نظاماً خاصاً وضعه الشارع لتحقيق المستحقات التي للحكومة في ذمة الأفراد, راعى فيه التبسيط والسرعة وقلة النفقات مستبدلاً إياه بنظام قانون المرافعات للاعتبارات المذكورة؛ يقطع في ذلك نص المادة 75 من القانون السالف الذكر التي تقضي بأنه فيما عدا ما نص عليه فيه تسري جميع أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية التي لا تتعارض مع أحكام القانون المشار إليه, فما تتخذه الجهات الحكومية المختصة من إجراءات في هذا الخصوص تطبيقاً للقانون المذكور أو ما تثيره من منازعات مع ذوي الشأن في هذا النطاق لا يعتبر - والحالة هذه - من قبيل القرارات الإدارية بالمعنى المقصود من القرار الإداري.
2 - إن القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناء على سلطتها العامة بمقتضى القوانين واللوائح حين تتجه إرادة الإدارة لإنشاء مركز قانوني يكون جائزاً وممكناً قانوناً وبباعث من المصلحة العامة التي يبتغيها القانون.
3 - متى كان الثابت أن المنازعة تدور أساساً حول ما إذا كان المدعي أصبح مالكاً للعين المتنازع عليها برسو مزاد البيع الإداري عليه وانتهاء ميعاد الزيادة بالعشر كما يدعي أم أن من حق المدين أن يقوم بوفاء المستحقات التي من أجلها اتخذت إجراءات الحجز والبيع، وما إذا كان يجوز للإدارة أن تقبل الوفاء منه فلا تعتد برسو المزاد - متى كان الثابت هو ما تقدم, فإن المنازعة على هذا النحو تكون في الواقع من الأمر منازعة في صحة أو عدم صحة إجراءات اتخذت في نطاق القانون رقم 308 لسنة 1955 الخاص بالحجز الإداري وما لذوي الشأن من حقوق في صحة سند الملكية أو غير ذلك ترتيباً على أحكام القانون المشار إليه, فهي منازعة مدنية مما يدخل في اختصاص القضاء العادي ويخرج عن اختصاص القضاء الإداري, وهو رهين بأن يكون طلب الإلغاء متعلقاً بقرار إداري.
إجراءات الطعن
أقام المطعون لصالحه الدعوى رقم 1580 لسنة 10 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طلب فيها الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر من مصلحة الأموال المقررة في 15 من مايو سنة 1956 فيما تضمنه من إلغاء إجراءات الحجز الإداري ومرسى مزاد الأطيان المبينة بعريضة الدعوى وإجراءات شهرها وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار, وفي 30 من أكتوبر سنة 1956 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الطلب وفي 11 من ديسمبر سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في هذا الحكم وطلب للأسباب التي أبداها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ووقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وقد أخطر المطعون لصالحه بهذا الطعن في 13 من ديسمبر سنة 1956, والحكومة في 27 منه، وعين لنظره جلسة 5 من يناير سنة 1957, وأخطر به كل من الحكومة والمطعون لصالحه في 12 من ديسمبر سنة 1956, وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر ثم أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل فيها يستند إليه المطعون لصالحه من أنه وفاء لدين لبنك التسليف الزراعي المصري على ذكرى عبد المسيح قامت مديرية قنا باتخاذ إجراءات الحجز الإداري العقاري على أطيان مقدارها 12 س 9 ط 5 ف شيوعاً في 12 س 23 ط 5 ف بزمام ناحية نقادة بمركز قوص, وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري, وعين للبيع في مديرية قنا يوم 12 من فبراير سنة 1956 ورسا المزاد على المطعون لصالحه بالثمن الأساسي وقدره 110 م و516 ج وانقضى الميعاد المحدد في المادة 60 من القانون المذكور دون أن يتقدم أحد بزيادة العشر وبذلك أصبح مرسى المزاد عليه نهائياً, وقام بأداء كامل الثمن مع رسم نسبي قدره 5% والمصروفات ورسم الشهر، وأرسلت المديرية الأوراق إلى مصلحة الأموال المقررة في 23 من فبراير سنة 1956 طالبة اعتماد البيع فأجابت المصلحة بكتابها رقم 9 - 23/ 7 ص 4 المؤرخ 11 من مارس سنة 1956 بأن البيع اعتمد من الوزارة في 5 من مارس سنة 1956 وطلبت تنفيذ الإجراءات التالية لاعتماد البيع، فقامت المديرية بتحرير صورة محضر مرسى المزاد على الورق الأزرق وأرسلتها لمأمورية الشهر العقاري بقوص لمراجعتها، فقامت المأمورية بعمل البيانات المساحية ومحضر تصديق عليها برقم 234 لسنة 1956 وأعادت الأوراق للمديرية بعد ختمها بما يفيد صلاحيتها للشهر وذلك للقيام بشهرها في مكتب الأقصر, ثم قامت المديرية بتحرير الاستمارة 193 بقلم المكلفات لنقل التكليف باسم المطعون لصالحه كما قامت بتسوية الثمن المعلي بالأمانات والمصاريف لحساب البنك وذلك في 15 من مارس سنة 1956, ولكن في 7 من إبريل سنة 1956، وقبل إتمام شهر محضر البيع، تقدم المدين إلى المديرية عارضاً دفع الثمن والمصاريف فقبلت المديرية إيداعه ووقفت إجراءات الشهر واستطلعت رأي المصلحة فيما يجب عليها اتباعه, فأرسلت إليها المصلحة في 15 من مايو سنة 1956 بأنها ترى أنه "إذا ثبت أن المبلغ الذي قام المدين المحجوز ضده بسداده يفي بكامل المطلوب والمصاريف فتلغى كافة الإجراءات التي تمت في الحجز السالف الذكر ويسوى المبلغ لأنواعه مع رفض الثمن السابق دفعه من الراسي عليه المزاد إليه".
ولما كان المبلغ المذكور يفي بقيمة الدين والمصاريف فقد تم إلغاء الإجراءات وسوى المبلغ المودع لاسم نسيم سلامة منصور لصرفه إليه بدلاً من المبلغ المدفوع منه والسابق عمل تسوية عنه للمستحقات, كما تحرر لقلم الحسابات لإلغاء تسوية مبلغ 28 ج وكسور الذي كان المطعون لصالحه أودعه على ذمة رسوم التسجيل وتحرر لقلم المكلفات بإلغاء الاستمارة 194 أموال الخاصة بهذا الحجز وتأشر على محضر رسو المزاد بالإلغاء. وفي 30 من أكتوبر سنة 1956 حكمت المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ؛ وأسست قضاءها على أنه قد استبان لها من الاطلاع على الأوراق ومن ظروف الدعوى أن القرار المطعون فيه لا يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن الطعن المقدم من رئيس هيئة المفوضين يقوم على أن الحكم المطعون فيه لم يستظهر الركنين اللذين يقوم عليهما طلب وقف التنفيذ, وهما قيام الطلب بحسب الظاهر على أسباب جدية وقيام حالة الاستعجال, وهذا قصور مخل ينحدر إلى درجة عدم التسبيب مما يعيب الحكم ويبطله, وأنه فيما يتعلق بجدية الادعاء, فإن المادة 68 من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري تنص على أن لكل من المدين والحائز أن يودع خزانة المحافظة أو المديرية المختصة حتى اليوم السابق على اليوم المعين للمزايدة الأولى أو الثانية مبلغاً يفي بالمطلوبات والمصروفات بأكملها لغاية نهاية الشهر الذي تقع فيه جلسة البيع وإعلان المحافظ أو المدير بهذا الإيداع, وفي هذه الحالة يقرر المحافظ أو المدير أو وكيله إلغاء إجراءات الحجز والبيع ورسو المزاد الأول وإجراءات البيع إذا كان قد تم شيء من ذلك, ويحرر بالإلغاء محضر وتسلم صورة منه للمودع، وفي خصوصية هذه الدعوى لم يتم الإيداع في اليوم السابق على اليوم المعين للمزايدة، بل حصل بعد أن تم البيع ورسى المزاد على المطعون لصالحه, بل وبعد انقضاء الميعاد المقرر لزيادة العشر وبعد أن اتخذت الإجراءات لشهر محضر المبيع, ومثل هذا الإيداع لا يبدو منتجاً في إلغاء إجراءات الحجز والبيع ومرسى المزاد طبقاً للمادة 68 السالفة الذكر, كما وأن بطلان القرار المطعون فيه في هذه الصورة الواضحة يبرر في ذاته طلب المطعون لصالحه وقف تنفيذه؛ حتى لا يحول نفاذ القرار بين المطعون لصالحه وبين استعمال حقه القانوني المشروع فيستهدف لما يستهدف له من نتائج يتعذر تداركها بإظهاره بمظهر غير المالك للعقار الذي رسى مزاده عليه وحرمانه من التمتع به ومنعه من القيام عليه بما يقوم به كل مالك لكفالة ملكه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه وقع مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة.
ومن حيث إنه يتعين بادئ ذي بدء البحث فيما إذا كان ما رأته مصلحة الأموال المقررة من قبول المبلغ الذي عرضه المدين وفاء للمطلوبات المستحقة منه التي من أجلها حصلت إجراءات الحجز والبيع العقاري ورسا البيع على المطعون لصالحه وما رأته تلك المصلحة من عدم الاعتداد برسو المزاد على هذا الأخير وبعدم السير لإتمام إجراءات الشهر بناء على ذلك، يعتبر ذلك من قبيل القرارات الإدارية التي يختص القضاء الإداري بطلب إلغائها أم أنه ليس كذلك.
ومن حيث إن إجراءات الحجز والبيع الإداري كما نظمها القانون رقم 308 لسنة 1955 لا تعدو أن تكون نظاماً خاصاً وضعه الشارع لتحصيل المستحقات التي للحكومة في ذمة الأفراد, راعى فيه التبسيط والسرعة وقلة النفقات مستبدلاً إياه بنظام قانون المرافعات للاعتبارات المذكورة؛ يقطع في ذلك نص المادة 75 من القانون السالف الذكر التي تقضي بأنه فيما عدا ما نص عليه فيه تسري جميع أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية التي لا تتعارض مع أحكام القانون المشار إليه. فما تتخذه الجهات الحكومية المختصة من إجراءات في هذا الخصوص تطبيقاً للقانون المذكور، أو ما تثيره من منازعات مع ذوي الشأن في هذا النطاق لا يعتبر - والحالة هذه - من قبيل القرارات الإدارية بالمعنى المقصود من القرار الإداري وهو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناء على سلطتها العامة بمقتضى القوانين واللوائح حين تتجه إرادة الإدارة لإنشاء مركز قانوني يكون جائزاً وممكناً قانوناً وبباعث من المصلحة العامة التي يبغيها القانون، وهو ما لا ينطبق على الإجراءات التي تتخذها الحكومة تطبيقاً لقانون الحجز والبيع الإداري المشار إليه.
ومن حيث إنه يظهر مما تقدم أن المنازعة تدور أساساً حول ما إذا كان المطعون لصالحه أصبح مالكاً للعين المتنازع عليها برسو مزاد البيع الإداري عليه وانتهاء ميعاد الزيادة بالعشر كما يدعي, أم أن من حق المدين أن يقوم بوفاء المستحقات التي من أجلها اتخذت إجراءات الحجز والبيع, وما إذا كان للإدارة أن تقبل الوفاء منه فلا تعتد برسو المزاد.
ومن حيث إنه ليس من شك في أن المنازعة على هذا النحو هي في الواقع من الأمر منازعة في صحة أو عدم صحة إجراءات اتخذت في نطاق القانون المذكور وما لذوي الشأن من حقوق في صحة سند الملكية أو غير ذلك ترتيباً على أحكام القانون المشار إليه, فهي منازعة مدنية مما يدخل في اختصاص القضاء العادي ويخرج عن اختصاص القضاء الإداري، وهو رهين بأن يكون طلب الإلغاء متعلقاً بقرار إداري بالمعنى المحدد آنفاً؛ ومن ثم يتعين القضاء بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر مثل هذه المنازعة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الطلب, وألزمت الطالب بالمصروفات.
ساحة النقاش