ميعاد الستين يوماً سريانه من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به - حصول النشر عادة بالنسبة للقرارات التنظيمية العامة أو اللائحية، والإعلان بالنسبة للقرارات الفردية - علم صاحب الشأن يقوم مقام الإعلان - وجوب أن يكون العلم يقيناً وشاملاً لجميع العناصر المبينة للمركز القانوني.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1957) - صـ 1209
جلسة 22 من يونيه سنة 1957
(125)
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
القضية رقم 549 لسنة 3 القضائية
ميعاد الستين يوماً - سريانه من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به - حصول النشر عادة بالنسبة للقرارات التنظيمية العامة أو اللائحية، والإعلان بالنسبة للقرارات الفردية - علم صاحب الشأن يقوم مقام الإعلان - وجوب أن يكون العلم يقيناً وشاملاً لجميع العناصر المبينة للمركز القانوني - إمكان إثبات هذا العلم بقرائن الأحوال - نشر القرار في لوحة الإعلانات بالمصلحة لم يكن في القانون القديم لمجلس الدولة أداة حتمية لافتراض العلم - إمكان اعتباره آنئذ قرينة على تحققه.
الأصل - طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة (وهو الذي كان نافذاً وقت أن رفعت هذه الدعوى في 29 من يناير سنة 1955)، ولنص المادة 35 من القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة - أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء هو ستون يوماً تسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به. ويجري النشر عادة بالنسبة إلى القرارات التنظيمية العامة أو اللائحية، والإعلان بالنسبة إلى القرارات الفردية، إلا أنه يقوم مقام الإعلان - في صدد هذه القرارات الأخيرة - علم صاحب الشأن بها بأية وسيلة من وسائل الإخبار بما يحقق الغاية من الإعلان ولو لم يقع هذا الإعلان بالفعل. بيد أن العلم الذي يمكن ترتيب هذا الأثر عليه - من حيث جريان الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء - يجب أن يكون علماً يقينياً، لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملاً لجميع العناصر التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة إلى هذا القرار، ويستطيع أن يحدد على مقتضى ذلك طريقه في الطعن فيه، ولا يجري الميعاد في حقه إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني الشامل على النحو السالف إيضاحه، ويثبت هذا العلم من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله، دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وللقضاء الإداري، في إعمال رقابته القانونية، التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره، وذلك حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال؛ فلا تأخذ بهذا العلم إلا إذا توافر اقتناعها بقيام الدليل عليه، كما لا تقف عند إنكار صاحب المصلحة له؛ حتى لا تهدر المصلحة العامة المبتغاة من تحصين القرارات الإدارية، ولا تزعزع استقرار المراكز القانونية الذاتية التي اكتسبها أربابها بمقتضى هذه القرارات. ومن ثم إذا ثبت من الأوراق وما أكدته جهة الإدارة (وهو ما لم يدحضه المدعي بحجة إيجابية ولم يقم الدليل على عكسه) أن حركة الترقيات المطعون فيها بعد مضي أكثر من ستين يوماً قد أذيعت في حينها بنشرها في لوحة الإعلانات المعدة لذلك بالمصلحة المدعى عليها، ووزعت على جميع أقسام هذه المصلحة وقت صدورها، فإن هذا النشر والتوزيع - وإن لم يعتبرا آنئذ أداة لافتراض العلم حتماً - إلا أنهما ينهضان قرينة قوية على تحققه ما دام لم يثبت العكس. وقد اعتد المشرع في المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة بالنشرات التي تصدرها المصالح كوسيلة من وسائل الإخبار بالقرار الإداري، ورتب عليها ذات الأثر الذي رتبه على النشر في الجريدة الرسمية أو على إعلان صاحب الشأن بالقرار، مؤكداً بذلك مبدأ العلم.
إجراءات الطعن
في 6 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 549 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 10 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 1132 لسنة 9 القضائية المقامة من السيد محمود جودة ضد 1 - وزارة المالية والاقتصاد، و2 - ديوان المحاسبة، القاضي "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى، وإحالة القضية إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوع المنازعة". وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من الجهة الإدارية والمطعون لصالحه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 4 من مايو سنة 1957، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أي يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 24 من إبريل سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وأرجأت نظر الطعن إلى جلسة 25 من مايو سنة 1957؛ لكي يقدم السيد رئيس هيئة المفوضين والمطعون لصالحه مذكرات في موضوع الدعوى إلى ما قبل الجلسة بأسبوع. وقد أودع كل منهما مذكرته في الميعاد، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
عن قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 1132 لسنة 9 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد كل من وزارة المالية والاقتصاد وديوان المحاسبة بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 29 من يناير سنة 1955 ذكر فيها أنه حصل على دبلوم المعهد العالي للتجارة في مايو سنة 1942، وعين بديوان المحاسبة في 10 من مارس سنة 1943 في الدرجة السادسة، ثم حصل على دبلوم معهد الضرائب في إبريل سنة 1947، وقدم طلباً إلى الديوان لنقله إلى مصلحة الضرائب لم يوافق عليه الديوان إلا في 16 من نوفمبر سنة 1948 بعد إجراء بدل. وقد علم أخيراً أن قراراً صدر من رئيس ديوان المحاسبة في 25 من أغسطس سنة 1948 بترقية بعض زملائه إلى الدرجة الخامسة مع تخطيه في هذه الترقية، كما علم أنه بعد نقله إلى مصلحة الضرائب صدر قرار في 13 من ديسمبر سنة 1948 بترقية 38 موظفاً إلى الدرجة الخامسة مع استبعاد اسمه بحجة أنه لم تمض عليه سنة بالمصلحة؛ ومن أجل هذا بادر بمجرد علمه برفع دعواه طالباً "الحكم: أصلياً - بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار المدعى عليه الثاني (رئيس ديوان المحاسبة) رقم 71 لسنة 1948 والصادر في 25 من أغسطس سنة 1948 بترقية الأساتذة عبد الله أحمد سليمان الوكيل وآخرين إلى الدرجة الخامسة فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة، مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وغيرها، مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات والأتعاب. واحتياطياً - بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار المدعى عليه الأول (وزير المالية) الصادر في 13 من ديسمبر سنة 1948 بترقية الأساتذة وليم يونس حبيب وآخرين إلى الدرجة الخامسة فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة من ذلك التاريخ، مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وغيرها، مع إلزام المدعى عليه الأول بالمصروفات والأتعاب، مع حفظ كافة الحقوق الأخرى". وقد رد ديوان المحاسبة على هذه الدعوى من الناحية الشكلية بأن المدعي يطعن على قرار الديوان الصادر في 25 من أغسطس سنة 1948، مع أن القرار المذكور قد أعلن في حينه بلوحة الإعلانات المعدة لذلك بالديوان، وقد انقضى على تاريخ صدوره أكثر من ستين يوماً، وهي المدة القانونية المقررة لجواز الطعن فيه؛ ومن ثم فإن طعن المدعي على هذا القرار بعد مضي أكثر من ست سنوات على تاريخ صدوره يكون غير مقبول شكلاً. كما دفعت مصلحة الضرائب بعدم قبول الطعن لتقديمه بعد الميعاد؛ إذ أن القرار المطعون فيه الصادر في 13 من ديسمبر سنة 1948 قد مضى على صدوره ما يزيد على سبع سنوات، وقد نشر في حينه ووزع على جميع الأقسام فعلم به الكافة، ولا يقبل من المدعي بعد ذلك الاحتجاج بعدم العلم به. وبجلسة 10 من يناير سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") "بعدم قبول الدعوى، لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن نشر القرار الإداري الذي نصت عليه المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة إنما قصد به إثبات حصول العلم بالقرار، فهو قرينة قانونية قاطعة لا يجوز دحضها. أما إعلان صاحب الشأن بالقرار فقد وردت عبارته في المادة المشار إليها بصفة عامة، والمقصود بذلك وسائل الإخبار الأخرى غير النشر. وقد استهدف المشرع بذلك علم صاحب المصلحة علماً يقينياً بالقرار يمكنه من الوقوف على مركزه القانوني المترتب عليه، وهذا العلم خاضع لرقابة المحكمة وتقديرها، فإذا استخلصت من أوراق الدعوى ووقائعها علم صاحب الشأن بالقرار علماً كافياً نافياً للجهالة كان لها أن ترتب على هذا العلم أثره في جريان ميعاد الطعن بالإلغاء. وقد بان من الأوراق أن المدعي رقي في مصلحة الضرائب إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 15 من أغسطس سنة 1948، وإلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954، أي في تاريخ سابق على رفع الدعوى، الأمر الذي يقطع بعد استقرار وضعه في درجتين متتاليتين بعلمه اليقيني بالقرارين المطعون فيهما اللذين نفذا في حقه وحق زملائه وجرى التدرج والترقي على أساسهما عدة سنوات؛ ومن ثم فإن الدعوى تكون قد رفعت بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 6 من مارس سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى، وإحالة القضية إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوع المنازعة". واستند في أسباب طعنه إلى أن المشرع قد حدد في قانون مجلس الدولة قرينة العلم بالقرار الإداري، وهي إما نشره وإما إعلان صاحب الشأن به، بيد أن القضاء الإداري لا يزال يضيف وسيلة أخرى لبدء سريان الميعاد هي العلم اليقيني أياً كانت القرينة المستفاد منها حصول هذا العلم. وليس يجدي ديوان المحاسبة الاحتجاج بأن القرار المطعون فيه أصلياً قد نشر في حينه بلوحة الإعلانات المعدة لذلك بالديوان؛ إذ ليس كل نشر يؤدي الغرض منه بل يجب أن يكون في نشرة معدة لذلك صادرة من جهة مختصة. ولما كانت اللوحة المشار إليها غير معدة قانوناً لترتيب أثر النشر فلا ينهض النشر الحاصل فيها قرينة كافية على علم المدعي بالقرار علماً يقينياً، لا ظنياً ولا افتراضياً، كما لا يجدي مصلحة الضرائب التذرع بنشر القرار المطعون فيه احتياطياً وتوزيعه على الأقسام المختلفة؛ لأن القانون لم يكن ليرتب عليه الأثر المطلوب، وإن كانت المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 قد جاءت بعد ذلك واعتبرت النشرات التي تصدرها المصالح طريقة من طرق النشر التي تفيد العلم بالقرار، وصدر قرار مجلس الوزراء في 30 من مارس سنة 1955 تنفذاً لهذه المادة؛ ومن ثم تسقط قرينة العلم اليقيني التي استندت إليها مصلحة الضرائب. أما الحكم المطعون فيه فقد استند إلى قرينة منبتة الصلة بالقرارين المطعون فيهما ليرتب عليهما العلم بهما علماً يقينياً، مع أن القضاء الإداري المصري - عندما أخذ بالعلم اليقيني كوسيلة من وسائل بدء سريان المدة - قد تشدد في الوقت ذاته في إثبات الإدارة للقرينة المؤدية إليه، فاشترط أن يكون هذا العلم يقينياً، لا ظنياً ولا افتراضياً؛ وعلى ذلك يكون الحكم قد أخطأ حينما استند إلى وسيلة علم المدعي اليقيني بالقرارين المطعون فيهما، مع أنه لم يثبت أن واقعة أو قرينة يمكن نسبتها إلى القرارين تفيد علم المدعي بهما علماً نافياً للجهالة على سبيل اليقين. وما دام الأمر كذلك، وكان الثابت أن القرارين المطعون فيهما لم ينشرا في نشرة معدة لترتيب الأثر القانوني بالعلم ولم يعلنا إلى المدعي كتابة، فلا يبدأ بالنسبة لأيهما ميعاد الطعن بالإلغاء مهما طالت المدة بين تاريخ صدورهما وتاريخ رفع الدعوى. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تفسير القانون وتطبيقه، وتكون قد قامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد أودع المطعون لصالحه مذكرة بملاحظاته قال فيها إن الحكم المطعون فيه جاء باطلاً ومخالفاً لما استقر عليه إجماع القضاء الإداري من أن ميعاد الطعن يسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، فإذا لم يتم هذا الإجراء فإن العلم الذي يقوم مقام الإعلان يجب أن يكون علماً يقينياً، لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملا ًلجميع العناصر التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة إلى هذا القرار، وأن يحدد على مقتضاها طريقه إلى الطعن فيه، بل لقد قضى بأن نشرة الأوامر العمومية لوزارة الداخلية لا يمكن اعتبارها حجة على الكافة في افتراض العلم بما جاء فيها، هذا إلى أنه ليس صحيحاً ما زعمه ديوان المحاسبة من أنه درج على نشر قراراته الإدارية في لوحة الإعلانات، وفضلاً عن ذلك فإن المدعي نقل إلى مصلحة الضرائب بعد أكثر من شهر من صدور قرار 25 من أغسطس سنة 1948، أما قرار 13 من ديسمبر سنة 1948 فإن مصلحة الضرائب قد درجت على إخفاء قراراتها وعدم نشرها، ولما كان لم يعلم بهذين القرارين إلا مصادفة قبيل رفع الدعوى فإن دعواه تكون مقبولة شكلاً.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن ديوان المحاسبة يبني دفعه بعدم قبول الدعوى - فيما يتعلق بالطلب الأصلي من طلبات المدعي، وهو الخاص بإلغاء القرار رقم 71 لسنة 1948 الصادر من رئيس الديوان في 25 من أغسطس سنة 1948 بترقية بعض موظفي الديوان المذكور ترقية عادية إلى الدرجة الخامسة فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة وقت أن كان موظفاً به - على أن القرار المطعون فيه قد أعلن في حينه بلوحة الإعلانات المعدة لذلك بالديوان، وانقضى على تاريخ صدوره أكثر من ستين يوماً، وهي المدة القانونية المقررة لجواز الطعن فيه؛ ومن ثم فإن طعن المدعي في هذا القرار في 29 من يناير سنة 1955، أي بعد انقضاء أكثر من ست سنوات على تاريخ صدوره، يكون غير مقبول شكلاً، كما أن مصلحة الضرائب التي نقل إليها المذكور من ديوان المحاسبة اعتباراً من 16 نوفمبر سنة 1948 تؤسس هذا الدفع فيما يتعلق بطلبه الاحتياطي - الخاص بإلغاء قرار وزير المالية الصادر في 13 من ديسمبر سنة 1948 بترقية بعض موظفي المصلحة إلى الدرجة الخامسة الفنية فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة من ذلك التاريخ - على أن القرار المطعون فيه قد مضى على صدوره ما يزيد على ست سنوات، وقد نشر ووزع على جميع أقسام المصلحة وقت صدوره، وطبعي أنه لابد للمدعي أن يكون قد علم به في حينه، فلا يقبل منه بعد ست سنوات الاحتجاج بعدم علمه به، وما دام القرار قد نشر ووزع على جميع أقسام المصلحة، فإن ذلك يعتبر بمثابة علم الكافة به، ويكون طعن المدعي فيه متأخراً غير مقبول شكلاً لتقديمه بعد الميعاد القانوني.
ومن حيث إن الأصل - طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة (وهو الذي كان نافذاً وقت أن رفعت هذه الدعوى في 29 من يناير سنة 1955) ولنص المادة 35 من القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة - أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء هو ستون يوماً تسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به. ويجري النشر عادة بالنسبة إلى القرارات التنظيمية العامة أو اللائحية، والإعلان بالنسبة إلى القرارات الفردية، إلا أنه يقوم مقام الإعلان - في صدد هذه القرارات الأخيرة - علم صاحب الشأن بها بأية وسيلة من وسائل الإخبار بما يحقق الغاية من الإعلان ولو لم يقع هذا الإعلان بالفعل. بيد أن العلم الذي يمكن ترتيب هذا الأثر عليه من حيث جريان الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء، يجب، كما سبق أن قضت هذه المحكمة، أن يكون علماً يقينياً، لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملاً لجميع العناصر التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة إلى هذا القرار، ويستطيع أن يحدد - على مقتضى ذلك - طريقه في الطعن فيه، ولا يجري الميعاد في حقه إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني الشامل على النحو السالف إيضاحه، ويثبت هذا العلم من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله، دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة. وللقضاء الإداري في إعمال رقابته القانونية، التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره، وذلك حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال؛ فلا تأخذ بهذا العلم إلا إذا توافر اقتناعها بقيام الدليل عليه، كما لا تقف عند إنكار صاحب المصلحة له؛ حتى لا تهدر المصلحة العامة المبتغاة من تحصين القرارات الإدارية، ولا تزعزع استقرار المراكز القانونية الذاتية التي اكتسبها أربابها بمقتضى هذه القرارات.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق ومما أكده كل من ديوان المحاسبة ومصلحة الضرائب، وهو ما لم يدحضه المدعي بحجة إيجابية ولم يقم الدليل على عكسه، أن حركة الترقيات التي أجراها الديوان في 25 من أغسطس سنة 1948 قد أذيعت في حينها على جميع موظفيه بنشرها في لوحة الإعلانات المعدة لذلك بالديوان في الوقت الذي كان المدعي لا يزال موظفاً به؛ إذ لم ينقل منه إلى مصلحة الضرائب إلا بعد ذلك بأكثر من شهرين ونصف في 16 من نوفمبر سنة 1948، وأن حركة الترقيات التي تمت بمصلحة الضرائب في 13 من ديسمبر سنة 1948 بعد نقله إليها قد نشر القرار الصادر بها ووزع على جميع أقسام المصلحة وقت صدوره، فإن هذا النشر والتوزيع، وإن لم يعتبرا أداة لافتراض العلم حتماً، إلا أنهما ينهضان قرينة قوية على تحققه ما دام لم يثبت العكس. وقد اعتد المشرع في المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة بالنشرات التي تصدرها المصالح كوسيلة من وسائل الإخبار بالقرار الإداري، ورتب عليها ذات الأثر الذي رتبه على النشر في الجريدة الرسمية أو على إعلان صاحب الشأن بالقرار مؤكداً بذلك مبدأ العلم. يضاف إلى هذا ويعززه أن المدعي رقي بعد ذلك في مصلحة الضرائب إلى الدرجة الخامسة الفنية اعتباراً من 9 من أغسطس سنة 1949، ثم إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من 13 من نوفمبر سنة 1954، وقد استقر وضعه في هاتين الدرجتين المتتاليتين وتحدد مركزه القانوني بالنسبة إلى زملائه وجرى تدرجه في السلم الوظيفي إزاءهم على أساسه خلال سنوات عدة سابقة على تاريخ رفع الدعوى، مما لا يقبل معه زعمه متأخراً عدم العلم بالقرارين المطعون فيهما أصلياً واحتياطياً في الوقت المناسب.
ومن حيث إنه لما تقدم تكون الدعوى قد رفعت بعد فوات الميعاد القانوني المقرر للطعن بالإلغاء. ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من عدم قبول هذه الدعوى لرفعها بعد الميعاد، ويكون طعن هيئة مفوضي الدولة بطلب إلغاء هذا الحكم والقضاء بقبول الدعوى في غير محله متعيناً رفضه، ولا محل بعد ذلك لبحث ما تضمنه الطعن المذكور خاصاً بموضوع الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ساحة النقاش