أثر نشوء أمور أو ظروف مغيرة لآثار القرار الإداري خلال نظر دعوى إلغائه - عدم محو الخصومة الأصلية أو جعلها منتهية.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1243
(130)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود محمد إبراهيم المستشارين.
القضية رقم 43/ 45 لسنة 2 القضائية (ش)
( أ ) اختصاص - القرارات الإدارية الصادرة من سلطة تأديبية رئاسية بشأن موظفي الحلقتين الثانية والثالثة من قانون الموظفين الأساسي - اختصاص المحكمة العليا السابقة بدمشق بنظر دعاوى إلغائها دون الغرفة المدنية بمحكمة التمييز - أيلولة هذا الاختصاص إلى المحكمة الإدارية وفقاً لنص المادتين 8 فقرة ج و13 من قانون تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة رقم 55 لسنة 1959 والمادة 2 من قانون إصداره - مثال.
(ب) قرار إداري - منازعة تأديبية - أثر نشوء أمور أو ظروف مغيرة لآثار القرار الإداري خلال نظر دعوى إلغائه - عدم محو الخصومة الأصلية أو جعلها منتهية - واجب القضاء الإداري في هذه الحالة - حسم الخصومة في ضوء الظروف المستجدة والآثار المترتبة قانوناً على هذه الظروف - مثال.
(جـ) قرار إداري - سحب كلي - تسريح الموظف - طرده - القرار الصادر بتسريح الموظف بأثر رجعي من تاريخ القرار الصادر بطرده - لا يتضمن سحباً كلياً لقرار الطرد - هو تعديل له بتخفيف العقوبة التأديبية - عدم انتهاء الخصومة.
1 - أن القرار محل الطعن لا يعدو أن يكون قراراً صادراً من المدير العام لمصلحة مياه حلب بصفته سلطة تأديبية رئاسية - أسند إليها المرسوم رقم 2780 الصادر في 15 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1954 صلاحية توقيع العقوبات الشديدة والخفيفة، والتي ورد تعدادها وبيان نوعها وتدرجها في قانون الموظفين الأساسي، على موظفي المصلحة من الحلقتين الثانية والثالثة، ومنهم المدعي. وبهذه المثابة يكون القرار المطعون فيه من قبيل القرارات التي كانت تختص بنظر الدعوى بطلب إلغائها المحكمة العليا دون الغرفة المدنية بمحكمة التمييز، ومن ثم تكون المحكمة الإدارية التي آلت إليها ولاية المحكمة العليا في خصوص الطلب المعروض، هي المختصة بنظره وفقاً لنص المادتين 8 فقرة ج و13 من قانون تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة رقم 55 لسنة 1959 والمادة 2 من قانون إصداره.
2 - يجب التنبيه إلى أنه ما دامت المنازعة قائمة بقيام أساسها وسببها فإن ما يطرأ عليها خلال نظر الدعوى من أمور أو ظروف قد تغير في بعض الآثار المترتبة على القرار الإداري المطعون فيه، لا يمحو الخصومة الأصلية أو يجعلها منتهية، بل يتعين على القضاء الإداري أن يحسم الخصومة في ضوء الظروف المستجدة، وعلى مقتضى الآثار التي تترتب قانوناً على هذه الظروف. كما لو بدأت الدعوى بطلب إلغاء قرار ترك في ترقية ثم رقي المدعي خلال نظر الدعوى، إذ تصبح الخصومة عندئذ منحصرة في ترتيب الأقدمية، ويتعين على القضاء الإداري مراعاة ما استجد من ظروف وترتيب آثارها في حكمه، ولا يقال عندئذ أن الخصومة الأولى قد انتهت بدعوى أنها كانت قائمة على قرار الترك في الترقية، بل الواقع أن الخصومة ما زالت قائمة، وإن تغيرت بعض ظروفها. وكذلك الحال إذا ما صدر الجزاء في المنازعة التأديبية بعقوبة معينة هي التي رفعت الدعوى بطلب إلغائها، ثم خففت العقوبة أثناء نظر الدعوى، فإن المنازعة الإدارية تعتبر ما زالت قائمة، وينصب طلب الإلغاء في هذه الحالة على العقوبة المخففة، ولا يسوغ اعتبار المنازعة منتهية، لأن في ذلك مجاوزة للواقع، ولأنها في الحقيقة ما زالت قائمة وإن تغيرت بعض ظروفها. هذا إلى أنه من المسلم أنه يجوز لذوي الشأن أن يعدلوا طلباتهم أثناء نظر الدعوى ما دام ثمت ارتباط بين الطلبات الأصلية والطلبات المعدلة. فإذا كان الهدف الأساسي من الدعوى إنما هو طلب إلغاء القرار الإداري الذي ترتب عليه فصل المدعي من الخدمة، وطلب إعادته إليها، أياً كانت الآثار المترتبة على هذا الفصل - بالغة الشدة أو مخففة من حيث استحقاق المعاش التقاعدي أو تعويض التسريح أو الحرمان من وظائف الدولة أو ما إلى ذلك - وكان هذا الطلب وهو جوهر المنازعة الإدارية التي مثارها تأديب المدعي والتي لما تنحسم لا يزال موضوعه قائماً والغاية منه منشودة على الرغم من تعديل قرار الطرد أو التسريح، فإن ما ذهب إليه حكم المحكمة الإدارية من اعتبار المنازعة منتهية يكون، والحالة هذه، في غير محله ويتعين القضاء بإلغائه في هذا الشق منه.
3 - إن القرار الصادر بتسريح المدعي من الخدمة لا يتضمن سحباً كلياً للقرار الصادر بطرده منها، بل هو كما وصفته الإدارة ذاتها - تعديل للقرار المذكور بتخفيف العقوبة التأديبية الواردة فيه من الطرد إلى التسريح من حيث الآثار التي تترتب على كل منهما، مع الإبقاء على المبدأ المشترك بينهما وهو الإقصاء عن الوظيفة العامة، ومع جعل هذا التعديل بأثر رجعي بإسناده إلى تاريخ تنفيذ قرار الطرد المشار إليه، وإذ كان الأمر لا يعدو أن يكون تعديلاً بأثر رجعي لبعض آثار القرار الأول المطعون فيه مع استمرار مفعوله بالإبقاء على جوهره، فإن المنازعة المعقودة بالدعوى الراهنة في شأن هذا القرار تظل قائمة لعدم انحسامها، وتلاحقه في صورته الجديدة المتمثلة في قرار التعديل الذي يشترك معه في إبراز آثاره، وهو العزل من الوظيفة العامة، والذي ليس من مقتضاه إعادة المدعي إلى الخدمة أو صرف رواتبه إليه من تاريخ حرمانه منها أو منحه التضمينات التي يطالب بها، تلك الأمور التي كانت وما تزال موطن تضرره ومحل شكايته ومنازعته.
إجراءات الطعن
في 4 و9 من نيسان (إبريل) سنة 1960 أودع كل من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، والأستاذ محمد صالح الهاشمي المحامي الوكيل عن السيد/ أحمد صباح بن بهجت الفرا سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا بدمشق، تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد أولهما تحت رقم 43 لسنة 2 القضائية، والثاني تحت رقم 45 لسنة 2 القضائية (جدول الإقليم السوري) في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بدمشق بجلسة 10 من شباط (فبراير) سنة 1960 في الدعوى رقم 6 لسنة 1959 سنة 1 القضائية المقامة من السيد/ أحمد صباح بن بهجت الفرا ضد السيد المدير العام لمصلحة المياه بحلب، القاضي "باعتبار المنازعة منتهية، وإلزام الجهة المدعى عليها بالمصروفات ومبلغ مائة ليرة مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبوله شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من اعتبار المنازعة منتهية، مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" كما طلب الطاعن في عريضة طعنه "إعطاء القرار بقبوله شكلاً وإحالته للفصل في موضوعه، ومن المحكمة الإدارية العليا نقض القرار المطعون فيه والحكم للمدعي بما طلبه في عريضة دعواه، وإلزام الجهة المدعى عليها بجميع الرسوم والنفقات، وبألفي ليرة سورية أجرة أتعاب المحاماة" وقد أبلغ الطعن الأول إلى ذوي الشأن في 18 من نيسان (إبريل) سنة 1960، كما أبلغ الثاني إليهم في 21 منه. وقد عقبت الجهة الإدارية، مصلحة مياه حلب، على الطعنين بمذكرة في 14 من أيار (مايو) سنة 1960 طلبت فيهاً "إعطاء القرار من محكمتكم الجليلة برد الشكوى المبحوث عنها في الاستدعاءين المذكورين وتضمين المشتكي النفقات والرسوم وأتعاب المحاماة". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 27 من آب (أغسطس) سنة 1960، وقد أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة إحالتهما إلى المحكمة العليا لجلسة 4 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960، وقد أبلغ كل من السيد/ أحمد صباح بن بهجت الفرا ومصلحة مياه حلب بهذه الجلسة، وفيها حضر الأول ولم تحضر الثانية، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ضم الطعنين رقمي 43 و45 لسنة 2 القضائية أحدهما إلى الآخر للفصل فيهما معاً بحكم واحد، وإرجاء النطق بالحكم فيهما إلى جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960، مع الترخيص في تقديم مذكرات تكميلية خلال أسبوع، وقد قدم المدعي بالجلسة مذكرة بملاحظاته اختتمها بأنه يكرر "الطلب بنقض القرار المطعون فيه، وإبطال قرار الإدارة والحكم بجميع المطالب الواردة في الدعوى تحقيقاً للعدالة".
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين المضمومين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية، ولا وجه لما تذهب إليه الجهة الإدارية من أن الطعن الثاني لم يصحب بدفع الكفالة المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة، ولم يقدم من محام مقبول لدى المحكمة الإدارية العليا، وأن الطعنين لم يستندا إلى سبب من الأسباب المبررة قانوناً للطعن في الأحكام أمام المحكمة المذكورة، لا وجه لذلك، لما هو ثابت من أداء الطاعن للكفالة المشار إليها في الميعاد القانوني بمقتضى الإيصال رقم 110537 في 9 من نيسان (إبريل) سنة 1960، وهو تاريخ تقديم الطعن، كما يبين من الأوراق، ولما هو مقرر في الأوضاع الراهنة بالإقليم السوري نظراً إلى عدم وجود جدول خاص بالمحامين المقررين أمام المحكمة الإدارية العليا، فضلاً عن صدور الطعن من مكتب الأستاذ هاني الريس، وعن قيام الطعن الأول المقدم من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة صحيحاً، وعدم توجيه مثل هذا الاعتراض الشكلي عليه، وعن توقيع صحيفة الطعن من الأستاذ هاني الريس، وإن حصل التقرير بالوكالة عنه، ولأن الدفع الثالث مردود بأنه دفع موضوعي لا يتصل بشكل الطعنين، إن صحت حجة الجهة الإدارية فيه.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يتضح من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام أمام المحكمة العليا، ضد مصلحة مياه حلب، الدعوى رقم 12 أساس عام 1959 التي أحيلت فيما بعد إلى المحكمة الإدارية بدمشق عملاً بأحكام المادة الثانية من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة بالجمهورية العربية المتحدة، وقيدت بجدولها تحت رقم 6 لسنة 1959 السنة 1 القضائية، وذلك بعريضة أودعها ديوان المحكمة في 24 من حزيران (يونيه) سنة 1958 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من المدير العام لمصلحة مياه حلب تحت رقم 100 في 15 من حزيران (يونيه) سنة 1958 بطرده من الخدمة من مصلحة مياه حلب وإحالة إضبارة التحقيق إلى القضاء، كما طلب تضمين الجهة الإدارية الأضرار المادية والمعنوية، علاوة على رسوم المحاكمة وسائر نفقاتها. ونعى على القرار المطعون فيه أنه صدر مشوباً بعيب مخالفة القانون، لأنه بنى على مجرد الشك واحتمال وقوع تزوير في المستندات المرفقة بأمر الصرف رقم 3620 المؤرخ 16 من حزيران (يونيه) سنة 1955، وعدم قيامه بتسديد مبلغ 113 ليرة سورية وخمسة قروش قيمة ما قبضه بموجب الأمر المذكور إلى صاحبه، مع أن هذا السند محرر برمته بخط موظف مسئول غيره في المصلحة، ويرجع تاريخه إلى ثلاث سنوات سابقة وأن مدير عام المصلحة لم يطلع عليه للتحقق من الإضافة المزعوم وقوعها فيه قبل إصدار قراره، وأن طرده من الوظيفة للأسباب المبينة بصدور القرار قبل أن يحكم عليه من جهة القضاء المختصة، وقبل أن يكتسب الحكم الدرجة القطعية مخالف للقانون، وناطق بتحامل المدير المذكور عليه، وهو لا يملك الحق في هذا الطرد قبل ثبوت الإدانة. وأن الدائرة المطعون في قرارها لم تشأ الإصغاء إلى دفاعه في هذا الشأن للتحقق من فساد التهمة المسندة إليه، بل تعجلت في إصدار هذا القرار. ولهذا فهو يطلب "1 - إصدار القرار بتوقيف تنفيذ القرار المطعون فيه استناداً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 27 من القانون رقم 57 لأنه سابق لأوانه. 2 - إبطال القرار المطعون فيه وتضمين الدائرة الأضرار المادية والمعنوية علاوة على رسوم المحاكمة وسائر نفقاتها".
ومن حيث إن الجهة الإدارية ردت على هذه الدعوى بأنه لما كان المدعي من موظفي الحلقة الثانية، فإن تعيينه والبت في شئونه المسلكية هو من اختصاص مدير عام المصلحة وفقاً للمادتين 37، 100 ودلالة المادة 107 من المرسوم رقم 2780، ومن ثم يكون لهذا المدير الحق في أن يوقع عليه العقوبات المنصوص عليها في قانون الموظفين بنوعيها الخفيفة منها والشديدة بما فيها عقوبة الطرد إذا قامت مبرراتها. وقد كان من واجب المدير المذكور بوصفه المهيمن على مصلحة مياه حلب وشئون موظفيها أن يوقع هذه العقوبة الأخيرة على المدعي كجزاء إداري مستقل عن العقوبة الجنائية أياً كان رأي الجهة القضائية المختصة في هذا العقوبة، ولا سيما بعد إذ استنكف المدعي عن الإدلاء بما يدحض التهمة المسندة إليه، على الرغم من منحه مهلة ثلاثة أيام لذلك، وإسداء النصح إليه لدفع الاتهام عن نفسه. وبعد أن عجز عن إقامة الدليل على أنه أوصل المبلغ المتهم باختلاسه إلى صاحب الحق، بعد إذ أثبت التحقيق أنه قبضه نيابة عنه بتفويض مزور. ولا يقصد من هذا أن الجهة الإدارية لم تجزم برأي في موضوع التزوير الذي من حق القضاء وحده تقرير ثبوته أو عدمه، ما دامت قد اقتنعت من التحقيقات التي أجرتها بإخلال المدعي بواجبات وظيفته وخروجه عن السلوك السوي. وبذا تكون قد استعملت حقها المشروع من الاستغناء عن موظف أساء إلى سمعتها وتلاعب بنقودها واستغل وظيفته في التصرف بما لذوي الاستحقاق من مال في ذمتها، ولا إلزام على مدير عام المصلحة بتسبيب قرار الطرد، الذي وإن اختلف لفظاً عن التسريح، يستوي معه من حيث المعنى والنتائج. وإذا كان التسريح بدون تعويض فإن للموظف الالتجاء إلى القضاء لإنصافه، إن كان له وجه حق في ذلك. وخلصت الجهة الإدارية من هذا إلى طلب رد الدعوى، وإلزام المدعي بالرسوم والمصروفات.
ومن حيث إن المدعي تقدم بعد ذلك بمذكرة أوضح فيها أن محكمة الاستئناف الجزائية في حلب قد أصدرت حكمها ببراءته من التهمة المنسوبة إليه، وأن محكمة النقض قد صدقت على هذا الحكم، وطلب الحكم بإبطال القرار الصادر بطرده من الوظيفة، وبإعادته إليها، وصرف رواتبه التي حرم منها بسبب هذا القرار، مع تضمين المصلحة المطعون في قرارها الأضرار المادية والمعنوية التي لا تقل عن ألفي ليرة سورية مع رسوم الدعوى ونفقاتها وأتعاب المحاماة.
ومن حيث إن مصلحة مياه حلب عقبت على ذلك بمذكرة دفعت فيها بعدم الاختصاص تأسيساً على أن القرار المطعون فيه إنما صدر من مدير عام المصلحة بصلاحية مجلس التأديب، ومن ثم فإنه كان يتعين الطعن فيه أمام محكمة التمييز في الميعاد المقرر لذلك لا أمام المحكمة العليا التي آل اختصاصها بصدد الدعوى الحالية إلى المحكمة الإدارية التي حلت محلها بمقتضى قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959، إذ لا يزال حق النظر تمييزاً في قرار الطرد المذكور من اختصاص محكمة التمييز. وقالت في الموضوع: أن المدعي بعد تعيينه تغيرت أحواله وأصبح موظفاً مشاكساً بلغ به الأمر حد إثارة النعرات الطائفية بين الموظفين والعمال، وخلق الفتن بينهم، ثم أخذ يزداد مشاغبة وإهمالاً وإثارة للاضطرابات وتأليباً للعمال، ضد المصلحة. وأثناء ذلك حضر السيد/ جان بوياجيان إلى المصلحة طالباً صرف فرق استحقاقاته، فأفهمه رئيس دائرة الصرف أن المدعي قبض هذه الاستحقاقات نيابة عنه باعتباره معتمداً بالقبض، فلما أنكر السيد/ بوياجيان هذا الاعتماد أجرى تحقيق ثبت منه قبض المدعي المبلغ المستحق لهذا الأخير باعتباره معتمداً عنه دون تسليمه إياه، وقد اعتبر عمل المدعي ذنباً إدارياً استوجب قرار طرده، كما أحيل إلى القضاء لينال عقابه، إلا أن القضاء برأه لسقوط الدعوى الجنائية بالتقادم، بيد أن هذا لا ينزع عن المذكور مسئوليته المسلكية، ولهذه الاعتبارات أصدرت المصلحة قراراً تحت رقم 154 في 9 من تموز (يوليه) سنة 1959 بتعديل قرار الطرد إلى التسريح، وبتصفية حقوق المدعي القانونية، وبذا حسم الخلاف وانتهت الخصومة بين المدعي والمصلحة، بعد إذ أصبحت غير ذات موضوع، وصار من المتعين رفض الدعوى وتضمين المدعي المصروفات والرسوم وأتعاب المحاماة.
ومن حيث إن المدعي رد على ذلك بمذكرة قال فيها إن القرار الأخير الصادر بتسريحه اعتباراً من تاريخ تنفيذ قرار الطرد المطعون فيه لا يجعل الدعوى غير ذات موضوع، لأن قرار التسريح إنما يتخذ في حق الموظف القائم بالعمل، ولا يجوز أن يكون له أثر رجعي، كما أنه لا يعطيه الحق في تقاضي رواتبه عن المدة التي حرم فيها من هذه الرواتب بسبب قرار الطرد الذي أقرت الإدارة بعدم قانونيته، ولا يقضي بإعادته إلى وظيفته، ولذا فإنه لا يزال يصر على طلباته.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة أودع تقريراً بالرأي القانوني مسبباً، انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى "الحكم: 1 - برفض الدفع بعدم الاختصاص، وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى. 2 - برفض الدعوى موضوعاً".
ومن حيث إن المحكمة الإدارية بدمشق قضت بجلسة 10 من شباط (فبراير) سنة 1960 "باعتبار المنازعة منتهية، وإلزام الجهة المدعى عليها بالمصروفات ومبلغ مائة ليرة مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها في الدفع بعدم الاختصاص على أن القرار المطعون فيه لا يعدو أن يكون قراراً صادراً من المدير العام لمصلحة مياه حلب، بصفته سلطة رئاسية تأديبية، مما كانت المحكمة العليا، دون الغرفة المدنية بمحكمة التمييز، تختص بنظر الدعوى بطلب إلغائه، ومن ثم تكون المحكمة الإدارية التي أحيل إليها ما تختص بنظره نوعياً من الدعاوى التي كانت منظورة أمام المحكمة العليا طبقاً لنص المادتين 8 و13 من قانون مجلس الدولة، والمادة 2 من قانون إصداره هي المختصة بنظر الدعوى الحالية، ويكون الدفع بعدم اختصاصها في غير محله متعيناً رفضه. وقالت عن الموضوع: أن الدعوى بالطعن في القرار رقم 100 الصادر في 15 من حزيران (يونيه) سنة 1958 بطرد المدعي من الخدمة تعتبر منتهية بصدور القرار رقم 154 في 9 من تموز (يوليه) سنة 1959 المتضمن في الواقع من الأمر قرارين: أحدهما ساحب للقرار الأول، وثانيهما قرار جديد بتسريح المدعي من الخدمة من تاريخ صدور القرار المشار إليه، وبذا تغدو المنازعة، ومدارها قرار الطرد غير ذات موضوع، ويصبح لا مناص من اعتبارها منتهية، ما دام هذا القرار قد زال بسحب الإدارة له، أما قرار التسريح الجديد فلا تتجه المنازعة الحالية إليه ولا ترد عليه ذات أوجه الطعن التي أثيرت فيها، بل يقتضي التعرض له قيام خصومة بشأنه يجرى بحثها شكلاً وموضوعاً على استقلال. ولا وجه للقول بأن الدعوى الحالية كانت ذات ثلاث شعب: أولاها طلب إبطال القرار المطعون فيه، والثانية طلب إعادة المدعي إلى الخدمة، والثالث طلب أحقية المذكور لرواتبه وتعويضاته عن المدة التالية لتاريخ صدور القرار، وإن الدعوى في شعبتيها الثانية والثالثة لما تنته بسحب القرار المطعون فيه لا وجه لذلك لأن الطلبين الأخيرين إنما هما فرعان من فروع إجابة المدعي إلى طلبه الأول وأثران من أثاره لا يقومان بذاتهما استقلالاً عنه، فإذا كان الثابت أن طلب إلغاء القرار المطعون فيه قد أصبح غير ذي موضوع بزوال القرار المذكور، فإن سائر الطلبات المترتبة عليه تأخذ هذا الحكم. ولا يبقى بعد ذلك لا إلزام الجهد الإدارية بالمصروفات، لما تبين من أن القرار الذي أقيمت الدعوى بطلب إلغائه كان مخالفاً للقانون، إذ قضى بطرد المدعي من الخدمة، مع أنه لم يكن قد أدين قضاء في الجرائم التي أسندت إليه، والتي أشار إليها هذا القرار، في حين أن القانون يشترط لتوقيع عقوبة الطرد في الحالة المنصوص عليها في الفقرة (ج) من المادة 27 من قانون الموظفين الأساسي صدور حكم الإدانة في إحدى الجرائم المبينة بها. والمدعي بعد ذلك وشأنه في المنازعة في القرار رقم 154 الصادر في 9 من تموز (يوليه) سنة 1959 بتسريحه إن كان حقه في ذلك لا يزال قائماً.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قد طعن في هذا الحكم في 4 من نيسان (إبريل) سنة 1960 تحت رقم 43 لسنة 2 القضائية، طالباً في هذا الطعن "الحكم: بقبوله شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من اعتبار المنازعة منتهية مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، واستند في ذلك إلى أن القرار رقم 154 الصادر أخيراً في 9 من تموز (يوليه) سنة 1959 بتسريح المدعي، والذي ورد في عبارته أنه "تعديل القرار رقم 100 المؤرخ 15 حزيران (يونيه) سنة 1958. ..." لم يتضمن سحباً كلياً للقرار المطعون فيه، بل لا يعدو أن يكون كما وصفته الإدارة ذاتها تعديلاً لهذا القرار، وبذا لم تحسم الخصومة بإزالة جميع الآثار المترتبة على القرار الأول، إذ ليس من مقتضى القرار المعدل إعادة المدعي إلى عمله أو صرف راتبه إليه من تاريخ طرده أو منحه التضمينات المادية والأدبية التي يطالب بها، ولا يغير من هذا النظر ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن هذه الطلبات إنما هي من فروع إجابة المدعي إلى طلب إلغاء القرار المطعون فيه، إذ أن هذا القول مردود بأن المدعي إنما يطالب في الواقع من الأمر بإلغاء القرار المذكور وما يترتب على ذلك من آثار، ومنها إعادته إلى الخدمة، بيد أن تعديل القرار من "الطرد" إلى "التسريح" وإن كان يتضمن مغايرة للآثار المترتبة على كل من حيث استحقاق المعاش أو المكافأة وغير ذلك، إلا أنه لم يغير من كونه في الواقع فصلاً من الخدمة، بحيث يظل من حق المدعي أن يطلب إلغاء قرار فصله وما يترتب على ذلك من آثار، ومنها إعادته إلى الخدمة، وبذا تبقى المنازعة قائمة بين طرفيها. وإذ جرى الحكم المطعون فيه بغير ذلك فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المدعي قد تقدم في 9 من نيسان (إبريل) سنة 1960 بطعن في هذا الحكم قيد تحت رقم 45 لسنة 2 القضائية طالباً "من دائرة فحص الطعون: إعطاء القرار بقبوله شكلاً، وإحالته للفصل في موضوعه. ومن المحكمة الإدارية العليا: نقض القرار المطعون فيه، والحكم للمدعي بما طلبه في عريضة دعواه، وإلزام الجهة المدعي عليها بجميع الرسوم والنفقات وبألفي ليرة سورية أجرة أتعاب المحاماة". وقد ردد المدعي في هذا الطعن دفاعه السابق. وأضاف إليه أن الإدارة لم تلغ القرار المطعون فيه إلغاء تزول به آثاره، بل عدلته تعديلاً مقصوراً على الوصف والرقم والتاريخ، واستبقت الآثار التي ما قامت الدعوى إلا ابتغاء محوها والتعويض عما أحدثته من أضرار، وبذا تكون المحكمة باستبعادها الفصل في الموضوع قد امتنعت عن البت في المنازعة المطروحة عليها بولاية القضاء الكامل بدون مبرر مقبول، مخالفة بذلك أحكام القانون, وأن الإدارة وهى أحد طرفي الدعوى لا تملك حق تعطيل الفصل فيها إلا إذا رجعت من تلقاء ذاتها عما سبب الطعن في قرارها، ولا يزال معظم هذا السبب قائماً، وأنه لم يكن لزاماً على المدعي للمحافظة على حقوقه أن يتناول قرار التعديل بطعن ثان ما دام طعنه في القرار الذي لحقه هذا التعديل قائماً، وما دام بطلان الأصل يستتبع حتماً بطلان الفرع المترتب عليه، وأن المحكمة بإغلاقها باب قضائها الكامل في وجه المدعي لمجرد تغيير الإدارة لوصف القرار المطعون فيه ورقمه وتاريخه، قد أهدرت الضمانات التي قررها المشرع لحمايته، وتركته تحت الإدارة، وأن الوضع القانوني لكل من الطرفين المتداعيين يتحدد بموضوع الدعوى، وليس في مقدور أحدهما أن يبدل فيه بإرادته المنفردة بما يسئ إلى الآخر، وأنه لا يمكن افتراض إذعان المدعي للقرار الجديد وهو دائب على ملاحقة طعنه أمام القضاء، وأن إلزام المحكمة لجهة الإدارة بالمصروفات دون تحديد مقدارها وبيان مفرداتها ومشتملاتها يجعل حكمها واجب النقض لاستحالة التنفيذ.
ومن حيث إن مصلحة مياه حلب عقبت على طعني السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بمذكرة في 14 من أيار (مايو) سنة 1960 قالت فيها في الأساس - بعد أن دفعت من ناحية الشكل بما سبق الرد عليه -: أن المدعي لم يهضم له حق، بل هو الذي أساء إلى المصلحة التي كان موظفاً بها إساءة بالغة، مع أنه لا يحمل أي مؤهل علمي، إذ أنه استغل وظيفته فعبث بحقوق ذوى الشأن وأساء التصرف في كثير من المعاملات وأتى أفعالاً منكرة، وقد ثبت عليه كل هذا من التحقيق الإداري الذي أجرته معه المصلحة، وأحيل إلى القضاء لمعاقبته جنائياً إلا أنه برأه لعدم وجود مدع شخصي ضده بسبب عدول السيد/ بوياجيان عن شكواه التي تقدم بها إلى المصلحة تحت تأثير تدخل بعض الشخصيات الكبيرة بالوعد والوعيد، وقد أعيدت الشكاية بوساطة المدعي العام إلى المصلحة لتنظر في أمر المعاقبة على المخالفات الكثيرة الصادرة من المدعي في دائرة الأساليب الإدارية. وبعد أن استوثقت من ارتكابه الأفعال المنسوبة إليه أصدرت قرار تسريحه الذي أبلغ إليه في 10 من تموز (يوليه) سنة 1959 والذي قبله بعدم الطعن فيه في الميعاد. وخلصت المصلحة من هذا إلى طلب الحكم "برد الشكوى المبحوث عنها في الاستدعاءين المذكورين، وتضمين المشتكي النفقات والرسوم وأتعاب المحاماة".
ومن حيث إن المدعي قدم بجلسة 4 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 مذكرة تكميلية ضمنها ما سبق أن أورده بصحيفة طعنه رداً على ما قضى به حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه من اعتبار المنازعة منتهية، وزاد عليه أن قانون الموظفين الأساسي قد عدد في المادة 24 منه العقوبات التي يمكن فرضها على الموظفين وليس من بينها عقوبة التسريح، كما أنه عين في المادتين 82 و83 منه الطريقة التي يتم بها التسريح وحصرها في حالة إلغاء الوظيفة على أن ينقل الموظف في هذه الحالة إلى وظيفة شاغرة في ملاكه وعند عدم وجود شاغر في مرتبته ودرجته وعدم قبوله شغل وظيفة أدنى بصورة مؤقتة يجري تسريحه مع حقه في العودة إلى أول وظيفة تشغر معادلة لدرجته التي كان فيها. وقرار التسريح إنما يتخذ في حق الموظف القائم على رأس عمله، ولا يجوز أن يكون له مفعول رجعي، لأن تسريح الموظف إنما يفيد كونه موجوداً على رأس عمله، وأن من حقه تقاضي رواتبه كاملة من تاريخ كف يده حتى تاريخ صدور القرار بتسريحه، وصدور قرار التسريح بعد انبرام حكم المحكمة معناه إعادة الموظف إلى عمله ثم إنهاء خدمته، لأن كف اليد ليس إلا وقف الراتب مؤقتاً انتظاراً لنتيجة المحاكمة. ومن ثم فإن القرار الثاني الصادر بتسريح المدعي يكون باطلاً قانوناً، إذ كان يجب أن يعاد إلى عمله طالما أن وظيفته غير ملغاة، ولا سيما أن القضاء الجزائي لم يقرر ثبوت الفعل المعزو إليه، بل أوقف السير في الدعوى لسقوطها بالتقادم. ومهما يكن من أمر فقد ثبت عدم صحة التهمة الأولى وهي التزوير وتلفيق الثانية وهى إساءة الأمانة بعد إذ صرح الشاكي الذي كان قد سبق أن أنكر معرفته بالمدعي أو اعتماده إياه في قبض المبلغ المدعى باختلاسه بقوله أمام المحكمة بأنه لا دعوى له قبل هذا الأخير، وبعد إذ قرر مدير الشئون المالية أمام محكمة الاستئناف بأنه هو الذي أشار على الشاكي باعتماد المدعي، وأنه هو - أي مدير الشئون المالية - الذي كتب عبارة الاعتماد في غياب المذكور. وإزاء هذا كله ما كان للمصلحة أن تلاحق المدعي في أمر لا مصلحة لها فيه لتعلقه بقضية خاصة. وإنما هي الغايات الشخصية التي أملت القرار المطعون فيه الذي لا يرتكز على سبب قانوني والذي أجمعت المراجع كافة على فساده وبطلانه. وخلص المدعي من هذا إلى أنه يكرر "الطلب بنقض القرار المطعون فيه، وإبطال قرار الإدارة والحكم بجميع المطالب الواردة في الدعوى تحقيقاً للعدالة".
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد صادف الحق فيما قضى به من رفض الدفع بعدم الاختصاص الذي أثارته الجهة الإدارية لما قام عليه من أسباب في خصوص هذا الدفع حاصلها أن القرار محل الطعن لا يعدو أن يكون قراراً صادراً من المدير العام لمصلحة مياه حلب بصفته سلطة تأديبية رئاسية أسند إليها المرسوم رقم 2780 الصادر في 15 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1954 صلاحية توقيع العقوبات الشديدة والخفيفة التي ورد تعدادها وبيان نوعها وتدرجها في قانون الموظفين الأساسي - على موظفي المصلحة من الحلقتين الثانية والثالثة - ومنهم المدعي - وبهذه المثابة يكون القرار المطعون فيه من قبيل القرارات التي كانت تختص بنظر الدعوى بطلب إلغائها المحكمة العليا دون الغرفة المدنية بمحكمة التمييز. ومن ثم تكون المحكمة الإدارية التي آلت إليها ولاية المحكمة العليا في خصوص الطلب المعروض هي المختصة بنظره وفقاً لنص المادتين 8 فقرة ج و13 من قانون تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة رقم 55 لسنة 1959 والمادة 2 من قانون إصداره.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالموضوع فإن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى القضاء باعتبار المنازعة منتهية بمقولة أن قبول دعوى الإلغاء منوط بوجود قرار إداري تنصب عليه المنازعة وتدور حوله فإذا زال هذا القرار، بأن سحبته جهة الإدارة، فإن الدعوى تغدو غير ذات موضوع، وتصبح الخصومة القائمة حول القرار منتهية، وإن جاز أن تثور ثانية بين طالب الإلغاء والإدارة إذا أصدرت هذه الأخيرة قراراً جديداً ينشئ مركزاً مستحدثاً، بيد أنها تخضع في هذه الحالة للقواعد والأوضاع والشروط المقررة لرفع الدعاوي المبتدأة، ولا تعتبر امتداداً للخصومة الأولى وترتيباً على هذا فإن الدعوى المقامة من المدعي بالطعن في القرار رقم 100 الصادر من المدير العام لمصلحة مياه حلب في 15 من حزيران (يونيه) سنة 1958 بطرده من الخدمة تعتبر منتهية بصدور القرار رقم 154 من المدير المذكور في 9 من تموز (يوليه) سنة 1959 بتسريحه من الخدمة، ذلك القرار المتضمن في الواقع من الأمر قرارين: (أحدهما) ساحباً للقرار رقم 100 آنف الذكر، و(الثاني) قرار جديد بتسريح المدعي من الخدمة من تاريخ صدور القرار الأول للأسباب المبينة في ديباجته. وبسحب القرار الأول غدت المنازعة الحالية، ومدارها هذا القرار، غير ذات موضوع. ما القرار الجديد فلا تتجه إليه المنازعة، ولا ترد عليه ذات أوجه الطعن المثارة فيها. ولا اعتداد بالقول بأن الدعوى التي أقامها المدعي كانت ذات ثلاث شعب: أولاها يتعلق بطلب إبطال القرار المطعون فيه، والثانية بطلب إعادته إلى الخدمة، والثالثة بتقرير أحقيته في رواتبه وتعويضاته عن المدة التالية لتاريخ طرده، وأن الدعوى في شعبيتها الثانية والثالثة لما تنته بسحب القرار المطعون فيه، لا اعتداد بهذا القول لأن الطلبين الأخيرين إن هما إلا فرعان من الطلب الأول وأثران مترتبان عليه لا يقومان بذاتهما استقلالاً عنه ويتبعانه وجوداً وعدماً.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن المدعي أقام دعواه الحالية بطلب الحكم بإبطال القرار رقم 100 الصادر من المدير العام لمصلحة مياه حلب في 15 من حزيران (يونيه) سنة 1958 بطرده من الخدمة في المصلحة المذكورة بإحالة إضبارة التحقيق إلى القضاء لاحتمال وجود تزوير في المستندات المرفقة بأمر الصرف رقم 3620 المؤرخ 16 من حزيران (يونيه) سنة 1955، وعدم تسديده المبلغ المقبوض منه بمقتضى هذا الأمر إلى صاحب الحق فيه، وكذا طلب تضمين الجهة الإدارية الأضرار المادية والمعنوية، علاوة على رسوم المحاكمة وسائر نفقاتها. ثم أضاف المدعي بعد ذلك أنه يطلب إعادته إلى وظيفته وصرف رواتبه التي حرم منها بسبب القرار المطعون فيه، مع تضمين المصلحة المطعون في قرارها الأضرار المادية والمعنوية التي لا تقل عن ألفي ليرة سورية. وأنه في 9 من تموز (يوليه) سنة 1959 أصدر المدير العام لمصلحة مياه حلب القرار رقم 154 الذي قضى بالآتي: "تعديل القرار رقم 100 تاريخ 15/ 6/ 1958 على الشكل التالي: أ - يسرح السيد أحمد صباح الفرا اعتباراً من تاريخ تنفيذ القرار رقم 100 المذكور. ب - تصفى حقوق المومأ إليه وفقاً للأحكام القانونية....". وذلك بعد أن صدر قرار محكمة النقض رقم 212 لسنة 1959 رقم أساس 898 بالتصديق على قرار محكمة الاستئناف الجزائية ببراءة المدعى من جريمة إساءة استعمال الوظيفة وإسقاط دعوى الحق العام من جريمة إساءة الائتمان لرجوع الشاكي عن شكواه ولشمول الجرم بالتقادم، وبناء على أن البراءة من المسئولية الجزائية القائمة على هذه الأسباب لا تسقط المسئولية المسلكية، وإن كانت تستدعي إعادة النظر فيها لتخفيف عقوبة الطرد السابق توقيعها على اعتبار أن الفعل المنسوب إلى المدعى في التحقيق الإداري واقع فعلاً، وأنه لا يتفق مع مبادئ حسن النية والاستقامة والأمانة التي يجب أن يتحلى بها الموظف. وواضح من هذا أن القرار رقم 154 الصادر بتسريح المدعي من الخدمة لا يتضمن سحباً كلياً للقرار الأول رقم 100 الصادر بطرده منها، بل هو - كما وصفته الإدارة ذاتها - تعديل للقرار المذكور بتخفيف العقوبة التأديبية الواردة فيه من الطرد إلى التسريح من حيث الآثار التي تترتب على كل منهما، مع الإبقاء على المبدأ المشترك بينهما وهو الإقصاء عن الوظيفة العامة، ومع جعل هذا التعديل بأثر رجعي بإسناده إلى تاريخ تنفيذ قرار الطرد رقم 100 المشار إليه. وإذا كان الأمر لا يعدو أن يكون تعديلاً بأثر رجعي لبعض آثار القرار الأول المطعون فيه مع استمرار مفعوله بالإبقاء على جوهره، فإن المنازعة المعقودة بالدعوى الراهنة في شأن هذا القرار تظل قائمة لعدم انحسامها، وتلاحقه في صورته الجديدة المتمثلة في قرار التعديل الذي يشترك معه في أبرز آثاره، وهو العزل من الوظيفة العامة، والذي ليس من مقتضاه إعادة المدعي إلى الخدمة أو صرف رواتبه إليه من تاريخ حرمانه منها أو منحه التضمينات التي يطالب بها، تلك الأمور التي كانت وما تزال موطن تضرره ومحل شكايته ومنازعته.
ومن حيث إنه يجب التنبيه، فضلاً عما تقدم، إلى أنه ما دامت المنازعة قائمة بقيام أساسها وسببها، فإن ما يطرأ عليها خلال نظر الدعوى من أمور أو ظروف قد تغير في بعض الآثار المترتبة على القرار الإداري المطعون فيه لا يمحو الخصومة الأصلية أو يجعلها منتهية، بل يتعين على القضاء الإداري أن يحسم الخصومة في ضوء الظروف المستجدة وعلى مقتضى الآثار التي تترتب قانوناً على هذه الظروف. كما لو بدأت الدعوى بطلب إلغاء قرار ترك في ترقية ثم رقى المدعي خلال نظر الدعوى، إذ تصبح الخصومة عندئذ منحصرة في ترتيب الأقدمية، ويتعين على القضاء الإداري مراعاة ما استجد من ظروف وترتيب آثارها في حكمه، ولا يقال عندئذ أن الخصومة الأولى قد انتهت بدعوى أنها كانت قائمة على قرار الترك في الترقية، بل الواقع أن الخصومة ما زالت قائمة إن تغير بعض ظروفها. وكذلك الحال إذا ما صدر الجزاء في المنازعة التأديبية بعقوبة معينة هي التي رفعت الدعوى بطلب إلغائها، ثم خففت العقوبة أثناء نظر الدعوى، فإن المنازعة الإدارية تعتبر ما زالت قائمة وينصب طلب الإلغاء في هذه الحالة على العقوبة المخففة، ولا يسوغ اعتبار المنازعة منتهية لأن في ذلك مجاوزة للواقع ولأنها في الحقيقة ما زالت قائمة وإن تغير بعض ظروفها. هذا إلى أنه من المسلم أنه يجوز لذوى الشأن أن يعدلوا طلباتهم أثناء نظر الدعوى ما دام ثمت ارتباط بين الطلبات الأصلية والطلبات المعدلة. وهذا يصدق على خصوصية المنازعة موضوع هذه الدعوى. وإذ كان الأمر كذلك، وكان الهدف الأساسي للمدعي إنما هو طلب إلغاء القرار الإداري الذي ترتب عليه فصله من الخدمة، وطلب إعادته إليها أياً كانت الآثار المترتبة على هذا الفصل - بالغة الشدة أو مخففة من حيث استحقاق المعاش التقاعدي أو تعويض التسريح أو الحرمان من وظائف الدولة أو ما إلى ذلك - وكان هذا الطلب، وهو جوهر المنازعة الإدارية التي مثارها تأديب المدعي والتي لما تنحسم، لا يزال موضوعه قائماً والغاية منه منشودة على الرغم من تعديل قرار الطرد إلى التسريح، فإن ما ذهب إليه حكم المحكمة الإدارية من اعتبار المنازعة منتهية يكون، والحالة هذه، في غير محله ويتعين القضاء بإلغائه في هذا الشق منه. إلا أنه لما كانت الأوراق اللازمة لإمكان الفصل في موضوع الدعوى غير مودعة بأكملها في الإضبارة، فإن المحكمة ترى قبل الفصل في الدعوى ضرورة الإطلاع على أمر الصرف رقم 3620 المؤرخ 16 من حزيران (يونيه) سنة 1955 والمستندات المرفقة به بما في ذلك الاعتماد الخاص بالصرف وتقرير مدير القضايا المؤرخ 10 من حزيران (يونيه) سنة 1958، مع تكليف الجهة الإدارية إيداع هذه الأوراق خلال شهر، وتأجيل نظر الدعوى لدور مقبل.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما:
1 - بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من اعتبار المنازعة منتهية.
2 - وقبل الفصل في الدعوى ضرورة الإطلاع على أمر الصرف رقم 3620 المؤرخ 16 من حزيران (يونيه) سنة 1955 ومرفقاته بما في ذلك الاعتماد الخاص بالصرف - وعلى الجهة الإدارية إيداع هذه الأوراق خلال شهر، وأجلت نظر الدعوى لدور مقبل.
ساحة النقاش