موقع المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا نقض جنائي- مدني- مذكرات- صيغ- عقود محمول01277960502 - 01273665051

الأصل أنه لا يجوز لقرار إداري أن يعطل تنفيذ حكم قضائي نهائي جواز ذلك استثناء إذا كان يترتب على تنفيذ الحكم فوراً إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تداركه.

الحكم كاملاً

مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 112

(15)
جلسة 23 من ديسمبر سنة 1961

برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس، وعضوية السادة/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف وحسن أيوب وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 224 لسنة 4 القضائية

( أ ) استيلاء - الاستيلاء على العقار - السلطة المختصة بإجرائه - القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم - الحكمة من إصداره.
(ب) استيلاء - شروطه - الاستيلاء على العقارات اللازمة لمرفق التعليم - القانون رقم 521 لسنة 1955 - اشتراطه لإمكان الاستيلاء على العقار أن يكون خالياً - المقصود بالخلو والحكمة من تقرير هذا الشرط - تحققه في حالة إصدار قرار بالاستيلاء لصالح شاغل العقار - مثال.
(جـ) استيلاء - شروط الاستيلاء على العقارات اللازمة لمرفق التعليم - القانون رقم 521 لسنة 1955 - اشتراطه لزوم العقار لحاجة هيئة تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم - إسهام المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية بنصيب في هذا المرفق - أساس ذلك وأثره - تحقق هذا الشرط في قرار وزير التربية والتعليم بالاستيلاء على عقار لصالح مؤسسة ملجأ البنات بالإسكندرية.
(د) حكم - تنفيذه - قرار إداري - الأصل أنه لا يجوز لقرار إداري أن يعطل تنفيذ حكم قضائي نهائي - جواز ذلك استثناء إذا كان يترتب على تنفيذ الحكم فوراً إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تداركه - مثال بالنسبة لقرار صادر من وزير التربية والتعليم بالاستيلاء على عقار تشغله مؤسسة ملجأ البنات بالإسكندرية.
1 - إن القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم قد أريد به تدارك أوجه النقص التشريعي التي كشف عنها تطبيق القانون الملغي رقم 76 لسنة 1947، فقد كان هذا القانون يستلزم عرض الأمر - في كل حالة تمس فيها الحاجة إلى الاستيلاء - على مجلس الوزراء للحصول على موافقته ثم يصدر قرار الاستيلاء بعد ذلك من وزير التربية والتعليم، مع أن هذا الإجراء قد يستغرق بعض الوقت مما تفلت معه فرصة الاستيلاء على العقار بسبب مبادرة مالكه بشغله أو بتأجيره، ولهذا اكتفى القانون الجديد رقم 521 لسنة 1955 بصدور القرار من وزير التربية والتعليم، كما أباح الاستيلاء لصالح الهيئات التي تشارك بنصيب في رسالة وزارة التربية والتعليم، ولذلك فقد نص في مادته الأولى على أنه "يجوز لوزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي عقار خال يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم، ويتبع في هذا الشأن الأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين".
2- من المسلم أن الشارع لما استشعر الحرج من إخراج المالك من ملكه أو المستأجر من العين التي ينتفع بها وما قد يلاقيه هذان من عنت ومشقة في استئجار عين أخرى احتاط لذلك سواء في القانون رقم 16 لسنة 1947 الملغي أو في القانون الأخير رقم 521 لسنة 1955 فاشترط لإمكان الاستيلاء على العقار أن يكون خالياً ومفهوم الخلو في حكم هذا الشرط هو ألا يكون أحد - مالكاً كان أو مستأجراً - شاغلاً للعقار عند صدور قرار الاستيلاء عليه حتى لا يترتب على هذا القرار إخراج شاغله جبراً عنه، وهو محظور أراد الشارع أن يتقيه، فإذا تبين لهذه المحكمة من الأوراق أن العقار المستولى عليه بالقرار المطعون فيه كان مشغولاً بالبلدية التي صدر لمصلحتها ذلك القرار تحقق الشرط الذي أوجبه القانون للاستيلاء هو خلو العقار، إذ لا يترتب على هذا الاستيلاء مضارة لأحد، ولو أن المطعون لصالحه كان قد أتم تنفيذ حكم الإخلاء ثم بادر بالحلول في ملكه أو بتأجيره وتمكين الغير من حيازته قبل صدور قرار الاستيلاء لحق القول بقيام المانع الذي يحول قانوناً دون إصدار قرار الاستيلاء من ناحية القانون على عقاره، لأنه ينجم عنه حتماً مضارة شاغله بقسره على الخروج منه، فالنص على خلو العقار لم يتقرر قانوناً إلا لمصلحة شاغل العقار الذي يصدر قرار الاستيلاء إضراراً به لا المطعون لصالحه الذي لم يكن قطعاً شاغلاً للعقار عند صدور قرار الاستيلاء، ومن ثم يتعين القول بسلامة مثل هذا القرار - في ضوء الغرض الذي توخاه واضع القانون - بعد أن ثبت أنه لم يكن ثمت مانع قانوني من تنفيذ قرار الاستيلاء.
3- أنه مما لا يقبل الجدل أن مجلس بلدي الإسكندرية يسهم فعلاً في رسالة وزارة التربية والتعليم ليس فقط من جهة الواقع بل من ناحية القانون، فقد صرح القانون رقم 98 لسنة 1950 بشأن المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية في البند (سادساً) من مادته العشرين باختصاص هذا المجلس البلدي "بإدارة الأعمال الآتية أو الإشراف عليها:............ ( أ ) كل ما يتعلق بالمرافق العامة" ولا شبهة في أن مرفق التعليم هو من المرافق التي يجوز لمجلس بلدي الإسكندرية أن يتصدى له بالإشراف عليه أو بإدارته ولو فعل لما صح أن يعتبر بهذا الإشراف أو الإدارة متعدياً ما رسمه قانون إنشائه، يؤكد ذلك ما نص عليه البند سابعاً من المادة العشرين سالفة الذكر ضمن اختصاصات المجلس البلدي المذكور من تقرير مساعدة المؤسسات والمعاهد الخيرية من ملاجئ ومستشفيات ومدارس وغير ذلك من المؤسسات والمعاهد الخيرية". ولا مراء في أن المجلس البلدي - لو تطوع - كما هي الحال في المنازعة الحاضرة - بإسكان الملاجئ أو المؤسسات الخيرية في دار يستأجرها لها لهذا الغرض، فإن تطوعه عن الملجأ المذكور أو المؤسسة بتأدية قيمة الإيجار مما يندرج تحت مدلول المساعدة التي يعنيها القانون المشار إليه.
ويتضح من مطالعة ميزانية المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية، ومراجعة تقارير التفتيش التابع لمنطقة التعليم بها أن المجلس البلدي المذكور إنما يقوم بالإشراف على مؤسسة ملجأ البنات وبتزويدها بالمعلمات كما يتعهد هذه المؤسسة بشتى صور المساعدات الأخرى إعانة لها على تأدية رسالتها نحو البنات اللاجئات اللائي لا معتمد لهن إلا على ما يفيئ عليهن هذا المجلس من معونة ثقافية ومادية أخصها إسكان هذه المؤسسة في الدار موضوع الدعوى وارصاد رواتب لمعلماتها في ميزانيتها، وفضلاً عما تقدم فإن منطقة التعليم بالإسكندرية - إيماناً منها بخطر الرسالة التي تشارك هذه المؤسسة بنصيب فيها - قد درجت على إيفاد مفتشيها إليها للمراقبة على سير التعليم فيها، وتفيض تقاريرهم بالملاحظات ومناحي التوجيه في شأن نظام الدراسة في المؤسسة المذكورة وطرائق التعليم فيها - على ما يستفاد من مستندات الوزارة - وكل هذا شاهد عدل على أن المجلس البلدي بالإسكندرية يسهم قانوناً وفعلاً في رسالة وزارة التربية والتعليم، وينهض بواجبه كاملاً حيال فئة من اللاجئات لا يقل عددهن عن مائتي فتاة، لأنه فضلاً عن توفيره المسكن لهن لمأواهن، له اليد الطولى في كشف الجهالة عنهن بما يرصده في ميزانيته من أجور ومرتبات للمعلمات والمربيات اللائي يقمن بتثقيفهن وتربيتهن.
وبناء على ما تقدم، فإن قرار الاستيلاء على العقار الذي تشغله مؤسسة ملجأ البنات لصالحها، يكون قد اتخذ لمصلحة تشارك بنصيب في رسالة وزارة التربية والتعليم وهي بلدية الإسكندرية.
4- إنه ولئن كان القرار الإداري لا يجوز في الأصل أن يعطل تنفيذ حكم قضائي نهائي، وإلا كان مخالفاً للقانون، إلا إذا كان يترتب على تنفيذ الحكم فوراً، إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تداركه، كحدوث فتنة أو تعطيل سير مرفق عام فيرجح عندئذ الصالح العام على الصالح الفردي الخاص، ولكن بمراعاة أن تقدر الضرورة بقدرها، كما أنه ولئن كان لوزير التربية والتعليم أن يصدر قراراً بالاستيلاء على أي عقار يكون خالياً إذا رآه لازماً لحاجة الوزارة، أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلافها أو إحدى الهيئات التي تسهم في رسالة وزارة التربية والتعليم وفقاً لأحكام القانون رقم 521 لسنة 1955، وكان العقار لا يعتبر خالياً جائز الاستيلاء عليه قانوناً إلا إذا لم يوجد ثمت مانع قانوني من تنفيذ قرار الاستيلاء، على ما سلف البيان، وكان لا يجوز في الأصل أن يسخر قرار الاستيلاء أداة لإعادة أو إبقاء حيازة شخص حكم بإخلائه من العقار إذا كان سبب الحكم عليه بالإخلاء هو إخلاله بالتزاماته إخلالاً أضر بالعقار وبمالكه، إلا إذا كان قرار الاستيلاء قد صدر بناء على الأصل المتقدم لمواجهة ضرورة ملجئة كيلا يتعطل سير مرفق التعليم وتقدر الضرورة عند ذلك بقدرها، لئن كان ذلك كله هو ما تقدم، إلا أنه إذا ثبت مما سلف إيراده تفصيلاً لعناصر المنازعة، أن الذي ألجأ وزير التربية والتعليم إلى إصدار قرار الاستيلاء المطعون فيه في 13 من إبريل سنة 1956، كما يتضح من أوراق الطعن، هو أن مؤسسة البنات اللاجئات تنتظم حوالي المائتين من اللاجئات، وكان يترتب على تنفيذ طرد المؤسسة من العقار بالصورة العاجلة التي أريد أن يتم بها، تشريد اللاجئات في الطرقات، وتعطيل سير مرفق التربية والتعليم بالنسبة إلى فئة من المنتفعين به مما تتفاقم معه عوامل الاضطراب، ويختل به النظام العام، فقصد بالقرار المذكور، إلى تفادي هذه النتائج الخطيرة، فإن القرار المطعون فيه يكون، والحالة هذه، قد استجاب لضرورة ملحة اقتضاها الصالح العام، وأملاها الحرص على تمكين أسباب الأمن والسكينة في قلوب البنات اللاجئات.


إجراءات الطعن

في 23 من فبراير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 224 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 1321 لسنة 10 القضائية المقامة من السيد/ إبراهيم عوض محمد عن نفسه وبصفته حارساً على وقف عوض محمد ضد وزارة التربية والتعليم وبلدية الإسكندرية القاضي "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء قرار الاستيلاء المطعون فيه وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الجهة الإدارية في 3 من مارس سنة 1958 وإلى المطعون لصالحه في 8 من مارس سنة 1958 وبعد انقضاء المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن جلسة 7 من مارس سنة 1959، وفي 29 من يناير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون لصالحه عن نفسه وبصفته أقام الدعوى رقم 1321 لسنة 10 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) بصحيفة أودعت سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من إبريل سنة 1956 طالباً (أولاً) الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الاستيلاء الصادر من السيد وزير التربية والتعليم في 13 من إبريل سنة 1956 بالاستيلاء على العقار الكائن بشارعي محرم بك رقم 73 وبوالينو تبع قسم محرم بك بالإسكندرية والمبين بالعريضة. (ثانياً) الحكم في الموضوع بإلغاء القرار المشار إليه مع إلزام البلدية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أن بلدية الإسكندرية استأجرت المنزل المشار إليه بأجرة شهرية قدرها 48.440 جنيه تدفع كل ثلاثة أشهر مقدماً، ولما تأخرت عن أداء الأجرة المستحقة عليها في أكتوبر سنة 1955 حتى آخر مارس سنة 1956 ومقدارها 96.880 جنيه نبه عليها بدفعها بإنذار عن يد محضر بتاريخ 16 من يناير سنة 1956 دون أن يلقى منها جواباً ولما انصرمت مدة الخمسة عشرة يوماً المنوه عنها بقانون المساكن رقم 121 لسنة 1947 أقام عليها الدعوى رقم 436 لسنة 1956 كلي إسكندرية طالباً الحكم بإخلاء العين المذكورة وتسليمها له خالية مما يشغلها وبجلسة 22 من مارس سنة 1956 قضت هيئة الإيجارات بمحكمة الإسكندرية الكلية بإخلاء العين المذكورة فأعلن هذا الحكم إلى البلدية وقد أرادت البلدية أن توقف تنفيذ الحكم المشار إليه فاستشكلت في تنفيذه ريثما يتسنى لها استصدار قرار من وزير التربية بالاستيلاء على المبنى المذكور، وفعلاً أفلحت في ذلك، إذ أصدر السيد وزير التربية والتعليم قراراً في 13 من إبريل سنة 1956 بالاستيلاء على المبنى المذكور وتسليمه لبلدية الإسكندرية وقال إن هذا القرار مخالف للقانون ومشوب بسوء استعمال السلطة ولهذا فهو يطلب وقف تنفيذه ويطعن فيه لجملة أسباب منها أنه صدر باطلاً، لأن القانون رقم 521 لسنة 1955 لم يعط وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على أي عقار إلا بالشروط الآتية: أولاً - أن يكون العقار موضوع الاستيلاء خالياً، ثانياً - أن يكون هذا العقار لازماً لإحدى الجامعات أو معاهد التعليم أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم، والشرط الأول مفقود لأن العقار لا زال مشغولاً بسكن بلدية الإسكندرية، أما الشرط الثاني فمختلف لأن بلدية الإسكندرية ليست من الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم لأنه ليس لها إشراف فعلاً على أي مدرسة، إنما كانت تستأجر العقار موضوع النزاع لاستعماله داراً لرعاية البنات فقط دون تعليمهن، فضلاً عن أن قانون إنشاء مجلس بلدي الإسكندرية رقم 98 لسنة 1950 جعل اختصاص هذا المجلس منحصراً في تقدير مساعدة المؤسسات والمعاهد الخيرية من ملاجئ ومستشفيات ومدارس وغيرها دون إنشاء مدارس لها وباسمها، أما المطعن الثاني على سلامة القرار الإداري موضوع الدعوى فإن محصله أنه صدر بقصد تعطيل حكم قضائي له حجته وقيمته بين طرفي النزاع لأنه حكم صادر من دائرة المساكن بالتطبيق للقانون رقم 121 لسنة 1947 ومثله لا يجوز الطعن فيه، وكان الأولى بالبلدية أن تحترمه ولا تسعى في تعطيله، أما السبب الثالث الذي يقوم عليه تعييب قرار الاستيلاء فدائر حول مسلك البلدية في الدعوى المدنية وهو مسلك لا يحتاج إلى حماية لأنها لم تسدد الأجرة المستحقة عليها ولا ينتظر أن تدفعها مستقبلاً، لأنها عندما أعلنت بالدعوى لم تحرك ساكناً ولم تحضر بالجلسة المعينة لنظرها عمداً لأن عقد الإيجار محرر من نسخة واحدة تحت يدها وكان قصدها من التخلف أن ترفض الدعوى ولكن المدعي فوت عليها قصدها بأن قدم صورة حكم سابق صادر عليها بالأجرة في الدعوى رقم 1131 لسنة 1953 مدني المنشية، وكان أن صدر على أساسه حكم الإخلاء المشار إليه. وقد ردت الوزارة على الدعوى شارحة الظروف والملابسات التي صدر فيها قرار الاستيلاء فقالت بأن بلدية الإسكندرية كانت قد استأجرت من المدعي عن نفسه وبصفته حارساً قانونياً على وقف السيد عوض محمد المنزل رقم 73 الكائن بشارعي محرم بك وبوالينو بالإسكندرية بأجرة قدرها 48.440 جنيه تدفع كل ثلاثة أشهر وشغلته البلدية بمدرسة وملجأ للبنات. وقد تقدم المدعي للبلدية في 8 من يوليه سنة 1953 بطلب التصريح له ببناء دكاكين في حديقة المبنى المؤجر مقابل أن يقوم ببناء ثلاث حجرات يشغلها الملجأ دون مقابل تعويضاً عن الجزء الذي اقتطع من حديقة العقار المؤجر، وبمعنى آخر لا يطالب بعد إتمام بناء تلك الحجرات الثلاث بزيادة في قيمة الإيجار. وقد أنشئ بالبلدية ملف لهذا الطلب وإجراءاته رقم 51/ 1/ 2 بالأرشيف العام غير أن هذا الملف فقد فأبلغت البلدية النيابة العامة بفقده للتحقيق في هذه الواقعة، وفعلاً حرر عن ذلك محضر التحقيق رقم 128 لسنة 1956 وقد تولت النيابة العامة هذا التحقيق الذي ثبت فيه وجود هذا الطلب وفقد الملف الخاص به وقد أمرت النيابة بالقبض على الدمرداش أحمد الموظف بالبلدية ثم أخلت سبيله بالضمان الشخصي، على أن هذا الطلب الذي تقدم به ثابت من أوراق رسمية أخرى مقدمة بحافظة مستندات البلدية ومن ضمنها الملف المقدم منها رقم 1467/ 9 قسم التنظيم وثابت من أحد مرفقاته أن المدعي تقدم في 8 من يوليه سنة 1953 إلى بلدية الإسكندرية بالتماس الترخيص له ببناء دكاكين له على أرض حديقة العقار وأنه شكلت لجنة بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية قررت بعد معاينة العقار في 29 من سبتمبر سنة 1953 الموافقة على الالتماس المقدم من المدعي والسماح له بإقامة الدكاكين وأن تكون الحجرات الثلاث التي يقوم المالك بإنشائها على نفقته الخاصة مستوفية لشرائط الإضاءة والتهوية وأن تعطي للبلدية بدون مقابل ودون أية زيادة في قيمة الإيجار تعويضاً لها عن الحرمان من الانتفاع بجزء من الحديقة الملحقة بالعقار وهو الجزء الذي يشغل ببناء الدكاكين المطلوبة من جانب المدعي لاستغلاله الشخصي. وقد قام المدعي بإنشاء عشرة دكاكين في حديقة المبنى تدر عليه أضعاف قيمة الإيجار ومع ذلك فإنه لم يقم بتنفيذ التزامه المتعلق بإقامة الحجرات الثلاث لصالح الملجأ. ونتيجة لنكوله عما التزام به، اضطرت البلدية إلى الامتناع عن الوفاء بالأجرة حتى يفي بالتزامه. وإذ علم المدعي بأن ملف البلدية الذي يتضمن هذا الاتفاق قد فقد، مما دعا إلى إبلاغ النيابة، فقد سارع إلى استغلال ذلك فأقام الدعوى رقم 436 لسنة 1956 (كلي) أمام دائرة المساكن بمحكمة الإسكندرية الابتدائية اقتصر فيها على طلب الحكم على البلدية بإخلاء العين المؤجرة وتسليمها إليه خالية مؤسساً دعواه على أن مجلس البلدية لم يقم بدفع الأجرة من ستة أشهر خلت تبدأ من أكتوبر سنة 1955. ولما قضى للمدعي بطلباته بجلسة 22 من مارس سنة 1956 بادر باستغلال الموقف رغم علمه بأن هذا البناء تشغله مدرسة وملجأ أعد لإيواء البنات اللقيطات وبأن التعجيل بتنفيذ الحكم المذكور يترتب عليه تشريد اللاجئات، وقد حضر المدعي التنفيذ فعلاً مع المحضر المكلف بذلك قانوناً مستصحباً جمعاً خفيراً من أتباعه قاموا بانتزاع النوافذ وإلقاء الأسرة والمفروشات والأدوات خارج المبنى مما أدى بالسيد مدير البلدية إلى تقديم بلاغ إلى السيد رئيس نيابة الإسكندرية في 11 من إبريل سنة 1956 بالشكوى من المحضر الذي قام بالتنفيذ في 9 من إبريل سنة 1956، وأوضحت الوزارة أن المحضر المدعى عليه لم يتم التنفيذ على وجه كامل في 9 من إبريل سنة 1956 وأنه أجله إلى اليوم التالي حيث أوقف التنفيذ بعد إذ رفعت البلدية أمامه إشكالاً في التنفيذ. ولم يكن ممكناً أن يخلي المحضر أربعين حجرة من حجرات المبنى في يوم واحد لولا مساعدة أتباع المدعي إياه في مهمته على وجه أضر بأثاث الملجأ وأدواته. ثم قالت أنه إزاء هذا الموقف المحرج المؤسف الذي أسفر عن إلقاء متاع البنات اللاجئات في الطريق وعن تشتيت شملهن وتشريدهن، وعدم استطاعة البلدية تدبير مكان لإيوائهن في منتصف العام الدراسي، وفي زمهرير الشتاء بالإسكندرية، اضطرت البلدية حرصاً على المصلحة العامة إلى استصدار قرار بالاستيلاء على العقار لمصلحة الملجأ أصدره السيد/ وزير التربية والتعليم في 13 من إبريل سنة 1956 وليس من شك في أن هذا القرار سليم من كل الوجوه لأن القانون رقم 521 لسنة 1955 يجيز لوزير التربية والتعليم أن يستولى على أي عقار يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم. وقد استقر الرأي قضاء على أن اشتراط خلو العقار مقصود به حماية شاغله كي لا يترتب على الاستيلاء رفع يد شاغل العقار وطرده من العقار المستولى عليه. وهو محظور غير قائم في الدعوى الحالية، إذ ليس يوجد شاغل للعقار أيضاً بقرار الاستيلاء، لأن القرار إنما صدر لصالح الجهة التي كانت شاغله للعقار فعلاً. ومن ناحية أخرى فلا جدال في أن الملجأ هو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم ويكفي للاستيثاق من ذلك أن يرجع إلى حافظة مستندات الوزارة التي تضمنت تقارير المفتشين التابعين لوزارة التربية والتعليم في خصوص الدراسة بالملجأ، ويستفاد من هذه التقارير أيضاً أن الملجأ ينهض برسالة التدريس للبنات اللاجئات تحت إشراف الوزارة، وكذلك تضمنت الحافظة بعض تقارير لمنطقة الإسكندرية التعليمية عن حالة التدريس بالملجأ، ومستنداً برقم 8 عبارة عن ميزانية بلدية الإسكندرية عن السنة المالية 1955/ 1956 ورد في الصفحة 84 منها وورود درجات لوظائف ناظرات ومعلمات بقسم الملاجئ، ومن ثم لا يشك أحد في أن الملجأ المستولى على العقار لصالحه هو من الهيئات التي عناها القانون رقم 521 لسنة 1955، وأخيراً فإن الظروف التي صدر فيها القرار قاطعة في أن قرار الاستيلاء المطعون فيه إنما قصد به تمكين الملجأ من أداء رسالته المتعلقة بتعليم البنات اللقيطات وإيوائهن وفي أنه كان مستحيلاً تدبير مكان آخر يشغله الملجأ المشار إليه بعد إخراجه من العقار من منتصف العام الدراسي فكان الصالح العام يقضي باتخاذ القرار المطعون فيه، ومن هنا يسقط القول بأنه كان مقصوداً به تعطيل تنفيذ الحكم القضائي، الأمر الذي لو صح لكان القرار مشوباً بإساءة استعمال السلطة. ثم قالت الوزارة بأن كل هدف المدعي من دعوى الإخلاء هو الحصول على الأجرة المتأخرة وهي غاية متحققة له لملاءة البلدية، التي تكفل إيصال حقوقه إليه. وبجلسة 26 من يونيه سنة 1956 حكمت محكمة القضاء الإداري في طلب وقف التنفيذ برفضه، ثم عين لنظر دعوى الإلغاء جلسة 5 من نوفمبر سنة 1957 وفيها حضر الطرفان وأبدى كل منهما ملاحظاته على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم حكمت المحكمة بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1957 في موضوع دعوى الإلغاء برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أنه "بالنسبة لما ينعاه المدعي على قرار الاستيلاء من مخالفته للقانون لأن المبنى لم يكن خالياً وقت صدوره ولأن القرار لم يصدر لصالح جهة تقوم بأداء رسالة وزارة التربية والتعليم لأن البلدية لا تقوم بنشر التعليم ترى المحكمة أن الحكم الصادر لصالح المدعي بالإخلاء قد أنهى السند القانوني لوضع يد البلدية على ذلك المبنى ورفع يدها عنه ويكون قرار الاستيلاء إذ صدر أثر حكم نهائي غير قابل للطعن بالإخلاء قد صادف عقاراً خالياً فعلاً، وليس ثمت ما يلزم الوزارة بالانتظار حتى يتم التنفيذ ويشغل العقار بالمدعي أو غيره وعندئذ ينتهي الأمر بأن يصبح استصدار قرار الاستيلاء مستحيلاً لأنه يكون واقعاً عندئذ على عقار مشغول، ومن ثم فلا تثريب على الوزارة إذا هي أسرعت في إصدار قرار الاستيلاء قبل أن يتمكن المدعي من إتمام التنفيذ هذا فضلاً عن أن اشتراط خلو العقار المستولى عليه إنما قصد به المشرع مصلحة شاغل العقار حتى لا يضار في الاستيلاء وينزع مسكنه منه وقد لا يجد له مسكنا آخر، ولكن إذ كان قرار الاستيلاء لم يضر شاغل العقار، لأن القرار صدر لصالحه ليتمكن من البقاء في المسكن كما هو الحال في هذه الدعوى فليس للمالك أن يستند إلى هذا لتعييب القرار إذ لا مصلحة له في ذلك"، كما أسست هذا القضاء على أنه" بالنسبة لما ينعاه المدعي على القرار من أن البلدية لا تقوم برسالة التعليم فإن الملجأ لا يقوم بإيواء البنات اليتيمات فقط بل يقوم بتعليمهن، وعلى ذلك فإن البلدية تكون في هذه الحالة قائمة بأداء نفس الرسالة التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم وتكون بالنسبة لهذا الملجأ من الهيئات التي يجوز الاستيلاء لصالحها، ومن ثم فيكون القرار قد وقع على عقار خال ولتحقيق رسالة من نوع ما تقوم به وزارة التربية والتعليم" وعلى أنه "بالنسبة لما ينعاه المدعي من أن القرار قد صدر مشوباً بسوء استعمال السلطة لأن في صدوره ما يعطل تنفيذ حكم نهائي صادر لصالحه بالإخلاء ذلك أنه مكن البلدية من البقاء في العين المؤجرة في حين أن الحكم قضى بطردها منها فإن هذا النعي مردود بأن القرار لم يستهدف تعطيل حكم الإخلاء وإنما صدر لتلافي الحالة التي نشأت عن صدور حكم الإخلاء وبعد أن أصبحت بنات الملجأ مهددات بالتشرد في الشوارع وفي ذلك تعطيل لمرفق التعليم الذي تقوم به الوزارة وذلك بإحلال الوزارة محل البلدية في شغل المبنى، هذا فضلاً عن أن قرار الاستيلاء لم ينقض الحكم ولم يدحض حجيته ولم يمس مركز الطرفين فيه فلا زالت له قوته وحجيته من حيث إنه أنهى عقد الإيجار الذي كان قائماً بينهما ورفع يد البلدية عن المبنى وإنما أقام قرار الاستيلاء علاقة جديدة بين الوزارة وبين المدعي فأصبحت الوزارة هي المسئولة عن الإيجار بعد أن كانت العلاقة قائمة بين المدعي وبين البلدية".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه "من مقتضى الحكم النهائي بالإخلاء بسبب تأخر البلدية في أداء الإيجار، رفع يد البلدية عن العقار، والقول بأن حكم الإخلاء قد أنهى السند القانوني لوضع يد البلدية ثم جاء قرار الاستيلاء بسند جديد لا يغير من الحقيقة الواقعة وهي أن يد البلدية استمرت رغم صدور حكم نهائي واجب التنفيذ على هذا العقار وهذا الحكم مانع من استمرار يد البلدية أو إن صح أنها قامت بتنفيذ الحكم مانع من إعادتها إليه، ولما كان قرار الاستيلاء الصادر من وزير التربية والتعليم بالاستيلاء على هذا العقار إنما هو في حقيقة أمره وسيلة لتفويت الغرض المقصود من الحكم الصادر بالإخلاء وهو حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضى به ومن ثم يكون قرار الاستيلاء هذا قد وقع مخالفاً للقانون خليقاً بالإلغاء وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فقد جاء بدوره مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا".
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع هذه الأوراق أن بلدية الإسكندرية كانت تستأجر المبنى مثار المنازعة الحالية ليكون ملجأ لإيواء البنات اللقيطات فيه بأجرة قدرها 48.440 مجـ تدفع كل ثلاثة أشهر. وقد تقدم المطعون لصالحه عن نفسه وبصفته للبلدية في 8 من يوليه سنة 1953 ملتمساً التصريح باقتطاع جانب من حديقة المبنى المؤجر لإقامة حوانيت عليها واستغلالها مقابل أن يقوم ببناء ثلاث حجرات يشغلها بنات الملجأ دون مقابل أو زيادة في الأجرة على جانب البلدية، وقد ثبت من ملف البلدية قسم التنظيم رقم 1467 لسنة 1952 أنها شكلت لجنة بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية وبعد معاينة العقار المؤجر في 29 من سبتمبر سنة 1953 وافقت على طلب المطعون لصالحه والسماح بإقامة مباني الدكاكين الموضحة بالرسومات المقدمة منه وعلى أن تكون الحجرات الثلاث التي تعهد بإنشائها على نفقته الخاصة لانتفاع البلدية المستأجرة والملجأ بها مستوفية شرائط الإضاءة والتهوية وأن تترك لانتفاع المستأجر بدون مقابل ودون أية زيادة في قيمة الإيجار المتعاقد عليها، وقد قامت البلدية بتنفيذ التعهد من جانبها من جهة تسهيل إجراءات الترخيص ولكن المدعي لم يقم بتسليم الحجرات التي تعهد ببنائها على ما هو ثابت من محضر أعمال لجنة الإدارة الصحية، ونجم عن ذلك نشوء خلاف بين البلدية وبين المطعون لصالحه على مقدار الأجرة بعد أن اقتطع جانباً من حديقة الملجأ كان ينتفع به الفتيات اللاجئات وأقام عليه المؤجر حوانيت لاستغلالها وبعد أن نكل عن إنشاء الحجرات الثلاث التي تعهد ببنائها مقابل ما اقتطع من فناء دار الملجأ، ولما لم تجد المفاوضات الودية نفعاً لحسم الخلاف حبست البلدية تحت يدها الأجرة المستحقة عليها ابتداء من أول أكتوبر سنة 1955، فافترض المطعون لصالحه هذه الفرصة لطردها وإخلاء العقار منها مستغلاً فقد ملف البلدية المحتوى على عقد الإيجار. وأصل الاتفاق المشار إليه في أوراق البلدية الرسمية الأخرى على ما سلفت الإشارة إليه، ولهذا فقد أقام على البلدية أمام هيئة الإيجارات بمحكمة الإسكندرية الابتدائية الدعوى رقم 436 لسنة 1956 مدني كلي طالباً الحكم بإخلاء العقار لتأخرها في الوفاء بالأجرة وذلك بالتطبيق للفقرة ( أ ) من المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947. وبجلسة 22 من مارس سنة 1956 صدر حكم غيابي على بلدية الإسكندرية بإخلاء العين المؤجرة وتسليمها للمطعون لصالحه. وعقب تسلمه صورة تنفيذية من هذا الحكم النهائي في 5 من إبريل سنة 1956 بادر بإعلانه إليها في 7 من إبريل سنة 1956 واتبع ذلك قيامه بتنفيذه في 9 من إبريل سنة 1956 رغم ما بذلته البلدية عن طريق إدارة القضايا من محاولات للتفاهم ودياً على إمهالها وعلى سداد الإيجار بعد أن علمت بالحكم وتبينت فقد ملف البلدية الخاص بعقد الإيجار والاتفاق على المباني ولكن المطعون لصالحه أصر على التنفيذ وسار فيه فعلاً في 9 من إبريل سنة 1956 حتى كاد أن يتمه، وبسبب صعوبة إتمامه في يوم واحد أرجأ المحضر الإجراءات إلى اليوم التالي المصادف 10 من إبريل سنة 1956 بعد إن لم يتمكن من تخلية أكثر من عشرين حجرة من حجرات العقار من أثاثها. وفي 10 من إبريل سنة 1956 استشكلت البلدية في التنفيذ بانية هذا الإشكال على سببين أولهما أن الحكم المنفذ ليس متعلقاً فحسب بموضوع ساكن قضى بإخلائه بل توجد التزامات أخرى محل منازعة بين الطرفين والثاني أن لديها أوراقاً ومستندات تزمع تقديمها تأييداً للإشكال وأنها قد أبلغت النيابة العامة بفقد مستندات أخفيت وتتعلق بهذا الموضوع. وإزاء هذا أوقف المحضر المكلف بالتنفيذ إجراءاته وكلف المستشكل بالحضور أمام محكمة الأمور المستعجلة بالإسكندرية في جلسة 19 من إبريل سنة 1956 للنظر في إشكاله الذي قضى فيه بالرفض. وفي 13 من إبريل سنة 1956 أصدر السيد وزير التربية والتعليم - استناداً إلى المادة الأولى من القانون رقم 521 لسنة 1955 قراراً بالاستيلاء على العقار موضوع النزاع جاء فيه ما يلي: "يستولى فوراً على المنزل رقم 73 ملك المرحوم عوض محمد الكائن بشارع محرم بك بالإسكندرية والمخصص مدرسة وملجأ للبنات اللاجئات ويسلم لبلدية الإسكندرية لتستعمله ملجأ ومدرسة للبنات اللاجئات". وقد تبين من الأوراق أن مدير عام بلدية الإسكندرية أبلغ في 10 من إبريل سنة 1956 رئيس النيابة بفقد ملف البلدية رقم 51/ 1/ 52 الخاص بالتعاقد مع مالك العقار وقد أورد في هذا البلاغ العبارة الآتية: "ونظراً لأن مالك العقار المذكور قد أفاد من اختفاء هذا الملف لرفع الدعوى ضد البلدية انتهت بصدور حكم في مصلحته يقضي بطرد البلدية من المبنى ولم تستطع البلدية الدفاع وتقديم المستندات المبررة لوجهة نظرها بسبب إيداع المستندات في الملف المشار إليه ولما كان الاختفاء ينطوي على جريمة فقد رأينا أن نخطر سيادتكم علماً.. إلخ" كما تبين أن مدير عام البلدية أبلغ النيابة العامة أيضاً في 11 من إبريل سنة 1956 "بأن المحضر الذي باشر تنفيذ حكم الإخلاء استصحب ما يقرب من الأربعين شخصاً من أتباع المدعي أثناء قيامه بتنفيذ حكم الإخلاء في 9 من إبريل سنة 1956 وأنهم قاموا بإلقاء أثاث ومفروشات وأمتعة الملجأ من النوافذ بطريقة نجم عنها تلفها وكسرها كما نزعوا عدداً من النوافذ لهذا الغرض وأنهم أعادوا تركيبها بعد الاعتراض على ذلك وطلب من النيابة التحقيق في هذه الإجراءات الشاذة التي جاوزت المألوف".
ومن حيث إن القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم قد أريد به تدارك أوجه النقص التشريعي التي كشف عنها تطبيق القانون الملغي رقم 76 لسنة 1947، فقد كان هذا القانون يستلزم عرض الأمر في كل حالة تمس فيها الحاجة إلى الاستيلاء على مجلس الوزراء للحصول على موافقته ثم يصدر قرار الاستيلاء بعد ذلك من وزير التربية والتعليم، مع أن هذا الإجراء قد يستغرق بعض الوقت مما تفلت معه فرصة الاستيلاء على العقار بسبب مبادرة مالكه بشغله أو بتأجيره، ولهذا اكتفى القانون الجديد رقم 521 لسنة 1955 بصدور القرار من وزير التربية والتعليم، كما أباح الاستيلاء لصالح الهيئات التي تشارك بنصيب في رسالة وزارة التربية والتعليم ولذلك فقد نص في مادته الأولى على أنه "يجوز لوزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي عقار خال يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها أو إحدى الهيئات التي تساهم في رسالة وزارة التربية والتعليم، ويتبع في هذا الشأن الأحكام المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين".
ومن حيث إن ما ينعاه المطعون لصالحه ورئيس هيئة المفوضين على قرار الاستيلاء المطعون فيه ينحصر في ثلاثة أوجه: "الأول - هو أن القانون رقم 521 لسنة 1955 اشترط أن يكون العقار المستولى عليه خالياً، والعقار موضوع المنازعة الحالية لم يكن - عند صدور قرار الاستيلاء في 13 من إبريل سنة 1956 - قد تم إخلاؤه بسبب الإشكال الذي قدمه مندوب البلدية للمحضر أثناء قيامه بالتنفيذ في 10 من إبريل سنة 1956 والثاني - هو أن قانون الاستيلاء على العقارات المتقدم الذكر يجيز الاستيلاء على عقار لازم لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرهما من معاهد التعليم على اختلافها أو إحدى الهيئات التي تسهم في رسالة وزارة التربية والتعليم. وبلدية الإسكندرية التي صدر قرار الاستيلاء لصالحها لا تنهض بنصيب جل أو هان في تلك الرسالة طبقاً لقانون إنشائها - والوجه الثالث ما تعيبه هيئة المفوضين على قرار الاستيلاء على العقار من أنه في حقيقته أداة لتفويت الغرض المقصود من الحكم الصادر بالإخلاء وهو حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي الأمر الذي يجعل هذا القرار مخالفاً للقانون".
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما ينعاه المدعي على القرار المطعون فيه من أنه صدر بالاستيلاء على عقار غير خال اعتباراً بأنه لم يكن قد نفذ آنذاك حكم الإخلاء تنفيذاً كاملاً، فإنه من المسلم أن الشارع لما استشعر الحرج من إخراج المالك من ملكه أو المستأجر من العين التي ينتفع بها وما قد يلاقيه هذان من عنت ومشقة في استئجار عين أخرى احتاط لذلك سواء في القانون رقم 76 لسنة 1947 الملغي أو في القانون الأخير رقم 521 لسنة 1955 فاشترط لإمكان الاستيلاء على العقار أن يكون خالياً ومفهوم الخلو في حكم هذا الشرط هو ألا يكون أحد - مالكاً كان أو مستأجراً - شاغلاً للعقار عند صدور قرار الاستيلاء عليه حتى لا يترتب على هذا القرار إخراج شاغله جبراً عنه، وهو محظور أراد الشارع أن يتقيه، فإذا تبين لهذه المحكمة من الأوراق أن العقار المستولى عليه بالقرار المطعون فيه كان مشغولاً بالبلدية التي صدر لمصلحتها ذلك القرار تحقق الشرط الذي أوجبه القانون للاستيلاء هو خلو العقار، إذ لا يترتب على هذا الاستيلاء مضارة لأحد، ولو أن المطعون لصالحه كان قد أتم تنفيذ حكم الإخلاء ثم بادر بالحلول في ملكه أو بتأجيره وتمكين الغير من حيازته قبل صدور قرار الاستيلاء لحق القول بقيام المانع الذي يحول قانوناً دون إصدار قرار الاستيلاء على عقاره، لأنه ينجم عنه حتماً مضارة شاغله بقسره على الخروج منه. فالنص على خلو العقار لم يتقرر قانوناً إلا لمصلحة شاغل العقار الذي يصدر قرار الاستيلاء إضراراً به لا للمطعون لصالحه الذي لم يكن قطعاً شاغلاً للعقار عند صدور قرار الاستيلاء، ومن ثم يتعين القول بسلامة مثل هذا القرار - في ضوء الغرض الذي توخاه واضع القانون - بعد إذ ثبت أنه لم يكن ثمة مانع قانوني من تنفيذ قرار الاستيلاء.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما يعيبه المطعون لصالحه على القرار المطعون فيه من أنه اتخذ لمصلحة هيئة لا تشارك بنصيب في رسالة وزارة التربية والتعليم طبقاً لقانون إنشائها، فإنه مما لا يقبل الجدل أن مجلس بلدي الإسكندرية يسهم فعلاً في رسالة هذه الوزارة، ليس فقط من جهة الواقع بل من ناحية القانون فقد صرح القانون رقم 98 لسنة 1950 بشأن المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية في البند (سادساً) من مادته العشرين باختصاص هذا المجلس البلدي: "بإدارة الأعمال الآتية أو الإشراف عليها:...... (9) كل ما يتعلق بالمرافق العامة" ولا شبهة في أن مرفق التعليم هو من المرافق التي يجوز لمجلس بلدي الإسكندرية أن يتصدى له بالإشراف عليه أو بإدارته ولو فعل لما صح أن يعتبر بهذا الإشراف أو الإدارة متعدياً ما رسمه قانون إنشائه، يؤكد ذلك ما نص عليه البند سابعاً من المادة العشرين سالفة الذكر ضمن اختصاصات المجلس البلدي المذكور من "تقرير مساعدة المؤسسات والمعاهد الخيرية من ملاجئ ومستشفيات ومدارس وغير ذلك من المؤسسات والمعاهد الخيرية". ولا مراء في أن المجلس البلدي - لو تطوع - كما هي الحال في المنازعة الحاضرة - بإسكان أحد الملاجئ أو المؤسسات الخيرية في دار يستأجرها لها لهذا الغرض، فإن تطوعه عن الملجأ المذكور أو المؤسسة بتأدية قيمة الإيجار مما يندرج تحت مدلول المساعدة التي يعنيها القانون المشار إليه.
ومن حيث إنه يتضح من مطالعة ميزانية المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية، ومراجعة تقارير التفتيش التابع لمنطقة التعليم بها أن المجلس البلدي المذكور وإنما يقوم بالإشراف على مؤسسة ملجأ البنات وبتزويدها بالمعلمات كما يتعهد هذه المؤسسة بشتى صور المساعدات الأخرى إعانة لها على تأدية رسالتها نحو البنات اللاجئات اللائي لا معتمد لهن إلا على ما يفيئ عليهن هذا المجلس من معونة ثقافية ومادية أخصها إسكان هذه المؤسسة في الدار موضوع الدعوى وارصاد رواتب لمعلماتها في ميزانيتها، وفضلاً عما تقدم فإن منطقة التعليم بالإسكندرية - إيماناً منها بخطر الرسالة التي تشارك هذه المؤسسة بنصيب فيها - قد درجت على إيفاد مفتشيها إليها للمراقبة على سير التعليم فيها، وتفيض تقاريرهم بالملاحظات ومناحي التوجيه في شأن نظام الدراسة في المؤسسة المذكورة وطرائق التعليم فيها - على ما يستفاد من مستندات الوزارة - وكل هذا شاهد عدل على أن المجلس البلدي بالإسكندرية يسهم قانوناً وفعلاً في رسالة وزارة التربية والتعليم، وينهض بواجبه كاملاً حيال فئة من اللاجئات لا يقل عددهن عن مائتي فتاة، لأنه فضلاً عن توفيره لهن مأواهن، له اليد الطولى في كشف الجهالة عنهن بما يرصده في ميزانيته من أجور ومرتبات للمعلمات والمربيات اللائي يقمن بتثقيفهن وتربيتهن.
ومن حيث إن ما ارتآه هيئة المفوضين من أن قرار الاستيلاء المطعون فيه قد فوت الغرض المقصود من حكم الإخلاء - وهو حكم نهائي حائز لقوة الأمر المقضي - لأن مؤداه على قولها هو إعادة حيازة العقار المستولى عليه إلى البلدية على رغم الحكم النهائي الصادر بإخراجها منه لسبب يرجع إلى إخلالها بالتزاماتها مما يصم القرار المذكور بمخالفة القانون، ويعيبه بعيب إساءة استعمال السلطة ما ارتأته هيئة المفوضين من ذلك ينبغي مناقشته في ضوء الملابسات التي أحاطت بذلك القرار.
ومن حيث إنه إذا تبين من ملابسات المنازعة الحاضرة أن المطعون لصالحه استحصل على حكم غيابي بإخلاء العقار المخصص لإيواء البنات اللاجئات بحجة تلكؤ البلدية في الإيفاء بالأجرة التي تنازع في مقدارها مستغلاً فقد الملف الإداري المحتوى على عقد الإيجار وأصل الاتفاق الخاص بتعهده بتشييد ثلاث حجرات على نفقته الخاصة وتسليمها للمؤسسة في مقابل ما اقتطعه من فناء العقار لبناء ما بناه من حوانيت استغلها فعلاً، وهو هذا الاتفاق الذي نقضه من ناحيته بنكوله عن تنفيذه، ونفذته البلدية من جانبها بنزولها له، في مقابل تعهده، عن جانب من ذلك الفناء الذي كان ينتفع به الملجأ وإذا تبين أنه بعد استصدار حكم الإخلاء على البلدية، استعجلها بتنفيذه تنصلاً من تعهده المذكور، ومفاداة للفصل في النزاع الشاجر حول مقدار الأجرة بإنقاصها مستقبلاً على يد القضاء المدني، وإذا اتضح أنه أصر على التنفيذ الفوري رغم استمهال البلدية إياه في ذلك ريثما تتدبر الأمر، ورغم أن البدار في التنفيذ يفضي حتماً إلى تشريد مائتي فتاة في الطرقات في غضون العام الدراسي لا معتصم لهن إلا في هذا الملجأ ثم إلى تعطيل مرفق التعليم بالنسبة لهن - إذا كان ذلك كله هو ما تقدم فإن ما اتخذه وزير التربية والتعليم من قرار كان في مستوى الظروف الاستثنائية التي واجهت البلدية آنذاك باعتبارها مشاركة في المسئولية عن انتظام مرفق التعليم، ولم يكن مجاوزاً ما كان يتطلبه الموقف من الوزير من إسعاف الصالح العام وتغليبه على كل اعتبار آخر ومن ضمان سير ذلك المرفق لصالح فتيات ضعيفات اجتمع عليهن بؤس التشريد، ومرارة الحرمان من التعليم.
ومن حيث إنه ولئن كان القرار الإداري لا يجوز في الأصل أن يعطل تنفيذ حكم قضائي نهائي [(
1)]، وإلا كان مخالفاً للقانون، إلا إذا كان يترتب على تنفيذ الحكم فوراً، إخلال خطير بالصالح العام، يتعذر تداركه، كحدوث فتنة أو تعطيل سير مرفق عام فيرجح عندئذ الصالح العام على الصالح الفردي الخاص، ولكن بمراعاة أن تقدر الضرورة بقدرها، كما أنه ولئن كان لوزير التربية والتعليم أن يصدر قراراً بالاستيلاء على أي عقار يكون خالياً إذا رآه لازماً لحاجة الوزارة، أو إحدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد التعليم على اختلافها أو إحدى الهيئات التي تسهم في رسالة وزارة التربية والتعليم وفقاً لأحكام القانون رقم 521 لسنة 1955، وكان العقار لا يعتبر خالياً جائز الاستيلاء عليه قانوناً إلا إذا لم يوجد ثمة مانع قانوني من تنفيذ قرار الاستيلاء، على ما سلف البيان، وكان لا يجوز في الأصل أن يسخر قرار الاستيلاء أداة لإعادة أو إبقاء حيازة شخص حكم بإخلائه من العقار إذا كان سبب الحكم عليه بالإخلاء هو إخلاله بالتزاماته إخلالاً أضر بالعقار وبمالكه، إلا إذا كان قرار الاستيلاء قد صدر بناء على الأصل المتقدم لمواجهة ضرورة ملجئة كيلا يتعطل سير مرفق التعليم وتقدر الضرورة عند ذلك بقدرها لئن كان ذلك كله هو ما تقدم، إلا أنه إذا ثبت مما سلف إيراده تفصيلاً لعناصر المنازعة، أن الذي ألجأ وزير التربية والتعليم إلى إصدار قرار الاستيلاء المطعون فيه في 13 من إبريل سنة 1956، كما يتضح من أوراق الطعن، هو أن مؤسسة البنات اللاجئات تنتظم حوالي المائتين من اللاجئات، وكان يترتب على تنفيذ طرد المؤسسة من العقار بالصورة العاجلة التي أريد أن يتم بها، تشريد اللاجئات في الطرقات، وتعطيل سير مرفق التربية والتعليم بالنسبة إلى فئة من المنتفعين به، مما تتفاقم معه عوامل الاضطراب، ويختل به النظام العام، فقصد بالقرار المذكور، إلى تفادي هذه النتائج الخطيرة، فإن القرار المطعون فيه يكون، والحالة هذه، قد استجاب لضرورة ملحة اقتضاها الصالح العام، وأملاها الحرص على تمكين أسباب الأمن والسكينة في قلوب البنات اللاجئات.
ومن حيث إنه إذا تبين أن الصالح العام مقدم على الصالح الفردي الخاص في مثل هذه الملابسات الصارخة، لم يجز للمدعي أن يجاد

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2020 بواسطة basune1

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

5,118,419

الموقع الخاص بالاستاذ/ البسيونى محمود ابوعبده المحامى بالنقض والدستوريه العليا

basune1
المستشار/ البسيونى محمود أبوعبده المحامى بالنقض والدستورية العليا استشارات قانونية -جميع الصيغ القانونية-وصيغ العقود والمذكرات القانونية وجميع مذكرات النقض -المدنى- الجنائى-الادارى تليفون01277960502 -01273665051 العنوان المحله الكبرى 15 شارع الحنفى - الإسكندرية ميامى شارع خيرت الغندور من شارع خالد ابن الوليد »