قرار لجنة شئون الموظفين بالترقية المعتمد من الوزير هو قرار إداري نهائي منبعث عن سلطة تقديرية في إصداره صدوره اثر قرار آخر أشار مفوض الدولة بإلغائه إلغاءاً مجرداً لا يجعل منه قراراً تنفيذياً .
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 120
(13)
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1963
برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.
القضية رقم 596 لسنة 8 القضائية
( أ ) قرار إداري - قرار لجنة شئون الموظفين بالترقية المعتمد من الوزير - هو قرار إداري نهائي منبعث عن سلطة تقديرية في إصداره - صدوره اثر قرار آخر أشار مفوض الدولة بإلغائه إلغاءاً مجرداً لا يجعل منه قراراً تنفيذياً - أثر ذلك - صلاحية هذا القرار لأن يكون موضع طعن أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً للمادة 8/ 3 من القانون رقم 165 لسنة 1955 - أساس ذلك.
(ب) موظف - ترقية بالاختيار - المفاضلة بين الممتازين في المرتبة الواحدة طبقاً للمادة 40/ 2 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - للجنة شئون الموظفين أن تعمل فيها سلطتها التقديرية دون قيد عليها من الأقدمية - بيان العناصر التي تعتمد عليها اللجنة في تكوين قرارها بالترقية - أساس ذلك.
1 - إن قرار لجنة شئون الموظفين الذي اعتمده وزير الخزانة في 3/ 2/ 1959 موضوع تظلم المطعون ضده وموضوع دعواه هو قرار إداري صدر نهائياً ممن يملكه وإذ هو خاص بالترقية فهو من القرارات التي يعنيها القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن مجلس الدولة في مادته الثامنة فقرة ثالثة ولو أنه صدر من الجهة الإدارية إثر قرارها الذي أصدرته في 29/ 6/ 1957 متضمناً نفس ما تضمنه القرار الأول الذي أشار مفوض الدولة بإلغائه إلغاء مجرداً كما سلف البيان إلا أنه لا يعتبر قراراً تنفيذياً كما تقول جهة الإدارة في ردها على الدعوى إذ أن رأي مفوض الدولة ليس له من قوة ملزمة على الجهة الإدارية بل لها أن تأخذ به أو لا تأخذ به فإن أخذت به وأصدرت قراراً برأيه فلا يعتبر هذا القرار تنفيذياً بل يعتبر قراراً منبعثاً عن سلطتها التقديرية في إصدار هذا القرار وأمثاله وبالتالي يكون له مقومات القرار الإداري النهائي الذي يصلح أن يكون موضع طعن وإذ أوردته المادة آنفة الذكر من بين القرارات التي يختص بنظرها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
2 - إن الفقرة الثانية من المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة المعدلة أخيراً بالقانون رقم 33 لسنة 1957 الخاصة بالترقية بالاختيار جاء نصها على النحو الآتي: أما بالنسبة المخصصة للترقية بالاختيار فتكون خاضعة لتقدير لجنة شئون الموظفين دون التقيد بترتيب الأقدمية في ذات مرتبة الكفاية على أن يكون الاختيار أولاً من الحائزين على مرتبة ممتاز في العامين الأخيرين..." وردد في المذكرة التفسيرية لشرح هذه الفقرة البند 9 ونصه "رؤى وضع ضوابط يجب مراعاتها عند إعمال الترقية بالاختيار في حدود النسب المقررة لذلك في الدرجات الأخرى حتى الدرجة الثانية فجعل مرد التقدير في هذه الترقيات إلى لجنة شئون الموظفين تجريه دون قيد عليها من الأقدمية فيما بين المرشحين وإنما تلتزم اللجنة في الاختيار أولاً ترقية الحائزين على مرتبة ممتاز في العامين الأخيرين..".
ويبين من نص هذه الفقرة ومما أوردته المذكرة التفسيرية أن الضوابط التي وضعها القانون للترقية بالاختيار هي مراعاة نسب معينة عند الترقية بالاختيار في درجات معينة ووجوب ترقية الحائزين على مرتبة الامتياز في العامين السابقين على الترقية أما كيفية المفاضلة بين الممتازين في المرتبة الواحدة فقد أطلقها للجنة شئون الموظفين تعمل فيها سلطتها التقديرية دون قيد عليها من أقدمية كما كان الحال في نص المادة القديم قبل تعديله بالقانون رقم 579 لسنة 1953 فقد كانت توجب مراعاة الأقدمية فيما بينهم فأضحت سلطة لجنة شئون الموظفين طليقة من كل قيد فلها أن تراعي عناصر أخرى غير الأقدمية مثل أهمية الوظيفة والتفاوت في المؤهلات وخلو الملف من الجزاءات التأديبية أو الامتياز الظاهر ولها أيضاً أن تعتد بالأقدمية كمعيار لضبط الاختيار إذ المشرع لم يحظر عليها الالتجاء إلى هذا العنصر وهو العنصر الأصيل الذي كانت دائماً له الغلبة في الترقيات قبل قانون الموظفين وبعده وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن للإدارة في حدود نسب الاختيار أن تضع من القواعد العامة ما تضبط به اختيارها بشرط أن تلتزم تطبيقها في الحالات الفردية وذلك أن أطلق لها القانون الاختيار ولم يضبطه بقواعد معينة في تقدير درجات الكفاية بأرقام منضبطة أو غير ذلك من المعايير.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين الموافق 12 من شهر فبراير سنة 1962 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن عن الحكم الصادر بجلسة 14 من ديسمبر سنة 1961 من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 509 لسنة 15 القضائية المقامة من السيد/ حسن حسين محمد ضد السيد وزير الخزانة والسيد وزير الشئون البلدية والقروية بصفتيهما والقاضي برفض الدعوى بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد وفي الموضوع برد أقدمية المطعون ضده في الدرجة الخامسة الفنية إلى 29/ 6/ 1957 والآثار مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
وطلب الطاعنين اعتماداً على أسباب طعنهما الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات.
وفي 12 من مايو سنة 1962 أعلن الطعن إلى المطعون ضده وتعين لنظره جلسة 16/ 3/ 1963 أمام دائرة فحص الطعون وأخطر بتلك الجلسة في 28/ 1/ 1963 فقررت بإحالته إلى هذه المحكمة فتعين له جلسة 12/ 5/ 1963 وأخطرت بها ذوو الشأن في 10/ 4/ 1963 وقد سمعت ما قدموه من ملاحظات وأوجه دفاع حسبما جاء في محضر الجلسة ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم مع التصريح لهم بتقديم مذكرات.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات هذه المنازعة تجمل في أنه بتاريخ 12 من مارس سنة 1961 أقام المطعون ضده دعواه أمام محكمة القضاء الإداري وطلب فيها الحكم باعتبار أقدميته في الدرجة الخامسة الفنية منذ 29/ 6/ 1957 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الطاعنين بالمصروفات. وتأييداً لدعواه ذكر أن أقدميته في الدرجة السادسة كانت موضع منازعة ثم استقرت أخيراً بالحكم الصادر لصالحه في الدعوى رقم 294 لسنة 10 القضائية بتاريخ 25/ 11/ 1957 بإرجاع أقدميته فيها إلى 17/ 6/ 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار ثم صدر قرار تنفيذي لهذا الحكم في 22/ 5/ 1958 وعلى أثره رقي بالاختيار إلى الخامسة في 25/ 6/ 1958 وبعد ذلك ترامى إلى علمه أن قراراً صدر في 29/ 6/ 1957 بترقية عشرة من موظفي المصلحة التي ينتمي إليها إلى الدرجة الخامسة بالاختيار فبادر بالتظلم منه في 22/ 1/ 1958 وفحص تظلمه بمعرفة مفوض الدولة الذي ارتأى أن القرار موضوع تظلمه معيب وبالتالي أشار بإلغائه إلغاءاً مجرداً فأخذت الجهة الإدارية بهذا الرأي أولاً وأصدرت قراراً في 3/ 2/ 1959 بإلغاء القرار الأول وبإعادة ترقية المطعون في ترقيتهم بالاختيار مع التقيد بحكم الأقدمية في ذات مرتبة الكفاية ولكن هذا القرار الأخير لم ينشر ولما أن علم به تظلم منه بتاريخ 1/ 7/ 1959 وفي هذا التظلم ارتأى مفوض الدولة قبول تظلمه والاستجابة إلى طلبه برد أقدميته في هذه الدرجة إلى 29/ 6/ 1957 وأخذت الجهة الإدارية في إعداد مذكرة بموافقتها على رأي مفوض الدولة ولكن الأمور لم تسر إلى نهايتها ورفض تظلمه أخيراً في 14/ 1/ 1961 فاتخذ سبيله إلى القضاء وقدم إلى لجنة المساعدة القضائية طلب الإعفاء من الرسوم فأصدرت قرارها في 2/ 6/ 1959 بقبول طلبه فعرض دعواه على محكمة القضاء الإداري ناعياً على القرار الصادر في 3/ 2/ 1959 مخالفته للقانون وانحرافه عن التطبيق السليم لحكمه وذلك بإقامة هذا القرار على قاعدة معارضة لحكم المادة 40 من قانون موظفي الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 ومفادها التقيد بترتيب الأقدمية بين الممتازين وهذه القاعدة لا سند لها من القانون كما أن القرار انحرف أيضاً إذ اشتمل على ترقية أشخاص بالاختيار دونه في الكفاية ومن هؤلاء الأشخاص زميل له يدعى عثمان جوهر عثمان وآخر يدعى محمود مصطفى الخولي والأول منهما حصل على مجوع من الدرجات تجعله في مرتبة جيد ولكن وقع خطأ في جمع درجاته من رئيس المصلحة، ومن ثم أدخله بغير حق في مرتبة ممتاز وقد سجلت لجنة شئون الموظفين الرقم الخاطئ الذي انتهى إليه رئيس المصلحة وأما الثاني فقد قدره رئيسه المباشر والمدير المحلي ورئيس المصلحة في عام 1955 بدرجة جيد ولكن لجنة شئون الموظفين جاوزت اختصاصها المنصوص عليه في المادة 31 من قانون الموظفين ورفعت تقديره في تلك السنة إلى مرتبة ممتاز وأما هو فيفضل جميع المرقين في درجة الامتياز ولكنه وقد رقي أخيراً في 25/ 6/ 1958 إلى الدرجة الخامسة ومن ثم تحقق مصلحته في رد أقدميته إلى تاريخ القرار الأول أي إلى 29/ 6/ 1957 وهو التاريخ الذي ردت فيه أقدمية المرقين بالقرار المطعون فيه.
فأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن دفعتها بعدم القبول لرفعها بعد الميعاد وبرفضها موضوعاً وأبانت حجتها في الدفع بأن المطعون ضده تظلم في 22/ 1/ 1958 طالباً إلغاء قرار 29/ 6/ 1957 كما قدم طلبه إلى لجنة المساعدة القضائية بعد الميعاد الذي حددته المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن مجلس الدولة وأن طعنه على القرار الصادر في 3/ 2/ 1959 غير مقبول أيضاً إذ هذا القرار الأخير لا يعتبر قراراً إدارياً بل هو قرار تنفيذي لقرار مفوض الدولة بإلغاء القرار الأصلي وأما عن موضوع الدعوى فذكرت أن القاعدة التي اتبعتها لجنة شئون الموظفين في الترقية بالاختيار وهي التزام الأقدمية مع الامتياز لا مطعن عليها كما يقول المطعون ضده وإذ هو يلي جميع المرقين بالاختيار فلا وجه له في النعي على هذا القرار كما أن حجته في التمسك بالدرجات التي حصل عليها داحضة إذ لا تستقيم مع ما أورده القانون 73 لسنة 1957 الذي قسم الكفاية إلى مراتب معينة في حدود درجات معينة إذ الأصل في التقدير مرتبة الكفاية دون النظر للقيمة العددية في التقرير السري وأما نعيه على ترقية السيد/ عثمان جوهر فعلى غير أساس إذ تقدير رئيس مصلحته لكفايته كان 92 درجة فأخذت لجنة شئون الموظفين بهذا التقدير وهو يجعله في درجة ممتاز.
وبتاريخ 14/ 12/ 1962 قضت تلك المحكمة على النحو السابق إيراده وأسست قضاءها في رفض الدفع بعدم القبول على أن المطعون ضده قد تظلم من القرار المطعون بتاريخ 1/ 7/ 1959 وسارت الأمور أولاً في طريق الاستجابة إلى هذا التظلم إذ وافق مدير عام مصلحة الضرائب على اختياره في الدرجة الخامسة الفنية ولكن وكيل الوزارة قرر رفض التظلم في 27/ 12/ 1959 وأخطر بهذا القرار في 14/ 1/ 1960 وإذ قدم طلب المساعدة القضائية في 10/ 3/ 1960 فقبلته اللجنة في 2/ 2/ 1961، ومن ثم تكون الدعوى وقد رفعت في 1/ 3/ 1961 قد رفعت في الميعاد القانوني إذ العبرة بتاريخ رفض التظلم لا بمرور أكثر من 60 يوماً على تاريخ تقديم التظلم.
وأما عن الموضوع فذكرت أن القرار المطعون فيه قام على قاعدة تجافي حكم القانون الصحيح ولا وجه لالتزام حكم الأقدمية في مرتبة الامتياز وهو الأساس الذي أقيم عليه هذا القرار كما أن الخطأ المادي الذي شاب تقدير السيد/ عثمان جوهر أحد الذين رقاهم هذا القرار فيه مخالفة لحكم القانون إذ هذا الخطأ لا يجعله في مرتبة ممتاز وتصويبه يعيده إلى درجة جيد وهي أدنى من مرتبة المطعون ضده.
ومن حيث إن الطاعن أسس الدفع على القول بأن المطعون ضده تظلم في 22/ 1/ 1958 وإذ اعتمد السيد الوزير قرار لجنة شئون الموظفين في 3/ 2/ 1959 في الإبقاء على قرار 29/ 6/ 1957 وإذ ثبت أنه قدم طلبه إلى لجنة المساعدة في 10/ 3/ 1960 فتكون دعواه قد أقيمت بعد الميعاد الذي حدده القانون لها إذ العبرة دائماً عند تعدد التظلمات بأول تظلم قدم كما قضت بذلك المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1699 لسنة 2 القضائية الصادر في 14/ 12/ 1957، ومن ثم فلا عبرة بالتظلم الذي قدمه في 1/ 7/ 1959.
ثم أسس الموضوع على القول بأن قضاء هذه المحكمة استقر على أنه عند التساوي في درجة الكفاية في الترقية بالاختيار يكون ضابط الاختيار هو حكم الأقدمية واستشهد في هذا المقام بالحكم الصادر في 23/ 6/ 1956 في القضية رقم 159 لسنة 2 القضائية السنة الأولى ص 928 والحكم الصادر في 30/ 6/ 1956 في القضية رقم 159/ 2 القضائية السنة الأولى ص 969 وأضاف إلى ما تقدم أنه ليس بصحيح ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن خطأ مادياً وقع في تقدير السيد/ عثمان جوهر أحد المرقين ذلك لأن لجنة شئون الموظفين هي الجهة المختصة بالتقدير أصلاً فإن اختلف تقدير الرئيس المباشر والمدير المحلي عن تقديرات رئيس المصلحة فإن تقدير اللجنة يكون هو المعول عليه في هذا الصدد كما أن الحكم قد خالف القانون إذ قرر إلغاء ترقية السيد/ عثمان جوهر وترقية من يحل محله ولو كان صحيحاً ما ذهب إليه لوقف عند إلغاء ترقية الأول وترك الأمر لجهة الإدارة تستخدم حقها دون ما إلزام عليها في الترقية التي تجريها بالاختيار.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً برأيها في هذه المنازعة عن الدفع والموضوع فذكرت فيه عن الأول أن المطعون ضده ما كان في حاجة إلى إقامة دعوى بعد أن أخذت الجهة الإدارية طريقها في الاستجابة إلى طلبه وإذ تظلم في 1/ 7/ 1959 بعد علمه بقرار 3/ 7/ 1959 وإذ لم يقم دليل على علمه في تاريخ أسبق فيكون الدفع على غير أساس.
وأما عن الموضوع فذكر أن القرار المطعون فيه شابه عيب إذ قام على خطأ بالنسبة للسيد/ عثمان جوهر الذي قدر باعتباره في درجة ممتاز وهو في مرتبة جيد فقط وإذ صدر هذا القرار في ظل التعديل الذي أدخله القانون 73 لسنة 1957 على المادة 40 الذي لم يجعل للأقدمية من أثر في مرتبة الامتياز، ومن ثم يبدو القرار الذي قام على قاعدة الاعتداد بالأقدمية في مرتبة الامتياز قراراً معيباً وإذ انتهى الحكم المطعون إلى نعته بهذا فيكون حكماً سديداً والطعن عليه لا سند له من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إن المطعون ضده قدم مذكرة استهلها بقوله إن الحاضر عن المطعون ضدهما تنازل في محضر الجلسة عن الدفع بعدم قبول الدعوى ثم أشار فيها إلى التعديل الذي أدخله القانون رقم 73 لسنة 1957على نص المادة 40 من القانون 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة وكذلك إلى مذكرته التفسيرية وخلص منهما إلى القول بأن المشرع أهدر حكم الأقدمية كعنصر من عناصر الترجيح عند المفاضلة بين المرشحين في ذات الكفاية ولكنه اتخذ أساساً آخر لهذه المفاضلة هو مجموع الدرجات في نفس المرتبة الواحدة الذي تحدده الأرقام الحسابية فإذا تفاوتت هذه الأرقام كان الحاصل على أعلاها هو الأجدر بالترقية وإن تساوت فهناك عناصر أخرى تقدرها الجهة الإدارية للترجيح ثم التفضيل واستطرد ذاكراً أنه يفوق جميع المرقين بالقرار المطعون فيه وأن ثلاثة منهم رقوا على أساس أنهم من الممتازين في السنتين السابقتين على الحركة وهم السادة/ عثمان جوهر ومحمود مصطفى الخولي وصبحي يونان صدقي بيد أنهم في عام 1955 كانوا في مرتبة جيد إذ أولهم قدر كفايته رئيسه المباشر بدرجة ممتاز 98 درجة ولما أن عرض أمره على المدير المحلي قدر له درجات مجموعها 90 درجة وهذا المجموع يجعله في مرتبة جيد ولما أن عرض التقرير على رئيس المصلحة قدر أرقاماً عددية بلغ مجموعها 88 درجة جيد ولكنه أخطأ في جميع هذه العناصر وجعل مجموعها 92 درجة ورصد هذا المجموع ولما عرض الأمر على لجنة شئون الموظفين سجلت التقدير النهائي على أنه 92 درجة وليس 88 درجة، ومن ثم أقامت على هذا الأساس الخاطئ لجمع مفردات التقرير دون أن تشير أن أسباباً قامت لديها لمراجعة هذا التقرير وإذ قدرت نفس درجات رئيس المصلحة الذي كان رصده خطأ، ومن ثم يجب الاعتداد بالجمع بالصواب وهو 88 درجة وبالتالي يكون هذا الموظف في غير عداد الموظفين الممتازين.
وأما الثاني منهم فقد قدر رئيسه المباشر درجة كفايته بـ 90 درجة واتفق المدير المحلي مع الرئيس المباشر في تقديره لهذه الدرجة ولكن رئيس المصلحة خفض درجاته إلى 88 درجة فقط ولما أن عرض التقدير على لجنة شئون الموظفين لم تسجل هذه الدرجة كما يلزمها القانون بذلك بل رفعت هذه الدرجة إلى 95 درجة بالمخالفة للقانون إذ سلطتها في ذلك مقيده وليست مطلقة ولم تصبح كذلك إلا بعد التعديل الذي أدخل على النص بالقانون 73 لسنة 1957، ومن ثم يكون في حقيقة أمره في درجة جيد وليس من الممتازين وأما الثالث منهم وهو يشغل وظيفة ضابط احتياط فقد قدره رئيسه المباشر في الوظيفة العسكرية بدرجة ممتاز 100 درجة ولما عرض تقديره على رئيس المصلحة ولجنة شئون الموظفين قدرت كفايته في الأعمال المدنية بدرجة جيد 85 درجة ثم أعيد عرض أمره على لجنة شئون الموظفين بناء على فتوى من ديوان الموظفين من شأنها جعل ميزة لضباط الاحتياط فأعادت تقدير كفايته بدرجة 100 درجة وهذا التعديل الأخير لا يمثل الكفاية الحقيقية إذ كفايته هي التي حددت قبل ذلك وأضافت المذكرة إلى ما تقدم أن المطعون ضده حصل على درجات أعلى من سبقه من المرقين بالقرار المطعون فيه وأنه يتساوى في تقديره مع اثنين من المرقين إلا أنه يفضلهما لأنه يشغل وظيفة رئيسية هي وظيفة رئيس قسم الدعاوى والتظلمات وأنه يعتبر ظاهر الامتياز على جميع المرقين كما أثبتت مذكرة المصلحة المؤرخة 25/ 11/ 1959 وهي التي حررتها بمناسبة تظلمه الذي قدمه في 1/ 7/ 1959، ومن ثم يكون الحكم الصادر لصالحه قد جاء صحيحاً وانتهت هذه المذكرة بطلب رفض الطعن مع إلزام الطاعنة بالمصروفات والأتعاب.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى على التفصيل الوارد في دفاع الجهة الإدارية وأوجه الطعن فإنه في مقام الرد عليه تبادر المحكمة إلى القول أن قرار لجنة شئون الموظفين الذي اعتمده وزير الخزانة في 3/ 2/ 1959 موضوع تظلم المطعون ضده وموضوع دعواه هو قرار إداري صدر نهائياً ممن يملكه وإذ هو خاص بالترقية فهو من القرارات التي يعنيها القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن مجلس الدولة في مادته الثامنة فقرة ثالثة ولو أنه صدر من الجهة الإدارية إثر قرارها الذي أصدرته في 29/ 6/ 1957 متضمناً نفس ما تضمنه القرار الأول الذي أشار مفوض الدولة بإلغائه إلغاءاً مجرداً كما سلف البيان إلا أنه لا يعتبر قراراً تنفيذياً كما تقول جهة الإدارة في ردها على الدعوى إذ أن رأي مفوض الدولة ليس له من قوة ملزمة على الجهة الإدارية بل لها أن تأخذ بها ولا تأخذ به فإن أخذت به وأصدرت قراراً برأيه فلا يعتبر هذا القرار تنفيذياً بل يعتبر قراراً منبعثاً عن سلطتها التقديرية في إصدار هذا القرار وأمثاله وبالتالي يكون له مقومات القرار الإداري النهائي الذي يصلح أن يكون موضع طعن وإذ أوردته المادة آنفة الذكر من بين القرارات التي يختص بنظرها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. وإذ تبين من مساق الوقائع السابقة أن التظلم منه وإقامة الدعوى كان في الميعاد القانوني، ومن ثم يكون الدفع متعين الرفض ويضاف إلى ما تقدم أن الطاعنة تنازلت عن التمسك بهذا الدفع في آخر جلسة حجزت فيها القضية للحكم.
ومن حيث إن الترقية التي اشتمل عليها هذا القرار هي ترقية بالاختيار ومن ثم تخضع لحكم المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة المعدلة أخيراً بالقانون رقم 73 لسنة 1957 إذ جرت هذه الترقية في ظلاله.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من هذه المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة المعدلة أخيراً بالقانون رقم 33 لسنة 1957 الخاصة بالترقية بالاختيار جاء نصها على النحو الآتي: أما بالنسبة المخصصة للترقية بالاختيار فتكون خاضعة لتقدير لجنة شئون الموظفين دون التقيد بترتيب الأقدمية في ذات مرتبة الكفاية على أن يكون الاختيار أولاً من الحائزين على مرتبة ممتاز في العامين الأخيرين.." وورد في المذكرة التفسيرية لشرح هذه الفقرة البند 1 ونصه رؤى وضع ضوابط يجب مراعاتها عند إعمال الترقية بالاختيار في حدود النسب المقررة لذلك في الدرجات الأخرى حتى الدرجة الثانية فجعل مرد التقدير في هذه الترقيات إلى لجنة شئون الموظفين تجريه دون قيد عليها من الأقدمية فيما بين المرشحين وإنما تلتزم اللجنة في الاختيار أولاً ترقية الحائزين على مرتبة ممتاز في العامين الأخيرين..".
ويبين من نص هذه الفقرة ومما أوردته المذكرة التفسيرية أن الضوابط التي وضعها القانون للترقية بالاختيار هي مراعاة نسب معينة عند الترقية بالاختيار في درجات معينة ووجوب ترقية الحائزين على مرتبة الامتياز في العامين السابقين على الترقية أما كيفية المفاضلة بين الممتازين في المرتبة الواحدة فقد أطلقها للجنة شئون الموظفين تعمل فيها سلطتها التقديرية دون قيد عليها من أقدمية كما كان الحال في نص المادة القديم قبل تعديله بالقانون رقم 579 لسنة 1953 فقد كانت توجب مراعاة الأقدمية فيما بينهم فأصبحت سلطة لجنة شئون الموظفين طليقة من كل قيد فلها أن تراعي عناصر أخرى غير الأقدمية مثل أهمية الوظيفة والتفاوت في المؤهلات وخلو الملف من الجزاءات التأديبية أو الامتياز الظاهر ولها أيضاً أن تعتد بالأقدمية كمعيار لضبط الاختيار إذ المشرع لم يحظر عليها الالتجاء إلى هذا العنصر وهو العنصر الأصيل الذي كانت دائماً له الغلبة في الترقيات قبل قانون الموظفين وبعده وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن للإدارة في حدود نسب الاختيار أن تضع من القواعد العامة ما تضبط به اختيارها بشرط أن تلتزم تطبيقها في الحالات الفردية وذلك أن أطلق لها القانون الاختيار ولم يضبطه بقواعد معينة في تقدير درجات الكفاية بأرقام منضبطة أو غير ذلك من المعايير "الطعن رقم 902 لسنة 3 القضائية المنشور في مجموعة القواعد القانونية - العدد الثالث - الجزء الثالث ص 1498".
ومن حيث إن جميع من شملهم القرار حصلوا على مجموع من درجات الكفاية في عامي 1955، 1956 أكثر من تسعين درجة في كل عام، ومن ثم يكونون جميعاً في مرتبة ممتاز طبقاً لنص المادة 136 من القانون 73 لسنة 1957 آنف الذكر التي تجعل كل من حصل على درجات فوق 90 درجة في هذه المرتبة إذ كانت تقديرات كفاية الموظفين في العامين الأخيرين بالدرجات إعمالاً لحكم القانون 579 لسنة 1953 الذي عدل نص المادة 30 وقد كان نصها قبل هذا التعديل يجعل تقدير كفاية الموظفين بالمراتب وهي جيد أو متوسط أو ضعيف وإذا عاد القانون الجديد تقدير الكفاية بالمراتب وأضاف عليها مرتبة جديدة هي مرتبة ممتاز وجعلها على رأس المراتب فقد جاء بهذا النص الانتقالي ليبين حكم الدرجات في الترقية عند إجرائها قبل أن توضع بالمراتب ابتداء وإذ هم جميعاً في درجة امتياز واحدة فينطلق سلطان الإدارة في وضع معيار المفاضلة فيما بينهم أو فيما بينهم وغيرهم الحاصلين على مثل مرتبتهم مقيسة على النحو السالف ذكره ولا معقب عليها في ذلك ولا تثريب عليها فيما جنحت إليه إذ سلم اختيارها مما يعيب هذه السلطة وهو الانحراف وسوء الاستعمال.
ومن حيث إنه فيما ينعاه المطعون ضده على تقدير كفاية كل من السادة عثمان جوهر ومحمود مصطفى الفلكي وصبحي يونان صدقي عن عام 1955 في غير محله إذ الثابت من مطالعة تقاريرهم في العامين السابقين على إجراء الحركة أنها عرضت جميعها على لجنة شئون الموظفين وقد أعملت فيها حدود اختصاصها في التعقيب النهائي على هذه التقارير في مراحلها السابقة عليها طبقاً لنص المادة 31 من قانون موظفي الدولة المعدل بالقانون 579 لسنة 1953 وأصبح قرارها في ذلك قراراً إدارياً نهائياً بعد أن استوفى مراحله ولم يرسم لها القانون طريقاً معيناً تلتزم به في تقدير كافة العناصر المطلوب تقديرها بل يقوم تقديرها على الطرق التي تراها للوصول إلى الحق والواقع وقد خصها القانون بتلك السلطة التقديرية المطلقة لحكمة ظاهرة هي أنها تضم عدداً من كبار موظفي الوزارة والمصلحة التي يعمل بها الموظف والذين لهم من خبرتهم ومرانهم ما يعصمهم من الزلل "يراجع الطعن رقم 627 لسنة 5 القضائية المنشورة - مجموعة القواعد السنة السادسة العدد الأول ص 111 كما أن تقدير كفاية الموظف من رئيسه المباشر أو المدير المحلي أو رئيس المصلحة أو لجنة شئون الموظفين لا رقابة عليها للقضاء لتعلقها بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس له أن ينصب نفسه مكانها "القضية رقم 1443 لسنة 2 القضائية مجموعة القواعد القانونية السنة الثانية العدد الأول ص 69 وما بعدها".
ومن حيث إنه تجلى من كل ما تقدم أن القرار المطعون فيه انبثق من لجنة شئون الموظفين إعمالاً لسلطتها التقديرية المطلقة وبرئ مما يعيب هذه السلطة وهو الانحراف وسوء الاستعمال، ومن ثم يكون قراراً سليماً متفقاً مع المفهوم الصحيح لحكم القانون وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتخطيه يكون حكماً غير صائب متعين الإلغاء.
ومن حيث إن دعوى المطعون ضده لا تقوم على أساس من الواقع أو القانون فهي خليقة بالرفض.
ومن حيث إن المدعي أصابه الخسر في دعواه فيتحمل عبء مصروفاتها وذلك وفقاً لنص المادتين 356، 357 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش