إذا قام القرار الإداري على عدة أسباب فإن استبعاد أي سبب من هذه الأسباب لا يبطل القرار ولا يجعله غير قائم على سببه طالما أن الأسباب الأخرى تؤدي إلى نفس النتيجة.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 287
(26)
جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963
برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.
القضية رقم 1491 لسنة 7 القضائية
( أ ) موظف - تأديب - المخالفة الإدارية - اختلاف المخالفة الإدارية في طبيعتها وفي أركانها عن الجريمة الجنائية - أساس ذلك.
(ب) قرار إداري - قيامه على عدة أسباب - استبعاد أي سبب من هذه الأسباب - لا يجعل القرار غير قائم على سببه طالما أن الأسباب الأخرى تؤدي إلى نفس النتيجة.
1) إن المخالفة الإدارية تختلف في طبيعتها وفي أركانها عن الجريمة الجنائية فالأولى قوامها أفعال تصدر عن الموظف ترى فيها السلطة الإدارية مساساً بالنزاهة والشرف وخروجاً على الواجب وزعزعة للثقة والاحترام الواجب توافرها في الوظيفة نفسها وقد ينطوي الفعل على مخالفة إدارية وأخرى جنائية وتختلف النظرة عند توقيع الجزاء بالنسبة لإحداهما عن الأخرى فيكفي في الجريمة الإدارية أن تحمل الأفعال المنسوبة إلى الموظف في ثناياها ما يمس حسن السمعة وتجعل في بقائه في الوظيفة أضراراً بالمصلحة العامة وتقدير ذلك كله مرجعه إلى سلطة الإدارة ما دام تقديرها في هذا الشأن يستند إلى أصول ثابتة في الأوراق تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها دون انحراف أو إساءة لاستعمال السلطة. أما الجريمة الجنائية فمصدرها القانون وتتبع في شأنها أصول المحاكمة الجنائية.
2) إذا قام القرار الإداري على عدة أسباب فإن استبعاد أي سبب من هذه الأسباب لا يبطل القرار ولا يجعله غير قائم على سببه طالما أن الأسباب الأخرى تؤدي إلى نفس النتيجة.
إجراءات الطعن
في 19 من يوليه سنة 1961 أودع السيد المحامي المنتدب عن السيد/ أمين القس برسوم سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر بجلسة 23 من مايو سنة 1960 من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في القضية رقم 478 لسنة 5 القضائية المرفوعة من السيد/ أمين القس برسوم ضد الهيئة العامة للبريد والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً مع إلزام المدعي المصروفات وقد طلب السيد/ الطاعن للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار رقم 783 الصادر في 8 من إبريل سنة 1958 بفصل المدعي من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وترقيات إلى الدرجات الأعلى وإلزام الهيئة المدعى عليها بالمصروفات والأتعاب.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن نظرته وسمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 478 لسنة 5 القضائية في 7 من أغسطس سنة 1958 ضد هيئة البريد طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار الوزاري الصادر في 8 من إبريل سنة 1958 فيما تضمنه من فصل الطالب من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار مع صرف مرتبه عن المدة من تاريخ فصله حتى عودته إلى الخدمة واحتساب أقدميته مع إلزام الهيئة المصروفات" وقال بياناً لدعواه أنه كان يشغل وظيفة من الدرجة التاسعة المؤقتة بقلم توزيع بريد القاهرة وقد اتهمته الهيئة بالسرقة والتزوير وأجري معه تحقيق بوساطة النيابة الإدارية والنيابة العامة انتهى بصدور قرار من السيد/ مدير عام الهيئة برقم 75 بفصله من الخدمة وفي 14 من نوفمبر سنة 1955 صدر قرار آخر برقم 163 من وكيل وزارة المواصلات الدائم بفصله من الخدمة وعلى أثر صدور هذين القرارين أقام الدعوى رقم 403 لسنة 3 القضائية طالباً منها إلغاء القرارين سالفي الذكر وقد قضي في هذه الدعوى بجلسة 17 من ديسمبر سنة 1957 بإلغاء قرار فصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وصرف مرتبه عن مدة فصله وحساب مدة الفصل في أقدميته وقد قام بإعلان هذا الحكم إلى السيد/ وزير المواصلات في 6 من فبراير سنة 1958 وفي 8 من إبريل سنة 1958 صدر قرار السيد/ وزير المواصلات برقم 782 ناصاً على إلغاء القرار 75 الصادر من هيئة البريد في 7 من أكتوبر سنة 1955 وكذلك إلغاء القرار الوزاري رقم 163 الصادر في 14 من نوفمبر سنة 1955 فيما تتضمنه من فصل الطالب من الخدمة وما يترتب عليهما من آثار ويصرف مرتبه عن مدة فصله وحساب هذا الفصل في الأقدمية وفي نفس التاريخ أي في 8 من إبريل سنة 1958 صدر قرار وزاري برقم 783 بفصل المذكور من الخدمة لذات الأسباب التي بني عليها القرار الأول الصادر بالفصل والسابق الإشارة إليه ويقول الطاعن إن القرار رقم 783 صدر مشوباً بعيب مخالفة القانون وسوء استعمال السلطة لمجافاته للحق المقضى به فتحقيق النيابة الإدارية قد ألقى بالاتهام جزافاً على الأبرياء، وهو يخالف تحقيق النيابة العامة التي انتهت فيه إلى وقوع إهمال من موظفين عينتهم بالذات ولم يكن هو من بينهم".
وقد أجابت الهيئة على الدعوى بأن المدعي الطاعن كان يشغل وظيفة من الدرجة التاسعة المؤقتة بقلم توزيع بريد القاهرة وقد أجري معه تحقيق بوساطة النيابة الإدارية انتهت فيه إلى اقتراح فصله من الخدمة لاستيلائه على عشرين جنيهاً من خطاب مسجل وبعرض الأمر على السيد/ مدير عام هيئة البريد قرر فصل المدعي من الخدمة مع إخطار النيابة العامة وبناء على ذلك أصدر السيد/ وكيل وزارة المواصلات الدائم القرار الوزاري رقم 163 بتاريخ 14 من نوفمبر سنة 1955 بفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من تاريخ صدور قرار الفصل من السيد/ المدير العام وقد تظلم المدعي من هذا القرار ثم أقام الدعوى رقم 403 لسنة 2 القضائية التي قضت فيها المحكمة بجلسة 17 من ديسمبر سنة 1957 بإلغاء قرار فصله من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار مع صرف المرتب عن مدة الفصل واحتساب مدة الفصل في الأقدمية وقد قامت الهيئة بتنفيذ هذا الحكم فاستصدرت بذلك القرار الوزاري رقم 782 في 8 من إبريل سنة 1958 متضمناً إلغاء القرار الوزاري رقم 163 المشار إليه وصرف مرتب المدعي من مدة فصله وحساب هذه المدة في الأقدمية ولما كانت الهيئة قد اقتنعت بما انتهت إليه النيابة الإدارية من تحقيقها في القضية رقم 275 لسنة 1955 إلى إدانة المدعي فيما نسب إليه من مسئولية في فقد مبلغ عشرين جنيه من خطاب مسجل كما دمغته بعدم الأمانة في عمله فقد رأت عدم الإبقاء عليه في الخدمة مراعاة لصالح العمل وطلبت استصدار قرار وزاري آخر بفصله من الخدمة فوافقت وزارة المواصلات على ذلك وصدر القرار رقم 783 في 8 من إبريل سنة 1958 بالفصل إذ قضت المحكمة الإدارية في الدعوى السابقة بإلغاء القرار رقم 163 الصادر في 14 من نوفمبر سنة 1955 بفصل المدعي من الخدمة فقد بنت الإلغاء على عيب عدم الاختصاص، ومن ثم فليس له حجية الشيء المحكوم به في خصوصية السبب الموضوعي الذي بني عليه قرار الفصل السابق الطعن فيه وإنما يقتصر الحكم المذكور على تقرير بطلان القرار من الوجهة الشكلية لصدوره ممن لا يملكه.. وقد صدر القرار رقم 783 في 8 من إبريل سنة 1958 موضوع الدعوى الحالية ممن يملكه بعد تحقيق أجرته النيابة الإدارية سمعت فيه أقوال المدعي وأوجه دفاعه وبني على أسباب سائغة تبرر ما انتهى إليه من نتيجة فصل المدعي لمسئوليته إدارياً ولا محل للتحدي بأن النيابة العامة قد خلصت في تحقيقها إلى عدم إدانة المدعي ما دام أنه من المسلم أن عناصر المساءلة الإدارية مستقلة تمام الاستقلال عن عناصر المساءلة الجنائية وبتاريخ 23 من مايو سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية المذكورة "بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات".
وبنت قضاءها على أن قرار الفصل المطعون فيه قد صدر من مختص لأن المدعي من الموظفين المعينين على درجة مؤقتة ولذلك تحكم العلاقة التنظيمية القائمة بينه وبين الدولة شروط العقد التي وافق عليها مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة 1952 وذلك بالتطبيق للمادة 26 من قانون نظام موظفي الدولة التي تنص على أنه... أما الموظفون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة فأحكام توظيفهم وتأديتهم وفصلهم يصدر بها قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين وقد وافق مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة 1952 على صيغة عقد الاستخدام الذي يوقعه من يعين من هؤلاء في ظل القانون المشار إليه وتنص المادة 5 من هذا العقد على أنه لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه سلطة الوقف عن العمل احتياطياً ويترتب على الوقف عدم صرف المرتب ما لم يقرر أحدهما صرفه كله أو بعضه ولوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة سلطة توقيع العقوبات التأديبية ويكون قراره نهائياً فيما عدا عقوبة الفصل فتكون من سلطة الوزير"... وأما عن مدى استناد قرار الفصل المطعون فيه إلى التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية في شأن التهمة المسندة إلى المدعي وهي استيلاؤه على مبلغ عشرين جنيهاً من خطاب مسجل فإنه يبين من الرجوع إلى أوراق هذا التحقيق أن ابنة المرسل إليها اتصلت تليفونياً بالهيئة مستفسرة عن الخطاب المسجل في من يوليه سنة 1958 وقررت أن هذا الخطاب داخله بوليصة شحن طرد مأكولات يخشى عليها من التلف... ولا يمكن القول بصحة ادعاء ابنة المرسل إليها بأن الخطاب المسجل كان يحتوي على بوليصة شحن مأكولات فقد يكون قولها هذا مبعثه الحذر والتمويه حتى لا تذكر أن بالخطاب مبلغاً من المال مما يدفع الطامعين إلى الحصول عليه خصوصاً إذا ما لوحظ من الرجوع إلى هذه التحقيقات أن الموزع حسين إبراهيم شعبان، وزميلاً آخر له كانا يعلمان بأن المرسل إليها تتلقى عدة خطابات مسجلة بها نقود ولا وجه للقول بشيوع التهمة بين المدعي وبين الموزع حسين إبراهيم شعبان وزميله الآخر اللذين كانا على علم بسابقة إرسال نقود المرسل إليها في خطابات مسجلة لما ثبت من تحقيقات النيابة الإدارية المشار إليها من أن المدعي قد عبث بمحتويات الخطاب المسجل بأن فتحه واستولى على المبلغ الذي بداخله ثم أعاد غلقه بأحكام ودقة حتى لا ينتبه غيره إلى هذا العبث فضلاً عن أنه إذا كان شيوع التهمة سبباً للبراءة من العقوبة الجنائية فإن ذلك لا ينهض على الدوام مانعاً من المؤاخذة التأديبية ولا سيما حتى أمكن إسناد فعل إيجابي أو سلبي محدد إلى الموظف بعد مساهمة منه في وقوع المخالفة الإدارية... فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو اللوائح أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يقصر في تأديتها بما تتطلبه من حيطة ودقة وأمانة أو يخل بالثقة المشروعة في هذه الوظيفة إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه وهذا الذنب هو سبب القرار التأديبي فتتجه إرادة الإدارة إلى توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المرسومة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر...".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار الصادر بفصل المدعي في 8 من إبريل سنة 1958، هو قرار باطل ومعدوم السبب ذلك لأن قرار الجزاء لم يستخلص استخلاصاً سليماً سائغاً من أصول ثابتة من الأوراق مما يجعله باطلاً لمخالفته القانون. وقال الطاعن في مذكرته المقدمة شرحاً لطعنه إن الكشط والتزوير في الدفتر 21 ث - لم يتم بمعرفته وليس من مصلحته أن يكشط أو يزور وقد سأل وكيل النيابة العامة الطاعن عن الخطاب محل القضية فقرر أنه تسلمه يوم 8 يوليه سنة 1955 وسلمه بدوره إلى رضوان حسن رضوان الموزع في نفس اليوم ثم عاد رضوان الساعة 2 مساء أي في 8 من يوليه سنة 1955 ووضعه مع الخطابات الأخرى وتسلمها الساعة 6 مساء نفس اليوم (8 من يوليه سنة 1955) وقد سئل رضوان هذا فقرر بأنه تسلم الخطاب يوم 9 من يوليه سنة 1955 الساعة 10 صباحاً فلما ووجه بأقوال المدعي عاد وقرر أنه وقع على الخطابات المسجلة وتركها في الشباك لمرضه إذا فالشخص الذي له مصلحة في الكشط هو رضوان وليس المدعي لذلك فقد دون السيد/ وكيل النيابة العامة في المذكرة المرفوعة للرئاسة أنه يطلب من مصلحة البريد النظر في أمر الموزعين حسين إبراهيم شعبان ورضوان حسين رضوان على ما بدا منهما من إهمال. هذا إلى أنه عندما أبلغت السيدة صاحبة الخطاب مصلحة البريد التي أمرت بإجراء التحقيق الإداري لم يثبت وقتذاك تلاعب ما في الدفتر 31 ث وقد ثم هذا التحقيق في 10 من يوليه سنة 1955 أي في اليوم التالي لاكتشاف ضياع المبلغ وأجرى بمعرفة مفتشين مختصين في هذه العملية وانتهى إلى النتائج الآتية (1) تبين من حالة مظروف الخطاب أن كلاً من السادة مصطفى برهان وعلي عبد الواحد وجاد الرب انداروس وحسن إبراهيم شعبان ورضوان حسن رضوان وأمين برسوم قد أقروا بأن حالة الخطاب لم يكن بها ما يدعو إلى الشك في حين أن التلاعب ظاهر في قفل المظروف الأمر الذي يقطع بأن أحداً منهم لم يكلف نفسه مؤونة فحص الخطاب حتى يمكن اكتشاف التلاعب ومعرفة من أجرى التلاعب في حينه وبالتالي فإن جميع الخطابات لا تفحص كما يجب (2) قسم المستعجل لم يعد الخطاب إلى التسجيل الوارد إلا صباح يوم 8 يوليه سنة 1955 في حين أنه سلم إليهم يوم 7 من يوليه سنة 1955 مساء والمسئول عن ذلك هو مصطفى برهان رئيس القسم... (3) أقر قلم التسجيل الوارد تسليم الخطاب إلى تسجيل الموزعين حتى يوم 9 من يوليه 1955 في حين أنه سلم إلى القلم المذكور يوم 8 من يوليه سنة 1955 ولم يوزع يوم 8 من يوليه سنة 1955 والمسئول عن ذلك هو السيد/ جاد الرب اندراوس رئيس الوردية (4) يرجح أن يكون التلاعب حدث بهذا الخطاب بمعرفة الموزع حسن إبراهيم شعبان بقسم التسجيل إذ أن الأسباب التي أبداها تبريراً لعدم توزيع الخطاب يوم 7 من يوليه سنة 1955 لا تبرر امتناعه عن توزيعه وأن التأشير الوارد على الخطاب لا يقوم على أساس وأن الموزع صرح بأنه تأشير خاطئ (5) لا يمكن إسناد ضياع المبلغ إلى أحد مستخدمي المصلحة إذ تداولته أيد كثيرة ولا يوجد ما يثبت الدليل القاطع على أن السيد المرسل منه قد وضع المبلغ فعلاً في الخطاب ولم يقتصر الأمر في شأن المدعي على ما تقدم بل إن السيد/ مراقب بريد القاهرة أرسل إلى السيد/ المدير العام خطاباً في 12 من يوليه سنة 1955 تلقى فيه المسئولية على الموزع حسن إبراهيم شعبان وأن تصرفاته تؤدي إلى اتهامه بسرقة المبلغ كما اقترح توقيع جزاءات على بعض المستخدمين الذين لهم شأن في الحادث لم يكن من بينهم المدعي.. وأما عن النتيجة التي انتهى إليها تحقيق النيابة الإدارية من مساءلة المدعي عن العبث بمحتويات الخطاب والدفتر 21 ث فهو اتهام لم يفز بدليل ما. ومما يقطع ببطلان قرار الفصل ما ورد في بلاغ السيد/ مدير عام مصلحة البريد إلى السيد/ النائب العام من أنه نظراً للشبهات القوية التي تحوم حول الفراز/ أمين برسوم ي المدعي) من إحداثه كشطاً بالدفتر 21 ث، الخاص بقيد الخطاب موضوع الشكوى فضلاً عن حجزه للخطاب دون تسليمه للساعي المختص في نفس يوم وروده إليه ولكنه سلمه إياه في اليوم التالي مما يدعو إلى الشك في أمانته واقترافه جريمته بالتلاعب في الخطاب والاستيلاء على محتوياته فإن الأمر يستدعي مجازاته إدارياً بالفصل ومجازاة كل من الموزعين حسن إبراهيم شعبان ورضوان حسن رضوان بخصم عشرة أيام من ماهية الأول وثلاثة أيام من ماهية التالي لما نسب إليهما وبذلك يكون الفصل قد تم بناء على شبهات وفي ذلك ما يعيب القرار المطعون فيه ويبطله".
ومن حيث إنه يبين من تصفح أوراق الطعن أنه بتاريخ 2 من أكتوبر سنة 1955 صدر القرار رقم 75 من مدير عام مصلحة البريد بفصل المدعي من الخدمة وعلى المستخدمين استصدار قرار الفصل من الوزارة وعلى الإدارة الداخلية إبلاغ النيابة العامة بالحادث وذلك بالاستناد إلى أوراق تحقيق النيابة الإدارية في القضية رقم 275/ 1955 الخاصة بشكوى السيدة حكمت فرغلي عن فقد مبلغ 20 جنيهاً من خطاب مسجل مستعجل وهو التحقيق الذي انتهى إلى أن المدعي قد استولى على المبلغ الذي كان بداخل الخطاب المسجل برسم السيدة المذكورة، وهذا مما يجعله غير أمين في عمله بالرجوع إلى النتيجة التي انتهت إليها النيابة الإدارية من التحقيق الذي أجرته وانبنى عليه صدور قرار الفصل المشار إليه يبين أنها قد ارتأت فصل المدعي من الخدمة لأنه ثبت أن الخطاب المسجل المستعجل رقم 395 المرسل من السيد/ عبد القادر خيري إلى السيدة/ حكمت فرغلي كان يحتوي على مبلغ عشرين جنيهاً قد وصل إلى قلم التسجيل الوارد في نحو الساعة 4.5 مساء يوم 7 من يوليه سنة 1955 وسلم إلى السيد/ مصطفى برهان رئيس قلم المستعجل في الساعة 6.5 مساء حيث قام بتسليمه حال وصوله إلى موزع المستعجل السيد/ حسن إبراهيم شعبان لتوزيعه ولكن هذا المستخدم بإهماله أو بعمده لم يقم بتوزيع هذا الخطاب وأعاده إلى مصدره بعد أن أشر عليه بما يخالف الحقيقة وهو عدم وجود المرسل إليها حيث سلم إلى رئيس وردية قسم التسجيل الوارد بمقتضى الدفتر 18 ث بتاريخ 8 من يوليه سنة 1955 وهذا سلمه بدوره إلى السيد/ زكي نخلة الذي سلمه للفراز أمين برسوم المدعي في حالة جيدة لا تدعو للاشتباه وقيده المذكور بالدفتر 21 ث الخاص بمنطقة توزيع الروضة صباح يوم 8 من يوليه سنة 1955 وبعد أن كلف المذكور زميله الموزع رضوان بالتوقيع على الدفتر بما يفيد تسلمه لهذا الخطاب وغيره أقنعه يترك الخطابات المسجلة وبعدم توزيعها في هذا الشأن اكتفاء بتوزيع الخطابات العادية فوافقه الموزع على هذا الإجراء وترك له المسجل المذكور ضمن مسجلات أخرى وقد عبث هذا الموظف (المدعي) بمحتويات الخطاب رقم 395 (موضوع التهمة الحالية) بأن فتحه واستولى على المبلغ الذي كان بداخله ثم أعاد غلقه بإحكام وسلمه إلى الموزع رضوان في اليوم التالي 9 من يوليه سنة 1955 ولكي يبعد المسئولية عنه تلاعب في الدفتر 21 ث فكشط المسجلين 395 و31804 وقيدهما مكان بعضهما للإيهام. فإنه لم يتسلم المسجل رقم 395 إلا يوم 9 من يوليه سنة 1955 - وبالاطلاع على التحقيقات التي استخلص منها النتيجة المتقدمة يبين أن رضوان حسن رضوان الموزع قرر بأنه تسلم الخطاب رقم 395 باسم الست حكمت فرغلي يوم 9 من يوليه سنة 1955 وتوجهه إلى منزل السيدة المذكورة وسلمه إليها وكان الخطاب محكم الإغلاق ولم يلاحظ أي شيء عند استلامه وقال أن المرسل إليها طلبت منه الانتظار حتى تفتح الخطاب لأن به مبلغ عشرين جنيهاً وقد اتضح بعد فتحه عدم وجود نقود فيه.. وبسؤال مصطفى برهان رئيس وردية المستعجل قرر بأنه تسلم الخطاب يوم 7 من يوليه سنة 1955 في نحو الساعة 6 مساء وسلمه إلى الموزع حسن شعبان في نحو الساعة 6.5 مساء وفي الساعة 8 مساء أعاد إليه المذكور الخطاب مؤشراً عليه بعدم وجود المرسل إليه فقيده بدفتر المرتجع وقرر بأنه عند تسلمه الخطاب رقم 395 موضوع التهمة لم يلاحظ أي شيء يدعو للاشتباه.. وبسؤال جاد الرب اندراوس رئيس وردية بقلم التسجيل الوارد قرر بأن الخطاب 395 سلم إليهم يوم 8 من يوليه سنة 1955 وليس يوم 7 من يوليه سنة 1955 كما ذكر مصطفى برهان وقرر هذا الشاهد أيضاً بوجود كشط ظاهر في الدفتر 21 ث في الخانة المقيد بها المسجل رقم 31804 وكذلك في الخانة المقيد بها المسجل رقم 395 موضوع التهمة "وهنا أثبت المحقق أنه أطلع على الدفتر فلاحظ وجود آثار كشط في الخانة المقيد فيها المسجل رقم 31804 كما لاحظ أيضاً وجود مسح في الخانة المقيد فيها المسجل رقم 395 وآثار رقم الخطاب الأول 31804 وقال هذا الشاهد أن المسئول عن هذا الدفتر هو الفراز أمين برسوم (المدعي) وعن كل البيانات المدونة فيه وقرر أن الخطاب بحالته الراهنة فيه ما يدعو إلى الشك وكل ما يستطيع قوله هو أنه يجوز أن يكون هذا الخطاب قد فتح وذلك بسبب المسح والكشط الحاصلين في الدفتر..." وبسؤال زكي نخلة رئيس دورية التسجيل بقسم السعاة قرر بأنه تسلم المسجل رقم 395 في يوم 8 من يوليه سنة 1955 وقام بتسليمه إلى الفراز أمين برسوم المختص بالتوزيع في منطقة المنيل والروضة وقد قام بإثباته في الدفتر 21 ث في نفس اليوم وأنه بعد الانتهاء من القيد يسلم الخطاب إلى الموزعين ثم قال عن معلوماته مشاهداته عن الخطاب رقم 395 أن هذا الخطاب مقيد في الدفتر 21 ث في يوم 8 من يوليه سنة 1955 ثم كشط مكانه وقيد باسم السيد/ فتحي الطيبي برقم 31804 وهو مسجل أميري وقيد المسجل رقم 395 في 9 من يوليه سنة 1955 بدلاً من الرقم 31804 وأنه لا بد أن يكون القصد من هذا التغيير هو التلاعب... وبسؤال مرسل الخطاب رقم 395 قرر أنه أرسل الخطاب من مكتب بريد الإسكندرية في نحو الساعة 9.5 ص في يوم 7 من يوليه سنة 1955 بطريق المسجل المستعجل وكانت بداخله ورقتان ماليتان كل واحدة فئة عشرة جنيهات وفي حوالي الساعة العاشرة من صباح يوم إرسال هذا الخطاب اتصل تليفونياً بالسيدة/ المرسل إليها الخطاب وأخبرها بمضمونه ثم عاود الاتصال بها تليفونياً في نفس اليوم فأخبرته بأن الخطاب لم يصل فقام بإرسال تلغراف إلى مدير عام المصلحة لاستعجال وصول الخطاب ولما أطلعه المحقق على الخطاب قرر بأن هذا الخطاب مشوه بأسفل القفل من الناحية اليسرى مما يدل على فتحه وبسؤال السيدة المرسل إليها قررت أن زوجها أخبرها تليفونياً بمضمون الخطاب الذي أرسله إليها ولما لم يصلها اتصلت ابنتها يوم 8 من يوليه سنة 1955 بالمصلحة ثم عاودت الاتصال يوم 9 يوليه سنة 1955 وفي نحو الساعة 10 صباحاً حضر موزع البريد العادي وسلمها الخطاب فكلفته بالانتظار لحين فتحه ولم تجد به النقود. وبسؤال المدعي قرر بأنه تسلم الخطاب رقم 395 في يوم 9 من يوليه سنة 1955 ونفى أنه كشط أو مسح في الدفتر 21 ث كما أنكر أن البيان المثبت في الدفتر والخاص بالمسجلين رقمي 395 و31804 مكتوب بخطه وقرر أنه هو الذي قيد بيانات الخطابات المسجلة في يوم 9 من يوليه سنة 1955 ولم يلاحظ أي كشط كما أنه عندما تسلم المسجل رقم 395 لم يلاحظ عليه أي شيء وأما الذي قيد الخطابات المسجلة في يوم 8 من يوليه سنة 1955 فهو أحد المساعدين ولا يعرف اسمه ثم قال أنه قيد الخطاب رقم 395 في يوم 9 من يوليه سنة 1955 ولا يعرف في أية خانة من الدفتر قيد كما قرر أنه من الجائز أن يكون تسلم الخطاب رقم 195 في يوم 8 من يوليه سنة 1955 وقيده بالدفتر 21 ث وحصل في الدفتر تلاعب في غيابه وأنه يذكر بأنه سلم هذا الخطاب إلى الموزع رضوان في يوم 8 من يوليه سنة 1955 وكان بحالة جيدة غير الحالة التي هو عليها الآن..." وبسؤال رضوان حسن رضوان قرر بأن الذي قام بتحرير بيانات الدفتر في يوم 8 من يوليه سنة 1955 و9 من يونيه سنة 1955 هو المدعي ولا أحد خلافه وعند لصق الإيصال الخاص بتسليم المسجل رقم 395 في الخانة الخاصة به في الدفتر 21 ث لاحظ وجود شطب في الدفتر المذكور كما لاحظ أن المسجل رقم 395 منقول من صفحة 21 إلى صفحة 22 وأما عن الخطاب رقم 31804 فقد تسلمه يوم 9 من يوليه سنة 1955 ثم أكد أن الخطاب رقم 395 مقيد في الدفتر يوم 8 من يوليه سنة 1955 وقال أن المدعي طلب منه عدم توزيع خطابات مسجلة يوم 8 من يوليه سنة 1955 اكتفاء بالبوستة العادية.
ومن حيث إنه بتحقيق الحادث بوساطة النيابة العامة لهم يجد جديد على أقوال من سئلوا فيه عن أقوالهم السابقة في محضر تحقيق النيابة الإدارية سوى أن المدعي قرر في محضر تحقيق النيابة العامة من أول وهلة أنه تسلم الخطاب رقم 395 موضوع التهمة في يوم 8 من يوليه سنة 1955 وقيده في الدفتر في هذا اليوم وسلمه إلى الموزع رضوان في ذات اليوم ووقع بالاستلام وكذلك اعتراف رضوان بأنه حقيقة تسلم هذا الخطاب في يوم 8 من يوليه سنة 1955 إلا أنه ترك الخطابات المسجلة جميعها في الشباك ولم يقم بتوزيعها في هذا اليوم لمرضه.. وقد جاء في تقرير النيابة العامة عن الحادث أنه لا بد وأن تكون جنحة سرقة ضد مجهول وأشارت بمحاكمة شعبان ورضوان إدارياً لإهمالهما في تأدية عملهما..." وكذلك انتهى تحقيق المصلحة في الحادث إلى مساءلة الموزع حسن إبراهيم شعبان لأن تصرفاته تؤدي إلى اتهامه بالسرقة إذ تسلم الخطاب في يوم 7 من يوليه سنة 1955 في الساعة 4.5 مساء ولم يرد إلى المكتب إلا الساعة 7 مساء مؤشراً عليه كذباً بأنه لم يجد أحداً في منزل المرسل إليها وكذا إلى مساءلة جاد الرب اندراوس لتأخيره في تسليم الخطاب من 7 من يوليه سنة 1955 حتى يوم 9 من يوليه سنة 1955 وأيضاً مساءلة برهان لإهماله.
ومن حيث إنه يؤخذ من كل ما تقدم أن فصل الطاعن المدعي أصلاً من الخدمة بالقرار رقم 783 الصادر في 8 من إبريل سنة 1958 قد صدر من مختص وهو السيد وزير المواصلات بعد أن قضت المحكمة الإدارية في الدعوى رقم 403 لسنة 3 القضائية والمضمومة لملف الطعن بإلغاء القرارين الصادرين في 2 من أكتوبر سنة 1955 من السيد/ مدير عام الهيئة وفي 14 من نوفمبر سنة 1955 من السيد/ وكيل الوزارة وذلك تأسيساً على أن القرار الأول قد صدر مشوباً بعيب عدم الاختصاص والقرار الثاني صدر مصححاً للقرار الأول والباطل الذي لا تلحقه الإجازة وعلى ذلك الأساس وحده ودون التعرض للأسباب التي قام عليها قرار الفصل صدر الحكم في الدعوى المشار إليها، ومن ثم فلا محل للمحاجة بالحكم المذكور في مجال الدعوى الحالية التي ترتبت على قرار جديد صادر من مختص وهو القرار رقم 783 بتاريخ 8 من إبريل سنة 1958.
ومن حيث إن الواقعة التي انبنى عليها فصل الطاعن من الخدمة تخلص في أن شخصاً يقيم في الإسكندرية أرسل لزوجته المقيمة في القاهرة خطاباً مسجلاً مستعجلاً بداخله أوراق مالية عبارة عن ورقتين فئة عشرة جنيهات - كذا يقول المرسل وكان ذلك يوم 7 من يوليه سنة 1955، وقد تسلمت المرسل إليها هذا الخطاب في يوم 9 من يوليه سنة 1955 وفتحته بحضور موزع البريد الذي سلمه إليها فلم تجد به شيئاً من النقود وكان زوجها قد أخبرها تليفونياً في يوم 7 من يوليه سنة 1955 بأن بالخطاب مبلغاً قدره عشرون جنيهاً وقد أجري تحقيق في هذه الواقعة تولته ثلاث جهات تحقيق أول قام به أحد موظفي المصلحة انتهى إلى أن هناك إهمالاً من بعض الموظفين، وتحقيق ثان قامت به النيابة الإدارية انتهت فيه إلى مساءلة الطاعن عن ضياع المبلغ من الخطاب خصوصاً وقد ثبت وجود آثار عدم انتظام على لسان القفل في الزاوية العليا اليسرى من هذا الخطاب مضافاً إلى ذلك التغيير الذي حصل في الدفتر 21 ث المعد لقيد المسجلات والذي يقوم الطاعن بتحريره وفي عهدته بأن قام المذكور بالكشط والمسح في الخانة المعدة للقيد في هذا الدفتر فأثبت أنه تسلم الخطاب في يوم 9 من يوليه سنة 1955 بدلاً من تاريخ استلامه الفعلي له في 8 من يوليه سنة 1955 لكي يوائم بين الاستلام والتوزيع الذي تم في يوم 9 من يوليه سنة 1955 ويدرأ عن نفسه مقدماً تهمة اختلاس المبلغ بإبقائه الخطاب في حوزته من يوم 8 من يوليه سنة 1955 حتى يوم 9 من يوليه سنة 1955 وتحقيق ثالث قامت به النيابة العامة بناء على طلب المصلحة الذي تضمن أنه نظراً للشبهات القوية التي تحوم حول برسوم الطاعن نظراً للمسح والكشط في الدفتر 21 ث وإبقاءه طرفه حتى اليوم التالي مما يزعزع الثقة في أمانته واقترافه هذا الإثم بالتلاعب في الخطاب 395 موضوع التهمة والاستيلاء على محتوياته وهو الأمر الذي دعا إلى فصله ولما كان الأمر ينطوي على جريمة جنائية فإنه يقتضي إحالة الأوراق إلى النيابة العامة وقد انتهت هذه الأخيرة من تحقيقها في هذا الحادث إلى شيوع تهمة سرقة المبلغ من الخطاب لتداوله في أيد كثيرة وأشارت إلى مجازاة كل من شعبان ورضوان الموزعين إدارياً لإهمالهما في واجبات الوظيفة ويلاحظ على تحقيق النيابة العامة أنها لم تتناول بالتحقيق واقعة العبث بالدفتر 21 ث وهي الواقعة التي استخلصت فيها النيابة الإدارية توجيه تهمة سرقة المبلغ من الخطاب إلى الطاعن بوصفه هو المختص بتحريره وقتئذاك علماً بأن هذا التلاعب قد أشر إليه في خطاب المصلحة إلى النيابة العامة على النحو السالف ذكره.
إن المخالفة الإدارية تختلف في طبيعتها وفي أركانها عن الجريمة الجنائية فالأولى قوامها أفعال تصدر عن الموظف ترى فيها السلطة الإدارية مساساً بالنزاهة والشرف وخروجاً على الواجب وزعزعة للثقة والاحترام الواجب توافرها في الوظيفة نفسها وقد ينطوي الفعل الواحد على مخالفة إدارية وأخرى جنائية وتختلف النظرة عند توقيع الجزاء بالنسبة لإحداهما عن الأخرى فيكفي في الجريمة الإدارية أن تحمل الأفعال المنسوبة إلى الموظف في ثناياها ما يمس حسن السمعة وتجعل في بقائه في الوظيفة أضراراً بالمصلحة العامة وتقدير ذلك كله مرجعه إلى سلطة الإدارة ما دام تقديرها في هذا الشأن يستند إلى أصول ثابتة في الأوراق تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها دون انحراف أو إساءة لاستعمال السلطة. أما الجريمة الجنائية فمصدرها القانون وتتبع في شأنها أصول المحاكمات الجنائية.
ومن حيث إن جهة الإدارة قد رأت في تصرفات الطاعن خروجاً على مقتضيات الأمانة في تأدية واجبات وظيفته ولمست تناقضه في أقواله فتارة يقول إنه تسلم الخطاب المسجل رقم 395 في يوم 9 من يوليه سنة 1955 وسلمه إلى الموزع في نفس اليوم فلما ووجه بالدفتر 21 ث وبالكشط الظاهر في الصفحتين 21 و22 من هذا الدفتر وبقيد الخطاب رقم 395 في الصفحة 22 ثم نقل قيد الخطاب رقم 31804 من الصفحة 22 إلى صفحة 21 لم يجادل في حصول الكشط أو المسح وقرر صراحة أن هناك تغييراً قد حصل في قيد الخطابين المذكورين ولكنه نفى أنه هو المحدث لهذا التغيير مع أن الدفتر 21 ث في عهدته وهو المختص بتحريره وإثبات ما يرد إليه من خطابات فيه وتارة أخرى يقرر في تحقيق النيابة العامة أنه تسلم الخطاب رقم 395 يوم 8 من يوليه سنة 1955 وقيده في هذا اليوم في الدفتر 21 ث وسلمه إلى رضوان بعد قيده مباشرة مع خطابات أخرى مسجلة لتوزيعها بعد أن وقع المذكور على الدفتر بما يفيد الاستلام ويضيف أن رضوان لم يلبث أن عاد إليه ومعه جميع الخطابات المسجلة ومن بينها الخطاب موضوع الدعوى وأخذها منه ووضعها في درج مكتب حتى اليوم التالي وهو يوم 9 من يوليه سنة 1955 ثم قام بتسليمها إلى رضوان الذي قرر في تحقيق النيابة الإدارية بأن الطاعن هو الذي طلب منه إبقاء الخطابات دون توزيع يوم 8 من يوليه سنة 1955 بعد أن وقع بما يفيد استلامها وعند لصق إيصالات الاستلام في الدفتر 21 ث لاحظ وجود كشط بخانة المسجلين رقم 395 موضوع الدعوى ورقم 31804 ووضع كل منهما مكان الآخر كما ثبت من تقرير المصلحة وجود عبث في الخطاب نفسه كذلك قرر جميع من سئلوا في التحقيق من الموظفين وجود هذا العبث لما لاحظوه من آثار عدم انتظام على لسان القفل في الزاوية العليا اليسرى، وقرر اثنان من الرؤساء هما جاد الرب اندراوس رئيس دورية بقلم التسجيل الوارد وزكي نخلة رئيس دورية التسجيل بقسم العادة بقلم التوزيع أن القصد من ذلك العبث في الخطاب وفي الدفتر 21 ث هو التلاعب في الخطاب وأضاف الأول أنه يعتقد أن الخطاب قد فتح.
2 - فإذا كانت الجهة الإدارية قد رأت في تصرفات الطاعن هذا ما يمس النزاهة في العمل ويخدش حسن السمعة وحميد السيرة الواجب توافرهما في الموظف العام، إذ بدون توافر هذه الصفات تقل الثقة في الموظف وبالتالي يفقد شرط الصلاحية للبقاء في الوظيفة فإنها تكون قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها من وقائع لها أصل ثابت في الأوراق وبالتالي يكون قرارها بمنأى عن الطعن وغني عن البيان أن تقدير الإدارة في هذا الشأن كان بعيداً عن الناحية الجنائية وبغير بحثها إذا كان بالخطاب نقود أم لا أو أن الطاعن أو غيره هو الذي اختلس المبلغ فجل تقديرها كان مبناه ما أتاه الطاعن من أفعال تكون جريمة إدارية فحواها الإخلال بالواجب الوظيفي بعدم الترفع عما يؤثر على حسن السمعة والأمانة الواجبة في العمل خصوصاً في مرفق له اتصال وثيق بالجمهور وتعمل الإدارة جاهدة على السير به في طريق يضع حداً للشكوى... وإذا كان القرار قد صدر مستنداً إلى مذكرة النيابة الإدارية التي حوت ضمن ما حوت أن الطاعن فتح الخطاب واختلس المبلغ الذي كان بداخله فإن هذه المذكرة قد تضمنت وقائع أخرى وعندما أصدرت الإدارة القرار المطعون فيه لم تقمه على اختلاس المبلغ بدليل أنها بعد أن أصدرت قرارها بالفصل أخطرت النيابة العامة للتحقيق في الناحية الجنائية الخاصة بالاختلاس والذي انتهت فيه النيابة إلى قيد الواقعة سرقة ضد مجهول لشيوع الاتهام، والحال أن الفصل في حقيقته كان مبناه كما جاء في الخطاب المرسل من الهيئة إلى وزارة المواصلات لاستصدار القرار أن الهيئة لا تطمئن إلى بقائه في الخدمة اقتناعاً منها بما جاء في مذكرة النيابة الإدارية.
إذا قام القرار الإداري على عدة أسباب فإن استبعاد أي سبب من هذه الأسباب لا يبطل القرار ولا يجعله غير قائم على سببه طالما أن الأسباب الأخرى تؤدي إلى نفس النتيجة.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن في غير محله متعين الرفض مع إلزام المدعي بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ساحة النقاش