إن تلاحق قرارات النقل وصدورها بغير مقتض من الصالح العام بقصد مجازاة الموظف لرفعه تقريراً إلى رئيس الوزراء.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشر - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1970) - صـ 290
(46)
جلسة 18 من أبريل سنة 1970
برئاسة السيد الأستاذ المستشار: محمد شلبي يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف إبراهيم الشناوي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن المستشارين.
القضية رقم 419 لسنة 15 القضائية
( أ ) - موظف "نقل". قرار إداري. "اختصاص". "ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري".
إن قرارات النقل إذا حملت في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما تختص محكمة القضاء الإداري أصلاً بنظره، فالعبرة في مثل هذه الحالات بما قصدت إليه الإدارة حقيقة من اتخاذ قرارها لا بما وصفت به القرار.
(ب) - موظف. "نقل". قرار إداري. انحراف بالسلطة.
إن تلاحق قرارات النقل وصدورها بغير مقتض من الصالح العام بقصد مجازاة الموظف لرفعه تقريراً إلى رئيس الوزراء - انحراف الجهة الإدارية بسلطتها في نقل الموظفين من مكان إلى آخر عن الغاية التي وضعت لها باتخاذها أداة للعقاب - ابتداعها نوعاً من الجزاء التأديبي لم ينص عليه القانون - عدم جواز اتخاذ سلطة النقل المكاني أداة للمجازاة.
(ج ) - موظف - مرتب - وقف صرف المرتب.
إن حرمان الموظف من راتبه وهو مورد رزقه الوحيد بغير مقتض وأثر رفعه لتقرير هدف من ورائه إلى تحقيق مصلحة عامة يصيبه حتماً بضرر مادي محقق بالإضافة إلى الأضرار النفسية.
1 - إن قرارات النقل إذا كانت تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما تختص محكمة القضاء الإداري أصلاً بنظره كأن تنطوي على جزاء تأديبي فالعبرة إذا في مثل هذه الحالات بما قصدت إليه الإدارة حقيقة من اتخاذ قرارها لا بما وصفت به هذا القرار من وصف مخالف للحقيقة.
2 - إن تلاحق قرارات النقل المكاني وصدورها بغير مقتض من الصالح العام وفي أعقاب رفع الموظف لتقريره الخاص بصناديق النذور إلى السيد رئيس الوزراء فإن الجهة الإدارية إنما قصدت مجازاة المدعي لأنها لم تكن راضية على التقرير الذي رفعه إلى السيد رئيس الوزراء بشأن صناديق النذور.
لذلك تكون الجهة الإدارية قد انحرفت بسلطتها في نقل الموظفين من مكان إلى آخر عن الغاية التي وضعت لها واتخذتها أداة للعقاب وبذلك تكون قد ابتدعت نوعاً من الجزاء التأديبي لم ينص عليه القانون وأوقعته على المدعي بغير سبب يبرره إذ أن رفع المدعي لتقرير عن صناديق النذور إلى السيد رئيس الوزراء يعرض فيه مقترحاته بشأنها هو حق مشروع للمدعي هدف من ورائه المدعي إلى تحقيق مصلحة عامة وقد تلقى كتاب شكر من السيد رئيس الوزراء عن هذا التقرير وما كان يجوز للجهة الإدارية أن تضيق بهذا النقد البناء وأن تتخذ من سلطة النقل المكاني أداة لمجازاة المدعي ومن ثم كان قرارها مخالفاً للقانون مشوباً بسوء استعمال السلطة.
3 - إن حرمان المدعي من راتبه - ولم يثبت أن له مورد رزق آخر - يترتب عليه ضرر مادي محقق إذ أن الراتب هو مورد رزقه الذي يقيم أوده فكان حرمان الجهة الإدارية من راتبه يصيبه حتماً بضرر مادي محقق هذا بالإضافة إلى الأضرار الأدبية التي تتمثل في الآلام النفسية التي أصابته بسبب توقيع مثل هذا الجزاء عليه بغير مقتض وأثر رفعه لتقرير هدف من ورائه إلى تحقيق مصلحة عامة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 1517 لسنة20 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 2/ 6/ 1966 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر منها في القرار سنة 1966 بوقف راتب الطالب وبإلغاء القرار الصادر بتاريخ 3/ 2/ 1966 بنقله إلى مديرية أوقاف الشرقية والقرار الصادر بتاريخ 10/ 3/ 1966 بنقله إلى مديرية أوقاف سوهاج وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بدفع مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مقابل ما لحقه من أضرار نتيجة القرارين المطعون فيهما والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال شرحاً لدعواه أنه تقدم بتاريخ 23/ 12/ 1965 بتقرير إلى السيد/ رئيس الوزراء ضمنه بعض المقترحات بإلغاء جميع حصص النذور بالنسبة إلى موظفي ومستخدمي جميع المساجد بصفة عامة ولموظفي ومستخدمي مسجد صلاح الدين بصفة خاصة وكذلك إلغاء الحصص التي تصرف لخلفاء المسجد الأحمدي وإلغاء المكافآت التي تصرف إلى أعضاء لجان فتح صناديق النذور وإرجاع أمور النذور جميعها إلى إيرادات الدولة، وبتاريخ 12/ 1/ 1966 تلقى من السيد رئيس الوزراء كتاب شكر وتقدير لمقترحاته وقد أثار مسلكه هذا سخط المسئولين بالوزارة فاستدعاه السيد/ وكيل الوزارة وكان ثائراً وعنفه تعنيفاً شديداً على إرسال تقريره عن صندوق النذور إلي السيد/ رئيس الوزراء واعتبر ذلك طعنه خلفية موجهة إلى الوزارة وكلفه أن يختار بلداً ينقل إليه إلا أنه رفض ذلك. ثم فوجئ بقرار يصدره وكيل الوزارة المذكور بتاريخ 8/ 1/ 1966 بندبه للعمل لمديرية أوقاف الشرقية بالزقازيق دون تحديد الوظيفة المنقول ألها فأبرق إلى السيد الوزير متظلماً وشفع البرقية بتظلم آخر بالبريد المسجل في 11، 15، 30 من يناير سنة 1966 وقال المدعي أن هذه المفاجأة أثرت على أعصابه وعلى صحته العامة فمرض وطلب إحالته إلى القومسيون الطبي العام وبتاريخ 5/ 2/ 1966 أصدر السيد وكيل الوزارة بعد موافقة السيد/ نائب رئيس الوزراء قراراً بوقف راتبه بتاريخ 6/ 2/ 1966 - ثم لم يلبث وهو طريح الفراش أن تلقى قراراً ثالثاً في يوم 6/ 2/ 1966 بنقله نهائياً إلى مديرية أوقاف الشرقية فتظلم منه في ذات اليوم، وبتاريخ 7/ 2/ 1966 أصدر وكيل الوزارة قراراً يقضي بندبه إلى مديرية أوقاف سوهاج فتظلم من هذا القرار أيضاً. وأنه ذهب إلى الزقازيق وتسلم استمارات السفر إلى سوهاج ولكن المرض وضيق ذات يده منعاه من السفر وبتاريخ 13/ 2/ 1966 تلقى قراراً آخر يقضي بنقله نهائياً إلى سوهاج كل ذلك وهو مريض يطلب عرضه على القومسيون الطبي العام وتبلغه الوزارة بأن طلبه هذا يجب أن يوجه إلى المديرية التي يعمل بها فإذا ما توجه إلى مديرية الأوقاف بالشرقية أبلغته بأن عليه أن يتوجه إلى مديرية أوقاف سوهاج، وطعن على القرارين المذكورين الصادرين بنقله إلى الشرقية وسوهاج، بعيب إساءة استعمال السلطة باعتبار أنهما ينطويان على عقوبة مقنعة وأنه على هذا الوجه لا يكون نقله بمقتضاهما نقلاً مكانياً.
وقد عقبت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي لم ينفذ قرارات النقل والندب المشار إليها متحايلاً بطلب إحالته إلى القومسيون الطبي وأنه في هذه الأثناء كان يتردد على ديوان الوزارة متحدياً تنفيذ هذه القرارات ولم يقم بأي عمل طوال هذه المدة، وأنه تظلم من القرارين المطعون فيهما ورفض تظلمه وأن الوزارة اضطرت إلى وقف صرف راتبه ثم صرف لها بتاريخ 18/ 10/ 1966 بعد ندبه للعمل بالاتحاد الاشتراكي العربي وانتهت إلى طلب رفض الدعوى.
وبتاريخ 8/ 1/ 1969 قضت محكمة القضاء الإداري بانتهاء الخصومة في طلب إلغاء قراري النقل المطعون فيهما وبإلزام جهة الإدارة بأن تدفع للمدعي مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وإلزامها المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها هذا على أن القضاء الإداري قد اطردت أحكامه على اختصاصه بنظر الطعون في قرارات النقل إذا انطوت هذه القرارات على عقوبة مقنعة تستشف من الظروف التي صدر فيها قرار النقل وقد وضح للمحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها أن المدعي تقدم بتقرير إلى السيد/ رئيس الوزراء ضمنه بعض مقترحاته بشأن إلغاء الحصص التي تصرف من حصيلة صناديق النذور بالمساجد إلى موظفي ومستخدمي المساجد وكذا المكافآت التي تصرف إلى أعضاء لجان فتح هذه الصناديق واقترح ضم هذه الحصيلة إلى إيرادات الدولة وقد أصدر السيد وكيل الوزارة عقب علمه بهذا التقرير قراراً بتاريخ 8/ 1/ 1966 بندب المدعي للعمل بمديرية أوقاف الشرقية تلاه بقرار آخر بتاريخ 3/ 2/ 1966 بنقله إليها وبناء علي ما أشار به السيد/ وزير الأوقاف في كتابه إلي السيد وكيل الوزارة بندب المدعي للعمل بمديرية سوهاج لعدم تنفيذه قرار النقل سالف الذكر فقد أصدر وكيل الوزارة قرار بتاريخ 17/ 2/ 1966 يقضي بندب المدعي إلي مديرية سوهاج تلاه قرار آخر بتاريخ 10/ 3/ 1966 بنقله لمثل وظيفته بها. واستشفت المحكمة بحق أن هذه القرارات المتلاحقة والصادرة بندب ونقل (المدعي) إلى مديرية الشرقية ثم إلى مديرية سوهاج إنما صدرت عقب تقديم التقرير الخاص بصناديق النذور إلى السيد/ رئيس الوزراء وهو ما لم يرض عنه السيد وكيل الوزارة فعاقبته بهذا النقل وقد بدأته بندب المدعي تغطية لموقفها من النقل ابتداء وحتى لا تظهر نيتها في عقاب المدعي بهذا النقل حيث لم تكن ثمة مصلحة عامة تبرره وقد وضحت هذه النية تماماً عند ندب المدعي ونقله إلى مديرية سوهاج حسبما هو ثابت من كتاب السيد/ وزير الأوقاف الذي أشار فيه إلى ندب المدعي ونقله إلى سوهاج بسبب عدم تنفيذ قرار نقله إلى مديرية أوقاف الشرقية وقد وضح للمحكمة أن نية الإدارة إنما اتجهت إلى عقاب المدعي بإصدار قراري نقله المطعون فيهما ومن ثم ينعدم الاختصاص للمحكمة بنظر الطعن عليهما.
وأضافت المحكمة أنه بعد أن صدر القرار رقم 1226 لسنة 1967 بتاريخ 22/ 7/ 1976 بنقل المدعي إلى وظيفة رئيس قسم المراقبة المالية مع ندبه للقيام بأعمال مفتش بها واستمرار ندبه للعمل بالاتحاد الاشتراكي فقد أصبح طلب إلغاء قراري النقل المطعون فيهما غير ذات موضوع وتصبح الخصومة منتهية بالنسبة لهذا الطلب.
وأنه بالنسبة إلى طلب الحكم بالتعويض فقد أشارت المحكمة إلى أن القرارين المطعون فيهما قد صدرا من جهة الإدارة كعقوبة أوقعتها على المدعي عقب تقديمه لمقترحاته بشأن أموال صناديق النذور للسيد/ رئيس الوزراء وهي لا تشكل في ذاتها أية مخالفة إدارية كما أنه لم يكن في إصدارها ما يحقق أي مصلحة عامة فإن الإدارة تكون قد سلكت سلوكاً معيباً يوجب مسئوليتها عن الأضرار التي نتجت عنها للمدعي ومن ثم فإن المحكمة تستجيب إلي طلب المدعي في ذلك مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ومن حيث إن طعن الجهة الإدارية يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن قرارات النقل المقنعة والتي تخضع لرقابة القضاء الإداري هي تلك القرارات التي ترمي الجهة الإدارية فيها إلى غمط حقوق الصادرة بشأنهم كان يكون النقل من وظيفة إلى وظيفة أقل منها في السلم الإداري أو نقل أصحاب الدور في الترقية من الوظيفة المستحقين لها بإلحاقهم بإدارات أخرى بغية استبعادهم أو تفويت دور الموظف المنقول في الترقية بالأقدمية وعلي هذا فإن القرارين المطعون فيهما واللذين لا ينطويان على شيء مما ذكر يكونان من اطلاقات الإدارة ويخرج الطعن فيهما عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. وبالنسبة إلى طلب التعويض فإن للتعويض ركنين خطأ وضرر فإذا انتفى أحدهما أو كلاهما فلا تعويض، وأن تصرف الحكومة كان في حدود سلطتها المخولة لها بمقتضى القانون وأن ما قامت به من إجراءات إنما هو من اطلاقاتها التي تترخص فيها بلا معقب عليها كما أنه مما يؤكد ذلك صدور القرار رقم 1226 لسنة 1967 والذي قرر نقل المطعون ضده من مديرية أوقاف سوهاج إلى وظيفة رئيس قسم بالمراقبة المالية مع ندبه للقيام بأعمال مفتش بها ويستمر ندبه للعمل بالاتحاد الاشتراكي وهذا ما يقطع في انتفاء ركن الخطأ في جانبها فلا تلزم بتعويض.
وانتهى تقرير الطعن إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من إلزام الجهة الإدارية بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت ولعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى أصلياً - واحتياطياً بانتهاء الخصومة ورفض طلب التعويض مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة قدم تقريراً مسبباً بالرأي القانوني انتهي فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات استناداً إلى أنه قد وضح أن قرار النقل إنما صدر ساتراً لنوع جديد من الجزاء التأديبي لم ينص عليه القانون وبالتالي يتعين إلغاؤه وما دام أن الجهة الإدارية قد تداركت الوضع قبل الفصل في الدعوى فلا مناص من اعتبار الخصومة منتهية وأنه بالنسبة للتعويض فالعيب الذي يصم القرار بإساءة استعمال السلطة هو بلا مشاحة من العيوب التي ينبني عليها الحق في التعويض وهو عيب تنضح به كما استظهره الحكم المطعون فيه أوراق الدعوى وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالتعويض فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون ويكون الطعن عليه في غير محله حرياً بالرفض.
ومن حيث إنه ولئن كان قرارات النقل ليست من بين القرارات التي تختص محكمة القضاء الإداري بطلب إلغائها بحسب الاختصاص الذي حدده قانون مجلس الدولة إلا أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قرارات النقل إذا كانت تحمل في طياتها قرارات أخري مقنعة مما تختص محكمة القضاء الإداري أصلاً بنظره كأن تنطوي على جزاء تأديبي فالعبرة إذا في مثل هذه الحالات بما قصدت إليه الإدارة حقيقة من اتخاذ قرارها لا بما وصفت به هذا القرار من وصف مخالف للحقيقة.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن عدة قرارات قد صدرت بندب ونقل المدعي إلى محافظتي الشرقية وسوهاج أولها بتاريخ 8/ 1/ 1966 بندبه للعمل بمديرية أوقاف الشرقية ثم تلاه قرار بتاريخ 3/ 2/ 1966 بنقله إليها وقبل أن يستقر في تلك المحافظة صدر قرار آخر بتاريخ 17/ 2/ 1966 بندبه للعمل بمديرية أوقاف سوهاج ثم تلاه قرار آخر بتاريخ 10/ 3/ 1966 بنقله إليها وقد ثبت من كتاب السيد وزير الأوقاف أن ندب المدعي ونقله سوهاج كان بسبب عدم تنفيذه قرار نقله إلى مديرية أوقاف الشرقية.
ومن حيث إن تلاحق هذه القرارات وصدورها بغير مقتض من الصالح العام وفي أعقاب رفع الموظف لتقريره الخاص بصناديق النذور إلى السيد رئيس الوزراء فإن الجهة الإدارية إنما قصدت مجازاة المدعي لأنها لم تكن راضية على التقرير الذي رفعه إلى السيد رئيس الوزراء بشأن صناديق النذور ولم يثبت من الأوراق أن ثمة مصلحة عامة دعت إلى هذا النقل لا سيما أن لم تمض إلا فترة وجيزة على نقله إلى مديرية أوقاف الشرقية بتاريخ 3/ 2/ 1966 ولم يكن قد استقر به المقام حتى بادرت الوزارة في ذات الشهر وبتاريخ 17/ 2/ 1966 إلى ندبه ثم نقله إلى مديرية أوقاف سوهاج وقد وضح من كتاب السيد الوزير أنه اتخذ من هذا النقل أداة لمجازاة المدعي لامتناعه عن تنفيذ قرار النقل إلي مديرية أوقاف الشرقية مع أن هذا الامتناع لم يثبت وعلى العكس فإن الثابت أن المدعي كان مريضاً وحصل على أجازة مرضية ومن ثم ثبت أن تراخيه في تنفيذ النقل كان لأسباب مبررة.
ومن حيث إنه لذلك تكون الجهة الإدارية قد انحرفت بسلطتها في نقل الموظفين من مكان إلى آخر عن الغاية التي وضعت لها واتخذتها أداة للعقاب وبذلك تكون قد ابتدعت نوعاً من الجزء التأديبي لم ينص عليه القانون وأوقعته على المدعي بغير سبب يبرره إذ أن رفع المدعي لتقرير عن صناديق النذور إلى السيد رئيس الوزراء يعرض فيه مقترحاته بشأنها هو حق مشروع للمدعي هدف من ورائه المدعي إلى تحقيق مصلحة عامة وقد تلقى كتاب شكر من السيد رئيس الوزراء عن هذا التقرير وما كان يجوز للجهة الإدارية أن تضيق بهذا النقد البناء وأن تتخذ من سلطة النقل المكاني أداة لمجازاة المدعي ومن ثم كان قرارها مخالفاً للقانون مشوباً بسوء استعمال السلطة.
ومن حيث إن الجهة الإدارية قد قامت بتصحيح هذه الأوضاع المخالفة للقانون من رفع الدعوى فإن قضاء المحكمة بانتهاء الخصومة وإلزام الجهة الإدارية المصروفات يكون مطابقاً لحكم القانون.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى التعويض فإن الثابت أن الجهة الإدارية إثر إصدارها قرارات الندب والنقل قد امتنعت عن صرف راتب المدعي خلال المدة من فبراير حتى 18/ 10/ 1966 وليس من ريب في أن حرمان المدعي من راتبه، ولم يثبت أن لها مورد رزق آخر - يترتب عليه ضرر مادي محقق إذ أن الراتب هو مورد رزقه الذي يقيم أوده فكان حرمان الجهة الإدارية من راتبه يصيبه حتماً بضرر مادي محقق هذا بالإضافة إلى الأضرار الأدبية التي تتمثل في الآلام النفسية التي أصابته بسبب توقيع مثل هذا الجزاء عليه بغير مقتض وأثر رفعه لتقرير هدف من ورائه إلي تحقيق مصلحة عامة.
ومتى ثبت خطأ الجهة الإدارية وتحقيق الضرر وقيام رابطة السببية بينهما على النحو الذي سلف بيانه فإن مسئولية الجهة الإدارية عن جبر هذه الأضرار تكون قائمة ويكون الحكم إذ قضى بذلك قد أصاب الحق في قضائه ويتعين لذلك رفض الطعن وإلزام رافعه المصروفات.
" فلهذه الأسباب "
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.
ساحة النقاش