عيب عدم الاختصاص أو الشكل الذي يشوب القرار الإداري لا يصلح حتماً بالضرورة أساساً للتعويض ما لم يكن العيب مؤثراً في موضوع القرار - بيان ذلك.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 301
(86)
جلسة 22 من مارس سنة 1975
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي، محمود نور الدين العقاد المستشارين.
القضية رقم 1006 لسنة 20 القضائية
أ - دعوى - اختصاص - إحالة.
المادة 110 من قانون المرافعات - مقتضاها إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها - امتناع معاودة البحث في الاختصاص أياً كانت طبيعة المنازعة - حكمة النص - تطبيق.
ب - تعويض - قرار إداري.
عيب عدم الاختصاص أو الشكل الذي يشوب القرار الإداري لا يصلح حتماً بالضرورة أساساً للتعويض ما لم يكن العيب مؤثراً في موضوع القرار - بيان ذلك - مثال.
1 - إن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية توجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، وتلزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها. وقد استهدف المشرع من إيراد حكم هذا النص - على ما أشارت إليه الأعمال التحضيرية - حسم المنازعات ووضع حد لها فلا تتقاذفها أحكام عدم الاختصاص من محكمة لأخرى، فضلاً عما في ذلك من مضيعة لوقت القضاء ومجلبة لتناقض أحكامه. وإزاء صراحة هذا النص فقد بات ممتنعاً على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعد الحكم فيها بعدم الاختصاص أن تعاود البحث في الاختصاص أياً كانت طبيعة المنازعة ومدى سلامة الحكم الصادر فيها بعدم الاختصاص أو الأسباب التي بني عليها حتى لو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالوظيفة، إذ قرر المشرع أن الاعتبارات التي اقتضت الأخذ به في هذا المجال تسمو على ما يتطلبه التنظيم القضائي عادة من عدم تسليط قضاء محكمة على قضاء محكمة أخرى وقد أفصحت لجنة الشئون التشريعية بمجلس الأمة عن ذلك في وضوح حين قالت إن المشروع أوجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة، ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها - وأردفت اللجنة المذكورة أن مقتضى هذه الفكرة الجديدة التي أخذ بها المشروع أن يكون للحكم الذي يصدر من جهة قضائية حجيته أمام محاكم الجهة الأخرى، بحيث لا تجوز إعادة النظر في النزاع بدعوى أن الحكم فيه صدر من جهة قضائية غير مختصة، وأن من مزايا هذه القاعدة الحد من حالات التنازع على الاختصاص بين جهات القضاء هذا وإلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها طبقاً للمادة 110 مرافعات لا يخل بحق صاحب الشأن في الطعن في الحكم بطريق الطعن المناسب، فإذا فوت على نفسه الطعن فيه في الميعاد فإن الحكم يحوز حجية الشيء المقضي فيه ولا يعدو بالإمكان إثارة عدم اختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى. ولما كان الأمر كذلك وكان الحكم الصادر بعدم اختصاص القضاء العمالي بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة التأديبية قد أصبح نهائياً فإنه يمتنع إثارة الدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية ويتعين على هذا الحكم الفصل في موضوع المنازعة.
2 - إن الثابت من استقراء الأوراق أن المدعي كان يعمل أميناً لشونة المناشي وقد تكشف عند نقله من هذه الشونة وجود عجز كبير في عهدته قدر ابتداء بمبلغ 585 مليم و1699 جنيه وشمل هذا العجز قدراً ليس باليسير من الكسب والقمح والسماد والمبيدات والأذرة. وقد أقر المدعي في محاضر التسليم بهذا العجز، وأقام دفاعه في التحقيقات التي أجريت على أن هذا العجز كانت نتيجة للعوامل الطبيعية وحققت النيابة العامة هذا الدفاع وخلصت إلى مسئوليته عن العجز في كميات القمح والسماد والمبيدات البالغ قيمتها 952 مليم و461 جنيه ورأت الاكتفاء بمحاكمته تأديبياً تجنباً لمحاكمته جنائياً نظراً لتجاوزه سن الخمسين وقضى مدة طويلة في خدمة البنك وقد تكشف للبنك من المواجهة النهائية أن حقيقة العجز في عهدة المدعي بلغ 085 مليم و2328 جنيه قيمة 94.741 طناً من الكسب و239 جوال سماد و311 أردب قمح و378 و23 كيلو جرام مبيدات حشرية و100 كيلو جرام ذرة وذلك فضلاً عن مبلغ 605 جنيهاً قيمة 237 عرق خشب. وإزاء جسامة هذه المخالفات قرر البنك فصله من الخدمة اعتباراً من 19 يناير سنة 1969 بدون مكافأة أو تعويض. وفي 3 من يوليه سنة 1972 قضت المحكمة التأديبية لوزارتي الزراعة والإصلاح الزراعي في الدعوى رقم 17 لسنة 4 القضائية بإلغاء قرار فصل المدعي لصدوره من غير السلطة المختصة قانوناً، وهي المحكمة التأديبية، بالمخالفة لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمخالفات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات الخاصة. واستند الحكم المطعون فيه للقضاء بالتعويض، على أن قرار الفصل صدر من غير السلطة المختصة قانوناً وأن القضاء بإلغائه لهذا السبب يشكل ركن الخطأ الموجب للمسئولية.
ومن حيث إن الأسباب التي قام عليها قرار فصل المدعي لها أصل ثابت في الأوراق على ما سلف بيانه فقد أقر المدعي بالعجز الذي تكشف في عهدته وقد تجاوز هذا العجز الحد المسموح به عرفاً بعد استبعاد ما يمكن أن يكون نتيجة لعوامل طبيعية كالجفاف وما إليه الأمر الذي يثير الشك في أمانته ويزعزع الثقة فيه وبناءً عليه يكون القرار المطعون فيه قائماً على سببه المبرر له قانوناً.
ومن حيث إن عيب عدم الاختصاص أو الشكل الذي قد يشوب القرار فيؤدي إلى إلغائه لا يصلح حتماً وبالضرورة أساساً للتعويض ما لم يكن العيب مؤثراً في موضوع القرار، فإذا كان القرار سليماً في مضمونه محمولاً على أسبابه المبررة رغم مخالفة قاعدة الاختصاص أو الشكل فإنه لا يكون ثمة محل لمساءلة الجهة التي أصدرت هذا إقرار عنه والقضاء عليها بالتعويض، لأن القرار كان سيصدر على أي حال بذات المضمون لو أن تلك القاعدة قد روعيت. ولما كان القرار الصادر بفصل المدعي صحيحاً في مضمونه لقيامه على السبب المبرر له، فإنه لا يستحق تعويضاً عنه لمجرد كونه مشوباً بعيب عدم الاختصاص. وإذا أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون.
ساحة النقاش