أن رقابة المحكمة الإدارية العليا لا تعني أن تستأنف النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة اثباتاً أو نفيا.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الثانى (من أول إبريل سنة 1996 إلى آخر سبتمبر سنة 1996) - صـ 1213
(135)
جلسة 8 من يونيو سنة 1996
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ أبو بكر محمد رضوان، ومحمد أبو الوفا عبد المتعال، وعبد القادر على شحاته النشار، وغبريال جاد عبد الملاك نواب رئيس مجلس الدولة.
الطعن رقم 2563 لسنة 39 القضائية
تأديب - ضمانات المحاكمة التأديبية - رقابة المحكمة الإدارية العليا على أحكام المحاكم التأديبية - ماهيتها
أن رقابة المحكمة الإدارية العليا لا تعنى أن تستأنف النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة اثباتا أو نفيا إذ إن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها التى لها الحرية فى أن تستخلص قضاءها من واقع ما فى الدعوى من مستندات وعناصر وقرائن وأحوال ولها أن تعتمد على شهادة شاهد دون آخر وعلى قرينة دون أخرى من قوتها - أما تدخل المحكمة الإدارية العليا أو رقابتها فلا يكون إلا إذا كان الدليل الذى اعتمدت عليه المحكمة التأديبية فى قضائها غير مستمد من أصول ثابتة فى الأوراق أو كان استخلاصها لهذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة عليها. تطبيق.
إجراءات الطعن
بتاريخ 29/ 4/ 1993 (الخميس) أودع الأستاذ/ ...... المحامى، نيابة عن الأستاذ/ ........ المحامى، بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة، تقرير الطعن فى حكم المحكمة التأديبية بالمنصورة الصادر فى الدعوى رقم 329 لسنة 30 ق بجلسة 28/ 2/ 1993 والقاضى بمجازاة المتهم/ ...... (الطاعن) بغرامة تعادل خمسة أضعاف أجره الأساسى الذى كان يتقاضاه عند انتهاء خدمته.
وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن وللأسباب المبينة قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وأعادة الدعوى لدائرة مغايرة للتى أصدرت الحكم حتى يصدر فيها حكماً مجدداً.
وقد أعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن أرتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه.
وتم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة حيث قدمت النيابة الإدارية بجلسة 12/ 7/ 1995 مذكرة طلبت فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفض إحالته إلى دائرة المرافعة بالمحكمة.
وبجلسة 22/ 11/ 1995 قررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى المحكمة وحددت لنظره جلسة 13/ 1/ 1996.
وتم تداول الطعن أمام المحكمة على النحو الوارد بمحاضر الجلسات حيث قدم الطاعن بجلسة 6/ 4/ 1996 مذكرة طلب فيها الحكم ببراءته مما هو منسوب إليه.
وقد تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن أقيم بمراعاة المواعيد القانونية، واستوفى سائر أوضاعه الشكلية الأخرى، فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل فى أنه بتاريخ 20/ 2/ 1992 أقامت النيابة الادارية الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه، وذلك بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالمنصورة متضمنة ملف القضية رقم 441 لسنة 1990 نيابة إدارية بالزقازيق وتقرير اتهام ضد/ .......... (الطاعن) مراقب عام المخازن والمشتريات بمشروع الخطارة بالزقازيق سابقاً وحالياً بالمعاش اعتباراً من 26/ 7/ 1989 لأنه خلال شهر نوفمبر سنة 1988 بدائرة محافظة الشرقية أهمل المحافظة على العقد المؤرخ 28/ 11/ 1988 المبرم بين التاجر/ ....... ومشروع الخطارة الذى كان يعمل به مما مكن مجهولاً من سرقته والحق خسارة جسيمة بالمشروع.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المحال (الطاعن) عما نسب إليه بتقرير الاتهام.
وبجلسة 28/ 2/ 1993 صدر الحكم المطعون فيه بمنطوقه سالف الذكر، وأقام قضاءه على أساس أن المخالفة المنسوبة للمحال (الطاعن) ثابتة فى حقه حسبما قرره وشهد به كل من/ ........ مراقب عام الشئون القانونية بالمشروع و.......... محاسب بقسم الشطب بمشروعات الخطاره سابقاً و....... مدير عام مساعد بمشروع الخطاره وما قرره المتهم (الطاعن) من أنه سلم العقد للسيد/ ...... ودياً والذى نفى ذلك بأقواله فى التحقيق المشار إليه، وأيضاً ما شهد به السيد/ ....... مفوض عام المشروع من أن المتهم هو المختص قانوناً بحفظ العقد محل الاتهام وهو المسئول عن فقده.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم صدر مخالفاً للقانون لما يلى:
(1) استند الحكم إلى شهادة خصوم الطاعن ولم يلتفت الحكم إلى إخلاء طرفه من جهتى العمل سواء الجهة الاصلية وهى محافظة الشرقية أو الجهة المنتدب إليها وهى مشروعات الخطارة، وأن هذا الإخلاء لا يعطى للعامل إلا بعد جرد ما لديه من أوراق وعهدة.
(2) شهادة السيد/ ....... التى أستند إليها الحكم المطعون فيه هى شهادة صادرة من مدير المشروع الذى يهمه فى المقام الأول المحافظة على العاملين الموجودين بالخدمة وانتفاء المسئولية على من خرج إلى المعاش.
(3) لقد كان فقد العقد بعد أحالة الطاعن إلى المعاش ولو كان العقد قد فقد قبل ذلك لكان الطاعن قد قدم للمحاكمة قبل خروجه إلى المعاش.
ومن حيث إن المستقر عليه أن رقابة المحكمة الإدارية العليا لا تعنى أن تستأنف النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً أو نفياً إذ أن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها التى لها الحرية فى أن تستخلص قضاءها من واقع ما فى الدعوى من مستندات وعناصر وقرائن وأحوال ولها أن تعتمد على شهادة شاهد دون آخر وعلى قرينة دون أخر من قوتها، أما تدخل المحكمة الإدارية العليا أو رقابتها فلا يكون إلا إذا كان الدليل الذى اعتمدت عليه المحكمة التأديبية فى قضائها غير مستمد من أصول ثابتة فى الأوراق أو كان أستخلاصها لهذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة عليها.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على التحقيق الذى أجرته النيابة الإدارية فى الواقعة بالقضية رقم 441 لسنة 1991 نيابة إدارية بالزقازيق القسم الثانى أنه بسؤال/ ......... مراقب عام الشئون القانونية قرر أنه تم التعاقد مع التاجر/ ........ على بيع ثلاثة آلاف بيضة يومياً له بجلسة المزاد المنعقدة يوم 18/ 11/ 1988 عن الفترة من 1/ 1/ 1989 حتى 30/ 6/ 1989 وأن/ ......... (الطاعن) المشرف على إدارة المخازن والمشتريات هو المختص بإبرام العقد مع التاجر المذكور والمسئول عن حفظه، وأن التاجر المذكور توقف عن استلام الحصة المتعاقد عليها اعتبارا من 2/ 4/ 1989 حتى تاريخ انتهاء التعاقد مما اضطر المشروع إلى بيع هذا البيض بأقل من السعر المتفق عليه وهو ما ألحق بالمشروع خسارة تتمثل فى الفرق بين السعرين.
وبسؤال الطاعن قرر أنه كان يعمل مراقب عام المخازن والمشتريات قبل إحالته للمعاش فى 26/ 7/ 1989 وأنه كان عضواً للجنة شكلت لبيع بيض البط للتاجر/ ........ وبصفته هذه قام بتحرير العقد من أصل وصورتين وأنه سلمه للمهندس/ ...... بصفة ودية وأن الأخير لم يقم بإعادته إليه، وأضاف أنه سلم الملف الخاص بهذه العملية للحسابات دون العقد المبرم.
وبسؤال/ ........ محاسب بقسم الشطب بمشروعات الخطارة سابقاً وحالياً بمجلس مدينة فاقوس قرر عدم ورود العقد إليه.
وبسؤال/ ......... مدير عام مساعد بمشروعات الخطارة قرر أنه بصفته رئيس لجنة المزاد لا علاقة له بتحرير العقود، وأن ذلك مسئولية إدارة العقود والمشتريات تحت اشراف الشئون القانونية حيث يتولى توقيعه بعد ذلك مفوض عام المشروع والتاجر، وأنكر استلامه العقد من الطاعن وأرجع فقده إلى اهمال الطاعن.
وبسؤال/ ....... مفوض عام مشروعات الخطارة بالشرقية قرر أن/ ......... (الطاعن) مراقب عام المخازن والمشتريات هو المختص بحفظ العقد المبرم مع التاجر وأنه المسئول عن فقده، وأن الدعوى المقامة ضد التاجر يمكن مباشرتها من خلال المستندات الموجودة بالملف ومنها أمر الاستلام الصادر له.
ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن الطاعن هو المختص بتحرير العقد وحفظه وقرر أنه سلم الملف إلى الحسابات بدون العقد الأمر الذى يثبت مسئوليته عن واقعة فقد العقد، ولا ينفى مسئوليته هذه ما ذكره بأن سلم العقد إلى المهندس/ ..... ودياً ذلك أن الأخير نفى ذلك، ولم يقدم الطاعن دليلاً على التسليم، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد استخلص إدانة الطاعن استخلاصاً سائغاً ومن أصول موجودة تنتجها قانوناً.
ومن حيث إنه لا ينال مما تقدم ما يتمسك به الطاعن من حصوله على إخلاء طرف إثر احالته للمعاش وأن واقعة فقد العقد تمت بعد إحالته للمعاش، ذلك أن هذه الأقوال ينفيها ما أقر به الطاعن نفسه بالتحقيقات بأنه سلم ملف المزاد إلى الحسابات بدون العقد، وبالتالى يكون فقد العقد قد تم قبل إحالته إلى المعاش وأن إخلاء الطرف قد جاء على غير أساس صحيح من الواقع وليس من شأنه نفى مسئولية الطاعن الثابتة من أقواله وأقوال الشهود على النحو المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه عما يتمسك به الطاعن من إثارة الشك حول شهادة الشهود العاملين بالمشروع فإن تقدير الشهادة حسبما سبق إيضاحه تدخل فى سلطة المحكمة التأديبية، لا سيما وأن الطاعن لم يقدم ما يثبت وجود خصومات بينه وبين الشهود المذكورين ولا ما ينال من قيمة شهادتهم، مما يتعين معه طرح ما يتمسك به الطاعن فى هذا الشأن.
ومن حيث إنه ولئن كان الأمر على ما تقدم إلا أن المستقر عليه أن تقدير الجزاء يجب ألا يشوبه عدم تناسب ظاهر بين الخطأ الذى ارتكبه العامل وبين الجزاء الموقع عليه، وعدم التناسب الظاهر بين الأمرين يخرج الحكم الصادر بتوقيع الجزاء عن دائرة المشروعية بتوقيع الجزاء المناسب.
ومن حيث إن الخطأ الثابت فى حق الطاعن يتمثل فى عدم المحافظة على العقد المشار إليه مما نتج عنه فقده، ومن ثم فإن الجزاء الواجب توقيعه على الطاعن يتعين أن يتناسب فقط مع هذا الخطأ وإن كان قد لحق المشروع المشار إليه خسارة تمثلت فى الفرق بين السعر الوارد بالعقد وبين السعر الذى بيعت به كميات البيض لعدم استلام التاجر المذكور لتلك الكميات المتفق عليها معه، وإلا أن الخسارة المشار إليها ناتجة عن عدم استلام التاجر المذكور لتلك الكميات ولا يعد فقد العقد هو السبب فى تلك الخسارة لانتفاء علاقة السببية بينهما وفضلا عن ذلك فإنه حسبما جاء بأقوال/ مفوض عام مشروعات الخطارة سالفة الذكر أنه يمكن مباشرة الدعوى المقامة ضد التاجر المذكور عن الخسارة التى لحقت بالمشروع وذلك من خلال المستندات الموجودة بالملف ومنها أمر الاستلام الصادر للتاجر، ومن ثم فإن الجزاء الموقع على الطاعن كان يجب أن يراعى فى تقديره فقط إهمال الطاعن فى المحافظة على العقد مما أدى إلى فقده دون الخسارة التى قد لحقت المشروع، إلا أنه لما كان الثابت أن الجزاء الموقع على الطاعن هو الحد الأقصى الجائز توقيعه على من ترك الخدمة فمن يكون قد شابه الغلو فى التقدير وعدم التناسب الظاهر بما يخرج الحكم المطعون فيه عن دائرة المشروعية، ويتعين لذلك رده إليها لتحقيق الجزاء ليكون على النحو الوارد بمنطوق هذا الحكم.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه ومجازاه الطاعن بغرامة قدرها ثلاثون جنيها.
ساحة النقاش