إن تقدير العقوبة من سلطة المحكمة التأديبية ما دامت تتلاءم والذنب الإداري ويبين من الأوراق ومما أوردته المحكمة المذكورة تبريراً للعقوبة التي ارتأت توقيعها على هذا المتهم أنها لم تخرج عن النطاق الواجب قانوناً بما يتلاءم والذنب الإداري الذي اقترفه بل إنها كانت به رحيمة.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1091
(102)
جلسة 27 إبريل سنة 1963
برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
القضية رقم 24 لسنة 7 القضائية
( أ ) حكم - محكمة تأديبية - ترخصها في تقدير الدليل متى كان استخلاصها سليماً من وقائع منتجة وتؤدي إليه - رقابة المحكمة الإدارية العليا لا تعني استئناف النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً أو نفياً - اقتصارها على حالة انتزاع المحكمة الدليل من غير أصول ثابتة في الأوراق أو لدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة عليها.
(ب) موظف - تأديب - محكمة تأديبية - ترخصها في تقدير العقوبة - شرط ذلك أن تكون العقوبة متلائمة مع الذنب الإداري.
1 - إن المحكمة التأديبية إذ استخلصت من الوقائع المتقدمة الدليل على أن هذا المتهم قد قارف ذنباً إدارياً يستأهل العقاب، وكان هذا الاستخلاص سليماً من وقائع تنتجه وتؤدي إليه فإن تقديرها للدليل يكون بمنأى عن الطعن، كما وأن رقابة هذه المحكمة لا تعني أن تستأنف النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً أو نفياً إذ أن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها، وتداخل هذه المحكمة أو رقابتها لا يكون إلا إذا كان الدليل الذي اعتمدت عليه تلك المحكمة في قضائها غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق أو كان استخلاصها لهذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة عليها فهنا فقط يكون التداخل لتصحيح القانون لأن الحكم في هذه الحالة يكون غير قائم على سببه. أن المحكمة التأديبية إنما تستمد الدليل من الواقعة التي تطمئن إليها فلها أن تأخذ بأي من أقوال الشهود الثابتة في المحضرين حتى ولو خالفت الأقوال التي أدلوا بها أمامها والعكس جائز، كما وأن لها ألا تأخذ بها إطلاقاً إذا ما تبين لها من ظروف الحال عدم اطمئنانها إلى هذه الأقوال.
2 - إن تقدير العقوبة من سلطة المحكمة التأديبية ما دامت تتلاءم والذنب الإداري ويبين من الأوراق ومما أوردته المحكمة المذكورة تبريراً للعقوبة التي ارتأت توقيعها على هذا المتهم أنها لم تخرج عن النطاق الواجب قانوناً بما يتلاءم والذنب الإداري الذي اقترفه بل إنها كانت به رحيمة.
إجراءات الطعن
في 6 من أكتوبر سنة 1960 أودع السيد المحامي الوكيل عن السيد/ حسين محمود خطاب سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المشار إليها بجلسة 7/ 8/ 1960 في الدعوى التأديبية المذكورة والقاضي بخفض درجة الطاعن من الثامنة إلى التاسعة، وقد طلب الطاعن للأسباب التي أوردها في عريضة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم التأديبي المطعون فيه". أعلن هذا الطعن لذوي الشأن، ونظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إرجاء النطق بالحكم فيه إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية ضد الطاعن وآخر ناسبة إليهما أنهما في تاريخ سابق على يوم 21 من يناير سنة 1954 بمكتب الشهر العقاري بالزقازيق وبصفتهما موظفين عموميين بالمكتب المذكور ساهما في التلاعب بطوابع التمغة المستحقة على بعض التوكيلات الخاصة بتقديم واستلام محررات مشهرة وذلك بقبول بعض توكيلات غير مستوفاة التمغة أو عليها طوابع ظاهر سبق استعمالها أو نزع طوابع كانت ملصقة على البعض واختلسا قيمة هذه الطوابع وضاعت بالتالي على الدولة، وبذلك يكون المتهمان المذكوران قد ارتكبا المخالفات المالية والإدارية المنصوص عليها في المواد 73، 82 مكرر و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له وطلبت محاكمتهما طبقاً للمواد السالفة الذكر والفقرة الأولى من المادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958. وقد تم توجيه هذا الاتهام بعد تحقيق من النيابة العامة والجهة الإدارية المختصة ورأت النيابة مع ثبوت جريمة الاختلاس ضد المتهمين المذكورين - أن تكل الأمر في عقابهما إلى الجهة الإدارية التابعين لها وذلك نظراً لضآلة الحالات التي حدث فيها التلاعب وصغر قيمتها وقد يكون في هذا العقاب ما هو أجدى وأبلغ من المحاكمة الجنائية. وبناء على ذلك رأت الجهة الإدارية تقديم المتهمين إلى مجلس التأديب العادي الذي قرر بجلسة 29/ 6/ 1957 بعزل الطاعن من وظيفته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة وبوقف المتهم الآخر عن العمل لمدة شهر واحد بدون مرتب، وجاء في أسباب هذا القرار بالنسبة للمتهم الطاعن "أن التهمة قائمة ضده - رغم أنه هو الذي أبلغ بها - من أقوال كل من السيدين/ وليم شنودة ميخائيل الموظف بمكتب الشهر العقاري بالزقازيق ومحمد عبد العزيز جمال الدين الفراش بالمكتب المذكور - فقد شهدا بأن هذا المتهم تقدم إلى الشاهد الأول بطابع دمغة للصقه على أحد المحررات فرفض لاشتباهه في سبق استعماله. كما حدث أثناء التحقيق الإداري أن اعترف المتهم الثاني على زميله المتهم الأول (الطاعن) بأنه يحمل في جيبه طوابع دمغة مستعملة يضعها في مفكرة بجيبه ولما أخرجها من جيبه أمام المحقق ظهرت بعض طوابع التمغة فطالبه المحقق بتسليمها إليه فامتنع ومزقها ثم ابتلعها الأمر الذي يقطع بأنها كانت تحمل دليلاً ضده خشي المتهم المذكور أن يطلع عليه المحقق، وعلاوة على ذلك فإن سجل هذا المتهم حافل بالجزاءات فقد وقع عليه إبان مدة خدمته التي لم تجاوز تسع سنوات خمسة عشر جزاء أخرها من مجلس التأديب في 7/ 7/ 1956 بوقفه عن العمل لمدة شهر بدون راتب مراعياً الرأفة به بعد أن قطع على نفسه عهداً أمام الهيئة بأن يسلك سلوكاً مستقيماً...... طعن المتهمان في هذا القرار أمام المجلس الاستئنافي وكذلك طعنت الحكومة وقضى من هذا المجلس في 9 من مارس سنة 1958 "بقبول الدفع المقدم من المتهمين وإلغاء القرار المستأنف وعدم اختصاص مجلس التأديب العادي للمخالفات الإدارية بنظر الدعوى وإحالتها للوزارة لإجراء شئونها فيها" وبنى المجلس قراره هذا على أن المخالفات التي نسبت إلى المتهمين يختص بنظرها مجلس التأديب العادي للمخالفات المالية ولأن الدعوى لم ترفع عليهما طبقاً للمادة 89 مكرر من قانون نظام موظفي الدولة من رئيس ديوان المحاسبة، ثم بعد ذلك أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 8 لسنة 2 القضائية ضد المتهمين على النحو السابق ذكره وقضت المحكمة التأديبية في هذا الاتهام بحكمها المطعون فيه الصادر في 7 من أغسطس سنة 1960 بخفض درجة الموظف المتهم حسين محمود خطاب (الطاعن) من الثامنة إلى التاسعة وبوقف الموظف المتهم عبد الهادي عبد الجواد أبو الخير عن العمل بدون مرتب لمدة شهر. وبنت أسباب هذا الحكم بالنسبة للمتهم الطاعن على أن "اللجنة التي كلفت بفحص الملخصات بمكتب الشهر العقاري بالزقازيق قد أسفر بحثها عن فقد عدد 336 ملخص يتحمل أن تكون مدشوته في الحوافظ التي شهرت محرراتها عن سنين سابقة وعن أن هناك عدد 797 توكيل غير مرفقة بالحوافظ وأن الحالات التي ثبت فيها عبث بالدمغة هي عدد 8 توكيلات، وأن المتهمين متضامنين في عملية الترحيل بالفهارس وفي عهدتهما جميع الشميزات ومرفقاتها ومن السهل التلاعب فيها وتقع عليهما مسئولية ذلك وقرر المتهم الثاني عندما سأله المحقق فيما أثاره المتهم الأول (الطاعن) من فقد بعض طوابع دمغة من التوكيلات العرفية المرفقة بالملخصات "أنه أسند إلى هذا المتهم مراجعة الحوافظ جميعها وقد تسلمها دون علم المتهم الثاني وكان يسهر بالمكتب حتى الساعة 9 مساء فيأخذ منها ما يشاء ويراجع منها بقدر ما يستطيع ثم يلقيها تحت أقدامه وينشرها حول مكتبه بدون ترتيب أو نظام، وأنه - أي المتهم الأول (الطاعن) - هو الذي انتزع هذه الطوابع وقد رأى معه عدة طوابع في مفكرة يحملها ويضعها في جيبه وطلب سرعة تفتيشه - استدعى المحقق المتهم الأول (الطاعن) وطلب منه عرض ما يحمله من أوراق خاصة في جيوبه فأخذ هذا المتهم يعرض ما معه من أوراق... وبعد تمنع أخرج المفكرة من جيبه وبفتحها بمعرفته ظهرت بعض طوابع قال المتهم المذكور عنها أنها قديمة ومستعملة ولا يعرف عنها شيئاً ولما طولب بتسليمها امتنع وأخذ يمزقها بسرعة فائقة وهم بوضعها في فمه فاستدعى المحقق أمين المكتب لعرض الأمر عليه وعند حضوره كان المتهم قد ابتلع الدمغة فلما سأله الأمين عن ذلك قال له أنه ورق لا يعرف عنه شيئاً ولم يستطيع أن يعلل سبب ابتلاعه له.... وقد أشر الأمين على هامش محضر التحقيق بأن هذه الواقعة حصلت أمامه كذلك قرر في محضر تحقيق النيابة وعزا المتهم الأول وجود هذه الأوراق إلى صنع يد المتهم الثاني الذي تمكن من وضعها في جيب الجاكتة عند عدم ارتدائها ووضعها جانباً أثناء العمل ثم نفى علمه بأي شيء خاص بها". وقالت المحكمة عن الواقعة الأخرى التي نسبها أيضاً المتهم الثاني للطاعن وهي تقديم الأخير طابع دمغة مستعمل للموظف المختص بتسليم الصور أنه ثبت من أقوال هذا الموظف (وليم شنودة ميخائيل) أن المتهم الأول (الطاعن) حضر إليه في صحبة أحد الأشخاص له صورة إضافية جاهزة تحت التسليم ومستحق عليها دمغة "فقدم هذا المتهم الدمغة المطلوبة بعد أن ذهب لشرائها وبفرزها وجدت مستعملة فردها إليه بعد أن نبهه إلى خطورة هذا الفعل ثم عاد المتهم ومعه ورقة أخرى سليمة - وتأيدت أقوال هذا الشاهد بأقوال السيد/ سليم عبد العال مراجع خزينة وفهارس المديرية والسيد/ محمد عبد العزيز جمال الدين الفراش بالمكتب، ثم استطردت المحكمة في بيان الأسباب فقالت "إن السيد/ إسحاق السيد محمد المفتش الإداري قرر في تحقيق النيابة أن التلاعب الذي ظهر إنما كان أثر الشكوى التي تقدم بها المتهم الأول (الطاعن) وأنهم استنتجوا أن المتهمين هما اللذان قاما بهذا التلاعب نظراً لأن العملية محصورة بينهما - وخلصت المحكمة من سرد ما تقدم من واقع تحقيق النيابة العامة والتحقيق الإداري إلى أن ما دفع به المتهم الأول الطاعن تهمة وجود أوراق دمغة في جيبه وابتلاعها خشية ضبطها، هو قول مرسل لا يطمئن وجدان المحكمة إلى الأخذ به إذ لم يقم عليه دليل يؤيده، هذا إلى أن ما أدلى به الشهود وما أدلى به المتهم نفسه في التحقيق الإداري يؤيد الواقعة المذكورة ومن ثم تكون التهمة ثابتة قبل المتهم الأول (الطاعن) ولم يدفعها بشيء مقبول مما يتعين معه مجازاته... وتدخل المحكمة في تقدير العقوبة، أن هذا المتهم قد جوزي بخمسة عشر جزاء أخرها حكم مجلس التأديب بوقفه عن العمل لمدة شهر...".
ومن حيث إن الطعن في هذا الحكم يقوم على أن الواقعتين اللتين نسبتا إلى المتهم الطاعن وانبنى عليهما مجازاته وهما واقعة تقديمه طابع دمغة لأحد الموظفين المختصين بتسليم الصور لوضعه على صورة مطلوبة ورفض الموظف له لاشتباهه بسبق استعماله، والواقعة الثانية أن المتهم المذكور كان يحرز في مفكرته التي كان يضعها في جبيه بعض أوراق الدمغة المستعملة فلما ظهرت وانكشفت طولب بتسليمها فامتنع ومزقها ثم ابتلعها. فهاتان الواقعتان لا تؤديان إلى صحة التهمة وبالتالي الحكم عليه، ذلك أن كل ما يفيده أقوال الشاهدين عن الواقعة الأولى أن الطاعن قدم طابع دمغة مصمغة خفيف وشتان بين الأمرين - وأما الواقعة الثانية فقد نفاها المتهم الثاني - وهو مصدرها - عند سؤاله في محضر تحقيق النيابة العامة... وقد كانت علة تشديد العقوبة في نظر الحكم المطعون فيه هي أن المتهم لم يرتدع رغم سابقة الحكم عليه من مجلس التأديب في 7/ 7/ 1956 بوقفه عن العمل لمدة شهر بدون مرتب مراعياً الرأفة به بعد أن قطع على نفسه عهد أمام هذا المجلس بأن يسلك سلوكاً مستقيماً ولكنه لم يفعل.... وهذا الذي ذهبت إليه المحكمة في تشديد العقوبة يخالف الواقع لأن الجزاء الذي وقع عليه من مجلس التأديب إنما كان عن واقعة لاحقة للواقعة موضوع التهمة الحالية. والثابت من الأوراق أن المتهم قد بر بوعده الذي قطعه على نفسه أمام مجلس التأديب فلم يرتكب شيئاً ما منذ سنة 1956... ويقول المتهم الطاعن في المذكرة المقدمة منه لجلسة 27/ 4/ 1953 (9 دوسيه) "أن المحكمة التأديبية قد قضت بعدم اختصاصها بالنظر في الطلب الذي كان قد تقدم به إليها لصرف مرتبه عن مدة الفصل لأن اختصاصها في هذا الشأن محدد طبقاً للمادة 10 من القانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص بالمحاكمات التأديبية وهو قاصر على النظر في المرتب الخاص بمدة الوقف" ويعقب المتهم على ذلك النظر بما تنص عليه المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من أنه "يترتب على الحكم بالعزل من الوظيفة من المجلس التأديبي وقف الموظف حتماً رغم طعنه بالاستئناف" ومن ثم فقد كان من اختصاص المحكمة التأديبية النظر في مرتبه عن المدة من 19/ 6/ 1957 تاريخ الحكم بفصله حتى 8/ 6/ 1958 تاريخ إلغاء هذا الحكم إذ أنه كان في حالة وقف بمقتضى القانون ثم التمس في ختام مذكرته القضاء ببراءته مما نسب إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار، واحتياطياً المساواة بينه وبين المتهم الآخر في العقوبة مع الحكم بصرف مرتبه عن مدة الوقف القانونية.
ومن حيث إن هيئة المفوضين قدمت تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى رفض هذا الطعن لأن استخلاص المحكمة للذنب الإداري وثبوت اقتراف المتهم له كان استخلاصاً سائغاً من الوقائع المطروحة عليها ومن ثم فلا سبيل إلى الرقابة على ما كونت منه المحكمة عقيدتها بإدانة الطاعن في التهم المنسوبة إليه ولا على الجزاء الذي رأته مناسباً ما دام هذا الجزاء جاء ملائماً لما ارتكبه المتهم وما كشفت عنه جزاءاته السابقة.
ومن حيث إنه باستظهار التحقيقات الإدارية وتحقيقات النيابة العامة يبين وقوع عبث في بعض مرفقات المحررات المشهرة وذلك بتمزيق أجزاء من التوكيلات الخاصة بتقديم واستلام المحررات التي أشهرت وهذه الأجزاء كانت ملصقة عليها أوراق الدمغة ويبلغ عدد هذه التوكيلات خمسة، كما عثر على عشرين توكيلاً ظاهر بها آثار في نزع الطوابع منها ووجد توكيل عليه طابع دمغة فئة 50 مليماً سبق استعماله، وثلاث توكيلات عليها طوابع بأقل من القيمة المقررة ويبدو أنه كان يوجد عليها طوابع دمغة بالفئة المقررة ثم نزعت واستبدلت بطوابع أقل قيمة - وما تقدم ذكره من توكيلات هي ما أرشد عنه المتهم الطاعن في مذكرتيه المقدمتين في 21 و23 من يناير سنة 1954 بعد نقله إلى مكتب الشهر العقاري بالزقازيق في سنة 1953 وكان يقوم إذ ذاك بمراجعة عملية الترحيل في الفهارس من واقع الملخصات الخاصة بالمحررات التي تم شهرها، وبحكم عمله هذا كانت التوكيلات في متناول يده كما كانت في متناول يد المتهم الآخر الذي كان يقوم بالترحيل في فهرس المديرية ويراجع عليه المتهم الطاعن، ثم بعد ذلك تحفظ الشميزات بقلم الحفظ - عهدة المتهم الآخر - وأما الأوراق الأخرى التي اكتشف فيها العبث بمعرفة اللجنة الإدارية التي شكلت لهذا الغرض فهي عبارة عن توكيلين ممزق منهما الأجزاء التي كانت تحمل طوابع الدمغة وآخرين وضع عليهما طابع دمغة ظاهر أنه معاد استعماله وخامس نزع منه طابع الدمغة فئة 50 مليماً ووضع بدلاً منه طابع فئة 5 مليمات ولاتصال المتهمين بهذه العملية ولأن سمعتهما - كما شهد بذلك بعض الرؤساء - ليست فوق الشبهات - فقد ألقت اللجنة التي قامت بالفحص مسئولية هذا العبث الخطير على عاتق هذين المتهمين، وقد كشف التحقيق الإداري وتحقيق النيابة العامة ما يؤيد أن هناك عبثاً بالتوكيلات خاصاً بطوابع الدمغة الموضوعة عليها وهذه التوكيلات من اختصاص المتهمين مراجعتهما قبل تسليم الشميز الموضوعة فيه إلى قلم الفهارس لترحيله بفهرس المديرية، وهذه القرينة المستمدة من وجود تلك الأوراق في أيديهم وتحت تصرفهم قد تأيدت بالنسبة للمتهم الطاعن بما شهد به السيد/ وليم شنودة في التحقيق الإداري إذ قرر "بأن هذا المتهم تقدم إليه في يوم لا يذكره مستصحباً شخصاً له صورة إضافية جاهزة تحت التسليم ومستحق عليها دمغة فقدم إليه حسين خطاب (الطاعن) الدمغة المطلوبة بعد أن ذهب لشرائها وأحضرها معه وبفرزها وجدت أنها سابقة الاستعمال بالرغم من أنها غير ملغاة فرفض الشاهد استلامه وهدده بأن ما فعله يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون فقال المتهم بأنه اشتراها حالاً من أحد الباعة وسيعيدها وفعلاً استبدلها بأخرى سليمة وقد أراد المتهم أن يستصحب معه فراش المكتب عند إرجاع الورقة إلى من باعها إليه فرفض الفراش ذلك لأنه رأى في قول المتهم مجرد إدعاء غير صحيح ثم أردف الشاهد بأنه طالب الشخص صاحب المصلحة بالطابع فما كان المتهم إلا أن تطوع بالذهاب لشرائها وتقديمها" وتأيدت هذه الأقوال بما شهد به السيد/ سليم عبد العال مراجع خزينة وفهارس المديرية من أن المتهم كان معه طابع دمغة قدمه إلى السيد/ وليم شنودة للصقه على صورة مطلوبة لأحد الأشخاص برفقة المتهم فرفض السيد/ وليم الطابع لأنه مستعمل كما تأيدت أيضاً بما شهد به السيد/ محمد عبد العزيز جمال الدين الفراش بمكتب الشهر العقاري من أنه رأى المتهم الطاعن ومعه أحد الكتبة العموميين الذي طلب صورة خاصة به فأخرجها السيد/ وليم وطلب منه طابع دمغة للصقه عليها فأخرج المتهم المذكور من جيبه طابع دمغة وقدمه إلى السيد/ وليم الذي رفضه ونبهه إلى الضرر الذي يقع عليه من جراء ذلك. وقد طلب المتهم من الفراش المذكور الذهاب معه عند إرجاعه الورقة إلى من باعها له فرفض ملفتاً نظره إلى أنه لا يجوز ترك العمل لشراء دمغة لكاتب عمومي فانصرف المتهم وعاد بعد قليل يصحبه الرجل وقدم طابع دمغة جديد واستلم الصورة... وبإعادة سؤال هؤلاء الشهود عن هذه الواقعة في تحقيق النيابة العامة لم تخرج أقوالهم في مجملها عما سبق أن قرروه في التحقيق الإداري السابق الإشارة إليه.. وأما عن الواقعة الأخرى فقد أدلى المتهم الآخر زميل الطاعن عند سؤاله في محضر التحقيق الإداري بأن الشميزات (الحوافظ) تركت من يناير سنة 1953 حتى شهر نوفمبر سنة 1953 بدون مراجعة وعندما نقل المتهم الطاعن من مأمورية أبو كبير إلى الزقازيق وأسند إليه مراجعة الشميزات وتسلمه بدون علم زميله المتهم الآخر وكان المتهم الطاعن يسهر بالمكتب حتى الساعة 9 مساء وأكثر وكان يأخذ من الشميزات ما يشاء ويراجع منها بقدر ما يستطيع ثم يلقي ما يراجعه تحت أقدامه وينشرها حول مكتبه دون ترتيب أو نظام وهو - أي المتهم الطاعن - الذي انتزع طوابع الدمغة وفي يوم ما باع هذه الطوابع إلى أحد الكتبة العموميين بمركز أبو كبير وشاهده في ذلك محمد عبد العزيز فراش المكتب وعندما عرضت الدمغة على السيد/ وليم رفض قبولها لأنها مستعملة وأنه شخصياً رأى مع هذا المتهم عدة طوابع دمغة في مذكرة يحملها في جيبه وطلب من المحقق تفتيش المتهم الطاعن - وقد استدعى المحقق المتهم الطاعن بحضور المتهم الآخر وسأل الأول عما إذا كان لديه مانع من عرض ما يحمله من أوراق خاصة في جيوبه فأبدى استعداده لذلك وأخذ يعرض على المحقق أوراقة الخاصة فطلب منه المحقق إبراز مفكرته الخاصة وبعد تمنع أخرجها من جيبه وبفتحها بمعرفته ظهرت بعض طوابع دمغة قال عنها المتهم الطاعن أنها قديمة ومستعملة ولا يعرف عنها شيئاً فلما طالبه المحقق بتسليمها إليه امتنع ومزقها إرباً إرباً بسرعة فائقة وهم بوضعها في فمه فأرسل المحقق في استدعاء أمين المكتب وعندما حضر الأمين المذكور كان المتهم (الطاعن) قد ابتلع الأوراق ولما سأله الأمين عن ذلك قال أنه ورق لا يعرف عنه شيئاً فلما سئل لما إذن ابتلعه إذا لم يكن طوابع دمغة مستعملة إلا أنه يخشى ضبطه فحار المتهم في جوابه... وعندما سئل هذا المتهم في محضر التحقيق الإداري بالتفصيل عن هذه الواقعة أجاب بأن زميله المتهم الآخر هو الذي دبر له ذلك منتهزاً فرصة عدم ارتداء المتهم للجاكت ووضعه جانباً فتمكن بذلك من وضع هذه الأوراق انتقاماً منه لأنه سبق أن قدم مذكرة ضده نسب فيها إليه التقصير في العمل ونفى معرفته أي شيء عن تلك الأوراق - وفي محضر تحقيق النيابة أعيد سؤال المتهم (الطاعن) عن هذه الواقعة كما أعيد سؤال المتهم الآخر وأمين المكتب فقرر هذا المتهم بأن المفكرة التي كانت في جيبه لم يكن بها طوابع دمغة إطلاقاً، ولأنه مرسوم على المفكرة طاحونة ملونة فاعتقد المحقق أنها طابع دمغة وكان - أي المتهم - متأثراً من جراء هذا الاتهام فكان يبلع ريقه فظن المحقق أنه يبتلع أوراقاً واعترف بواقعة تقديم طابع دمغة إلى السيد/ وليم فرفض لأن صمغه كان ضعيفاً بسبب أنه كان يضعه على طلب خاص به فلما استغنى عن هذا الطلب انتزعه منه للانتفاع به وهذا جائز لأنه لم يسبق استعماله.. وفي الأوراق ما يشير إلى أنه في الوقت الذي كان فيه المتهم الطاعن في أبو كبير أن أرسل خطاب إلى مكتب الشهر العقاري بالزقازيق وجد به بعض طوابع دمغة مستعملة ولا علاقة لها بالمكاتبة المرسلة والغالب أنها وضعت في الخطاب بطريق السهو أو النسيان وأجرى تحقيق في هذا الشأن لم يسفر عن تحديد مسئولية أحد وإن كان قد ثبت أن الخطاب من الخطابات العادية الغير حكومية وأن الذي كتب العنوان على الظرف هو المتهم الطاعن وأن إحدى المكاتبتين اللتين كانتا في الظرف من اختصاص عمل هذا المتهم إلا أنه أنكر علمه بما يحتويه الخطاب.
ومن حيث إنه على ذلك فإن المحكمة التأديبية إذ استخلصت من الوقائع المتقدمة الدليل على أن هذا المتهم قد قارف ذنباً إدارياً يستأهل العقاب، وكان هذا الاستخلاص سليماً من وقائع تنتجه وتؤدي إليه فإن تقديرها للدليل يكون بمنأى عن الطعن، كما وأن رقابة هذه المحكمة لا تعني أن تستأنف النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً أو نفياً إذ أن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها وتداخل هذه المحكمة أو رقابتها لا يكون إلا إذا كان الدليل الذي اعتمدت عليه تلك المحكمة في قضائها غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق أو كان استخلاصها لهذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة عليها فهنا فقط يكون التداخل لتصحيح القانون لأن الحكم في هذه الحالة يكون غير قائم على سببه. وإذ كانت المحكمة التأديبية قد استندت في قضائها بإدانة الطاعن إلى واقعتين استخلصت منهما ومما أدلي بشأنهما من أقوال على الوجه الذي بينته في حكمها وذكر بالتفصيل في هذه الأسباب أن المتهم قد أتى فعلاً يكون جريمة إدارية يعاقب عليها القانون وأنزلت به العقاب في الحدود المرسومة فيه، ووضح من تحقيق النيابة العامة والتحقيقات الإدارية على النحو المشار إليه أن الدليل الذي انبنى عليه الحكم المطعون فيه قد استخلص استخلاصاً سائغاً من وقائع تنتجه وتؤدي إليه - فإن الطعن على هذا الأساس لا يكون له وجه قانوني - ولا يقدح في سلامة هذا الاستخلاص أن المتهم الطاعن هو الذي أبلغ عن العبث في الأوراق مما يتنافى مع القول معه بحصول العبث منه وبالتالي يكون استخلاص المحكمة التأديبية للدليل هو استخلاص غير سائغ - لا وجه لهذا القول أمام الأدلة القائمة ضده والثابتة في الأوراق. وأن هناك عوامل ونوازع تدفع المتهم إلى الإبلاغ عن أشياء اقترفها أو ساهم فيها اعتقاداً منه بأن هذا الإبلاغ قد ينفي عنه الاتهام وقد يكون الدافع للمتهم الطاعن في الإبلاغ شعوره بالجريمة التي اقترفها خصوصاً وأنه محل ريبة وشكوك في سيره وسلوكه الوظيفي كما وأنه بعد أن حصل الخلاف بينه وبين زميله المتهم الآخر خشي أن يبلغ هذا الزميل والظاهر أنه يعرف الكثير عن مسلكه في العمل فبادر هو ولا وجه أيضاً للتمسك بما وقع في أقوال بعض الشهود من خلاف غير جوهري في تحقيق النيابة عنه في التحقيق الإداري أو أمام مجلس التأديب والمحكمة التأديبية، ذلك أن المحكمة إنما تستمد الدليل من الواقعة التي تطمئن إليها فلها أن تأخذ بأي من أقوال الشهود الثابتة في المحضرين حتى ولو خالفت الأقوال التي أدلوا بها أمامها والعكس جائز كما وأن لها ألا تأخذ بها إطلاقاً إذا ما تبين لها من ظروف الحال عدم اطمئنانها إلى هذه الأقوال..... وأما عن تقدير العقوبة فهو أيضاً من سلطة المحكمة التأديبية ما دامت تتلاءم والذنب الإداري ويبين من الأوراق ومما أوردته المحكمة المذكورة تبريراً للعقوبة التي ارتأت توقيعها على هذا المتهم أنها لم تخرج عن النطاق الواجب قانوناً بما يتلاءم والذنب الإداري الذي اقترفه بل أنها كانت به رحيمة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعى عليه بالمصروفات.
ساحة النقاش